الحملة الصليبية الثالثة بين عامي 1189 م و1192 م كانت محاولة من القادة الأوروبيين لإعادة السيطرة على الأرض المقدسة بعد أن عاد ليسيطر عليها المسلمون بقيادة صلاح الدين الأيوبي.
خلفية تاريخية
بعد فشل الحملة الصليبية الثانية، أصبح لنور الدين السيطرة على دمشق ووحد سوريا تحت رايته، وكان وصول نبأ سقوط مملكة القدس إلى أوروبا كنتيجة لمعركة حطين صاعقا. فإن البابا أوربان الثامن ما أن علم بما حدث، حتى توفي من وقع الصدمة. ودعا خليفته، البابا غريغوريوس الثامن، بمنشور باباوي بتاريخ 29 أكتوبر 1187 م وزعه من فيرارا، الكاثوليك إلى حملة صليبية جديدة، وأمرهم بالصيام كل أسبوع في يوم الجمعة على امتداد خمس سنوات، كما أمرهم بالامتناع كليا في هذه الحقبة من الزمن عن اكل اللحم مرتين في الأسبوع، والدعوة إلى الحرب الصليبية -وقد قام بها ببالغ الهمة الكاردينال إنريكو من ألبانو-، وبعد شهرين حلّ البابا كليمنت الثالث مكان غريغوريوس، واستكمل المهمة، وقام الكاردينالات بالتطواف مشيا على الأقدام في عموم فرنسا وإنجلترا وألمانيا.
انطلاق الحملة
قامت الحملة الصليبية الثالثة من سنة 1189 م إلى سنة 1192 م، واشترك فيها بوجه الخصوص الإقطاعيون الكبار والفرسان من بلدان أوروبا الغربية، وكانت المصالح التجارية في الشرق للدول الإقطاعية قد اكتسبت مكانا مهما في سياساتها.
قاد الجيوش الصليبية كل من ملك فرنسا فيليب أوغست الثاني، ملك إنجلترا ريتشارد الذي لقب لاحقا بقلب الأسد، وملك الجرمان (ألمانيا) فريدريك الأول بربروسا، وتحركت القوات الألمانية قبل غيرها في 11 مايو 1189 والتي كان قوامها قرابة 30 ألفاً من الفرسان والمشاة، وأدت حملته إلى خراب في مملكة بيزنطة، ولكن بربروسا غرق في 10 يونيو 1190 في نهر اللامس، مما أحدث ربكة في صفوف الصليبيين، فعاد بعضهم وجحد بعضهم الآخر بالمسيحية فاعتنق الوثنية وأكمل الباقون حتى وصلوا إلى عكا. أما الفرنسيون والإنجليز، فلم ينتهوا من الاستعداد للحملة حتى صيف 1190، وفي 4 يوليو 1190، عبر ريتشارد وحاشيته مضيق المانش، واجتمعت الفصائل الإنجليزية والفرنسية في مدينة فيزليه، ولكن القوات انفصلت وتوجه الفرنسيون إلى جنوة والإنجليز إلى مرسيليا حيث كان أسطول ريتشارد المكون من 200 سفينة ينتظر بعد التفافه حول إسبانيا، ومن هناك انطلق الجيشان إلى صقلية، حيث وصلوا في سبتمبر من 1190، وقرروا قضاء الشتاء هناك، وفي تلك الفترة، كان ريتشارد يعمل لأجل توسيع نفوذه بالسيطرة على صقلية، مما أدى إلى تردي العلاقات بين قائدي الجيشين.
بعد حوالي ستة أشهر في صقلية، أبحر فيليب الثاني من مسينا في 30 مارس 1191 م، ولحق به حليفه الذي لم يعد رفيق طريقه بعد 10 أيام، فمضى الفرنسيون إلى صور، أما ريتشارد فاحتل في طريقه جزيرة قبرص، الأمر الذي أصبح ذا أهمية كبرى فيما بعد، فإن ممالك الصليبيين لم تكن لتصمد لمئة سنة أخرى إلا بفضل الدعم العسكري من قبرص.
قام الصليبيوون بحصار عكا، فكان الفرنسيون وفصائل الأسياد المحليين والألمان والدينماركيون والفلمنكيون الإيطاليون، واستمر حصار هذه القلعة المنيعة أشهرا، ساهم في طول هذا الحصار الخلاف الداخلي في صفوف الصليبيين، ووصل ريتشارد إلى عكا في 7 يونيو 1191، وفي 11 يوليو 1191 م، بدأ هجوم عام، كان ريتشارد من اقترحه، وفي اليوم التالي استسلمت المدينة التي أنهكها الحصار المديد، وجرت مذبحة بأمر ريتشارد وتحت قيادته في عكا، قتل فيها رجاله أكثر من ألفي مسلم أخذوهم من صلاح الدين بعد فتح عكا كرهائن.
وتلى ذلك محاولات قادها ريتشارد لاحتلال مدن أخرى، باءت بالفشل وجسّدت ريتشارد في صورة بنزعة إلى سفك الدماء، وفي 2 سبتمبر 1192 عقد الصلح مع صلاح الدين بما عرف بصلح الرملة، واحتفظ الصليبيون بشريط ساحلي يمتد من صور إلى يافا، ويحكم المسلمون بقية المناطق في بلاد الشام من ضمنها القدس، وسمح صلاح الدين للحجاج والتجار بزيارة القدس.