إنشاء جامعة الدول العربية
يعتبر وزير خارجية إنجلترا 'إيدن' هو صاحب فكرة الجامعة العربية والمدبر الأول لقيامها، والموحي بها في عقول الساسة العرب وقتها، وذلك بعد سنوات طويلة من نشر الفكر القومي على صعيد الوطن العربي وبعد غياب الخلافة العثمانية ووقوع معظم البلاد العربية تحت الاحتلال، وجاء بيان وزير الخارجية في 29/5/1941م معلنًا تأييد حكومته لآمال الوحدة العربية واستعدادها لمعاونة العرب على ذلك، وقال فيه: 'إن كثيرين من مفكري العرب يرجون للشعوب العربية درجة من الوحدة أكبر مما هي عليه الآن، وحكومة صاحب الجلالة من ناحيتها ستؤيد كل التأييد أية خطة تلقى من العرب موافقة عامة'.
استقبل العرب والمسلمون هذا البيان بالفتور، مما دعا 'إيدن' لئن يصدر إعلانًا ثانيًا في فبراير 1943م يؤكد فيه مساعدة الدولة الإنجليزية لقيام الجامعة العربية، وهذا يؤكد على مدى الاستفادة الإنجليزية من قيام هذه الجامعة وهو ما كان جليًا عند أهل العلم والمخلصين، أن الاستفادة هي تمزيق العالم الإسلامي بشعارات جاهلية، ووضعه تحت السيطرة الكاملة، وقطع أواصر العقيدة في قلوب المسلمين بتحياد عقيدة الولاء والبراء من الواقع العملي للأمة المسلمة.
ونظرًا لوقوع مصر تحت الاحتلال الإنجليزي، ولقوة التيار التغريبي بها والذي عصف بأدمغة الكثيرين من أبنائها، فلقد أخذت مصر بزمام المبادرة، وألقى رئيس وزرائها 'مصطفى النحاس' بيانًا أمام مجلس الشيوخ المصري بعد شهر واحد من بيان 'إيدن' يعلن فيه دعوة الحكومات العربية لإنشاء جامعة الدول العربية.
بدأت مباحثات الوحدة العربية بصورة ثنائية بين رئيس الحكومة المصرية وبين رؤساء الحكومات العربية الأخرى في المشرق العربي وانتهت هذه المشاورات بإعلان بروتوكول الإسكندرية في 7 أكتوبر سنة 1944م، وجاء في بدايته ليوضح مدى ما ستؤول إليه هذه الجامعة من الضعف والهوان كما نراه الآن، وكان من بنوده ما يلي:
[1] قرارات مجلس الجامعة العربية ملزمة لمن يقبلها فقط 'أي من يعترض عليها لا تلزمه'.
[2] لا يجوز استخدام القوة لفض المنازعات بين دولتين من دول الجامعة 'وهو ما برر للكويت أن يستغيث بأمريكا لإنقاذها من العراق'.
[3] لا يجوز اتباع سياسة خارجية تضر بسياسة جامعة الدول العربية.
[4] الاعتراف بسيادة واستقلال الدول المنضمة إلى الجامعة بحدودها القائمة فعلاً وإلغاء فكرة الخلافة.
تم إدخال بعض التعديلات على بروتوكول الإسكندرية لاعتراض إنجلترا على بعض نقاطه التي تتعارض مع سياستها الاحتلالية خاصة بفلسطين، حيث كانت تمهد السبيل أمام اليهود لإعلان قيام دولتهم المشئومة، وتم إعلان قيام الجامعة العربية في 8 ربيع الآخر 1364هـ الموافق 22/3/1945م بعضوية سبع دول هي: [مصر، سوريا، لبنان، العراق، السعودية، شرق الأردن، اليمن]. ثم توالى الانضمام حتى وصل العدد 22 دولة.
واجهت الجامعة العربية أول اختبار عملي لها عند إعلان قيام دولة إسرائيل في 14/5/1948، وفشلت فيه فشلاً ذريعًا، حيث لم تستطع إنشاء قوة عسكرية موحدة لرد العدوان اليهودي وجاءت الهزيمة المروعة في حرب 48، وما زال مسلسل الإخفاقات يتوالى على هذه الجامعة التي أصبحت أشبه ما يكون بجامعة الضعف والذل والهوان، وغدت كائنًا خرافيًا أسطوريًا لا وجود له على الساحة ولا أثر، وذلك كله لأنها نشأت بفكرة صليبية ورعيت بأيدي صليبية وقامت بمساعدة صليبية، وهل يجلب العدو يومًا خيرًا إلى ضحيته.
وصدق العلي القدير عندما قال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة:55، 56].