كمال أبو سنة
شخصية الإمام عبد الحميد بن باديس، مؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ورئيسها الأول، ورائد النهضة الجزائرية المعاصرة، شغلت الكثير من الباحثين، فدرسوا جوانب متعددة منها لشموليتها، وقوة تأثيرها في مرحلة تاريخية صعبة مرت في حياة الجزائر التي عانت من أصعب استعمار استيطاني عرفه العالم الإسلامي في العصر الحديث..
لقد تمكن الإمام المرحوم عبد الحميد بن باديس أن يزرع بذور الأمل الأولى في الجزائر رغم عظمة التحديات التي واجهته، فأعد أرضية التغيير والإصلاح وجهزها فأحسن تجهيزها، وقام بصناعة الحياة في أرض ملأها المستعمر الصليبي الحاقد بأسباب الموت والفناء، راميا في سيره ومسيرته إلى هدف أسمى من خلال إعداد جيل النصر المنشود، وأسود الوغى في ميادين الجهاد لتحرير البلاد والعباد، من ربقة الاستعباد...
ولكن بين الفينة والأخرى نسمع حديثا عن وفاة ابن باديس وما أحاط بها من غموض أو أقوال متضاربة، بحيث يذهب بعض من عاصروه إلى أن وفاته لم تكن طبيعية بسبب مرض ألم به، وإنما اغتيل بتسميمه، وقد قرأتُ من سنوات تصريحا لفضيلة الشيخ الباحث المؤرخ زهير الزاهري أكد فيه أن الإمام عبد الحميد بن باديس قُتل، وذكر – إن لم تخني الذاكرة – أنه يعرف الجهة التي قتلته..!
لقد سألتُ بعض مَن أعرفُ من تلاميذ الإمام ابن باديس، وأعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين القدامى، عن هذه المسألة، فأظهر بعضهم جهلهم لهذا الأمر، كما أنكر بعضهم الآخر واستبعد فكرة اغتيال الشيخ عبد الحميد بن باديس...
إن مسألة اغتيال الإمام عبد الحميد بن باديس غير مستبعدة، كما أن تأكيدها غير وارد لعدم توفر الأدلة القاطعة على ذلك، لكنني أظن أن أمر البحث في هذه المسألة مهم لأن هناك بعض القرائن توحي إلى إمكان حدوث عملية الاغتيال بالسّم "المتطور"، ولو أمكن البحث الجيد في تقارير المخابرات الفرنسية الموجودة في الأرشيف السري لتلك الفترة لظهرت خيوط حل هذه المسألة، خاصة وأن الإمام المرحوم عبد الحميد بن باديس كان اسمه موضوعا على قائمة الاغتيالات، بل وتعرض لمحاولة الاغتيال جهارا بيدٍ جزائرية شقية، وبأمر فرنسي من خلف الستار، إلا أن الله عز وجل نجاه، وأنقذه من موت محقق..!
وقد خلد هذا الحادث المرير أمير شعراء الجزائر محمد العيد آل خليفة شعرا بقوله:
وكــــادت يد الجاني العليوي تعتلي -- يد الشيخ لولا الله أدركه لولا
فوافتك بالنصــــر العزيز طـــــلائــــــع -- مباركة تترى من الملإ الأعلى
وحفت بروح القدس شخصك فانثنت -- مصيبتُك الجلى كرامتَك المثلى
وإن أنس لا أنس الذين تظـــــــــافروا--على الفتك بالجاني فقلتَ لهم :"مهلا"
لهذا وجب على الذين يملكون معلومات مهمة أو وثائق تاريخية تثبت حقيقة اغتيال الإمام عبد الحميد بن باديس –إن كان قد حدث ذلك- أن لا يحرموا المؤرخين الثقاة منها، وينشروها حتى لا تموت معهم كما ماتت كثير من الحقائق التاريخية مع أصحابها، ودُفنت معهم إلى الأبد!