19مارس1962م
المقدمة:
لقد قامت الثورة الجزائرية المسلحة 1954م في عهد الجمهورية الفرنسية الرابعة و التي تميزت سياستها تجاه حركات التحرر بالغطرسة و المغالبة و العناد و جنون العظمة ،جاهلة أو متجاهلة المستجدات الكبيرة التي حفل بها العالم الجديد بفعل الحرب العالمية الثانية و تدهور مكانة فرنسا الدولية و قواتها و تهميشها و تقربها من حلفائها ،الذين أبعدوها في مؤتمر يالطا (45-11-04) كما كانت مدينة في تحريرها من بطش النازية للجيش لأمريكي و البريطاني بقيادة الجينيرال (دوانت إزنهاور) الأمريكي حتى سميت فرنسا الدولة النصف المنتصر في الحرب و أن الثورة الجزائرية في الأول من نوفمبر 1954 لم تتغير طبيعة السياسة الاستعمارية الفرنسية و التي ظلت رهينة الأساطير و الأوهام و الأطماع ووصلت قواتها العسكرية بالجزائر إلى 400 ألف جندي سنة 1956م . و لقد توالت النكسات الاستعمارية الفرنسية عسكريا و سياسيا و تعاقبت الأزمات و الانقسامات الداخلية بفرنسا و تأكدت محدودية سياسة القوة العسكرية بقمع الثورة الجزائرية و ظهرت أصوات تنادي بالتعقل و الحكمة و التفاوض مع جبهة التحرير الوطني و اختيار الحل السلمي حفاظا على المصالح الفرنسية بالجزائر و التخلي على الأساطير و الأطماع الجنونية التي تجاوزها الزمن و منطق العصر و تصاعد حركات التحرر ضد الاستعمار في كل مكان . دامت الثورة التحررية سبع سنوات و نصف استعمال الاستعمار خلالها مختلف الأساليب الجهنمية ضد الجزائريين, من تشريد و حصار و تعذيب و تقتيل للقضاء على الثورة ،غير أن صمود الجزائريين و ما قدموه من التضحيات الجسام أفشل جميع خطط الاستعمار
و أجبرته على التفاوض و الاعتراف بالاستقلال ،فانتصر الشعب الجزائري
كيف كان هذا الانتصار؟
1- فشل الحل العسكري للفرنسيين.
ما إن تسلم الجينيرال" ديغول "لأول مرة في جوان 1958م كرئيس حكومة حتى جاهر الاستعمار بنواياه العدوانية ضد الثورة الجزائرية مبينا أطروحة المعمرين و أسطورة الجزائر الفرنسية و مراهنته من جديد كمن سبقوه ،ومارس سياسة الإصلاح السياسي و الاقتصادي رغم ذلك فلم تكن سياسته سياسة حرة و تحررية وواقعية ’بل ظل مدة عامين رهين أطروحات المعمرين الحالمين بجزائر فرنسية بمنطق القوة وراهن لحين على هذه القوة العسكرية الكبرى و أمام تهديد مكانته و مصير و مصالح فرنسا أكثر و باستمرار الحرب
الجزائرية الطويلة و الفاشلة و المكلفة لفرنسا على مختلف الأصعدة
2- سير المفاوضات و مراحلها (1962-1956) .
رغم استعمال فرنسا جميع الوسائل لإخماد الثورة إلا أنها لم تتمكن من ذلك ،بل رضخت للتفاوض . يمكن تقسيم المفاوضات إلى نوعين
أ- مفاوضات سرية أولية لجس النابض و كانت كالتالي
- لقاء الجزائر أفريل 1956 - لقاء القاهرة بين محمد خيثر و قروس - لقاء بلغراد (عاصمة يوغسلافية يوم 21/07/56) - لقاء روما 1سبتمبر 1956 بين احمد يزيد و محمد خيثر عبد الرحمان كيوان مع بياركومين . و هذه اللقاءات كلها عبارة عن مناورات من طرف فرنسا لمعرفة الثورة و قرارتها.
ب-مفاوضات فعلية في الجمهورية الفرنسية الخامسة
بدأت سنة 1960م جرت محادثات في مولان بين محمد بين يحي و أحمد بو منجل و ممثلي الحكومة الفرنسية وقد فشل اللقاء لتمسك فرنسا بالحل العسكري فكان مجرد جس للنبض 20فيفري 1961م جرت المحادثات في لوساون بين الطيب بالحروف ،أحمد بو منجـل و بومبيدو ،إلا نها فشلت بسب رغبة في فصل الصحراء و تجزأة الجزائر عرقيا.... .... - 20ماي - 13 جوان 1961م جرت محادثات بمدينة إيفيان الفرنسية (سميت محادثات إيفيان الأولى) بين كريم بلقاسم و محمد الصديق بن يحي و أحمد فرسيس و غيرهم من أعضاء الوفد الجزائري و بين لوس جركس من الجانب الفرنسي حيث اعترفت خلالها فرنسا بأن السياسة الخارجية من صلاحيات الدولة الجزائرية لكنها بقيت متمسكة بالصحراء في حين أصر الوفد الجزائري على التمسك بالوحدة الترابية للجزائر . - أكتوبر – نوفمبر 1961 جرت عدة محادثات بال الأول و بال الثاني بين محمد بن يحي و رضا ملك و قد اعترضت هذه المحادثات صعوبات عديدة منها قضية الضمانات و المرافق العسكرية ،استغلال الثروات الصحراوية و وقف إطلاق النار ...إلخ
و قد حاولت فرنسا المراوغة باتخاذها عدة أساليب منها
أ- تطبيق فكرة الطاولة المستديرة
ب- إنشاء القوة الثالثة من الحركة و العملاء المتواطئين مع الاستعمار بغية الاقتتال و عرقـلة مسيريها
ج- التعاطي مع المنظمة الإرهابية و التي ظهرت في شهر فيفري 1960م و سميت بمنطقة الجيش السري ، حيث قامت باغتيال المناضلين ونسف الممتلكات بالمفجرات محاولة منها عرقلة المفاوضات و إفشال الإتفاقيات بين الحكومة المؤقتة و الدولة الفرنسية فهذه المناورات وغيرها دفعت الشعب الجزائري إلى تأكيد
تعلقه بجبهة جيش التحرير الوطني فاندلعت العديد من المظاهرات على النحو التالى .
- مظاهرات 11ديسمبر1960 - مظاهرات 5 جويلية 1961 - مظاهرات 1نوفمبر 1961 مظاهرات 17أكتوبر 1961 - 3.مفاوضات إيفيان الثانية . استؤنفت المحادثات من جديد بصفة رسمية يوم 7مارس 1962 بإيفيان بعد سلسلة من المحادثات الحاسمة و قد تمخضت إتفاقيات إيفيان على الإعتراف الفرنسي ب:
* سيادة الشعب الجزائري
* الوحدة الترابية للجزائر
* وحدة الأمة الجزائرية
* جبهة التحرير الوطني كممثل وحيد و شرعي للشعب الجزائري .
و هذا إلى جانب التعاون في مختلف المجالات الإقتصادية ، المالية ،الثقافية ،و الفنية ،و إلى جانب القضايا الفرنسية المعتمدة في الجزائر حقوق الكنيسة ....إلخ. و بذلك حققت الهدف الذي حدده بيان أول نوفمبر 1954م وهذا الهدف الذي ازداد تفصيلا ووضوحا خلال القتال و هي :
1) الإعتراف بوحدة الشعب الجزائري .
2) استقلال الجزائر و سيادتها .
3) الافراج على الأسرى و المعتقلين .
4) الإعتراف بجبهة التحرير الوطني لجعلها الممثل الوحيد للشعب الجزائري .
طاولة مفاوضات ايفيان الثانية:
4. توقيف القتال و الإستقلال 1962
بمقتضى إتفاقية إيفيان تم توقيف اطلاق النار كليا على جميع التراب الجزائري يوم 19 مارس 1962 و تمخض عن وقف القتال ردود فعل إجرامية إرهابية قامت بها منطقة الجيش السري الفرنسية . و لقد خاض الشعب الجزائري تحت لواء جبهة التحرير الوطني كفاحا مريرا لإسترجاع استقلاله و حريته ، و كان له ذلك بعد أن قدم الثمن غاليا يتمثل في قوافل من الشهداء مليون و نصف مليون شهيد و مئات الالاف من الأرامل و اليتامى و مئات الآلاف من المعتقلين و السجناء ، إلى جانب تدمير آلاف القرى و تخريب ممتلكات الجزائريين ،مما جعل الثورة التحررية تتصدر طليعة الثورات ضد الاستعمار في العالم.
الشعب الجزائري ينتصر
و لقد ضحى رجال و نساء و أطفال و شيوخ بأرواحهم من أجل استرجاع الجزائر حريتها و سيادتها و استقلالها فبفضل التضحيات التي قدمها هؤلاء الأبطال استرجعت الجزائر حريتها المغتصبة و توجد مقابر الشهداء عبر كل المدن و القرى .
هذا هو عيد النصر الذي يوافق 19مارس1962م
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار