منتديات عـــــــــائـلة تـــــــابــــلاط
. المنتقى العاطر في تفسير آية فاطر 933339 .
بقلوب ملؤها المحبة


وأفئدة تنبض بالمودة
وكلمات تبحث عن روح الاخوة
نقول لكِ أهلا وسهلا
اهلا بكِ بقلوبنا قبل حروفنا
بكل سعادة وبكل عزة
منتديات عائلة تابلاط

منتديات عـــــــــائـلة تـــــــابــــلاط
. المنتقى العاطر في تفسير آية فاطر 933339 .
بقلوب ملؤها المحبة


وأفئدة تنبض بالمودة
وكلمات تبحث عن روح الاخوة
نقول لكِ أهلا وسهلا
اهلا بكِ بقلوبنا قبل حروفنا
بكل سعادة وبكل عزة
منتديات عائلة تابلاط

منتديات عـــــــــائـلة تـــــــابــــلاط
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


عائلــ الاخلاق الصدق الصبر العدل العفو الرفق التعاون الحلم الامانة الاخوة العمل الامل المشورة التواضع ــة تابــلاط
 
الرئيسيةعائلة تابلاطأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 المنتقى العاطر في تفسير آية فاطر

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
فارس الاسلام

فارس الاسلام


المنتقى العاطر في تفسير آية فاطر Hh7.net_13102023561
الجنس : ذكر
العـمـل : طالب جامعي
هوايتي المفضلة : المطالعة
وسام : وسام العضو
منتديات عائلة تابلاط : توقيع المنتدى

المنتقى العاطر في تفسير آية فاطر Empty
مُساهمةموضوع: المنتقى العاطر في تفسير آية فاطر   المنتقى العاطر في تفسير آية فاطر Clockالثلاثاء 14 يونيو 2011 - 12:09

المنتقى العاطر في تفسير آية فاطر
الشيخ عز الدين رمضاني
الحمد لله ولا إله سواه، والصلاة والسلام على نبيّه ومصطفاه، مُحمّد بن عبد الله صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد: فيقول الله جلّ ثناؤه في سورة فاطر: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنْفَسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُم سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذِْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الفَضْلُ الكَبِيرُ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهِبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾[فاطر: 32‑33].
بشارة وتكريم:

هذه نعمة من الله جسيمة، ساقها لأمّة محمّد صلى الله عليه وسلم في آيات عظيمة، توحي لهذه الأمّة بكرامتها على الله واهب النعم، وبفضلها على من سواها من سائر الأمم، آيات حملت من الرجاء ما يفرح قلوب المؤمنين، ويدفع اليأس من نفوس المسيئين المذنبين، آيات أكرم الله فيها أمّة التوحيد بالاختيار والاصطفاء، ثمّ خصّها بفضله في الجزاء حتّى لمن أساء ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخَيْرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [القصص: 68].
وإنّ من أجلّ النعم على الإطلاق التي جميع النعم بالنسبة إليها كالعدم وراثة الكتاب الجليل الذي هو القرآن لمن اصطفى الله من عباده وذلك هو الفضل الكبير.

من فضائل الآية:
هذه الآية قال عنها بعض العلماء إنّها من أعظم آي الرجاء، لما فيها من توريث هذه الأمّة لهذا الكتاب، ولما وهب من الفضل الكبير والجزاء الحسن يوم الحساب، فلا أمّة قبل هذه الأمّة خصّت بهذه المكرمات، ولا أمّة بعد هذه الأمّة تصيبها هذه الخيرات ﴿ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ﴾ [يوسف: 38]، فقد بيّن تعالى في هذه الآيات من سورة فاطر أنّ إيراث هذه الأمّة لهذا الكتاب دليل على أنّ الله اصطفاها واختارها على من سواها، وبين أنّهم ثلاثة أصناف: ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات، فكلّهم اصطفاه الله لوارثة هذا الكتاب وإن تفاوتت مراتبهم وتميّزت أحوالهم فلكلّ منهم قسط من وراثته حتّى الظالم لنفسه، فإنّ معه من أصل الإيمان وعلومه وأعماله ما يدخل به في زمرة الوارثين المستحقّين لدخول جنّة ربّ العالمين.

والمتأمّل في ألفاظ ومعاني هذه الآيات يتجلّى له سرّ تفضيل هذه الأمّة على غيرها وأنّها من أعظم آيات الرجاء لبركتها وخيرها، ولما فيها من لطف الله بأمّة خاتم النبيّين وإحسانه وتفضّله على المحسنين منهم والمسيئين.
قال محمّد الأمين الشنقيطيّ في "أضواء البيان" (6/165): «فوعده الصادق بجنّات عدن لجميع أقسام هذه الأمّة، وأولّهم الظالم لنفسه يدّل على أنّ هذه الآية من أرجى آيات القرآن، ولم يبق من المسلمين أحد خارج عن الأقسام الثلاثة، فالوعد الصادق بالجنّة في الآية شامل لجميع المسلمين ولذا قال بعدها متّصلا بها ﴿وَالَذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾ إلى قوله ﴿فَماَ لِلظَالِمِين مِنْ نَصٍيرٍ﴾»

أقوال أخرى في تعيين أرجى آية في القرآن:
نقل القرطبيّ في تفسيره (2/208) أقوالا لبعض العلماء في تعيين أرجى آية في كتاب الله فقال عند قوله تعالى في سورة النور: ﴿وَلاَ يَأْتَلِ أُولُواْ الفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُواْ أُولِي القُرْبَى وَاَلْمَسَاكِينَ وَاَلْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: 22].

«قال بعض العلماء: هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى، من حيث لطف الله بالقذفة العصاة بهذا اللفظ، وقيل أرجى آية في كتاب الله قوله تعالى: ﴿وَبَشِّرِ اَلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنْ اللهِ فَضْلاً كَبِيرًا﴾ [الأحزاب: 47]، وقد قال تعالى في آية أخرى: ﴿وَالذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الفَضْلُ الكَبِيرُ﴾ [الشورى: 22] فشرح الفضل الكبير في هذه الآية وبشّر به المؤمنين في تلك.
ومن آيات الرجاء قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِي الذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِنْ رَحْمةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّ اللهَ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53] وقوله تعالى: ﴿اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾[الشورى: 19].

قال بعضهم: أرجى آية في كتاب الله عزّ وجلّ: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرِضَى﴾[الضحى: 5]، وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضى ببقاء أحد من أمّته في النار» اهـ كلام القرطبي.
ونقل الشنقيطيّ في "الأضواء" (6/163) عن بعض أهل العلم: «أرجى آية في كتاب الله عزّ وجلّ آية الدين وهي أطول آية في القرآن العظيم، وقد أوضح الله تبارك وتعالى فيها الطرق الكفيلة بصيانة الدَّيْنِ من الضياع ولو كان الدَّيْنُ حقيرا كما يدّل عليه قوله تعالى فيها ﴿وَلاَ تَسْأَمُواْ أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ﴾ الآية: قالوا: هذا من المحافظة في آية الدين على صيانة مال المسلم، وعدم ضياعه، ولو قليلا يدلّ على العناية التامّة بمصالح المسلم، وذلك يدلّ على أنّ اللطيف الخبير لا يضّيعه يوم القيامة عند اشتداد الهول وشدّة حاجته إلى ربّه».

وقد نقل الجلال السيوطيّ في "الإتقان" (2/161) أقوالا أخرى في تعيين أرجى آية في القرآن فقال: «وقد اختلف في أرجى آية في القرآن على بضعة عشر قولا» ثمّ سردها وذكر منها ما سبقت الإشارة إليه وزاد عليها الآتي ذكره، منها قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾[البقرة: 260] ووجه الرجاء في الآية أنّه رضي منه بقوله بلى كما ذكره السيوطيّ في مصدره المذكور منسوبا لابن عبّاس، ومنها قوله تعالى: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 102] وهو من قول أبي عثمان النّهدي كما في كتاب التوبة لابن أبي الدنيا، ومنها قوله تعالى: ﴿فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القَوْمُ الفَاسِقُونَ﴾ [الأحقاف: 35] قاله أبو جعفر النحّاس، ومنها قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ﴾[الرعد: 6] وهو منسوب لابن عبّاس، ووجه الرجاء في الآية أنّه قال: ﴿لَذُو مَغْفِرةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ﴾ ولم يقل على إحسانهم، ومنها قوله تعالى: ﴿يَتِيمًا ذَا مَقْرَبةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ [البلد: 15‑16] وهو قول الشافعيّ حكاه عنه الهرويّ في "مناقب الشافعيّ" عن ابن عبد الحكم، ومنها قوله تعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً﴾ [الإسراء: 84]، ومنها قوله تعالى: ﴿وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الكَفُورَ﴾ [سبأ: 17]، ومنها قوله تعالى: ﴿إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ العَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ [طه: 48]، ومنها قوله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبْتَ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرِ﴾ [الشورى: 30]، ومنها قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [الأنفال: 38]، ومنها قوله تعالى: ﴿إِنَّ الذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ﴾ [فصلت: 30] أخرجه ابن أبي حاتم عن عكرمة عن ابن عبّاس كما في الإتقان.
تفسير وبيان:

صدّر الله جلّ وعلا الآية الكريمة بلفظة (ثمّ) إشارة لبعد رتبة هذه الأمّة عن رتبة غيرها من الأمم، وقد أعطيت من الفضائل والحسنات ما لم يعط أحد قبلها، منها هذا القرآن المنزّل على نبيّها صلوات الله وسلامه عليه، وقد عبّر عنه بلفظ (أورثنا) أي ملّكنا بفضلنا ملكا تامّا وأعطينا عطاء لا رجوع فيه، وعبّر في غير هذه الآية عن اليهود الذين لم يقوموا بحقّ الكتاب بقوله: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الكِتَابَ﴾ [الأعراف: 169] فانظر فرق ما بين العبارتين تعرف الفرق بين المقامين.
والمراد بالتوريث هنا الإعطاء ووجه تسميته ميراثا أنّ الميراث يحصل للوارث بلا تعب ولا نصب، وكذلك إعطاء الكتاب حاصل بلا تعب ولا نصب، وقد جمع الله الظالِم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات في هذه الآية وبشّرهم بالدخول إلى جنّاته بسبب توريثهم هذا الكتاب الذي يهدي للتي هي أقوم، والعاقّ والبارّ في الميراث سواء.

وهذا الكتاب الموروث يحتمل أن يكون القرآن المنَزّل على نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو الجامع لكلّ كتاب أنزله الله، ويحتمل أن يكون معناه الكتب التي أنزلت من قبل القرآن كما رجّحه الطبريّ، والجمع بين القولين ممكن، لأنّ الله تعالى لَمّا أعطى أمّة محمد صلى الله عليه وسلم القرآن وهو قد تضمّن معاني الكتب المنَزّلة فكأنّه ورثّها الكتاب الذي كان في الأمم قبلها، ولهذا قال تعالى: ﴿وَالذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ [فاطر: 31]، فكلّ كتاب أنزل قبل القرآن إلاّ وأمر بالعمل به عند نزوله وباتّباع من جاء به وأنزل عليه.
فيكون معنى إيراث الكتاب أنّه تعالى نزع الكتب من الأمم السالفة وأعطاها لهذه الأمّة على الوجه الذي رضيه لها، وهذا الإيراث حاصل لمجموع الأمّة وليس مختصّا بالعلماء أو حفظة القرآن وإن كانوا أغبطَ الناس بهذه النعمة وأولاهم بهذه الرحمة، بل كلّ من آمن بالقرآن وبأحكامه وعمل به واهتدى بنوره ولو لم يحفظ إلاّ الفاتحة، فإنّ الصحابة لم يكن كلّ واحد منهم يحفظ جميع القرآن وهم بلا شكّ من المصطفين الأخيار.

ثمّ قال تعالى: ﴿اِصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ والاصطفاء الاختيار، واشتقاقه من الصفو وهو الخلوص من شوائب الكدر، وعامّة ما عليه أهل تفسير على أنّ المصطفين هم أمّة محمّد صلى الله عليه وسلم من الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى يوم القيامة، لأنّ توريث الكتاب لم يكن إلاّ لهذه الأمّة، وغيرها ممّن سبقها لم يرثوه.
ولَمّا اختلفت أحوال الوارثين لهذا الكتاب من هذه الأمّة لتفاضلهم في العلم والإيمان والهمم قسمهم الله تعالى إلى ثلاث مراتب مقدّما الأدنى ومنتهيا بالأعلى فبدأ بالظالم لنفسه وثنى بالمقتصد وختم بالسابق.

وقد كثرت أقوال المفسّرين وتضاربت في تحديد المراد بهذه الأقسام الثلاثة الذين اصطفاهم الله حتّى جاوزت الأربعين قولا، وهذا الاختلاف لا يؤثّر في المعنى المراد لأنّه ليس باختلاف تضادّ، وإنّما هو اختلاف تنوّع يرجع إلى أصل واحد ويسقى بماء واحد، ولذلك كان معنى الظالم لنفسه في هذه الآية من يطيع الله ولكنّه يعصيه أيضا فهو الذي قال الله فيه: ﴿خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: 102]، وهؤلاء أكثر الأمّة، والمقتصد هو الذي يطيع الله ولا يعصيه، أي المؤدّي للفرائض المجتنب للمحارم، ولكنّه لا يتقرّب إليه بالنوافل من الطاعات، والثالث السابق بالخيرات وهو الذي يأتي بالواجبات ويجتنب المحرّمات ويتقرّب إلى ربّه بنوافل الطاعات والقربات، وهذا على أصحّ الأقوال في تفسير الظالم لنفسه والمقتصد والسابق، ثمّ إنّه تعالى بيّن أنّ إيراثهم الكتاب هو الفضل الكبير منه عليهم، ثمّ وعد الجميع بجنّات عدن ‑ وهو تعالى لا يخلف الميعاد ‑ في قوله: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾ والواو في (يدخلونها) شاملةً للظالم والمقتصد والسابق على التحقيق، ولذا قال بعض أهل العلم حُقَّ لهذه الواو أن تكتب بماء العينين.
وفي تقديم الظالم لنفسه في الوعد بالجنّة على المقتصد والسابق إشارة بديعة ذكرها بعض أهل العلم وهي من لطائف التفسير، فقال بعضهم: قدّم الظالم لئلا ييئس من رحمة الله، وأخّر السابق لئلا يعجب بعمله فيحبط، وقيل: قدّم الظالم لنفسه لأنّ أكثر أهل الجنّة ظالمون لأنفسهم، وأنّ المقتصد قليل بالإضافة إليهم والسابقين أقلّ من القليل كما قال تعالى: ﴿إِلاَّ الذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾ [ص: 24]، وقيل قدّم الظالم لنفسه لتأكيد الرجاء في حقّه إذ ليس له شيء يتّكل عليه إلاّ رحمة ربّه واتّكل المقتصد على حسن ظنّه، والسابق على طاعته، وقيل: إنّما قدّم الظالم لنفسه ليعرف أنّ ذنبه لا يبعده من ربّه وأخّر السابق ليكون أقرب إلى الجنّات والثواب كما قدّم الصوامع والبيع في سورة الحجّ على المساجد، لتكون الصوامع أقرب إلى الهدم والخراب، وتكون المساجد أقرب إلى ذكر الله كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ لاَ دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِمْتَ صَوَامِعُ وَبَيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا﴾ [الحجّ: 40]، وقيل: إنّ التقديم في الذكر لا يقتضي التشريف كقوله تعالى: ﴿لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾ [الحشر: 20].

والمقصود أنّ رحمة الله شاملة لهذه الأقسام، وذلك هو الفضل الكبير منه جلّ وعلا، ووصف فضله هنا بالكبير، لأنّه يسع المحسن والمسيء، ولأنّه وعدهم بدخول جنّته وهي غاية الغايات وأسمى السعادات.
هداية وإرشاد:

هذه الآية ممّا يستدلّ به أهل السنّة على أنّه لا يخلد في النار أحد من أهل التوحيد، وإن دخولها، فقد تواترت السنن عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بدخول الكثير من أهل الكبائر النار، كما تواترت بخروجهم منها، ودخولهم الجنّة بما عندهم من أصل الإيمان ولو كان بمثقال الحبّة من الخردل.
وقد ضلّ وزاغ في فهم هذه الآية طائفتان؛ والدين كما قال الحسن: (ضاع بين الغالي فيه والجافي عنه).

فطائفة (وهم الخوارج) تزعم أنّ أهل الكبائر مخلّدون في النار ولا ينفعهم إيمانُهم بالله شيئا، وتأوّلوا الآية على أنّ السابقين هم الذين يدخلونها، وأنّ المقتصد أو الظالم لنفسه لا يدخلها، وأرجعوا الواو التي في قوله تعالى (يدخلونها) إلى السابقين فقط، وهو خلاف التحقيق كما ذكر آنفا، فَهُمْ بهذا الفهم قد حجّروا الواسع ومنعوا الفضل وقالوا على الله ما لم يقله.
وطائفة (وهم المرجئة) تزعم أنّه لا يدخل أحد من أهل الكبائر النار، بل كلّهم يدخل الجنّة ابتداء من غير عذاب، بناء على أصلهم الفاسد من أنّ الإيمان لا يضرّ معه معصية ولا تنفع معه طاعة، ففتحوا بهذا الفهم المرذول باب شرّ للناس وعطّلوا بذلك شرائع الإسلام وأحكامه.

وكلا القولين مخالف للسنّة المتواترة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ولإجماع سلف الأمّة وأئمّتها، فإنْ قال قائل: وكيف يدخل العصاة المذنبون الجنّة، ونصوص الكتاب والسنّة مجمعة على أنّ الجنّة جزاء المطيعين وثوابهم الذي ادّخره الله لهم كما قال تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْجَنّةُ التِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الزخرف: 72] أي من صالح الأعمال والأقوال، وكما قال صلى الله عليه وسلم: «كلّ أمّتي يدخلون الجنّة إلاّ من أبى، قيل: ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنّة ومن عصاني فقد أبي»، فدلّ على أنّ العاصيَ لا يدخل الجنّة، والجواب على وجهين:
أحدهما: أنّ العاصي من الموحّدين قد يدخل النار إذا رجحت سيّئاته على حسناته، ولكن لا يخلد فيها، والعبرة بالإقامة والخلود، فقولنا إنّه في الجنّة باعتبار النهاية والمصير.

ثانيهما: أنّ العاصي في الدنيا إذا كان من الموحّدين، فإنّ عقوبة السيّئة تندفع عنه إذا توفّرت بعض الأسباب، فلا يدخل النار البتة، بل يكون مصيره الجنّة دون رتبة السابقين.
فقول أهل السنّة والجماعة هو العدل والوسط، وهو الفهم السليم لنصوص الكتاب والسنّة، والذي يجب أن يكون عليه كلّ مؤمن هو سعيه لطلب الدرجات في الجنّات ليكون من السابقين، فإن عجز فلا يغلبنّ عن درجة المقتصد، فإن سفلت همّته وضعف إيمانه فلا يقنط من رحمه الله، فإنّ الله قد وعده خيرا ولم يحرمه من دخول جنتّه شريطة أن يحفظ إيمانه من الكفر والشرك، والمؤمن كالطائر يطير بجناحين هما الرجاء والخوف، فمن خاف ذنوبه وطمع في رحمة ربّه فذلك المؤمن كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لشابّ وهو في ساعة الفراق: «كيف تجدك؟» قال: والله يا رسول الله إنّي أرجو الله وإنّي أخاف ذنوبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلاّ أعطاه الله ما يرجو وآمنه ممّا يخاف». [أخرجه الترمذي وابن ماجه، وحسّن إسناده الألبانيّ في أحكام الجنائز (ص11)]

وفّقنا الله للاهتداء بكتابه ورزقنا العمل بأحكامه إنّه وليّ ذلك والقادر عليه.
مراجع البحث الأساسيّة:

الجامع لأحكام القرآن - القرطبيّ.
تفسير القرآن العظيم - ابن كثير.

أضواء البيان - الشنقيطيّ.
جامع البيان - ابن جرير.

فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
chinwi dorigin

chinwi dorigin


المنتقى العاطر في تفسير آية فاطر Hh7.net_13102023561
الجنس : ذكر
هوايتي المفضلة : كرة القدم
وسام : وسام العضو
منتديات عائلة تابلاط : توقيع المنتدى

المنتقى العاطر في تفسير آية فاطر Empty
مُساهمةموضوع: رد: المنتقى العاطر في تفسير آية فاطر   المنتقى العاطر في تفسير آية فاطر Clockالثلاثاء 14 يونيو 2011 - 12:35

رسالة شكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Kazanova Tablat

Kazanova Tablat


المنتقى العاطر في تفسير آية فاطر Hh7.net_13102023561
الجنس : ذكر
العـمـل : طالع هابط
هوايتي المفضلة : التقرعيج
وسام : وسام العضو
منتديات عائلة تابلاط : توقيع المنتدى

المنتقى العاطر في تفسير آية فاطر Empty
مُساهمةموضوع: رد: المنتقى العاطر في تفسير آية فاطر   المنتقى العاطر في تفسير آية فاطر Clockالثلاثاء 14 يونيو 2011 - 13:50

مشاركة متميزة0
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nani17

nani17


المنتقى العاطر في تفسير آية فاطر Hh7.net_13102023561
الجنس : ذكر
العـمـل : الحمد لله
هوايتي المفضلة : الرياضة والإنترنت
وسام : وسام العضو
منتديات عائلة تابلاط : توقيع المنتدى

المنتقى العاطر في تفسير آية فاطر Empty
مُساهمةموضوع: رد: المنتقى العاطر في تفسير آية فاطر   المنتقى العاطر في تفسير آية فاطر Clockالأربعاء 15 يونيو 2011 - 0:13

مشكور خويا المكتبي دعاءاا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المنتقى العاطر في تفسير آية فاطر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» معنى كلمة فاطر
»  أنا فاطر هل تعلم معنااااها؟؟؟
» فتوى لم اجد لها تفسير
» موقع تفسير الاحلام
» شرح و تفسير سُورةُ الضُّحَى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات عـــــــــائـلة تـــــــابــــلاط :: فــئـة الاسلاميــــات ::  المنتديات الاسلامية :: منتدى الشريعة و الحيـــــــاة-
انتقل الى:  
....................
اخر الاخبار الوطنية
جميع حقوق منتديات عائلة تابلاط محفوظة
 جميع الحقوق محفوظة لـ{منتديات عائلة تابلاط} ®
حقوق الطبع والنشر © 2010 - 2011

جميع ما يكتب في المنتدى يعبر عن وجهة نظر الكاتب شخصيا ولا يمثل رأي منتديات عائلة تابلاط ولا القائمين عليه أو اهدافهم أو توجهاتهم
الترحيـب و التواصل مع الاعضاء|التهانـي والتبريكات|الدعاء للمرضى و التعازي و المواساة|تابلاط للاخبار اليومية+مواقع للصحف الجزائرية |ملتـقـى عائلة تابلاط|كل ما يخص مدينة تابلاط|تاريخ و ثقافة الـجزائـر|شخصيات جزائرية هامة|خصوصيات ادم|خصوصيات حواء|الـطفـل و الـطــفولـة|مطبخ المنتدى|الاثات و الديكور|الاناقة والجمال|نصائح و تجارب منزلية|طبيب عائلة تابلاط|تطوير الذات|الحورات و النقاشات الهامة والجادة |العلوم و المعلومات العامة|فلسطين الحبيبة|البـيـئة والطبيعة و عالم الحيوانات| شخصيات عربية و عالمية |القصص و الرويات المتنوعة |حدث في مثل هذا اليوم| الأعياد والمناسبات|السيارات والشاحنات و الدرجات|الأمثال و الحكم و الأقوال|تابلاط الافـكار و المواهـب|أشعاري و خواطري|منتدى الشريعة و الحيـاة|خيمة شهر رمضان|دليلك في الحج و العمرة|التاريخ و الحضارة الاسلامية|تـابلاط الدردشة و الفرفشة|تابلاط نكت*نكت|المسابقـات و الالغـاز|السيـاحة بكل انواعها| صـور*صـور|كرة القدم الجزائرية|كرة القدم العالمية|رياضات متنوعة|بحوث مدرسية|المحاضرات و البحوث الجامعية|معلومات و اخبار|جامعية التعليم و الدراسة بالمراسلة|السنة الاولى ثانوي|السنة الثانية ثانوي|بكالوريــا2011|السنة الاولى متوسط|السنة الثانية متوسط|السنة الثالثة متوسط|السنة الرابعة متوسط (bem)|مواقـع مفيــدة و اخرى مسلية|بـرامج الهـاتف|برامج الكمبيوتر و الانترنات|الالعاب الالكترونية|استقبال القنوات +أنظمة التشفير التلفزيونية|التقنيات المتقدمة |قسم الاعلانات الادارية للاعضاء| معلومات موقع منتديات عائلة تابلاط|السيرة العطرة و قصص الانبياء|الاعجاز العلمي في القران و السنة|
وقف لله
تــنــويـة : أبـريء ذمتي أنا صـاحـب ومـؤسس منتديات عائلة تابلاط أمام الله ان حـصـل تعارف أو صداقات غير شرعية بين الأعضاء داخل المنتدى
منتديات عائلة تابلاط لا يهدف الى الربح أو التجارة بأي شكل من الاشكال
المنتدى وقف لله تعالى لي و لوالدي و لجميع الأعضاء والمسلمين و المسلمات الأحياء منهم والأموات
-
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا طَيِّبًا وَعَمَلا مُتَقَبَّلا-