الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة .. بين غموض الدلالة وخطورة التطبيقات
لا يختلف اثنان على معنى ودلالة وتوقيت وآثار الإنتفاضتين الفلسطينتين الأولى والثانية. فالأولى أصبحت ملحمة عالمية بكل معنى الكلمة رسخت في الضمير العالمي معنى كلمة الإنتفاضة، وحشدت الرأي العام العالمي مع مأساة الشعب الفلسطيني، بدأت عام 1987 وانتهت دون شهادة وفاة مؤرخة مع تطبيقات اتفاقية أوسلو المشؤومة. أما الثانية فهي التي بدأت عام 2000، وشهدت نقلة نوعية في إمكانيات وقدرات المقاومة الفلسطينية، وادت فيما ادت إليه إلى تنازلات صهيونية مهمة كان على رأسها الإنسحاب الصهيوني المذل من قطاع غزة تحت ضربات المقاومة.
أما "الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة" فلم يكن حظها كسابقتيها، فلا هي تملك معنى ودلالة محددتين ولا يستطيع أحد توقع المآلات والنتائج التي قد تسفر عنها. ف"الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة" كما تتداول الآن تحتمل معاني كثيرة وفضفاضة يحتملها اللفظ الجميل. البعض كان وما زال يدعو إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة على غرار سابقتيها في وجه الإحتلال، شعبية كانت أم عسكرية، تهدف إلى إعادة الروح المقاومة إلى منهج العمل الفلسطيني، والتأكيد على جدلية - متلازمة الإحتلال والمقاومة. ولا أعتقد أيضاً أن أحداً يمكن أن يعترض على هذا الشكل من الإنتفاضة غير قلة الوسائل وضيق الفرص.
أما المعنى الثاني فهو دعوة تبلورت بل وربما نضجت مع الثورات العربية المجيدة في عدد من الدول، فبدأت تظهر على صفحات الشبكة العنكبوتية دعوات لمسيرات شعبية من اللاجئين الفلسطينيين نحو الحدود من مختلف الدول، إضافة إلى مظاهرات حاشدة اما سفارات الكيان في كل دول العالم، تأكيداً على عدم نسيانهم وطنهم الأمة ورفضهم لمخططات التوطين والتهجير وتأكيدهم على حقهم في العودة لديارهم التي هجروا منها. الخطة كما دعا إليها ناشطون مختلفون على الإنترنت تتضمن مسيرات متزامنة وربما اعتصام لعدة أيام مع الحرص على تغطية إعلامية مواكبة للحدث. الدعوة ضمن هذا المخطط قد لاتجد الكثير من الملاحظات والإنتقادات، اللهم إلى النصائح بأهمية التركيز والتنسيق بين مختلف المجموعات بل والدول.
أما الصيغة الثالثة التي تعبر عن نفسها أيضاً بنفس الإسم، "الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة" فهي أشدها خطورة وتعبيراً –عذراً- عن ضحالة التفكير السياسي وفهم الواقع وموازنة الامور. فهي تدعو – فيما رأينا من خطتها على الإنترنت – إلى "اختراق" الحدود بشكل متزامن، على اعتبار أن ذلك سيربك العدو الصهيوني وسيؤدي ذلك إلى تخبطه. وعندما يناقش أصحاب هذا الرأي والدعوة في تفاصيل الخطة وبعدها عن الواقعية والفاعلية، يجيب بعضهم بأن الثورات العربية لم تكن تماماً محسوبة في كل خطواتها وإنما هي النية من الشباب والتوفيق من الله، بل ويذهب بعضهم إلى اتهام من يعترض على هذه الرؤية بالتثبيط وربما الجبن. ورغم أن الخطة فيها ما فيها من سطحية التفكير وعشوائية الخطوات (مثل جمع المصريين يوم الجمعة في ميدان التحرير في القاهرة ويوم السبت على الحدود مع فلسطين، ومثل ذلك في الدول العربية الأخرى، إضافة إلى الجهل بفروق التوقيت بين مختلف الدول المعنية بالتحرك وأهمها الولايات المتحدة)، إلا أن الحماس الزائد للشباب والجرعات المعنوية التي تنتج عن النجاحات الثورية العربية المتكررة قد يؤديان إلى خطوات غير محسوبة، قد يواجهها الكيان الصهيوني بإرهاب وعنف وقتل، مما يجر المنطقة إلى حرب غير مستعد لها ولا مخطط، في ظل أوضاع غير مستقرة في البلدان العربية وعلى رأسها مصر.
هذا الغموض وتعدد المعاني الذي يحمله نفس اللفظ أدى إلى تشوش عدد كبير من الشباب، وتشتت بل وربما تعارض بعض الجهود، إضافة إلى حمل كلمات بعض العلماء والسياسيين وأصحاب الرأي على غير محملها، إذ شجع ومدح ودعا معظمهم إلى المشاركة في "الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة".
يبقى أن نقول أن الواجب الاكبر والتأثير الأبرز يجب أن يقع على كاهل أهلنا في غزة والضفة وأراضي ال48، حيث سيشكلون مع المسيرات المزمع تنظيمها صورة كاملة للشعب الفلسطيني الرافض للتنازل عن حقوقه وثوابته، بينما ستشكل عدم مشاركتهم إن حصلت – لا قدر الله – صدمة كبرى تقلل من اهمية الإنجاز.
ذكرى النكبة المتزامن هذا العام مع مسيرات العودة وأسطول الحرية الثاني لكسر الحصار عن غزة تاريخ مهم، ومسيرات العودة بحد ذاتها حدث مفصلي، يستلهم الشباب فيه أهمية العمل المشترك مضيفين لأنفسهم جرعات من الثقة بالنفس قد تبني على هذا العمل المبارك خطوات إضافية أخرى، ربما وصولاً إلى حدث أبرز وأكبر مع الوقت أو في الذكرى القادمة للنكبة. لذلك ينبغي التعقل – لا الجبن – والتريث والتبصر بالواقع والحقائق قبل إطلاق الدعوات والترويج لها، لنضيف إنجازاً يكون حافزاً للمزيد، بدل أن نجني ندماً يحبط ويثبط الهمم.
د. سعيد وليد الحاج