وقفة مع كتاب
دع القلق وابدأ الحياة
تأليف : دايل كارنيجي
تعريب الأستاذ : عبد المنعم الزيادي
يُعد هذا الكتاب من أشهر الكتب انتشارا في العالم ،حيث احتل المركز الأول في مصاف الكتب الأكثر مبيعاً خلال فترة زمنية قصيرة كما جاء في جريدة « وول ستريت » الأميركية، كما تمت ترجمته إلى ست لغات عالمية وهي: العربية والفرنسية والألمانية والاسبانية والايطالية واليابانية، ولقد وصفه العديد من النقاد وعلماء النفس الأميركيين بأنه من أفضل الكتب التي عالجت مشكلة القلق خلال القرن العشرين وأنه من أفضل الوسائل التي يمكن أن يتخذها الأشخاص ذوو المسؤوليات المتعددة .. وقد احتوي الكتاب على قواعد وأسس للتغلب على مشكلة القلق وقهرها وضعها الكاتب بأسلوب شيق وسلس و دعم كتابه بقصص حقيقية وتجارب شخصيه أبرزت أن النفس البشرية تستطيع أن تقهر القلق.
ويقال إن مؤلف الكتاب انتحر بعدما ألف هذا الكتاب، الذي وضع فيه وصفات سحريه ورائعة لمعالجة القلق ، ولكن كل ذلك لم يمنع القلق من أن يسيطر على حياة " دايل كارنيجي " فعصفت الكآبة بحياته ، وسادت التعاسة والشقاء أيامه ، فقرر هو أيضاً التخلص من حياته عن طريق الانتحار! ! !
وحقيقة لا أدري عن مدى صحة ذلك لكنه أمر غير مستغرب !!!!! .
ولعل القارئ للكتاب يلحظ أن هناك ثلاثة كتب تعالج نفس الموضوع :
1 – كتاب " دع القلق وابدأ الحياة " لدايل كارنجي .
2 – كتاب " جدد حياتك" للشيخ محمد الغزالي .
3 – كتاب " لا تحزن " للشيخ عائض القرني
ولعل من قرأ الكتب الثلاثة يلحظ تقارباً بين موضوعاتها ومعالجتها فهي تدور حول نفس القضية لكن الكتابين: "جدد حياتك "
و " لا تحزن " يعالجان القضية من منطق إسلامي واسع وبقصص مؤثرة أكثر من واقعنا العربي الإسلامي وليس الأمريكي ..
وقد طرق المؤلف في كتابه هذا ثلاثين فصلاً عنون لها بعناوين مشوقة ومعبرة، وضمّن الكتاب مئات القصص، وهي من باب ضرب المثل، وسياق الشاهد، لتثبيت الفكرة، والسير بالقارئ جنبا لجنب ليقتنع بالفكرة، ثم يشحذ إرادته من أجل تطبيقها، ومن جاذبية الكتاب ما حكاه المؤلف عن جوانب هامة وحساسة من جوانب حياته وتنشئته وتعليمه ثم وصوله إلى مرحلة النضج والاستواء ، ويظهر فيه تلك المعلومات الهامة، والحقائق العلمية والمنطقية والتي جيء بها في الكتاب، ثم نشاط المؤلف في إجراء مقابلات كثيرة مع رجالات العالم المرموقين في نواح علمية، ومجالات حياتية متعددة، وذلك من أجل خدمة كتابه، وتقوية جانب الحجة والبرهان والاستدلال فيه.
وفيما يلي عرض لأهم أجزاء الكتاب وما تضمنه من قواعد مع بعض التصرف اليسير في بعض العبارات:
الجزء الأول : التعامل مع القلق..ويتضمن عدداً من القواعد نجملها في التالي:
القاعدة الأولى :
إذا أردت أن تتجنب القلق ، فعش في حدود يومك، ولا تقلق على المستقبل ، عش اليوم حتى يحين وقت النوم ... وإذا أردت أن تفكر في المستقبل فلا بأس، فكر ولكن لا تهتم.. فالهم رديف القلق ..
قلت تذكر أخي الحبيب : أن الإيمان بالقضاء والقدر يجنبك ذلك كله وتذكر ماجاء عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ النبي صلى الله عليه وسلم يَومَاً فَقَالَ: (يَا غُلاَمُ إِنّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ : احْفَظِ اللهَ يَحفَظك، احْفَظِ اللهَ تَجِدهُ تُجَاهَكَ، إِذَاَ سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَاَ اسْتَعَنتَ فَاسْتَعِن بِاللهِ، وَاعْلَم أَنَّ الأُمّة لو اجْتَمَعَت عَلَى أن يَنفَعُوكَ بِشيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ لَك، وإِن اِجْتَمَعوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشيءٍ لَمْ يَضروك إلا بشيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفعَت الأَقْلامُ، وَجَفّتِ الصُّحُفُ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح - وفي رواية - غير الترمذي: (اِحفظِ اللهَ تَجٍدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ يَعرِفْكَ في الشّدةِ، وَاعْلَم أن مَا أَخطأكَ لَمْ يَكُن لِيُصيبكَ، وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُن لِيُخطِئكَ، وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَربِ، وَأَنَّ مَعَ العُسرِ يُسراً)
القاعدة الثانية: مبدأ أسوأ الاحتمالات
عندما تأخذ مشكلة ما بتلابيبك ولا تستطيع منها فكاكا ... فجرب الطريقة السحرية للتخلص من القلق؛ بان تسال نفسك:
1 - ما أسوأ الاحتمالات التي يمكن أن تحدث ؟
2 - هيئ نفسك ذهنيا لقبول أسوأ الاحتمالات إذا لزم الأمر.
3 - حاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا الاحتمال الذي هو أسوأ الاحتمالات والذي أعددت نفسك لقبوله.
ومثال ذلك صاحب شركة كبيرة قال عن نفسه " لقد عشت أسوأ أيام حياتي عندما كنت مهددا بالإفلاس لأن أحدا من موظفي شركتي كان يبتز احد موظفي الدولة وذلك سيؤدي بالتأكيد إلى هجوم إعلامي على شركتي وبالتالي سأخسر أربعة وعشرين سنة من العمل لإنشاء هذه الشركة ... ولكني عندما تيقنت أني لن استفيد من قلقي؛ جلس مع نفسي ثم قلت: ماذا يمكن أن يحصل لو انتشر أمر هذا الموظف ووصلت القضية إلى المحكمة ؟؟ وجاوبت نفسي أخسر عملي ( وهذا أسوأ احتمال ) ؛؛ ثم قلت إن خسرت عملي فسيبقى اسمي استطيع من خلاله تكوين شركة جديدة .. وان خسرت عملي فلن أخسر حياتي وستبقى زوجتي معي وأولادي (هيأ نفسه ذهنيا لأسوا احتمال ) ...ثم قلت علي أن أتدارك ما يمكن أن أتداركه.. فذهبت إلى ذلك المسؤول الكبير الذي كان يبتزه الموظف لأكلمه عن موضوع موظفي وشركتي .. فما كان منه إلا أن قال إن ذلك الشخص هو نصاب معروف مطلوب للقضاء وأنا الشخص السادس الذي يحاول ابتزازي بهذا الشكل. وانتهت القضية ( حاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه)
مثال آخر لأخواتي : مثلا أنتي تعانين من مشاكل زوجيه كثيرة وتعيشين في حاله من القلق و الخوف والحزن
كيف تطبقين هذه الخطوات؟
أولا توقعي أسوأ الاحتمالات
مثلا: الطلاق
تخيلي أن الطلاق تم وأنك عدتي إلى بيت أهلك وإلى حياتك السابقة قبل الزواج !!!
تخيلي نفسك وقد بدأت تتأقلمين مع هذا الوضع وبدأت تخرجين مع أخواتك وصديقاتك وبدأت بوضع خطط جديدة لحياتك لتبدئي من جديد طبعا بمجرد ما تفكرين بهذه الطريقة ستجدين أن مشكلتك هينة جدا وانك تعطينها أكبر من حجمها .... فهذه المشاكل ليست نهاية العالم
ثانيا: بعد أن استعدت قوتك إبدئي في التفكير في المشكلة ووضع خطط صارمة لحلها
ثالثا: إبدئي في تنفيذ هذه الخطط ....
مثلا حددي موعد مع زوجك للنقاش في هذه المشاكل وكوني جادة في المناقشة فليس هناك ما تخشينه ؟
نقطه ثانيه أشار إليها الكاتب وأعجبتني كثيرا حيث قال لا بد وان تتكيف مع ظروفك لأنك لو لم تتكيف معها ستعيش تعيسا إلى الأبد ...
فالمصدر الوحيد للسعادة هو أنت بقناعتك ومرونتك مع ظروف حياتك ....
لا تكن كالغصن اليابس إذا واجهته الريح انكسر وتهشم
لكن كن غصنا طرياه يفسح المجال لهذه الريح ثم يعود كما كان
القاعدة الثالثة :
ذكر نفسك دائما بالثمن الذي يتقاضاه القلق من صحتك ، واعلم أن رجال الأعمال الذين لا يعرفون كيف يكافحون القلق اقصر أعمارا . واذكر هنا بعض الأمراض العضوية التي يسببها القلق لصاحبه :
التهاب القولون ، ضعف النظر ، التهاب المفاصل ، تساقط الشعر ، حدة المزاج ، اضطرابات المعدة ، ضغط الدم ،،،، ويذكر أنه أثناء الحرب العالمية الثانية قتل من الجنود الأمريكيين ثلث مليون ، في حين مات من الشعب مليونين اتضح أن نصفهم – أي مليون – كانت وفاتهم بسبب القلق . هذا بالإضافة إلى ما تخسره من نظارة الوجه، ومن جمال العينين والبشرة...وغيرها .
الاسترخاء والترفيه وأثره في علاج القلق : لنتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( ساعة وساعة ) وهاهو يقف بعائشة رضي الله عنها عند لعب الحبشة تنظر إليهم حتى فرغت هي.. وهاهو صلى الله عليه وسلم يقول لطفل صغير " يا أبا عمير ما فعل النغير " يقصد طائر صغير كان له يداعبه .
ولنتذكر أن للاسترخاء والترفيه اثر كبير وكبير جدا على النفس.. فاجعل لنفسك ساعات كافية من النوم .. ولا تنسها من اللعب والمرح والترفيه.
الجزء الثاني
الطرق الأساسية لتحليل القلق
مشكلتنا أننا نريد أن نتخذ قرارا حاسما وبدون استخلاص للحقائق .. وهذا صعب وبصعوبته نهتم ..فنقلق
القاعدة الأولى:
استخلص الحقائق بالعمليتين التاليتين-
1 - عند استخلاص الحقائق عن أي مشكلة أتظاهر كأنما استخلصها لشخص أخر لأتخلص من تحكم العواطف بي.
2 - استخلص الحقائق التي تنافي مصلحتي أي حقائق ضدي.
أدون المجموعتين في ورقة، ثم اعلم أن القرار الحصيف هو قرار وسط بين المجموعتين. فلا أنت ولا أنا ولا اينشتاين ولا المحكمة الدولية على ذكاء وقدرة بحيث يتخذ قرارا صحيحا مئة بالمائة .
يقول العميد هوكس ( إن نصف القلق في العالم منشؤه محاولة الوصول إلى قرارات حاسمة قبل أن تكتمل لدينا المعلومات الكافية لاتخاذ القرار)
القاعدة الثانية:
بعد أن تزن الحقائق بعناية ، توكل على الله واتخذ قرارا.
القاعدة الثالثة:
متى اتخذت قرارا حصيفا ، أقدم على تنفيذه ، ولا تتهيب العواقب.
قلت ما أجمل قول الشاعر :
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة #### فإن فساد الرأي أن تترددا
القاعدة الرابعة:
عندما يساورك القلق على عملك ، أجب عن هذه الأسئلة الأربعة ودون إجابتك ثم اقرأها :
1 - ماهي المشكلة؟
2 - ماسبب المشكلة؟
3 - ماهي الحلول الممكنة؟
4 - ماهي أفضل الحلول؟
الجزء الثالث..
كيف تحطم عادة القلق قبل أن تحطمك ! !
القاعدة الأولى:
إذا أحسست بالقلق على شيء ما فاشتغل عنه بأي عمل،، فان العمل هو خير علاج للقلق .
القاعدة الثانية:
لا تهتم بتوافه الأمور، ولا تدع صغائر المشكلات تهدم سعادتك .
القاعدة الثالثة:
كلما ساورك القلق فقل لنفسك " أليس من الممكن إلا يحدث إطلاقا ما أنا قلق بشأنه ؟ ؟ "
القاعدة الرابعة :
ارض بما ليس منه بد ،وإذا أدركت فرصة لتغيير شيء ما وفاتتك الفرصة إلى غير رجعة فقل لنفسك: "هكذا أراد الله للأمر أن يكون ولا يمكن أن يحصل إلا ما حصل "
القاعدة الخامسة :
ضع حداً أقصى للقلق وقدر قيمة الشيء ولا تعطه من القلق أكثر مما يستحق .
القاعدة السادسة:
دع التفكير في الماضي ، فليست هناك قوة يسعها أن تعيد الماضي، ولا تحاول أبدا نشر النشارة ولا عجن العجين ولا برد البرادة .
الجزء الرابع
اجعل لنفسك اتجاه ذهني يجلب لك السعادة
القاعدة الأولى:
فلنعمر أذهاننا بخواطر الطمأنينة والشجاعة والصحة ، والأذكار الشرعية الباعثة في النفس الثقة بالله والرضا والقناعة. وقل لنفسك دائما " أنا سعيد ، وسأعيش سعيدا بإذن الله " واعمل مايجلب عليك السعادة .. فلليوم فقط نظف غرفتك، رتب مكتبتك، اهتم بغذائك وصحتك، اصنع الكعك، ابتسم، ولليوم فقط اشعر بالسعادة.
القاعدة الثانية :
فلنتجنب القصاص والانتقام ؛ فانه يؤذينا أكثر مما يؤذي أعدائنا.
القاعدة الثالثة :
1 - بدلا من أن نفكر بالجحود ، فلنسلم به ... يعني أن نتوقع الجحود من قبل أن يحصل .
2 - ليست السعادة في توقع الشكر على البذل، إنما السعادة في البذل ذاته.
3 - الشكر غرس يرى ويتعهد بالسقي لكي ينمو ويترعرع .
القاعدة الرابعة:
أحص نعم الله عليك .
القاعدة الخامسة:
الأولى بنا ألا نتشبه بأحد ،، فان التشبه انتحار.
القاعدة السادسة :
اجتهد أن تصنع من الليمونة الحامضة شرابا سائغا ، وإذا أعطيت ثعبانا فخذ جلده الثمين ودع باقيه .
القاعدة السابعة :
فلننس أنفسنا ، ولنحاول توفير السعادة لغيرنا .فإننا بذلك نشعر بأننا فعلنا شيئا إيجابيا فنفرح بذلك ، امسح رأس اليتيم ، خذ بيد العجوز ، ساعد الأعمى ، لاعب الطفل ، امزح مع الشاب .
الجزء الخامس القاعدة الذهبية لقهر القلق
إن المحيط مهما حصل من أعاصير وزوابع رعدية وأمطار وعواصف على سطحه ،، فان ذلك لا يؤثر على قاعه الهادئ الآمن .... وكذلك إذا امتلأ عمق الإنسان بالإيمان فانه لا تؤثر فيه ما يمر به من مشكلات ومصائب ،،،، وقد أثبتت دراسات أجريت في أمريكا انه كلما كان الإنسان اقرب إلى الله وأكثر إيمانا به قل تأثره بالمشكلات ، وعلى العكس كلما قل الإيمان تأثر الإنسان من أدنى مشكلة ومن توافه الأمور .
فلماذا لا نتجه إلى الله إذا استشعرنا القلق ؟؟
ولماذا لا نؤمن بالله ونحن في اشد الحاجة إلى هذا الإيمان ؟؟
ولماذا لا نربط أنفسنا بالقوة العظمى المهيمنة على هذا الكون ؟؟ حين تنفد قوانا ونشعر باليأس نتجه إلى الله، فلماذا بالله ننتظر حتى يتولانا اليأس؟ لماذا لا نجدد قوانا كل يوم بالصلاة والدعاء والحمد ؟