معاهدة التافنة

معاهدة التافنة

كان الأمير عبد القادر على وعي تام بحالة الرأي العام في فرنسا فقد كان مشتركا بانتظام في الصحافة الفرنسية وكانت مناقشة البرلمان والمقالات الهامة عن الشؤون الجزائرية تترجم

وكان يتتبع سياسة الحزب الليبرالي الذي كان يوافق ويؤيد من الصميم المبدأ الذي طرحه الخطيب الرئيسي لذلك الحزب وهو السيد دوبان dupin الذي استنكر مغامرة الجزائر على إنها إرث مميت خلفه النظام السابق نظام شارل العاشر ونادى بوجوب التخلي عن ذلك الإرث حيث كان يقول : "إذا كنا لا نود أن نرى آخر رجالنا وآخر أبنائنا يبتلعون ابتلاعا في الجزائر "

وقد فهم عبد القادر من المعنى العام من المقتطفات التي كانت تقرا له أن كثيرا من السياسيين البارزين في فرنسا كانوا ينظرون إلى الاستعمار في الجزائر على انه حلم وأنهم كانوا يعتبرون كل العمليات الحربية هناك هدرا لكثير من الدم والمال وأنهم كانوا يعتقدون أن سياسة فرنسا الحقيقية يجب أن تكون مجرد الاحتفاظ ببعض المراكز الساحلية بهدف منع القرصنة وإقامة علاقات سليمة وشريفة مع أهالي البلاد وعندما رأى عبد القادر بالإضافة إلى ذلك أن البرلمان الفرنسي قد استجاب عمليا لهذه الآراء برفضه التصويت على إرسال أكثر من 30000جندي للجزائر وعندما علم أن الرأي العام كان بعد نكبة هزيمة قسنطينة في صالح الجلاء حالا من الجزائر أكثر من أي وقت مضى اعتقد انه مع قليل من المثابرة سينجح في الحصول على الشروط التي تجعله قادرا على تحقيق الفكرة العزيزة عليه وهي تأسيس مملكة عربية مستقلة

إن الاقتراحات التي أرسلها الأمير عبد القادر إلى بيوجو pugeauابعد ما تكون عن المصالح الفرنسية الى درجة ان بيجو ققر تنفيذ الجزء الثاني من برنامجه وهو اللجوء الى السلاح وهكذا ففي بداية شهر ماي 1837جمع كل قواته التي كانت تتكون من 12000جندي في معسكر التافنة استعدادا لعمليات هجومية ولكنه عندما استعرض موارده وجد ان وسائل النقل لا تصلح للمناسبة فاضطر الى تاجيل مسيرته

ان الحصول على الحيوانات من الاهالي كان غير ممكن والتموين من فرنسا كان غير متوقع وكانت حرارة الصيف التي كانت مميتة للجنود في الميدان تقترب بسرعة وكان الوقت لحصار قسنطينة الثاني قد حان وكان قد التزم بارسال جزء كبير من جيشه الصغير للمساهمة في ذلك الحصار وكانت الحكومة المحلية قد اتمت الاستعدادات معتمدة اعتمادا كاملا على تحقيق هذا الوعد بالمساهمة حيث كانت قاعدة الهجوم هي عنابة

لذلك اصبح السلام مع عبد القادر مهما كان مهينا ضرورة لا مناص منها وهكذا اعلم الفرنسيون عبد القادر ان باب التفاوض مازال مفتوحا فرد عليهم بطلب مهلة عدة ايام للتفكير

وهناك عدة اسباب تعاقبت فجعلت عبد القادر حريصا على ان تكون حركته قائمة في اتخاذ خطوة هامة مثل عقد الصلح من جديد مع الفرنسيين تلبية رغبات القبائل عامة.فقد اتهمه الحزب المتعصب بالطموح الشخصي وبالتضحية بمبادئ الدين المقدسة في سبيل اغراضه الشخصية الانانية التى تجري وراء العظمة اما الخارجون عن القانون واولئك الذين لا يريدون الهدوء وكل الذين كانوا يشعرون ان عودة السلام ستؤدي لا محالة الى استسلامهم دون ان تكون لهم قوة لمقاومة السلطة كانوا يبحثون عن سبب فقط ليلبسوا ثوب الدين وينضموا الى المتعصبين في دعوتهم التي لا معنى لها

غير ان عبد القادر عزم بمهارة فائقة ونظرة بعيدة على سحب البساط من تحت اقدام هؤلاء المعارضين فطلب السلام ودعا الى مؤتمر عام يجتمع على ضفة نهر الهبرة في 25ماي1837 وقد حضر هذا المؤتمر بناء على الدعوة كل شيوخ القبائل وزعماء الفرسان العسكريين والمرابطون المحترمون واعيان المحاربين في اقليم وهران

وقد افتتح الأمير المؤتمر بالكلمات التالية "لا اريد ان اسمع احدكم يتهمني بالرغبة في عقد الصلح مع المسيحيين ان قضية السلام والحرب قضية انتم الذين تبتون فيها ".ثم تابع حديثه فشرح طبيعة المراسلات التي تمت بينه وبين بوجو والاقتراحات والعروض التي تقدم بها كل منهما الى الاخر وفي الختام علق بعناية على كل مادة في الشروط التي تقدم بها هو الى الجنرال الفرنسي في 12ماي .

وتلا ذلك مناقشة طويلة وعاصفة فالمتعصبون طالبوا بالحرب باصوات عنيفة غير ان المرابطين اسكتوهم بطريقة حكيمة تعمد على التفريق بين سلام مقبول وسلام مطلوب وقد قالوا لهم ان القران لم يقر ابدا اهدار الدم بدون جدوى بعد ان استسلم الكفار ونادوا بوضع السيف في غمده ان الفرنسيين قد استسلموا وطلبوا الصلح وان الأمير قد أملى شروطه الخاصة عليهم

وقد نجح هذا المنطق وقرر المؤتمرون باغلبية كبيرة ان الفوائد التي ستجنيها عامة الشعب من حالة السلام تبرر التنازل عن البليدة وسهل مدينة الجزائر الى الفرنسيين وراوا ان التوسع الطفيف في الحدود التي اراد الأمير أصلا حصرهم فيها سوف لا يؤثر على العرب مادام كل مسلم سيكون حرا في الانتقال من المناطق الخاضعة لفرنسا الى المناطق الخاضعة للأمير ولكنهم أعلنوا أن طلب الحكومة الفرنسية للجزية امر لا يمكن قبوله.

ثم ارسل عبد القادر مندوبه سيدي سقال الى مركز القيادة الفرنسية على التافنة بهذه التنازلات:

_1التخلي عن البليدة

_2عدم المطالبة باي سلطة على المسلمين المقيمين في المنطقة الفرنسية

3_بعض التوسع في الحدود الفرنسية

وفي نفس الوقت اعطى سيدي سقال صلاحية الدخول في مفاوضات عن طبيعة الحدود المقترحة وتقديم التفسيرات الضرورية الأخرى ولما كان بوجو مقتنعا بان تاخيرا جديدا لن تاتي له بشروط افضل فقد وافق على كل شئ ونتيجة لذلك صيغة معاهدة التافنة

معاهدة التافنة
بين الجنرال بيجو قائد الوحدات الفرنسية في مقاطعة وهران وبين الأمير عبد القادر تم إبرام المعاهدة التالية:

المادة 1: يعترف الأمير بسلطة فرنسا في الجزائر

المادة2: يبقى لفرنسا في إقليم وهران : مستغانم ومزغران و أراضيهما ووهران وارزيو و أراضيهما يحد ذلك شرقا : نهر المقطع والبحيرة التي يخرج منها بخط ممتد من البحيرة المذكورة فيمر على الشط الجاري إلى الوادي المالح على مجرى نهر سيدي سعيد ومن هذا النهر إلى البحر بحيث يصير ضمن كل ما في هذه الدائرة من الأراضي الفرنسية.

وفي إقليم الجزائر : مدينة الجزائر مع الساحل وارض متيجة يحد ذلك شرقا : وادي القدرة وما فوقه وجنوبا راس الجبل الأول من الأطلس الصغير إلى نهر الشفة مع البليدة و أراضيها

وغربا : نهر الشفة إلى كوع مزفران ومن ثم بخط مستقيم الى البحر فيكون ضمنه القليعة مع أراضيها بحيث يصير كل ما في الدائرة من الأراضي للفرنسيين

المادة3: على دولة الأمير أن تعترف بإمارة الأمير عبد القادر على إقليم وهران وإقليم التيطري والقسم الذي لم يدخل في حكم فرنسا من إقليم مدينة الجزائر لجهة الشرق بحسب التحديد المعين في المادة الثانية ولا يسوغ للأمير أن يمد يده لغير ما ذكر من ارض الجزائر

المادة 4 : ليس للأمير حكم ةلا سلطة على المسلمين من أهل البلاد المملوكة لفرنسا ويباح للفرنسيين أن يسكنوا في مملكة الأمير كما انه يباح للمسلمين أن يستوطنوا في البلاد التابعة لفرنسا

المادة 5 : إن العرب الساكنة في الأراضي الفرنسوية تمارس ديانتها بحرية تامة ولهم أن يبنوا جوامع بحسب مرتبهم الديني تحت رئاسة علماء دينهم الإسلامي

المادة 6 : على الأمير أن يدفع للعساكر الفرنسوية : ثلاثين ألف كيلة من الحنطة ومثلها من الشعير بمكيال وهران وخمسة آلاف راس من البقر يؤدى ذلك كله في مدينة وهران على ثلاثة قسوط

الأول من غرة أغسطس (أوت) إلى الخامس عشر أيلول (سبتمبر) والقسطين الآخرين يدفعان بانتهاء كل شهرين قسطا

المادة 7 : يسوغ للأمير أن يشتري من فرنسا : البارود والكبريت وما يحتاجه من الأسلحة

المادة 8 : إن الكول اوغلي الذين يريدون أن يقيموا في تلمسان أو غيرها من المدن الإسلامية لهم أن يتمتعوا بأملاكهم بكامل الحرية ويعاملون معاملة الحضر والذين يريدون منهم الانتقال إلى الأراضي الفرنسوية تكون لهم الرخصة لبيع أملاكهم أو إيجارها بكل حرية

المادة 9 : على فرنسا أن تتخلى للأمير على اسكلة رشكون ومدينة تلمسان وقلعة المشور مع المدافع التي كانت فيها قديما ويتعهد الأمير بنقل الذخائر والأمتعة العسكرية التي للعساكر الفرنسوية في تلمسان إلى وهران

المادة 10 : المتجر : ( التجارة ) يكون حرا بين العرب و الفرنسوية وللجميع أن يتمتعوا بالتبادل في كل من الارضين

المادة 11 : تكرم الفرنسوية عند العرب كما تكرم العرب عند الفرنسوية وكل ما تملكته أو تتملكه الفرنسوية من الأملاك في بلاد العرب يكفل لهم حفظه بحيث يتمتعون به بكل حرية ويلتزم الأمير بان يدفع لهم الضرر الذي تحدثه النوائب فيها

المادة 12 : يكون رد المجرمين بين الطرفين بالتبادل

المادة 13 : يتعهد الأمير بان لا يعطي أحدا من الدول الأجنبية قسما من الشاطئ إلا برخصة من فرنسا

المادة 14 : لا يسوغ بيع من محصولات الإقليم ولا شراء ... إلا في الأسواق الفرنسوية

المادة 15 : لدولة فرنسا أن تعين في المدن التي في مملكة الأمير وكلاء ينظرون في أشغال الرعايا الفرنسوية وحل المشكلات التجارية فيما بينهم وبين العرب وكذلك للأمير أن يضع وكلاء من طرفه في المدن التي تحت إدارة الدولة الفرنسية

حرر في تافنة في السادس من ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين ومائتين ألف (1253 ) أول يونيه ( جوان ) سنة سبع وثلاثين وثمانمائة ألف 1837

تعقيب الدكتور يحي بوعزيز على معاهدة التافنة:
وردت فروق في النصين العربي و الفرنسي لهذه المعاهدة كما وردت إضافات في النص الفرنسي لا توجد بالنص العربي مما يؤكد أن الفرنسيين كانوا يريدون كسب الوقت فقط

من اجل ضمان نجاحهم في احتلال قسنطينة والتفرغ بعد ذلك للأمير عبد القادر بكل إمكانياتهم وجهودهم

أول ملاحظة : النص الفرنسي مؤرخ يوم 30ماي 1837 في حين أن النص العربي مؤرخ في 1جوان 1837م وهذا يدل على أن الفرنسيين هم الذين كتبوا المعاهدة وحرروها أرخوها ثم بعثوا بها للأمير ليطلع عليها فقط أو يبدي بعض الملاحظات التي لاتهم صلب الموضوع وكأنهم بهذا أملوها على الأمير إملاء مما جعله يبقيها عنده عاما كاملا ليمعن فيها النظر.

وقد يكون ابنه ومؤرخ سيرته في كتابه تحفة الزائر قد أخطأ في وضع التاريخ ولكن سير الحوادث يؤكد التفسير السابق

والملاحظة الثانية : هي اعتراف الأمير لفرنسا بحق السيادة وذلك غير وارد في النص العربي

الملاحظة الثالثة : هي أن النص نعت المواد والمؤن التي تعهد الأمير بتقديمها لفرنسا على أنها جزئية سنوية مفروضة عليه وذلك غير وارد في النص العربي والملاحظة الرابعة : النص الفرنسي يزيد في المناطق التي حددتها المعاهدة في الناحية الشرقية ما بين أراضي الأمير والبلاد الخاضعة لفرنسا.

وسيكون هذا من بين عوامل عودة الحرب بين الطرفين بعد ذلك ويظهر أن الأمير رغم حذره ويقظته قد تورط في أشياء لم يكن يحبذها في نفسه ولكنه ونظرا لكثرة المشاكل والصعوبات التي كانت تواجهه رضي بعد تفكير طويل بهذه المعاهدة أمضاها ولعل أهم شئ اعتبره كسبا في هذة المعاهدة هو اعتراف فرنسا به وبإمارته وإقرارها لسلطته ورضاها بتبادل التمثيل الدبلوماسي معه ذلك سيكسبه الاعتراف الدولي مستقبلا ويؤكد اعتداء فرنسا على بلاده وشعبه.

لقاء بيجوا والأمير عبد القادر
كان بوجو قد اتصل بتعليمات مشددة من حكومته ان يحصر عبد القادر في إقليم وهران وان لا يتخلى له أبدا عن إقليم التيطري وان يصر عليه بدفع الجزية . وفي رسالة إلى وزير الحربية اعتذر بوجو عن توقيعه على معاهدة تخرق تلك التعليمات :"لكم ان تفترضوا أنني سأدفع الثمن غاليا على اتخاذي قرارا يخالف تعليماتكم المتعلقة بالحدود التي يجب تحديدها للأمير ولكن ذلك كان غير ممكن فلتكونوا مطمئنين إن السلام الذي وقعته هو الأفضل ومن المحتمل أن يكون أطول من أي سلام يمكنني تحقيقه عن طريق حصر عبد القادر بين الشلف والمغرب الاقصى ".

غير انه بهذه المعاهدة كان الفرنسيون محصورين في بضع مدن ساحلية مع مناطق مجاورة ضيقة جيدا بينما بقيت كل القلاع والمراكز الهامة في ايدي عدوهم المنتصر وبكلمة واحدة فان عبد القادر اصبح يملك بتلك المعاهدة ثلثي الجزائر وبالاضافة الى السيط الذي زاده هذا الانتصار العظيم تاثيرا وسلطة اصبح الان يتمتع بفائدة الظهور امام العالم كصديق وحليف لفرنسا.

ان الجنرالات الفرنسيين الذين توافدوا الواحد بعد الاخر في سرعة خلال المراحل المختلفة من الحرب كانوا ينشدون بدون جدوى اللقاء مع هذا الرئيس العربي الشهير الذي بينما كلف مواهبهم العسكرية غاليا اثار في صدورهم مشاعر الاعجاب البطولي وقد كان هذا الامتياز من حظ الجنرال بوجو .

ففي 31ماي1837وصل الجنرال الى الموعد المتفق عليه متبوعا بستة فرق عسكرية مع كل فرسانه ومدفعيته ولكن عبد القادر مازال لم يصل بعد وقد مضت خمس ساعات في انتظاره دون ان يظهر احد واخيرا ظهر حوالي الساعة الثانية بعد الظهر بعض العرب الواحد تلو الاخر حاملين معهم انواعا متعددة من الاعتذار : فالسلطان متوعك المزاج وهوقد بدا السير متاخرا وهو كان يفكر في طلب تاخير المقابلة الى اليوم التالي وهو لم يعد بعيدا وهو على وشك الوصول .وفجاة جاء فارس ورجا الجنرال ان يتقدم قليلالانه سيلتقي بالسلطان حالا

لقد تاخر الوقت ولما كان الجنرال يرغب في اعادة جنوده الى معسكرهم قبل سقوط الظلام فقد تقدم وبعد ان سار اكثر من ساعة التقى وجها لوجه مع الجيش العربي الذي كان مكونا من 15000فارس في نظام محكم والذي كان في سهل يمور بالحركة وفي هذه اللحظة تقدم منه البوحميدي على فرسه واشار الى السلطان حيث كان محاطا بكوكبة كبيرة من الحاشية على هضبة ليست بعيدة .

وفي خلال بعض الدقائق الاخرى اصبح في الامكان رؤية عبد القادر وحاشيته وهم يتقدمون نحو الجنرال لقد كان منظرا مثيرا حقا فهناك حوالي مائتي قائد عربي على سروج متبخترة يحيطون بسلطلنهم الذي كان لباسه البسيط يثير الدهشة بالمقارنة مع مظهرهم الفخم

المتلإلىء بالاسلحة المصقولة التي كانت تبرق وتلمع في شمس الظهيرة كان عبد القادر ممتطيا جوادا اسود هائلا يقوده بمهارة خارقة فمرة يجعله يقفز بالاربع في الهواء ومرة يجعله يمشي عدة ياردات على رجليه الخلفيتين فعل عبد القادر ذلك بينما كان يتقدم خطوات الى الامام وكان من الواضح انه يهدف من ذلك الى اثارة الاعجاب بفروسيته العالية وكان بعض العرب يجرون على جانبيه ممسكين بالركاب وباطراف برنوسه

وهنا تقدم الجنرال بوجو بسرعة كاملة وعندما وصل الى الامير صافحه وترجل الاثنان ثم جلسا على العشب ودخلا في المحادثة التالية :

بوجو:"هل تعلم ان جنرالات قلائل فقط هم الذين يستطيعون ان يجسروا على عقد المعاهدة التي عقدتها معك؟ولكنني لن اخش من جعلك تتوسع وتضيف الى سلطتك لاني على يقين من انك ستستعمل هذا الكيان الكبير الذي اعطيناك في تحسين احوال الامة العربية وفي الابقاء على حسن التفاهم والسلام مع فرنسا".

عبد القادر :"انني اشكرك على عواطفك اللطيفة نحوي واني بفضل لله ساجعل العرب سعداء واذا ما انحل الصلح الذي بيننا فلن تكون غلطتي ".

ب ـ : "بخصوص هذه النقطة فاني ضمان لك عند ملك الفرنسيين ".

ع ـ : " انك لن تخسر شيئا بفعل ذلك :فلنا دين يجبرنا على احترام كلمتنا ولم انقض عهدي ابدا".

ب : انني اعتمد على ذلك واني اقتناعا بذلك اتقدم اليك بصداقتي الشخصية "

ع : اني اقبل صداقتك ولكن ليحذر الفرنسيون من الاستماع الى المتآمرين ".

ب : ان الفرنسيين لا يؤثر فيهم الافراد ابدا وليس فعل الافراد هو الذي يحل الصلح ولكن الذي يسبب ذلك هو عدم تنفيذ الاتفاقية او ارتكاب عمل عدائي عظيم ،اما بخصوص اعمال الافراد المذنبين فسنكون حذرين منهم او سنعاقبهم مبادلة ".

ع : حسنا ماعليك الا ان تنبهني وسينال الجاني العقاب الذي يستحق ".

ب : انني اوصيك خيرا بالكراغلة الذين قد يختارون البقاء في تلمسان ".

ع : كن مطمئنا من هذه الناحية انهم سيعاملون كمواطنين ".

ب : لقد وعدتني ان تنقل قبائل الدوائر بين قبائل الحفرة انه يبدو لي ان البقعة المخصصة لذلك لن تكفيهم جميعا".

ع : انهم سيوضعون بطريقة لن يكون فيها خطر على السلام ".

ب : هل امرت باستئناف العلاقات التجارية في مدينة الجزائر وحول المدن ؟ ".

ع : لم افعل ذلك بعد لكني سآمر بذلك حين تسلمني مدينة تلمسان ".

ب : يجب ان تعلم انني لا استطيع ان افعل ذلك لا بعد ان يوافق الملك على المعاهدة ".

ع : ماذا تقول ؟ اليست لك صلاحيات التعاقد؟".

ب : بلى ولكن المعاهدة يجب ان يوافق عليها ان ذلك ضروري لك كضمان فلو كنت وحدي المسؤول عن المعاهدة لكن في استطاعة اي قائد يخلفني ان ينقضها بينما سيكون خلفي مجبرا على احترامها اذا افق الملك عليها ".

ع : اذا لم تعيدوا لي تلمسان بناءا على شروط المعاهدة فاني لا ارى ضرورة في التصالح بل ستكون الهدنة فقط ".

ب : ذلك حق لكن انت الذي ستكون المستفيد من الهدنة ذلك لنني لن احطم الانتاج الزراعي طالما دامت الهدنة ".

ع : حطمه اذا شئت : فالامر سيان عندي انني ساعطيك رخصة مكتوبة لتحطم كل ما تستطيع ان ما ستحصل عليه لن يعدو كمية صغيرة اما العرب فيبقى لهم الكثير من الحبوب"

ب : انني لا اعتقد ان كل العرب يشاركونك الراي ".

ثم سال عبد القادر عن المدة التي يستغرقها وصول الموافقة على المعاهدة من فرنسا.

ب : حوالي ثلاث اسابيع ".

ع : ولكن ذلك لمد طويل وعلى اية حال فلن نعيد علاقاتنا التجارية الا بعد وصول موافقة الملك على المعاهدة وعندئذ سيكون السلام نهائيا ".

ب : ان الذي سيكون الخاسر الوحيد من ذلك هم الذين يدينون بدينك لانك ستجردهم من تجارة هم في حاجة اليها اما نحن فنستطيع ان نحصل على كل ما نريد من البحر ".

ورغبة من بوجو في عدم اطالة المقابلة نظرا لتاخر الوقت وقف للانصراف اما عبد القادر فقد بقي جالسا واراد الدخول في حديث مع مترجمه الذي كان واقفا الى جانبه وقد شك بوجو من ذلك فاخذه من يذه بمودة وجذبه الى الامام قائلا في نفس الوقت :

" يا لله حين ينهض جنرال فرنسي يجب ان تنهض انت ايضا ".

وهكذا انتهى هذا الاجتماع الغريب الذي لم الجنرال الفرنسي على ان ارضى به فضولا تافها لكن مغفورا اما عبد القادر فقد اعطاه ذلك الاجتماع الذي يتميز بالتاخير المقصود وسوء التفاهم الذي سبقه امتيزا هائلا حيث ظهر في نظر مواطنيه كشخصية عظيمة استطاع ان يبقي حتى زعماء الكفار ينتظرون رضاه وسروره وبعد ان صافح عبد القادر الجنرال مرة اخرى قفز الى سرجه ثم تحرك الجيشان وتباعدا على انغام الموسيقى العسكرية بينما كان العرب يصيحون " يحيا سلطانا عبد القادر لله ينصره دائما ".