هي مملكة قديمة امتدت من شواطيء البحر الاحمروالحبشة وضمت جنوب جزيرة العرب حيث تقع اليمن في أيامنا هذه واستمرت حتى استيلاء الدولة الحميرية عليها في اواخر القرن الثالث بعد الميلاد، بدأت المملكة بالازدهار حوالي القرن الثامن ق.م.
اشتهرت سبأ بغناها وقد تاجرت بالعطور و الدرر و البخور واللبان . وقد ذكر إنتاجها للعطور في عدة مصادر مثل العهد القديم . وقد ذكرت سبأ في القرآن الكريم, كما تحمل إحدى سوره اسمها وذلك لكثرة القصص عنها، وأشهرها قصة بلقيس بالنبي سليمان عليه السلام، وقصة السد العظيم وسيل العرم . و لم يرتبط تاريخ اليمن السحيق باسم مملكة من الممالك القديمة مثلما ارتبط باسم سبأ التي ورد ذكرها في الكتب السماوية، وحيكت حولها الأساطير، والحكايات والقصص، لتتبدى من خلال الكم المتراكم عبر القرون من الصور والتداعيات والأخيلة العالقة في الوجدان الشعبي وأعمال العديد من الفنانين رمزا تتزاوج فيه معالم الجمال الفاتن، والرخاء العميم، والثروة الوفيرة والقوة المنيعة....نشأت مملكة سبأ قبل القرن العاشر ق.م وكانت عاصمتها مدينة مأرب، وقد تمكن ملوكها حوالي منتصف القرن الثامن ق.م من بناء السد المشهور بسد مأرب ومن إنشاء علاقات تجارية مع شواطئ أفريقيا ومع بلدان بعيدة مثل الهند وبلاد اليونان، كما استوطن السبأيون مناطق في أفريقيا وانشؤوا فيها ممكلة خاضعة لهم عرفت باسم ..مملكة الأكسوم..بقي تاريخ نشوء حضارة سبأ موضع خلاف حتى الآن، فالسبئيون لم يشرعوا بكتابة تقاريرهم الحكومية حتى سنة 600 قبل الميلاد، لذلك لا يوجد أي سجلات سابقة لهذا التاريخ، ويعتقد أن السبأيون قدأسسوا مجتمعهم ما بين 1100-1000 قبل الميلاد، وانهارت حضارتهم حوالي 550 بعد الميلاد، بسبب الهجمات التي دامت قرنين والتي كانوا يتعرضون لها من جانب الفرس والدولة الحميرية.
يعود أقدم المصادر التي تشير إلى قوم سبأ إلى سجلات الملك سيرجون الثاني الآشوري الحربية (722-705 قبل الميلاد)، في تلك السجلات يشير الملك الآشوري في سجلاته التي دون فيها الأمم التي كانت تدفع له الضرائب إلى ملك سبأ "إيت عمارا". هذا أقدم مصدر يشير إلى الحضارة السَّبئية، إلا أنه ليس من الصواب أن نستنتج أن هذه الحضارة قد تم إنشاؤها حوالي 700 قبل الميلاد فقط اعتماداً على هذا المصدر الوحيد، لأن احتمال تشكل هذه الحضارة قبل ذلك وارد جداً، وهذا يعني أن تاريخ سبأ قد يسبق هذا التاريخ. ورد في نقوش أراد نانار، أحد ملوك مدينة أور المتأخرىن، كلمة "سابوم" والتي تعني "مدينة سبأ" ، وإذا صح تفسير هذه الكلمة على أنها مدينة سبأ، فهذا يعني أن تاريخها يعود إلى 2500 قبل الميلاد.
يقول "روبان " أن أقدم الشواهد على وجود هذه المملكة تعود إلى بدايات حضارة جنوب الجزيرة العربية، ففي أقدم النصوص المكتشفة في اليمن التي تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد، نجد اسم ..سبأ.. في صفات الملوك المعروفين بـ" مكرب سبأ"، وهي النصوص الأولى التي تتميز بقصرها، والمنحوتة على الحجر تخلد الانتهاء من أعمال التشييد بتقديم الأواني الطقسية كقرابين، وكانت مملكة سبأ آنئذ ثيوقراطية " دينية " تقوم على العبادة الجماعية لبعض الآلهة.يشير الدكتور "كريستيان روبان " عالم الآثار الألماني إلى أن كل الدلائل والشواهد الأثرية تؤكد أن السبئيين اتخذوا من منطقة مأرب عاصمة لمملكتهم وانحصار أراضي سبأ في الأصل بمنطقة مأرب، إلا أنها توسعت في عهد الملك المشهور كرب ايلحواني عام" 700- 680" قبل الميلاد لتشمل كل المناطق الغربية من اليمن، ثم انحصرت فيما بعد في منطقتي مأرب وصنعاء العاصمة السبئية الثانية والتي أنشأت حوالي القرن الأول الميلادي".كان الجيش السبئي من أقوى جيوش ذلك الزمان، وقد ضمن لحكامه امتداداً توسعياً جيداً، فقد اجتاحت سبأ منطقة القتبيين، وتمكنت من السيطرة على عدة مناطق في القارة الإفريقية، وفي عام 24 قبل الميلاد وأثناء إحدى الحملات على المغرب، هزم الجيش السبئي جيش ماركوس ايليون غاركوس الروماني الذي كان يحكم مصر كجزء من الإمبراطورية الرومانية التي كانت أعظم قوة في ذلك الزمن دون منازع، يمكن تصوير سبأ على أنها كانت بلاداً معتدلة سياسياً، إلا أنها ما كانت لتتأخر في استخدام القوة عند الضرورة.. لقد كانت سبأ بجيشها وحضارتها المتقدمة من " القوى العظيمة" في ذلك الزمان.ولقد ورد في القرآن ذكر سبأ قال تعالى (لَقَد كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسكَنِهِم آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزقِ رَبِّكُم وَاشكُرُوا لَهُ بَلدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ') سورة سبأ الأية 15 ...وذكر جيش سبأ القوي، وتظهر ثقة هذا الجيش بنفسه من خلال كلام قواد الجيش السبئي مع ملكتهم كما ورد في سورة النمل: (قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَإذَا تَأْمُرِينَ) (النمل: 33).كانت مأرب هي عاصمة سبأ، وكانت غنية جداً، والفضل يعود إلى موقعها الجغرافي، كانت العاصمة قريبة جداً من نهر الدهنا الذي كانت نقطة التقائه مع جبل بلق مناسبة جداً لبناء سد، استغل السبئيون هذه الميزة وبنوا سداً في تلك المنطقة حيث نشأتحضارتهم، وبدؤوا يمارسون الري والزراعة، وهكذا وصلوا إلى مستوى عال جداً من الازدهار. لقد كانت مأرب العاصمة من أكثر المناطق ازدهاراً في ذلك الزمن. هذا بعض من المعلومات الكثيرة عن هذه المملكة القديمة والرائعة ..وربما الغامضة حتى يومنا هذا ... ولكم تحياتي