” ان الحرية لا تقبل التجزئة .. لان القيود التي تكبل شخصا واحدا في بلادي انما هي قيود تقيد ابناء وطني اجمعين ” ، كلمات قالها مناضل من الطراز الاول ، اصبح اليوم رمزا للحرية والسلام ، انه رئيس جنوب افريقيا السابق نيلسون مانديلا .
ولد نيلسون روليلالا مانديلا في ترانسكاي في جنوب افريقيا في 18 تموز 1918. وكان والده رئيس قبيلة، توفي عندما كان نيلسون صغيرا، إلا انه انتخب مكان والده، وبدأ إعداده لتولي المنصب.
تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة داخلية عام 1930، ثم بدأ الإعداد لنيل البكالوريوس من جامعة فورت هار. ولكنه فصل من الجامعة، مع رفيقه اوليفر تامبو، عام 1940 بتهمة الاشتراك في إضراب طالبي. عاش مانديلا عاش فترة دراسية مضطربة ، وتنقل بين عدة جامعات ، وتابع الدراسة بالمراسلة من مدينة جوهانسبورغ، وحصل على الإجازة ثم درس الحقوق في جامعه ويتواتر ساند.
كانت جنوب أفريقيا خاضعة لحكم يقوم على التمييز العنصري الشامل من طرف البيض تجاه السود ،أحس مانديلا اثناء دارسته الجامعية بمعاناة شعبه فانتمى إلى حزب ( المجلس الوطني الأفريقي) المعارض للتمييز العنصري سنة 1944، وساعد في إنشاء ( اتحاد الشبيبة) التابع للحزب، وأشرف على إنجاز “خطة التحرك”، وهي بمثابة برنامج عمل لاتحاد الشبيبة ، وقد تبناها الحزب سنة 1949.
بدأ الحزب سنة 1952 ما عرف ب “حملة التحدي”، وكان مانديلا مشرفا مباشرا على هذه الحملة، فجاب البلاد كلها محرضا الناس على مقاومة قوانين التمييز العنصري، فصدر ضده حكم بالسجن مع عدم التنفيذ. ولكن الحكومة اتخذت قرارا بمنعه من مغادرة جوهانسبورغ لمدة ستة أشهر. وقد أمضى تلك الفترة في إعداد خطة حولت فروع الحزب إلى خلايا للمقاومة السرية.
في عام 1952 افتتح مانديلا مع رفيقه أوليفر تامبو أول مكتب محاماة للسود في جنوب أفريقيا، وخلال تلك السنة صار رئيس الحزب في منطقة الترانسفال، ونائب الرئيس العام في جنوب أفريقيا كلها. وقد زادته ممارسة المحاماة عنادا وتصلبا في مواقفه،
اعترضت نقابة المحامين على السماح لمكتب مانديلا للمحاماة بالعمل، ولكن المحكمة العليا ردت الاعتراض. ولكن حياة مانديلا لم تعرف الهدوء منذ تلك الساعة. فبعد سلسلة من الضغوطات الرسمية والبوليسية اضطر مانديلا إلى الإعلان رسميا عن تخليه عن كافة مناصبه في الحزب، ومع ذلكرادرجت الحكومة اسمه ضمن لائحة المتهمين بالخيانة العظمى في نهاية الخمسينات. وقد تولى هو و دوما نوكوي الدفاع ونجحا في إثبات براءة المتهمين.
بعد مجزرة شاربفيل بحق السود عام 1960، وحظر كافة نشاطات حزب (المجلس الوطني الأفريقي)، اعتقل مانديلا حتى 1961 . وبعد الإفراج عنه قاد المقاومة السرية التي كانت تدعو إلى ضرورة التوافق على ميثاق وطني جديد يعطي السود حقوقهم السياسية.
أنشأ مانديلا وقاد ما عرف بالجناح العسكري ، والذي نفذ عمليات تخريبية ضد مؤسسات حكومية واقتصادية. وفي عام 1962 غادر مانديلا إلى الجزائر للتدرب العسكري ولترتيب دورات تدريبية لأفراد الجناح العسكري في الحزب.
القي القبض عليه عند عودته عام 1962 بتهمة مغادرة البلاد بطريقة غير قانونية، والتحريض على الإضرابات وأعمال العنف. وقد تولى الدفاع عن نفسه بنفسه، ولكن المحكمة أدانته بالتهم الموجهة إليه وحكمت عليه بالسجن مدة 5 سنوات. وفيما هو يمضي عقوبته بدأت محاكمة “ريفونيا” التي ورد اسمه فيها، فحكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة القيام بأعمال التخريب.
كان مانديلا يعتقد قبل عشرات السنين من سجنه إن التربية يجب ألا تقتصر على “الصفوف” و “قاعات المحاضرات”، إنما على الناشطين الحزبيين أن يحولوا كل بيت وكوخ وحديقة إلى مدرسة أو مركز لبث الوعي الوطني ، فتحولت جزيرة “روبن” التي سجن فيها إلى مركز للتعليم، وصار مانديلا رمزا في صفوف التربية السياسية التي انتشرت بلاده .
تمسك مانديلا بمواقفه وهو داخل السجن، وكان مصدرا لتقوية عزائم سواه من المسجونين . وفي السبعينيات رفض عرضا بالإفراج عنه مقابل عودته إلى قبيلته في رنسكاي والتخلي عن المقاومة. كما رفض عرضا آخر في الثمانينيات مقابل إعلانه رفض العنف.
ولكنه بعد الإفراج عنه في 11 شباط 1990 أعلن وقف الصراع المسلح وبدأ سلسلة مفاوضات أدت إلى إقرار دستور جديد في البرلمان في نهاية 1993 ، معتمدا مبدأ حكم الأكثرية وسامحا للسود بالتصويت.
منح مانديلا جائزة نوبل والعديد من شهادات الشرف الجامعية عام 1993. وفي 27 نيسان 1994 اجريت اول انتخابات في جنوب افريقيا ، وأدت إلى فوز مانديلا فاقسم اليمين الدستورية في 10 أيار متوليا الحكم. إلا انه أعلن عن رغبته في التقاعد عام 1999.
لخص مانديلا قصة نضاله من اجل الحرية على مدى 27 عاما قضاها في السجن في كتابه الشهير ( المسيرة الطويلة من أجل الحرية) ، يعرف عنه معزته الخاصة جدا للاسلام والمسلمين ، وحلمه الكبير الذي حدث به الخاصة أن يزور مكة المكرمة ويشاهد مراسم الحج العظيمة وتلاحم الناس دون تمييز رغم اختلاف ألوانهم وثقافاتهم ويقف أمام الكعبة المشرفة. هذه الحقيقة دفعت بالداعية الاسلامي عائظ القرني الى توجيه رساله الى الرئيس مانديلا يدعوه فيها الى الاسلام .