سماحة الإمام الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز : الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين . أما بعد : فالمقصود أن نعلم أن الجهاد هو أفضل الأعمال المتطوع بها ، وهو فرض على المسلمين فرض كفاية مكتوب عليهم إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين ، وأن الواجب على الدول الإسلامية وعلى المسلمين جميعًا أن يجاهدوا بأنفسهم وبأموالهم وبألسنتهم ، وأن يتقوا الله في ذلك ، وأن يرحموا عباد الله ويجتمعوا على الحق والهدى ، وأن يتركوا أسباب الذل والهوان ، ويوحدوا كلمتهم وصفوفهم ضد الباطل وأهل الباطل ، هذا هو الواجب عليهم ، ونسأل الله أن يهديهم ويوفقهم لذلك وأن يصلح أحوال المسلمين ، وأن يمدهم بفضله وإحسانه وحوله وتوفيقه ، ويبصرهم بدينهم ويفقههم فيه ، وأن يعينهم على جهاد أعداء الله صدقًا في قلوبهم وصدقًا في أعمالهم ، وأن يعيذنا وإياهم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا .
لا بد أن نفكر في هذا الأمر بجد وإخلاص وصدق ليعرفوا عدل الإسلام ويعرفوا إحسان الإسلام وفضل الجهاد ، وأنه سواء قاتل مدافعًا أو قاتل بادئًا فهو في الأمرين محسن ليس بمسيء ولا ظالم .
الإسلام في جهاده ابتداءً للدعوة والإخراج من الظلمات إلى النور ، والإحسان إلى الناس ، ولإنقاذ النساء والذرية والشيوخ والعباد الجهال ؛ لإخراجهم من الظلمات إلى النور ، إلى الإسلام والعدل والنور ، لا شك أنه دين الحق ودين الهدى ، وهو دين الإحسان ، وهو دين القوة ، وهو دين السلام لا دين سفك الدماء ولا دين الظلم والعدوان ، وإنما يأتي سفك الدماء عند الحاجة وعند الضرورة وإلا فهو يبدأ بالدعوة ، يرشد الناس ويؤلفهم ويقيم عليهم الحجة ولا يقاتلهم إلا عند الامتناع والتعذر ، وعند عدم قبول الحق وعدم إعطاء الجزية من أهلها ، فحينئذ المسلمون مضطرون إلى أن يجاهدوا ؛ لحماية حوزتهم ولتكثير سوداهم ، ولإخراج الناس من الظلمات إلى النور ، ولتنفيذ أمر الله وتنفيذ أمر رسول الله - عليه الصلاة والسلام - ، وللرحمة والإحسان إلى الضعفاء والمساكين من النساء والأطفال الذين إن عاشوا بين أحضان الكفرة عاشوا بين الكفر والضلال وصاروا إلى النار بعد ذلك .
وقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الجهاد ذروة سنام الإسلام ، فقال : ( رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ) . فما قيمة بعير قد ذهب سنامه ، فالإسلام بدون جهاد قد ذهب سنامه ، وذهبت قوته ، وبقي ضعيفًا ذليلاً بين الناس فلا بد من قيام الجهاد حتى ترفع راية الإسلام وحتى يقوم أولياؤه وأهله بالجهاد الصادق في سبيل الله - عز وجل - ، وبالدعوة والجهاد الصادق لأنفسهم وغيرهم ، يبدؤون بأنفسهم ويجاهدونها لله حتى يتركوا محارم الله ، وحتى يستقيموا على فرائض الله ، وحتى يقفوا عند حدود الله صدقًا من قلوبهم وأعمالهم .
هكذا المؤمنون يبدؤون بأنفسهم ، فإن الذنوب شرٌ على الإنسان ، الذنوب جندٌ عليك مع عدوك ومن أسباب هزيمتك أمام عدوك ، فلابد من أن تبدأ - أيها المسلم - بجهاد نفسك ، وأن تجاهدها لله حتى تستقيم على الصراط المستقيم ، وتدع محارم الله ، وتكون صالحًا للتقدم بين يدي الله للجهاد في سبيله والدعوة إلى سبيله .
رزق الله الجميع التوفيق والهداية ، وأعاذنا وإياكم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، ومنَّ على المسلمين في كل مكان بالاستقامة والهداية ، والجهاد بالنفس الجهاد الصادق ، والجهاد للأعداء جهادًا صادقًا بإخلاص لله ورغبة فيما عنده - سبحانه - ، كما نسأله - سبحانه - أن ينصر المجاهدين المسلمين في كل مكان ، وأن يجمع كلمتهم على الحق ، وأن يرزقهم الإخلاص والفقه في دينه ، وأن يعيذهم من مكائد أعدائهم ، وأن يهزم ويذل أعداءهم وينصرهم عليهم ، وأن يجعلنا وإياكم من أنصار دينه والدعاة إلى سبيله على بصيرة ؛ إنه جواد كريم ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد ، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين .