معجزة خلق الإنسان ـ أهمية التخطيط بين الخلايا
بقلم الكاتب التركي هارون يحيى
ندقق النظر في نمو الجنين نرى تناسقاً وتوازناً تامين في هذا النمو . وفي نهاية الشهر الأول نرى بدء ظهور العينين والأذنين والأنف والفك والوجنتين في الجنين .
في أثناء هذا النمو المتناسق يكون من المهم استمرار النمو من جهة والتشكل ( أي أخذ الأعضاء شكلاً معيناً ) من جهة أخرى، مع استمرار التغير البنيوي .
ويشترط أن تجري هذه التغيرات في جميع أجزاء الجسم بشكل متناسق، لأن جميع الأعضاء في جسم الإنسان تملك تراكيب معقدة غاية التعقيد . فمثلاً يوجد في العين وحدها أربعون جزءاً مستقلاً، ولكن تقوم العين بوظائفها يجب أن يتحقق بين هذه الأجزاء نمو متناسب وأن توجد رابطة قوية فيما بينها، وأن يكون كل جزء في المكان المخصص له تماماً، وإلا عجزت العين عن القيام بوظائفها .والشيء نفسه ينطبق عند تشكل الذراع، إذ يجب تشكل العظم والعضلات في الوقت نفسه .
ويظهر من هذا ان جميع خلايا الجنين تتحرك بتناسق وتناغم وكل خلية على علم بالخطة العامة للجسم، وكل خلية من هذه الخلايا ترسل بعض إشارات شيفرية وتظهر رد فعل على الإشارات الشيفرية التي تتلقاها . أي أن خلايا الجنين بأجمعها تعمل ضمن نسق واحد، وتقوم هذه الخلايا ـ وكأنها بينها تفاهماً جماعياًـ بالاستفادة من المعلومات الموجودة في جزيئات DNA وتستعمل ما تحتاج إليه من هذه المعلومات وتكتسب مواصفات وخصائص يختلف بعضها عن البعض الآخر .
ولكن كيف تعرف كل خلية المكان الذي يجب عليها الذهاب إليه ؟ وكيف تعرف أي عضو ستقوم بتشكيله ؟ وكيف تنجح في إظهار كل هذه التناسق مع الخلايا الأخرى التي تعمل معها ضمن إطار واحد؟ ومن الذي يقرر كيفية استعمال المعلومات الجينية الموجودة في الخلايا ؟
ومن الذي يقرر كيفية تمايز الخلايا وتنوعها ؟
لا يوجد عضو ناقص ولا عضو زائد في أجسامنا . إن النقص في أعضائنا يكون أحياناً مميتاً، أو سبباً لعاهة في ادنى الحالات . أما حالة الزيادة فإن العضو الزائد يشكل حملاً وعبئاً لا داعي له . لذا وجب تعيين عدد أعضاء الجسم منذ البداية، ولكن كيف يتم تعيين هذا العدد ؟ ؟ فعندما تبدأ مجموعة من الخلايا بتشكيل وصنع عضو ما كيف لا تقوم مجموعة أخرى بتشكيل وصنع العضو نفسه ؟
انصار نظرية التطور يزعمون أن جزيئة DNA مسؤولة عن هذه الوظيفة وهم يطلقون هذا الزعم الغريب للتخلص من هذه المشكلة . ولكن هذا مجرد خداع، لأن النقطة التي يجب الوقوف عندها هنا هي : من الذي أودع كل هذه المعلومات في جزيئة DNA ؟
والأهم من هذا : من الذي يقرر استعمال هذه المعلومات في المكان الفلاني وفي الوقت الفلاني وكيف يستعملها ؟ لا يملك التطوريون جواباً على هذه الأسئلة، فلا تملك الذرات التي تؤلف هذه الخلايا، ولا الأنسجة أو الدماء الجارية فيها، ولا الكائن الحي ولا أي مادة أخرى القدرة على إصدار مثل هذا القرار . إن الله سبحانه وتعالى هو وحده الذي وضع هذه الخطة الرائعة في الخلايا بشكل شيفرات، وهو الذي يلهم الخلايا واجباتها ويعلمها كيفية تحقيق هذه الخطة وتطبيقها ،لأنه هو القادر على كل شيء .
معجزة خلق العين :
عندما يبلغ عمر الجنين أربعة أسابيع يظهر تجويفان في جانبي الرأس، ومع أن الأمر يبدو غير قابل للتصديق فإن العينين ستصنعان في هذين التجويفين .
تبدأ العين بالتكون في اليوم 22 على هيئة أخدود بصري optic groove في يوم 28 تتكون الحوصلة البصرية optic vesicle ثم تغلظ العدسة lens placode وفي الاسبوع السابع يتكون بؤبؤ العين pupil، حيث تبدأ الخلايا بصنع الأجزاء المختلفة من العين طوال عدة أشهر ضمن خطة خارقة لا يتصورها العقل، فبعض الخلايا يقوم بصنع قرنية العين وبعضها بؤرة العين وبعضها عدسة العين، وعندما تصل الخلية إلى حدود نهاية ذلك القسم تتوقف عن العمل . كل خلية تعمل لصنع جزء من العين، ثم يتم الاتحاد بين هذه الأجزاء بشكل رائع . ولا يحدث أي اختلاط بين هذه الأجزاء، فلا تتكون مثلاً طبقة أخرى من الخلايا في موضع بؤرة العين ولا في موضع قرنية العين أو عضلاتها . كل قسم وكل جزء يكون في مكانه الصحيح بدقة متناهية وتستمر هذه العمليات، وأخيراً يتم إكمال صنع العين ( المتكونة من طبقات عديدة ) بشكل معجز وكامل .
هنا نسأل أنفسنا بعض الأسئلة : من أين تعرف هذه الخلايا أن عليها إنشاء طبقات مختلفة ؟ وكيف تقرر بدايات هذه الطبقات ونهاياتها ؟ ليس لهذه الأسئلة إلا جواب واحد، وهو أن هذه الخلايا تتحرك حسب الإلهام الإلهي، ولذلك تستطيع التصرف بوعي .
أما أنصار التطور الذين يعزون نشوء الإنسان إلى المصادفات فلا يملكون جواباً شافياً . ومن التطوريين الذين يشرحون الخطط الرائعة الموجودة في جسم الإنسان العالم هو بمرفون ديتفورث، ففي كتابه "الليل الهاديء للدينصورات " يتحدث عن نمو الجنين ونشوء الإنسان بالتفصيل، وهو يعترف بأن نظرية التطور لا تستطيع الإجابة على أسئلة مثل : كيف ؟ ولماذا؟ يقول : " عند إنشاء الأبنية فإن كل خطة ـ مهما كانت جيدة ـ محكومة عليها بالفشل إن لم يكن معروفاً أين ومتى سيبدأ البناء ,إن لم يوجد تخطيط لمراحل هذا البناء وتسلسل الأعمال فيه، فنحن نعلم أن أي بناء يبدأ العمل فيه من أسسه وبعد أنتهاء الجدران يوضع السقف، وأنت لا تستطيع القيام بأعمال الدهان في البناء قبل أكمال الأعمال الكهربائية والصحية .. الخ .. وإلى جانب وجود تسلسل معين في مراحل البناء كذلك يجب أن تتبع عملية البناء تنظيماً زمنياً معيناً . وهذا الأمر يجري مثله في الأبنية التي تقوم الطبيعة ببنائها، ومنها الخلايا، ولكننا لا نكاد نعرف أي شيء عن كيفية تحقيق علاقات التقديم والتأخيرعلى مستوى الخلايا . ولم يجد علماء الأحياء حتى الآن الجهة التي توعز للخلايا بعمل وتنفيذ أي جزء من الخطة وتوقيت هذا العمل . فبينما يتم تعويق بعض الجينات في اللحظة المناسبة وفي التوقيت الصحيح نرى أن بعضها الآخر يسمح له بالعمل . وأسئلة مثل : من الذي يعطي أوامر الخطر لبعض الجينات وأوامر السماح لجينات أخرى مثل هذه الأسئلة يلفها الظلام حتى الآن .
وفي تكوين العين ( التي تعد أفضل آلة تصوير في العالم ) نرى أن الخلايا المحرومة من الشعور ومن الوعي تتصرف وكأنها تملك شعوراً ووعياً وعقلاً لا حدود له، والنتيجة هي أن يتم صنع عيني الجنين في بطن الأم من لا شيء تقريباً . لا شك أن إنجاز هذا العمل لا يعود إلي الخلايا لأن هذه الخلايا إنما تتحرك بإلهام من قبل العليم الخبير والله تعالى يخبرنا في احدى الآيات بأنه هو المصور ( المشكل ) وهو الذي يقوم بهذا كله :
(هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الحشر:24).
اكتساء العظام بالعضلات :
حتى وقت قريب كان يعتقد أن العظام والعضلات تظهران وتنموان معاً، غير أن البحوث الأخيرة أظهرت حقيقة مختلفة تماماً لم يكن أحدٌ ينتبه إليها، وهي أن نسيج الغضاريف في الجنين يتحول إلى عظام أولاً، ثم يتم اختيار خلايا العضلات من الأنسجة الموجودة حول العظام لتتجمع هذه الخلايا وتلف العظام .
غير أن هذه الحقيقة التي كشفها العلم حديثاً قد أخبرنا ربنا عز وجل بها في القرآن قبل 1400 سنة :
(ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (المؤمنون:14) .
هذه الحقيقة العلمية التي وردت في هذه الآية قبل قرون يتم شرحها في كتاب علمي حديث اسمه " نشوء الإنسان " كما يأتي : " في الأسبوع السادس وكاستمرار للتغضرف ( أي التحول إلى غضاريف ) تتم أول عملية تحول إلى عظام في عظم الترقوة، وفي نهاية الأسبوع السابع يبدأ التعظم (أي التحول إلى عظم ) في العظام الطويلة . وبينما تستمر العظام بالتكون يتم اختيار خلايا العضلات من النسيج المحيط بالعظم حيث تبدأ العضلات بالتكون، ويبدأ نسيج العضلات بالانقسام حول العظم إلى مجموعة أمامية ومجموعة خلفية .[1]
والخلاصة أن مراحل نشوء الإنسان المذكورة في القرآن الكريم منسجمة تماماً مع مكتشفات علم الأجنة الحديثة، وقد أخبر الله رب العالمين الناس بهذه الحقيقة قبل قرون طويلة من الزمان .
التحضيرات المتخذة للعالم الخارجي :
بينما تنمو أعضاء الجنين تدريجياً وتدبّ فيها الحركة تكون هناك عمليات تحول بانتظام الجنين، لأن من الضروري تهيئة الجنين للعيش في ظروف مختلفة تماماً عن ظروف
المستقر الآمن الموجود فيه في الرحم .
لذا يجب البدء بالتحرك تدريجياً وتشغيل أعضاء الجنين الناشئة حديثاً . ولا شك أن هذا الموضوع يتم حله بشكل كامل، حيث يبدأ سائل خاص بالدوران داخل الغشاء الذي
يفصل الجنين عن الرحم، وتقوم كلية الجنين ورئته والغشاء السلي ( وهو الغشاء الداخلي الذي يحيط بالجنين مباشرة ) ورحم الأم بصنع هذا السائل بشكل مشترك ء[2].
**********************////////////////////////////////*****************
السائل السلي : سائل الحياة للجنين :
هذا السائل المحضر بشكل خاص للطفل يسهل استعمال الأعضاء فيما بعد الولادة .
ويقوم الطفل بنوع من التمرينات في هذا السائل للتهيؤ للعالم الخارجي والتكيف له، فيشرب هذا السائل بشكل منتظم، وهكذا يتعود لسانه على تذوق المالح والمر والحلو
والحامض وبعد مرة تنشط غدده اللعابية أيضاً . كما أن السائل السلي الذي يشربه الجنين يساعد على تهيئة الأمعاء لعمليات الامتصاص من جهة، ومن جهة أخرى يهيئ
الكليتين للقيام بامتصاص هذا السائل من الدم على الدوام أي يعمل على تشغيل الكليتين .
والسائل الممتص من قبل الكليتين يرجع مرة أخرى إلى السائل السلي، ولكن هذه العملية لا تلوث السائل السلي لأن الكليتين ـ خلافاً لطريقة عملهما الحالي ـ تجعلان السائل
الذي يشربه الطفل معقماً عندما تقومان برشحه، وهما تملكان بنية مؤهلة لهذا العمل . ثم إن هذا السائل يتم تنظيمه على الدوام بمعونة سوائل أخرى مثلما يتم تنظيف حوض ماء .
وبجانب هذه التطورات تبدأ سوائل الهضم في المعدة بالإفراز لتهيئة جهاز الهضم وجعله على أهبة الاستعداد [3]كما تقوم الخلايا الموجودة في أمعاء الطفل باكتساب قابلية
التمييز بين الأملاح وبين السكر، وبعد مدة ترسل فضلات هذه المواد إلى دم الأم، وبهذا تكون الأمعاء والكليتان قد تحولت إلى وضع فعال . ويتم امتصاص السائل السلّي
من قبل أمعاء الجنين كل ثلاث ساعات ( أي ثماني مرات في اليوم ) ويرسل عن طريق الدم إلى دم الأم ويقوم رحم الأم، وكذلك رئتا الجنين وكليتاه، بإنتاج وصنع الكمية
نفسها من هذا السائل الممتص وترسل إلى حوض السائل السلي، وهكذا يتم الحفاظ على كمية هذا السائل الحيوي بالنسبة للطفل . وبفضل عمل هذه المنظومة يقوم الجنين
بتشغيل جهازه الهضمي دون أن يصاب بأي ضرر . يزداد مقدار السائل السلّي باطراد متوازن مع نمو الجنين، ففي الأسبوع العاشر يبلغ مقدار 30ملغم، وتزداد هذه الكمية إلى 350 ملغم في الشهر الخامس، ثم تبلغ لتر واحدا في الشهر السابع. أما عند الولادة فتنقص هذه الكمية إلى النصف
///////////////////////////////////****************///////////////////////////
صورة لرأس الجنين داخل الرحم
ولا يقتصر عمل هذا السائل على تهيئة الجهاز الهضمي للطفل لما بعد الولادة، بل يساعد الجنين على الحركة بسهولة في رحم أمه، فيسبح وكأنه زورق مربوط برصيف ميناء أي أنه يتحرك بكل أمان في رحم أمه . كما أن هذا السائل يحفظه من جميع الضربات
التي قد تأتيه من الخارج، لأن أي ضغط مطبق على السوائل يتوزع إلى جميع الاتجاهات، وبهذا يحفظ الجنين من أي تأثيرات سلبية .
فمثلاً لو ركضت الأم فلا يتأثر الجنين من أي اهتزازات، وهذا يشبه عدم تحرك قطعة الفلين الموضوعة داخل إناء عندما ترج هذا الإناء . لقد تم اتخاذ جميع التدابير مسبقاً ضد جميع الأخطاء المتوقعة، وبذلك يكون الجنين محاطاً بنظام حماية فعالة .
ووجود هذا السائل وبقاء الجنين سابحاً داخله مهم من ناحية صحة الأم كذلك . فهذا السائل يملأ فراغات الرحم، وبهذه الوسيلة فإن الجنين الذي ينمو على الأيام لن يلقى ثقلاً كبيراً على الرحم . ولو لم يكن هذا السائل موجوداً لزاد ضغط الجنين علىالرحم بإزدياد نموه، ولو حصل هذا لكان رد الفعل الذي يحدثه جدار الرحم على الجنين مانعاً له من النمو الطبيعي .
والشيء الحيوي الآخر الذي يقدمه هذا السائل للجنين هو توفير حرارة ثابتة له . فكما هو معلوم فإن السوائل توزع الحرارة بشكل متساو، وهذا السائل الذي يبدل على الدوام له حرارة معينة، وهو يوزع هذه الحرارة التي يحتاجها الجنين في أثناء النمو إلى جميع الجهات بشكل متساو.
ولو حدث أي خلل في أثناء صنع هذا السائل أو في تنظيفه المستمر أو في مقداره لاختل نمو الجنين . فمثلاًً لو كان مقدار هذا السائل أقل من المطلوب أو لو لم يتوفر أصلاً لظهرت سلسلة من التشوهات، حيث تقصر الأعضاء وتتشوه وتكون المفاصل قطعة واحدة ويزداد سمك الجلد، ونتيجة للضغط يتشوه الوجه . أما أهم مشكلة فتظهر في بنية الرئة وفي هذه الحالة يموت الطفل حال الولادة[5].
صورة لوجه الطفل في شهره الرابع قال الله تعالى في كتابه : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين)
*/*/*//*/*/*/*/*/*/*/*/*/*/*/*/*////////*/*/*/*/***********/*/*/*//*/*/**/-*-*/
كل هذه المعلومات ترينا أن صنع وإنتاج هذا السائل الحيوي مستمر بشكل صحيح ودون نقص منذ وجود أول إنسان حتى الآن، لأنه يستحيل نمو الجنين في بطن أمه دون وجود هذا السائل . وهذا ينقض تماماً دعوى التطورين بأن الإنسان قد تطور بمراحل بطيئة ضمن شريط زمني طويل . فلو اختلت أي مرحلة من مراحل نشوء إنسان جديد (مثلاً لو نقص إنتاج أو صنع هذا السائل الذي شرحناه باختصار ) لاستحالت الولادة ولفني النسل الإنساني قبل أن يتكون . ولذلك فالقول بأن هذا السائل لم يتم صنعه إلا بعد زمن وبعد إحساس الحاجة إليه قولً ينافي الحقيقة والواقع، لأن هذا السائل يجب أن يوجد مع الطفل حتماً وبشكل مترافق، ومن المستحيل الزعم بأنه ـ وهو يحمل عبء مثل هذه المهمات الكبيرة والضرورية ـ قد ظهر نتيجة للمصادفات العمياء وفي لحظة واحدة .
**********************************************************
التحضيرات للتنفس الأول :
عملية التنفس هي أهم عملية للطفل بعد الولادة، فعلى الرئتين ( اللتين لم تعرفا حتى لحظة الولادة الهواء ولم تتعاملا معه أبداً ) أن تمتلئا بالهواء وأن تبدأ بعملية التنفس . تبدأ الرئتان بعلمية التنفس بشكل طبيعي مع أنهما لم تجربا من قبل هذه العملية لأن على الجنين ( الذي كان يتزود بالأوكسجين من دعم أمه ) أن يأخذ حاجته من الأوكسجين من الهواء بواسطة رئتيه من الآن فصاعداً .
إن الله تعالى الذي هيأ كل شيء للطفل الذي خلقه قد أتم جميع التحضيرات الضرورية في تكوين رئتيه أيضاً . وقد أوكل إلى الحجاب الحاجز ( الذي يربط القفص الضدري بالبطن ) مهمة تهيئة الرئتين للتنفس . يبدأ الحجاب الحاجز بالعمل وعمر الجنين يقارب ستة أشهر، فيبدأ أولاً ببعض حركات التقلص والانبساط في الساعة الواحدة وعلى فترات متقاربة، ولكنه يستمر في هذه العملية بعد الولادة بشكل دائم .
من هذه الأمثلة نعلم أن الطفل يكون تحت رعاية خاصة . ويجب ألا ننسى أن هذه وجميع الرعاية لا تعود إلى الأم، فبينما يستمر الجنين بالنمو تكون الأم مستمرة في حياتها العادية، وجميع التغيرات الحادثة في جسمها تكون خارج إرادتها وخارج سيطرتها ولا تستطيع التدخل في هذه العمليات حتى وإن أرادت ذلك . وجميع هذه العمليات والفعاليات تحدث بفضل القدرة اللانهائية لرب العالمين . وجميع التفصيلات الضرورية لنمو الطفل إلى إنسان سوي وطبيعي في الحياة يتم خلقها بأفضل صورة، وهكذا تتم الاستجابة لجميع متطلبات الطفل وهو جنين في بطن أمه من جهة، وتتخلص الأم من جهة أخرى من التفكير في كيفية المحافظة على حياة جنينها وطفلها .
وحتى لو فكرت الأم بما يجب عليها عمله فإنها لن تستطيع عمل أي شيء فمثلاً لا تستطيع أي ام القيام بنقل فضلات المواد من جسم جنينها إلى كليتيها لإتمام عملية التنظيف والتخلص منها بطرحها خارجاً، فالله تعالى وحده الذي يعرف جميع حاجات كل وليد جديد وهو الذي يضع وينشئ المنظومات التي تستجيب لهذه الحاجات والمتطلبات . أضغط هنا لقراءة المزيد