الحملة الصليبية الرابعة (1201-1204) كان هدفها الأول احتلال القدس عن طريق غزو مصر ولكن بدلا عن هذا في أبريل 1204 احتل صليبيو الغرب مدينة القسطنطينية اليونانية الأرثوذكسية عندئذ وعاصمة الإمبراطورية البيزنطية. وهذا ما وصف مرارا بأنه أحد أكثر احتلالات المدن ربحا وإهانة في التاريخ..
خلفية
بعد الحملة الصليبية الثالثة, لم يتحمس الاوروبيون لحملة رابعة خاصة انهم خسروا القدس للدولة الأيوبية التي فرضت نفوذها على مصر و سوريا و لم يتبقى للصليبين سوى بضع مدن متفرقة تابعة لمملكة القدس و مركزها عكا. دعا إليها البابا اينوقنتيوس الثالث في 1202 بالرغم أن التحضيرات كانت قد بدأت عام 1199 و لاقت تجاهلا من قبل الملوك الاوروبيين فالملوك الألمانيون كانوا في صراع دائم مع السيطرة البابوية, اما الانجليز و الفرنسيون فقد كانوا في حالة حرب مستمرة، لكن مع هذا تم تنظيم و حشد جيش عام 1199 بقيادة الكونت ثيباوت لكنه توفي عام 1201 و خلفه الكونت الإيطالي بونيفيس وكانت خطة الصليبيين الأولية تتلخص في دفع القوات الصليبية إلى مصر ودحر القوة الإسلامية في المنطقة ثم شن الحرب من هناك للسيطرة على القدس، وكان للبندقية، المدينة الايطالية الساحلية، تأثيرا كبيرا على أحداث هذه الحملة، فالبندقية كانت المنطلق البحري لتلك الحملة، ولكن الحرب ضد مصر لم تطب للبندقية، فقد كانت لها علاقات تجارية منظمة جيدا مع مصر. أرسل بونيفيس مبعوثين الى جنوى و البندقية للتفاوض حول نقل الجنود الى مصر لكن مدينة جنوى لم تكن مهتمة بالأمر فبدأت المفاوضات مع البندقية وحدها التي وافقت على نقل 33,500 جندي صليبي مقابل 85 الف مارك ذهبي، وكان الدفع على اربعة اقساط على ان يدفع القسط الأخير في موعد لا يعدو ابريل 1202. هذا استدعى سنة كاملة من التحضير لبناء السفن و تدريب البحارة الذين سيقودون السفن كما عنى أيضا وقف جميع الأنشطة التجارية الأخرى لسكان البندقية.وتقدم البابا عندما صادق على المعاهدة بشرط مسبق مثير للجدل، كثير الدلالة، مفاده ان الصليبيين الذاهبين على متن سفن البندقية لمحاربة "الكفار"، "لن يرفعوا السلاح ضد المسيحيين"، ويؤكد بعض المؤرخين ان الدوق انريكو دندولو، دوق البندقية العجوز، كان قد رسم المعاهدة بشكل يتحكم بالقوات الصليبيية، فقد كان يقدّر ان الصليبيين لن يستطيعوا جمع العدد الكافي من المقاتلين وبالتالي سيقعون في ازمة مالية يكونون فيها مثقلين بالديون للبندقية، وهذا ما حصل، وتحولت الحملة الموجهة إلى مصر إلى حملة معادية للامبراطورية البيزنطية المسيحية الشرقية. وأصبحت الحملة عبارة عن تدمير لمنافسي البندقية في التجارة في المتوسط، فنحو صيف 1202 اخذت تتجمع شيئا فشيئا في البندقية فصائل الصليبيين الفرنسيين والالمان والايطاليين، ولكن عددهم لم يكف لتسديد الديون المترتبة، مما جعلهم تحت رحمة البندقيين الذين كانو يمدوهم بالطعام والسفن، ولكن في اغسطس 1202، وصل إلى البندقية القائد الأعلى للصليبيين بونيفاس دي مونفيرات، وتواطأ بونيفاس مع دوق البندقية على تحويل الهجوم، ففي 8 أكتوبر 1202 ابحر اسطول الصليبيين من البندقية واحتل زادار المجرية التي دافعت دفاعا مستميتا، وأصبحت زادار تحت حكم البندقية.
اعرب الكرسي الرسولي عن غضب يليق بالحادثة، ولكنه لم يتخذ اجراءات فعلية، فهدد بحرم الفرسان من الكنيسة، ولكن الهجوم كان إلى حد ما في مصلحته، فكان وسيلة لتوحيد الكنيسة تحت رايته، فكان تأكيده لتحريم الاستيلاء على املاك الروم (بيزنطة) مشوبا بفجوات مثل "الا إذا شرعوا يقيمون دون تبصر العوائق امام حملتكم"، وفي 24 مايو 1203، غادر الاسطول كورفو التي كانت محطة له إلى القسطنطينية.
في القسطنطينية واجه الصليبيون خصم ضعيف، فبيزنطة ارهقتها الحملات السابقة، والاتاوى والضرائب المتزايدة وتناقص واردات الدولة، فوصلوا إلى شواطئها في 23 يونيو، وبدأت العمليات العسكرية في 5 يوليو 1203، ففر امبراطور بيزنطة الكسيوس الثالث، وعمليا استسلمت القسطنطينية البالغ تعداد سكانها زهاء 100 الف في 17 يوليو 1203. وجرى تقسيم بيزنطة بين الصليبيين والبندقية ودمرت اثار ثقافة عريقة، وأصبحت أحداث 1202-1204 تظهر الصليبيين على انهم ليسوا حماة اتقياء للدين ولكن مغامرون جشعون، وأصبحت الحملات بحاجة إلى تبريرات بعد أن كانت امرا الهيا باسم الكنيسة.
وبعد هذه الحملة اهملت قضية القدس بضع سنوات، واستغرق البابا اينوقنتيوس الثالث كليا في الشؤون الأوروبية المعقدة والمشوشة، فكان ان شغله النزاع الإنجليزي الفرنسي، والصراع بين الاحزاب الاقطاعية في ألمانيا وتنظيم عدوان الفرسان الالمان على شعوب منطقة البلطيق، ولا سيما خنق الهرطقة (الادعاءات الضلالية) الالبيجية (Albigensian(في جنوب فرنسا بين عامي 1209 و1212، التي اعتبرت من قبل بعض المؤرخين واحدة من الحملات الصليبية!