فضيلة العلامة حمود بن عبد الله التويجري
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد : فقد رأيت في جريدة " الرياض " - في الصفحة الرابعة من العدد 3408 الصادر في يوم الأربعاء 8 شعبان 1396 ه - تحت عنوان : " مجنون يحكي وعاقل يفهم " ! وقد سمى الكاتب نفسه : إبراهيم ولم يزد على ذلك . رأيت فيه ما نصه : ( أم ترى فرنجية يمسك بعصا موسى السحرية ) . انتهى المقصود من كلامه .
وأحب أن أنبه الكاتب خاصة وغيره من قراء الجريدة عامة إلى أن عصا موسى ليست بسحرية ، وإنما هي آية من آيات الله الكبرى ، وبرهان من الله تعالى على صدق نبيه موسى - عليه الصلاة والسلام - قال الله تعالى في سورة طه : ( وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى . قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى . قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى . فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى . قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى . وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى . لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى ) . [ طه : 17 - 23 ] .
وقال تعالى في سورة النازعات : ( فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى . فَكَذَّبَ وَعَصَى ) . [ النازعات : 20 - 21 ] .
وقال تعالى في سورة النمل : ( وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ . إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ . وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ) . [ النمل : 10 - 12 ] .
وقال تعالى في سورة القصص : ( وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ . اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ) . [ القصص : 31 - 32 ] .
فالله تبارك وتعالى جعل عصا موسى حية عظيمة تسعى حين ألقاها موسى من يده . ثم أعادها الله تبارك وتعالى إلى حالتها الأولى عصا حين أخذها موسى في يده والله على كل شيء قدير .
وقد قال الله تعالى : ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) . [ يس : 82 ] .
وليست عصا موسى من قبيل السحر . والقول بأنها سحرية هو قول فرعون وملئه .
قال الله تعالى في سورة الشعراء حاكيًا قصة موسى معهم : ( قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ . قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ . فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ . وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ . قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ . يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ) . [ الشعراء : 30 - 35 ] .
وقال تعالى في سورة الأعراف : ( قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ . فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ . وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ . قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ . يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ) . [ الأعراف : 106 - 110 ] .
وقال تعالى في سورة النمل : ( فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ . وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ) . [ النمل : 13 - 14 ] .
وقال تعالى في سورة يونس : ( فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ . قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ) . [ يونس : 76 - 77 ] .
وقال تعالى في سورة طه : ( قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى . فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ ... ) الآية . [ طه : 57 - 58 ] .
وقال تعالى في سورة القصص : ( فَلَمَّا جَاءَهُم مُّوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ ) . [ القصص : 36 ] .
وقال تعالى في سورة الأعراف : ( وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ) . [ الأعراف : 132 ] .
والقول بأن عصا موسى سحرية كفر بإجماع أهل العلم لما فيه من تكذيب ما أخبر الله به عنها في سورة طه أنها صارت حية تسعى . وما أخبر به عنها في سورة الأعراف والشعراء أنها صارت ثعبانًا مبينًا .
قال القاضي عياض في كتابه " الشفاء " : ( اعلم أن من استخف بالقرآن والمصحف ، أو بشيء منه ، أو سبهما ، أو جحده ، أو حرفا منه ، أو آية ، أو كذب به ، أو بشيء مما صرح به فيه من حكم ، أو خبر ، أو أثبت ما نفاه ، أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك أو شك في شيء من ذلك ؛ فهو كافر عند أهل العلم بإجماع ) . انتهى .
فقد صرح بتكفير من كذب بشيء مما صرح به في القرآن من حكم ، أو خبر ، أو أثبت ما نفاه ، أو نفى ما أثبته ، أو شك في شيء من ذلك ، وأن ذلك إجماع أهل العلم .
فلينتبه الكاتب وغيره لما ذكره القاضي عياض لئلا يقع أحد منهم في الكفر وهو لا يشعر .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
مجلة الجامعة الإسلامية : [ العدد 37 ]