ثورة رشيد عالي الكيلاني أو ثورة مايس هي سلسلة الأحداث الدستورية التي تصاعدت بسبب تضارب مدارس الحكم الملكي في العراق وتياراته ما بين التيار الوطني الثوري التحرري والتيار الليبرالي الميال لموالاة بريطانيا في وقت كان العراق فيه يمثل زعامة ومدرسة سياسية يعتد بها في المنطقة العربية.
غيرت ثورة رشيد عالي الكيلاني مسار تاريخ العراق حيث أشاعت روح الوطنية العراقية وروح الوحدة مع الدول العربية الشقيقة للعراق، ورسخت مفهوم إنهاء التبعية البريطانية التي كان يعبر عنها بأنها نوع من التعاون والتحالف الاستراتيجي. أما تدخل بريطانيا في اللحظة الأخيرة للنيل من الانتصار الذي حققه التيار الوطني والتحرري بقيادة رشيد باشا الكيلاني وضباط المربع الذهبي بمؤازرة رئيس الأركان العامة الفريق حسين فوزي، فقد أدى إلى احتلال بريطانيا لبعض أجزاء من العراق لنصرة حلفائها الأمر الذي أدى إلى هيمنة المدرسة اللبرالية لمدة سبعة عشر عاماً، ولّدت خلالها تأزم الوضع الداخلي وتفاقم المشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية مما أجج مشاعر المعارضة الشعبية للحكم الملكي ورموزه حيث نجم عنها حركة تموز لعام 1958 بقيادة تنظيم الضباط الوطنيين. وكان من تداعياتها أن انطلق صداها إلى الدول العربية حكومات وجيوشاً ومنظمات وجماهير، حيث أصبحت نبراساً اقتدى به التحرريون من تسلط وهيمنة القوى الاستعمارية الكبرى. وحيث كانت الدافع للضباط الأحرار في مصر للقيام بحركة 23 يوليو / تموز 1952م، وكذلك في اليمن الذي ثار في عام 1948م، وكذلك في سوريا؛ ودفعاً إضافياً لثوار الجزائر وتونس، وكما كانت المحرك لتأسيس الكثير من الأحزاب والتنظيمات الثورية التي راجت في تلك الحقبة.
أثرت على الشارع العراقي توجهات الملك غازي الأول (1933 – 1939) الوطنية ومن ثم وزارة رشيد عالي الكيلاني باشا عام 1941 المناهضة للمد البريطاني، الذي أصيب بإحباط كبير عند دخول الجيش البريطاني وإسقاط الحكومة بغية تنفيذ استراتيجيات الحرب العالمية الثانية في العراق والمنطقة.
بعد قيام الحرب العالمية الثانية طلبت بريطانيا من العراق قطع العلاقات الدبلوماسية مع ألمانيا واعتقال الجالية والدبلوماسيين الألمانيين الموجودين على الأراضي العراقية، وتقديم المساعدات الضرورية التي تحتاجها بريطانيا وفقاً لبنود معاهدة 1930.
سارع نوري السعيد باشا رئيس الوزراء إلى تنفيذ تلك المطالب وأكد دعم حكومته الكامل لبريطانيا، بل أكثر من ذلك وضع العراق في حالة حرب في الوقت الذي لم تكن العمليات العسكرية تتصاعد سوى في بولندا في قلب أوروبا، حيث فرض حظر التجول، وأصدر قانون الحصة التموينية الحربية، وصادر بعض الممتلكات العائدة لدول المحور وفرض نظام الرقابة على الصحف والأحزاب والجمعيات وغيرها. بعبارة أخرى فرض نظام الطوارئ والأحكام العرفية وعزز من سلطاته دون مبرر يذكر في تلك الآونة. فأصبح موقف نوري باشا هذا غريباً بعض الشيء، لا بل منحازاً في الوقت الذي كان فيه العراق أحوج ما يكون إلى فترة بناء وإعمار البنية التحتية ودمل جراح أفراد المجتمع الذين أرهقتهم الحرب العالمية الأولى وتداعياتها كالاحتلال البريطاني وثورة العشرين والانتفاضات الأخرى.
وأخذ ينظر إليه على أنه سيسبب للعراق متاعب هو في غنى عنها، كما فسر موقفه هذا على أنه موقف انتهازي أراد أن يستثمر اندلاع الحرب ومبررات ودواعي الالتزام بمعاهدة سنة 1930 مع بريطانيا، لترتيب أوضاعه السياسية ضد خصومه ولاسيّما إنه كان في مستهل عمله السياسي كرئيس وزراء وله الكثير من المنافسين والخصوم والتيارات الفكرية المناوئة، والتي يتحتم عليه تسوية مواقفه معها الواحدة تلو الأخرى ليشق طريقه السياسي ويفرض مبادئه وبرنامج عمله واستراتيجيته.
في المعسكر المقابل كان الفريق حسين فوزي رئيس الاركان العامة يقود التيارات المعارضة لسياسة نوري السعيد، وتحالف مع الفريق فوزي عدد من قادة الجيش وبعض الأحزاب والشخصيات الوطنية بزعامة رشيد عالي الكيلاني باشا رئيس الديوان الملكي، الذين تزعموا معارضةً برلمانيةً وسياسيةً مثلما كانت تقاوم وتنتقد في الشارع أيضا تلك التيارات الطامحة لفصل العراق عن التبعية لبريطانيا والتي رأت في سياسة الحكومة بزعامة نوري باشا خطرا على استقلال العراق وبقائه يدور في فلك بريطانيا وهيمنتها على العراق سياسيا واقتصاديا.
وما لبث ان احتدم الصراع السياسي بين التيارين الذي أدى إلى استقالة نوري السعيد وتولي رشيد عالي رئاسة الوزراء بدلا عنه، حيث صّعد نوري باشا الصراع، وهو من موقع المعارضة شيئا فشيئا إلى مواجهة مسلحة بين التيارين مما أدى ببريطانيا للتدخل لمناصرة حلفائها في تيار نوري السعيد والوصي على العرش، عبد الإله بن علي الهاشمي، بعد دنو أجلهما وفشل تيارهما امام تيار رشيد باشا وحسين فوزي، ثم هرب الوصي ونوري السعيد وباقي زعماء ذلك التيار إلى خارج العراق، عندئذ ادركت بريطانيا بان العراق قد خرج عن دائرة طوعها واستراتيجياتها فتدخلت لإعادة الوصي ونوري باشا، فشنت حربا لإسقاط حكومة رشيد باشا أدت إلى احتلال العراق.