ماء زمزم لما شرب له
إبن ماجه
يروى عن جابر رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "ماء زمزم لما شرب له" ويضيف ابن عباس رضي الله عنهما في روايته الحديث :ماء زمزم لما شرب له ، إن شربته تشتفى به شفاك الله ، وإن شربته لقطع ظمئك قطعه الله ، وهي هزمة جبريل وسقيا الله إسماعيل - رواه ابن ماجة في سننه ، كتاب المناسك ، حديث 3053
حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم قال :قال عبد الله بان المؤمل انه سمع ابا الزبير يقول : سمعت جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ماء زمزم لما شرب له
كذلك روي عن هذا النبي الخاتم صلى الله عليه و سلم عدد غير قليل من الأحاديث في ماء زمزم ، وفضله ، ووصف بئره التي قال فيها صلى الله عليه و سلم بأنها هزمة جبرائيل ، وسقيا الله لإسماعيل
وبئر زمزم فجرها جبريل عليه السلام بأمر من الله تعالى تكريماً لأم إسماعيل ورضيعها اللذين تركهما نبي الله إبراهيم عليه السلام بواد غير ذي زرع عند بيت الله المحرم ، وعندما هما بالانصراف فزعت هذه السيدة الصالحة من قفر المكان ، وخلوه من الماء والنبت والسكان ، فجرت وراء زوجها تسائله : إلي من تكلنا ؟ إلي من تتركنا في هذا المكان القفر ؟ قال إلى الله عز وجل ، قالت : قد رضيت بالله عز وجل ، ثم سالته بثقتها فيه ، ويقينها بأنه نبي مرسل: آلله امرك بهذا ؟ فأجاب بنعم واستمر في سيرة ، حتي غاب عن زوجه وولده فاستقبل بوجهه البيت ودعا الله لهما بالأنس والرزق والستر
وقفلت أم اسماعيل راجعة وهي تقول :إذا فلن يضيعنا ،ورداً علي هذا الإيمان العميق بالله واليقين الصادق بقدرته ورحمته ، ومعيته اكرمها ربنا تبارك وتعالى بتفجير هذه البئر المباركة بغير حول منها ولا قوة
وخروج بئر وسط صخور نارية ومتحولة شديدة التبلور، ومصمطة ، ولا مسامية فيها ، ولا نفاذية لها في العادة ، أمر ملفت للنظر، والذي هو أكبر من ذلك وأكثر أن تظل هذه البئر تتدفق بالماء الزلال على مدى أكثر من ثلاثة الاف سنة على الرغم من طمرها وحفرها عدة مرات علي فترات
ويبلغ معدل تدفقها اليوم ما بين 11 ، 18.5 لتراً في الثانية فهي بئر مباركة ، فجرت بمعجزة كرامة لسيدنا إبراهيم، وزوجه ،وولده عليهم جميعا من الله السلام ولم يعرف مصدر المياه المتدفقة إلى بئر زمزم إلا بعد حفر الأنفاق حول مكة المكرمة وفي جميع الأتجاهات من حولها ، وهذا يؤكد قول المصطفي صلى الله عليه و سلم بأنها نتجت عن طرقة شديدة وصفها بقول الشريف: هي : هزمة جبريل ، وسقيا الله إسماعيل، والهزمة في اللغة الطرقة الشديد
وبئر زمزم هي إحدي المعجزات المادية الملموسة الدالة على كرامة المكان ،وعلى مكانة كل من سيدنا إبراهيم وولده سيدنا إسماعيل وأمه الصديقة هاجر عند رب العالمين ، وسيدنا إبراهيم عليه السلام وهو خليل الرحمن وأبو الأنبياء الذي أعاد حفر بئر زمزم، وسيدنا إسماعيل هو الذبيح المفتدى بفضل من الله تعالى والذي عاون أباه في رفع قواعد الكعبة :المشرفة وأنطلاقاً من كرامة المكان ، وعميق إيمان المكرمين فيه ، كان شرف ماء زمزم الذي وصفه المصطفي صلى الله عليه و سلم بقوله : ماء زمزم لما شرب له و بقوله : خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم ،فيه طعام طعم وشفاء سقم
ويروي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تبارك وتعالى عنها أنها كانت تحمل من ماء زمزم كلما زارت مكة المكرمة ، وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يحمل منه كذلك ليسقي المرضى ، ويصب على أجزاء أجسادهم المصابة فيشفون وتشفى أجسادهم بإذن الله
ولقد جاء في كتاب ( فيض القدير ) في شرح حديث المصطفى صلى الله عليه و سلم الذي يقول فيه: ( ماء زمزم لما شرب له ) ما نصه : وأما قوله ( لما شرب له ) فلأنه سقيا الله وغياثه لولد خليله ، فبقي غياثا لمن بعده ، فمن شربه بإخلاص وجد ذلك الغوث ، وقد شربه جمع من العلماء لمطالب فنالوها
وذكر ابن القيم (رحمه الله) في كتابه ( زاد المعاد ) : "وقد جربت أنا وغيري من الاستشفاء بما زمزم أمورا عجيبة ، واستشفيت به من عدة أمراض فبرئت بإذن الله ، وشاهدت من يتغذى به الأيام ذاوات العدد قريباً من نصف الشهر أو أكثر ، ولا يجد جوعاً وذلك تصديق لوصف المصطفي صلى الله عليه و سلم لهذا الماء المبارك بقوله : فيه طعام طعم وشفاء سقم
وذكر الشوكاني (رحمه الله) في كتابة ( نيل الأوطار ) مانصه: " قوله ( ماء زمزم لما شرب له ) في دليل على ان ماء زمزم ينفع الشارب لأي أمر شربه لاجله ، سواء كان في أمور الدنيا أو الاخرة لأن ( ما ) في قوله ( لما شرب له ) من صيغ العموم ، وقد دونت في زماننا أحداث كثيرة برئ فيها أعداد من المرضى بأمراض مستعصية بمداومتهم على الأرتواء من ماء زمزم
وقد أثبتت الدراسات العلمية التي أجريت على ماء بئر زمزم أنه ماء متميز فى صفاته الطبيعية و الكيميائية ، فهى ماء غازي عسر ، غنى بالعناصر و المركبات الكيميائية النافعة التى تقدر بحوالى (2000) ملليجرام بكل لتر ، بينما لا تزيد نسبة الأملاح فى مياه آبار مكة وآبار الأودية المجاورة لها عن 260 ملليجرام بكل لتر ، مما يوحى ببعد مصادرها عن المصادر المائية حول مكة المكرمة ، وبتميزها عنها فى محتواها الكيميائى وصفاتها الطبيعية
والعناصر الكيميائية النافعة فى ماء زمزم يمكن تقسيمها إلى أيونات موجبة وهي بحسب وفرتها تشمل :ايونات كل من الصوديوم ( حوالي 250 ملليجرام / لتر )، والكالسيوم ( حوالي 200 ملليجرام / لتر ) والبوتاسيوم ( حوالي 120 ملليجرام / لتر) والمغنسيوم ( حوالي 50 ملليجرام / لتر ) ، وايونات سالبة وتشمل أيونات كل من الكبريتات ( حوالي 372 ملليجرام / لتر ) ، والبيكروبونات ( حوالي 366 ملليجرام / لتر ) والنترات ( حوالي 273 ملليجرام / لتر ) ، والفوسفات ( حوالي 0.25 مليجرام / لتر )، والنشادر ( حوالي 6 ملليجرام / لتر)
وكل مركب من هذا المركبات الكيميائية له دوره المهم في النشاط الحيوي لخلايا جسم الإنسان ، وفي تعويض الناقص منها في داخل تلك الخلايا ، ومن الثابت أن هناك علاقة وطيدة بين إختلال التركيب الكيميائي لجسم الإنسان والعديد من الأمراض ومن المعروف أن المياه المعدنية الصالحة وغير الصالحة للشرب قد استعملت منذ قرون عديدة في الإستشفاء من عدد من الأمراض من مثل أمراض الروماتيزم ، ودورها في ذلك هو في الغالب دور تنشيطي للدورة الدموية ، أو دور تعويضي لنقص بعض العناصر في جسم المريض
والمياه المعدنية الصالحة للشرب ثبت دورها في علاج أعداد غير قليلة من الأمراض من مثل حموضة المعدة ، عسر الهضم ، أمراض شرايين القلب التاجية ( الذبحة الصدرية أو جلطة الشريان التاجي)، وغيرها، أما المياه المعدنية غير الصالحة للشرب فتفيد في علاج العديد من الأمراض الجلدية ، والروماتيزمية، والتهاب العضلات والمفاصل ويرها
فسبحان الذي أمر بشق بئر زمزم فكانت هذه البئر المباركة ، وسبحان الذي أمر الماء بالتدفق اليها عبر شقوق شعرية دقيقة، تتحرك إلى البئر من مسافات طويلة ، وسبحان الذي علم خاتم أنبيائه ورسله بحقيقة ذلك كله ، فصاغه في عدد من أحاديثه الشريفة التي بقيت شاهدة له صلى الله عليه و سلم بالنبوة وبالرسالة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
الإعجاز العلمى في السنة النبوية للدكتور : زغلول النجار-أستاذ علم الأرض و زميل الأكاديمية الإسلامية للعلوم
جزاه الله و علماء المسلمين جميعا خيراً و رزقه صحبة نبيه في الجنة