حزب العمال البريطاني هو حزب سياسي يحسب على يسار الوسط في بريطانيا. يرجع تاريخه إلى عام 1900 حين تكونت لجنة لتمثيل العمال في البرلمان. تم في عام 1906 انتخاب 26 عضوا من العمال, وقد وجد حزب العمال جذوره في تنظيمات خارج البرلمان فقد كان عبارة عن اتحاد لجماعات معينة ومصالح معينة تميزت بالتنوع ومن أهم هذه الجماعات : حركة نقابات العمال, ومجموعة الجمعيات الاشتراكية وحزب العمال المستقل والجمعية الفابية والاتحاد الماركسي الاشتراكي الديمقراطي. ويهتم حزب العمال بإعادة توزيع الثروة من خلال نظام متطور للضرائب المباشرة وذلك لمصلحة العمال وعائلاتهم.
أصبح الحزب منذ عام 1924 ثاني أكبر الاحزاب في بريطانيا وتولى الحكم في الفترة من 1929 حتى 1931 بدعم من حزب الأحرار.
نظام العضوية
نظام العضوية في الحزب شديد التعقيد، فهناك عضوية عاملة للأفراد وعضوية بالانتساب للنقابات ويشارك في المؤتمر السنوي للحزب ممثلون عن كل من هذين النوعين، ويهتم الحزب بالحريات المدنية وحقوق الأقليات, ويلتزم بمستوى عال من الإنفاق العام وخاصة في مجالات الرفاهية الاجتماعية والتعليم والخدمات الصحية والإسكانية ويتبع الحزب سياسة خارجية تقوم على الدفاع عن حلف شمال الاطلنطي(الناتو), والمطالبة بانسحاب بريطانيا من الجماعة الأوربية ونزع السلاح النووي.
ويتركز تأييد الحزب بصفة رئيسة داخل النقابات العمالية وله نفوذ داخل المدن الكبرى, وفى التجمعات الكاثوليكية.
التغييرات الاجتماعية
تولى زعيم العمال كليمنت أتلي منصب النائب لوينستون تشرتشل في الحكومة الائتلافية التي تولت الحكم عام ألف وتسعمائة وأربعين. وأشاع تقرير بيفريدج الذي أعد خلال فترة الحرب الأمل نحو مجتمع أفضل، وسلط الأضواء على التغييرات الإجتماعية التي ستتحقق خلال فترة السلم
غير أن الفوز الكاسح الذي حصل عليه العمال في انتخابات ألف وتسعمائة وخمسة وأربعين كان مفاجئا حتى بالنسبة لمؤيدي الحزب أنفسهم
وشهدت بريطانيا بعد الحرب قيام دولة الرفاه وتأميم الصناعات الرئيسية مثل الفحم والصلب والسكك الحديدية. إلا أن خيبة الأمل ما لبثت أن تبعت ذلك، حين فاز المحافظون في انتخابات ألف وتسعمائة وواحد وخمسين، وأدى الانتعاش الاقتصادي إلى إبقاء العمال خارج السلطة لثلاث عشرة سنة
في الستينيات تمكن حزب العمال بعد أن أعيد تجديده برئاسة هارولد ويلسون من استعادة السلطة، بأغلبية بسيطة في بادئ الأمر عام ألف وتسعمائة وأربعة وستين ثم بأغلبية كبيرة في عام ستة وستين
غير أن المشاكل الاقتصادية لحقت بالحكومة الجديدة، مما أدى إلى تخفيض قيمة الجنيه الإسترليني عام ألف وتسعمائة وسبعين، وبالتالي إلى عودة المحافظين لتولي السلطة
ما لبث حزب العمال أن عاد إلى السلطة عام أربعة وسبعين، بعد فوزه في عمليتي انتخاب في العام ذاته، ليجد نفسه أمام مشاكل جديدة
بعد استقالة هارولد ويلسون المفاجئة من زعامة الحزب، أصبح جيم كالاهان رئيسا للوزراء. ولم يلبث ان وجد نفسه يجلس فوق أزمة اقتصادية تحتاج إلى قرض دولي كبير وخفض في المصروفات العامة
أما القشة القاسمة بالنسبة للعديد من الناخبين فجاءت على شكل شلل أصاب البلاد بسبب النزاعات العمالية خلال الفترة التي أطلق عليها اسم شتاء التذمر
سنوات التيه
في انتخابات تسعة وسبعين تخلى الناخبون عن العمال واحتلت مارغريت ثاتشر مقر رئاسة الوزراء في 10 داوننج ستريت. وكان ذلك ايذانا ببداية ثمانية عشر عاما من بقاء حزب العمال في مقاعد المعارضة وبأكثر الفترات الحالكة في تاريخ الحزب وفاز المحافظون في اربع انتخابات على التوالي، ثلاث خلال رئاسة ثاتشر والرابع خلال رئاسة جون ميجر
خلال سنوات التيه، انتقلت زعامة العمال إلى زعيم الجناح اليساري مايكل فوت
وقامت مجموعة من الوزراء السابقين في الجناح اليميني للحزب عرفت باسم مجموعة الأربعة بالاستقالة من الحزب وإنشاء الحزب الديمقراطي الاجتماعي
عام ألف وتسعمائة وثلاثة وثمانين أعلن حزب العمال عن برنامجه الانتخابي. وقد وصفه البعض في وقت لاحق بأنه أطول رسالة انتحار في التاريخ. وتولى زعامة الحزب نيل كينوك بعد انتهاء ولاية فوت، وقد واجه تحديات قوية أثناء قيامه بضخ دماء جديدة في الحزب
وفي الوقت الذي بدأ فيه حزب العمال يتحرك خطوة بعد أخرى نحو الحكم، فان كينوك لم يتمكن من قيادته لتحقيق الفوز الحاسم
وقد خلفه في رئاسة الحزب جون سميث، وهو من أعضاء البرلمان الذين كانت لهم مكانتهم وكان ينظر إليه على نطاق واسع بأنه رئيس الوزراء المنتظر. وكانت وفاته المفاجئة بنوبة قلبية عام أربعة وتسعين لطمة قاسية للحزب تجديد الحزب
في عمليات المنافسة التي تلت ذلك، اختير توني بلير زعيما، وأخذت مسيرة التحديث التي بدأها نيل كينوك تحث الخطى بقوة
وواجه مهندسوا حزب العمال الجديد معارضة من القوى التقليدية بالتصاقها مع الاشتراكية، وهو ما اعتبرته زعامة الحزب عبئا انتخابيا
وفي تحرك رمزي للانسلاخ عن الماضي، ألغي البند الرابع الذي يلزم الحزب بعمليات التأميم
أعيد ترتيب موقع الحزب في يسار الوسط، ودخل العمال انتخابات سبعة وتسعين في وقت بدا فيه أن حكومة المحافظين لم تعد تملك أفكارا جديدة. كما لطخت سمعة أفراد من البرلمانيين من حزب المحافظين ادعاءات بالفساد
وحمل برنامج العمال الانتخابي صورة حزب يحمل سياسة جديدة، تضع نهاية للانقسام القديم بين يسار ويمين. فكانت النتيجة فوزا كاسحا حمل توني بلير إلى رئاسة الوزارة
حزب عمال جديد
ألزم حزب العمال نفسه بتحديث بريطانيا وإقامة مجتمع أكثر عدالة، علما بان بلير يدرك أن الناخبين يرغبون في تطمينات بعدم تكرار أخطاء الماضي
ألغيت السياسة القديمة التي تقضي بفرض الضرائب من أجل المصروفات، وتقرر معاملة الاتحادات العمالية بصورة عادلة دون تحيز. وأعرب الحزب بوضوح عن نيته بان يمسك عصا السلطة من الوسط
وما يطمح إليه العمال هو أن تكون حكومتهم أول حكومة عمالية تفوز بدورة ثانية كاملة في الحكم
إلا أن الانشقاقات بدأت تظهر داخل أروقة الحكم بعد انقضاء شهر العسل. حيث أخذ عدد من أعضاء الحزب المتضررين يتحدثون عن نزعة السيطرة لدى زعامة الحزب والعقوبات التي تفرض على من يخرج عن الإطار المقرر وخلال بضعة أشهر من النصر الذي تحقق في انتخابات سبعة وتسعين، وجد العمال أنفسهم أمام خلاف يتعلق بتبرع قيمته مليون جنيه إسترليني من بيرني اكليستون، رئيس الفورميولا وان
وكانت هناك خلافات أخرى تتعلق بهدايا بالملايين لتمويل الحزب، وإن تعرض المتبرعون الأثرياء لحزب المحافظين بدورهم للمراقبة الشديدة الانفلات عن القاعدة
وجد كبار أعضاء الحكومة العمالية أنفسهم في مواجهة النقد الصحفي دون أن تكون لهم يد في الأمر
فقد تعرض وزير الصرف العمومي جيفري روبنصون للانتقاد لأنه لم يكشف عن أموال مودعة ببنوك اوفشور. كما استقال وزير شؤون ويلز رون ديفيس بعد لحظة حماقة في إحدى حدائق لندن
واستقال بيتر مندلسون، أحد الذين يعزى إليهم إعادة الحياة إلى حزب العمال، مرتين وليس مرة واحدة
فقد ترك منصبه الوزاري في المرة الأولى عام ثمانية وتسعين عندما كان وزيرا للتجارة بعد خلاف حول حصوله على قرض لشراء منزل. وفي وقت سابق من هذا العام، تخلى عن منصبه وزيرا لشؤون ايرلندا الشمالية في أعقاب اتهامات بالقيام بدور في منح جواز سفر لأثرياء هنود
كما اصيبت الحكومة بحرج حول اختيارها مرشحا معينا لمنصب عمدة مدينة لندن
إذ كان الوزير السابق فرانك دوبسون المرشح الذ اختاره رئيس الوزراء، إلا أن كين ليفينجستون واصل حملته كمستقل رغم أنه من حزب العمال، وفاز بالمنصب
وقد شعر زعماء الحزب بالقلق نتيجة أزمة النفط للعام ألفين، بعد أن أفادت استطلاعات الرأي العام في ذلك الوقت ان الأهالي بدؤوا يتخلون عن حزب العمال الوسط الراديكالي
وطوال هذا الوقت، ظل التوتر قائما بين القائمين على تحديث العمال من ناحية والحرس القديم من ناحية أخرى. وعندما استقال من منصبه كوزير للدفاع، اعترف بيتر كيلفويل إنه لم يستوعب فعلا مفهوم حزب العمال الجديد
وقال : اعتقد أننا بحاجة إلى مادة نظرية صمغية لتتماسك الأمور بعضها ببعض. وإذا أسرف المرء في الحديث إلى الوسط، فانه لا بد سينأى عن الآخرين في أماكن أخرى
والان يرغب بلير في الحصول على أربع سنوات أخرى واذا نجح في ذلك فسيكون قد تجاوز الفترة التي قضتها مارجريت ثاشر في دواننج ستريت وهي تزيد على 11 سنة.
وسيرغب بلير في حال انتخابه بإصلاح ق4طاع الخدمات العامة حيث قضى الفترتين الأولى والثانية بالتركيز على الاقتصاد مستهدفا تخفيض الفوائد ونسبة التضخم والبطالة بالإضافة إلى زيادة مستوى النمو الاقتصادي.
ولكن بلير يعلم انه رغم الرخاء الذي يستمتع به الفناخبون منذ سنوات إلا أن قراره المشاركة في غزو العراق قد يكون له أثر عكسي.