اعداد: سميحة عبد الحليم
في الأول من شهر مايو من كل عام يحتفل العالم بعيد العمال .. وهو يوم التضامن مع العمال وحقهم في الحياه الكريمه ضد اضطهادهم على يد اصحاب رأس المال.
والحقيقة ان الحضارة الإنسانية بنيت على يد العمال الذين بذلوا جهودهم الجسدية والفكرية لإعلاء تلك الحضارة.
نظرة الى التاريخ العمالى ..
و رغم أهمية الدور الذي يلعبونه تعرّض العمال لشتّى صنوف القهر والتعذيب والعمل في الظروف القاسية وغير الملائمة، وليس أدلّ على ذلك من نظرة سريعة إلى التاريخ الذي يخبرنا عمّا تعرّض له العمال في أغلب الحضارات القديمة، فكانوا يستعبدون ويستغلون في أعمال قاسية شاقّة دون تأمين مستلزمات راحتهم الحياتية، فكانوا يُجبرون على العمل في المناجم وتعبيد الطرق وبناء القصور والأسوار.. وغيرها.
عصر النهضة الصناعية فى اوربا ..
وقد تنبّه عددٌ من المتابعين في عصر النهضة الصناعية في أوروبا، لما يتعرض له العمال، فرفعوا لواء الدفاع عنهم، وطالبوا بتحسين ظروف العمل، وتأمين متطلبات عيش كريم لهؤلاء العمال، وتمخّض عن تلك التحرّكات والمطالب ظهور عدد من الجمعيات والهيئات والنقابات العمالية.
الدعوة الى عيد العمال ..
وفي عام 1869م تأسست في أمريكا منظمة تدعى “فرسان العمل” كتنظيم نقابي يسعى إلى تحسين الأمور وتخفيض ساعات العمل، ومع تطوّر الحركة النقابية نجحت مجموعة من القيادات النقابية في تكوين هيئة للعمال عام 1886م، وتبنّت هذه الهيئة الدعوة لاعتبار الأول من مايو من ذلك العام يوماً للإضراب العام من أجل تخفيض ساعات العمل إلى ثمانٍ ساعات في جميع المهن والصناعات.
وقد حصلت مصادمات بين العمال والشرطة أدّت إلى سقوط عدد من القتلى، وألقي القبض على عدد من قيادات ذلك التحرّك وحوكموا، وأعدم أربعة منهم.
ومنذ ذلك اليوم اتّسع الاهتمام باليوم الأول من مايو الذي صار ذكرى تستعاد كل عام، وما لبثت أن اعتبرت يوماً عالمياً للعمال، يُحتفل به في كل أنحاء العالم بهدف لفت الأنظار إلى دور العمال ومعاناتهم، والعمل على تأمين متطلبات عيش كريم لهم.
أصل فكرة عيد العمال ..
يشير المؤرخون الى أن فكرة عيد العمال -الذي تحتفل به معظم دول العالم في الأول من مايو من كل عام- ولدت في مدينة شيكاغو (الولايات المتحدة) عام 1886 من خلال المطالبة بيوم عمل لا يتجاوز ثماني ساعات.
ذكرى دامية ..
وكان عمال شيكاغو قد تظاهروا عام 1886 مطالبين بزيادة الأجور وتخفيض ساعات العمل إلي ثماني ساعات يوميا حيث كانوا يعملون تحت شروط أشبة بالعبودية القديمة . فأطلقت الشرطة الأمريكية عليهم النار وسقط بعض الشهداء وأصيب العشرات وأعتقل المئات وعلاوة علي ذلك لفقت الشرطة تهمة اطلاق النار علي الشرطة لبعضهم وتم الحكم عليهم بالاعدام ونفذ الحكم .
إلا أن أحد أفراد الشرطة اعترف – بعد تنفيذ حكم الاعدام – بتلفيق التهمة للعمال فأعيدت المحاكمة وحكم ببراءة من تم اعدامهم ، فارتجت الأوساط العمالية في أمريكا وأوربا وأستنفرت غريزتها الثورية وشحذت وعيها بأهمية توثيق عري التضامن والوحدة العمالية العالمية ورفعوا عاليا شعار “ياعمال العالم اتحدوا” .
ولم يتوقف منذ ذلك التاريخ عمال العالم عن احياء هذه الذكري الدامية المشبعة بالدلالات السياسية والفكرية والاقتصادية والانسانية وعن اعادة تجديد وشحذ عزيمتهم كل عام ، فانتزعوا من براثن رأس المال في اوربا وأمريكا الشمالية ثم في الكثير من بلدان آسيا وأمريكا الجنوبية وأفريقيا بعض المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية الهامة التي حدت نسبيا من وحشية واستغلال الطبقة الرأسمالية للعمال .
وسيظل عيد العمال العالمي كما كان مناسبة ووسيلة ومعلما أساسيا للعمال حفاظا علي مكتسباتهم من انتهاكات الرأسماليين التي لا تتوقف ، ولمواصلة النضال من أجل مكتسبات جديدة علي طريق تحررهم النهائي من استغلال وقهر الطبقة الرأسمالية ودولتها .
لقد اضطرت أغلب دول العالم – أمام اصرار العمال – للاعتراف بعيد العمال العالمي وبحق العمال في الاحتفال به سنويا .
والمراقب للاحوال يرى الطبقات العاملة في جميع بلدان العالم اصبحت الان أكثر احتياجا في الوضع الدولي الراهن لتطوير وتشديد نضالها الطبقي ضد التوحش الرأسمالى .،وإلي احياء وتعزيز تقاليدها الكفاحية في النضال ضد الرأسمالية ومنها وفي مقدمتها الاحتفال النضالي بعيدها العالمي، كما غدت شعوب الدول المتخلفة والتابعة اقتصاديا وخاصة سياسيا وعسكريا في مسيس الحاجة لتشديد نضالها الوطني علي جميع محاوره وقضاياه واحياء وتعزيز نضالها الثوري ضد الاستعمار بكل صوره وأشكالة القديمة والجديدة .
روايات قديمة ..
وعلى الرغم من الاتفاق على قصة عمال شيكاغو كأصل لبداية الاحتفال بعيد العمال الا ان البعض خرج علينا باقاويل أخرى نذكر منها :
قيل ابتدأه قدماء المصريين، والهنود بما كان يسمى (أعياد الربيع) واستمده الإنجليز من الرومان إثر غزوهم لهم؛ حيث كان الرومان يحتفلون بعيد الأزهار فيقومون بجمع الأزهار لآلهة الأزهار .
وفي العصور الوسطى أصبح يوم إجازة مفضل لدى الإنجليز، ولهم فيه شعائر وعادات من جمع الأزهار وتزيين البيوت والكنائس بهذه الأزهار إلى غير ذلك.
وكان في فرنسا يأخذ بعداً دينياً؛ إذ يعتبر الفرنسيون شهر (مايو) شهراً مقدساً عند مريم العذراء، فكانوا يتوجون صغار الفتيات ملكات في الكنائس ليخرجن بعد ذلك في موكب تشريفاً لمريم العذراء.
وقيل ان هذه الفكرةُ وُلِـدَتْ، أولاً، في أستراليا. إذ قرّرَ العمالُ هناك، سنة 1856، تنظيمَ يومٍ للتوقف الكامل عن العمل مصحوبٍ باجتماعاتٍ وتسلياتٍ، تأييداً ليوم عملٍ ذي ثماني ساعات. في البداية كان مقرراً أن يكون هذا الاحتفالُ في الحادي والعشرين من ابريل ، وكان العمال الأستراليون يريدون أن يحتفلوا هذا الاحتفالَ للعام 1856 فقط. لكن الاحتفال الأول كان له وقْعٌ شديدٌ على جماهير البروليتاريا في أستراليا، رافعاً معنوياتهم، ودافعاً إياهم نحو تحريضٍ جديدٍ، وهكذا تقرّرِ أن يقام الاحتفال كل عامٍ.
ومن أستراليا بدأَ ينتشر في البلدان الأخرى، حتى شملَ العالَمَ البروليتاري بأســرهِ.
ويقال ان أول مَن حذا حذوَ العمالِ الأستراليين، كان العمال الأميركيون. ففي 1886 قرروا أن يكون الأول من مايو يوم توقُّفٍ كاملٍ عن العمل. وفي ذلك اليوم، ترك مائتا ألفٍ منهم عملهم، مطالبين بيوم عملٍ ذي ثماني ساعاتٍ.
و في عام 1888 جددوا قرارهم، محدِّدين أن يكون الاحتفال القادم في الأول من مايو 1890.
في الوقت نفسه، صارت حركة العمال في أوربا أقوى، وأكثرَ حيويةً. والتعبيرُ الأجلى لهذه الحركة حدثَ في مؤتمر العمال العالمي، سنة 1890.
في هذا المؤتمر الذي حضره أربعمائة مندوب، تقرّرَ أن يكون يوم العمل ذو الساعات الثمان المطلبَ الأولَ. و طالبَ مندوب النقابات الفرنسية بأن يُـعَـبَّـرَ عن هذا المطلب، في جميع البلدان، من خلال توقُّفٍ شاملٍ عن العمل.
واشار مندوب العمال الأميركيين إلى قرار رفاقه، الإضرابَ في الأول من مايو 1890، فقرّرَ المؤتمرُ اعتبارَ هذا التاريخ يوماً للاحتفال البروليتاري العالمي.
بذلك أصبح الاول من مايو تدريجيا عيدا للعمال في معظم دول العالم الا ان الولايات المتحدة التي كانت وراء هذا العيد تحتفل منذ 1894 بعيد العمال في الاول من سبتمبر في حين لم يعد الاول من مايو سوى عيد للربيع.
مكاسب العمال ..
وعلى اية حال ومهما كان اصل الاحتفال فلا شك أن العمال في جميع أنحاء العالم قد حققوا كثيراً من المكاسب أثر قيام الاتحادات التي لم تتوان في استخدام التهديد باللجوء إلى الإضراب وشل إنتاج المصنع أو المنجم إلى أن يستجيب رأس المال إلى مطالبهم. ونستطيع تلخيص المكاسب التي حققوها في الآتي:
- إنشاء الضمان الاجتماعي للعمال الذين يتعطلون عن العمل إما لإصابتهم أو مرضهم
- تحديد ساعات العمل بثمان ساعات في اليوم وما زاد عنها يُعتبر زمنٌ إضافي يُمنح العامل عليه أجراً مضاعفاً
- استحقاق العامل عطلة يومين في نهاية كل أسبوع وعطلة أربعة إلى ستة أسابيع مدفوعة الأجر سنوياً
- إنشاء مكاتب حكومية مهمتها التأكد من أن صاحب المصنع يتبع كل سبل السلامة ويحافظ على صحة العمال ويتفادى ما يمكن أن يسبب لهم حادثاً أو مرضاً
- وضع حد أدنى للأجر الذي يتقاضاه أبسط عامل بالمصنع أو المنجم
- تحديد سن التقاعد ومنح المتقاعد معاشاً مهنياً إلى أن يموت هو وزوجته ويصل أطفاله سن البلوغ .
- عدم فصل العامل من عمله إلا بعد عقد مجلس تأديب يشارك فيه اتحاد العمال
- منح المرأة العاملة إجازة براتب كامل لمدة أربعة أشهر بعد الولادة مع الاحتفاظ لها بوظيفتها عندما ترجع إلى العمل .
- وجوب تمثيل نقابات العمال في مجالس إدارة المؤسسات .
- منع تشغيل الأطفال الذين تقل أعمارهم عن ستة عشر عاماً .
وعلى ذلك يحق للعمال أن يحتفلوا في أول (مايو) من كل عام بالمكاسب التي حققوها في القرن العشرين .