معركة كورسك هي معركة وقعت بين 5 جويلية 1943 و23 أوت من نفس العام بين القوتين الألمانية والسوفياتية في إطار الحرب العالمية الثانية. وتعتبر هذه المعركة آخر محاولات الهجوم المعاكس الألماني على الجبهة الشرقية بعد الانتصار الحاسم الذي أحرزه السوفييت في معركة ستالينغراد، وتعتبر هذه المعركة أكبر معركة دبابات شهدها التاريخ فقد وظّف خلالها الألمان 50 % من كل أسطول الدبابات الذي في حوزتهم. وقد أطلق الجيش الألماني على الهجوم المعاكس اسم الشفرة عملية القلعة (بالألمانية: Unternehmen Zitadelle)
تميزت الأوضاع السابقة للمعركة بالانتقال من مرحلة التفوق الألماني الواضح قبل معركة ستالينغراد إلى مرحلة التوازن والتكافؤ في القوى بين الطرفين، خاصة بعد أن وظّف الألمان كل طاقاتهم لإعادة بناء القوات التي انهارت في ستالينغراد. تميزت مرحلة ما قبل المعركة بتتالي النجاحات الجزئية الألمانية عبر هجوماتها الجوية الخاطفة وبعمل الروس على مواصلة بناء ترسانتهم الحربية -التي ما انفكّت في تزايد متواصل حتى نهاية الحرب- وبناء التحصينات على خط الجبهة لصد الهجوم المعاكس الألماني المحتمل، فقد قام الروس بزرع 400,000 لغم أرضي وحفر 5000 كم من الخنادق، كما ركزوا على تزويد قواتهم بالصواريخ المضادة للدبابات، وقد نجح السوفيات في تحقيق التفوق العددي في الجنود والدبابات والطائرات والمدافع.
ابتدأت المناوشات الأولية في 4 جويلية بالهجوم الألماني على الدفاعات الأمامية الروسية وأبراج المراقبة الموزعة على التلال القريبة، وقد تزامن ذلك مع قصف عنيف من قبل المدفعية والطيران الألماني للتحصينات السوفياتية ومحاولات التقدم على النطاقين الشمالي والجنوبي. وعند الساعة 22:30 انطلقت المدفعية السوفياتية في قصف شامل للقوات الألمانية وذلك لأحداث الفوضى في صفوفها وتعطيل هجومها، الأمر الذي أبدى نجاعة خاصة بالمنطقة الشمالية إذ أن نصف معاقلها قد أصيب، إلا أن هذه النجاعة بدأت تتراجع في اليوم التالي لأن القسم الأكبر من التواجد العسكري الألماني لم يبدأ بعد في التقدم لحد تلك اللحضة. أما المعركة الفعلية فقد اتّضحت في 5 جويلية بأن بلغ الاشتباك ذروته بين سلاحي الجو الألماني والسوفياتي وذلك بحثا على التفوق والسيطرة الجوية على سماء الجبهة، الأمر الذي فشل في تحقيقه الطرفان كلاهما رغم التفوق النسبي للألمان.
الفشل الألماني على النطاق الشمالي
كان الفشل الألماني واضحا وسريعا على هذا النطاق إذ أن أي تقدم لم يحصل، كما أن الألمان فشلوا في السيطرة على مدينة بونيري شمال كورسك، وتعود أسباب هذا الفشل إلى كثافة الألغام الأرضية المزروعة من جهة، وكثافة القصف المدفعي والقصف بالصواريخ المضادة للدبابات مما ألحق بها خسائر فادحة وهو ما استغله الروس لبناء هجوم معاكس ناجح انتهى بالوصول إلى مدينة أوريول في 12 جويلية ثم التحول من الهجوم إلى الدفاع وهو ما مكن السوفيات من الحفاظ على إنجازاتهم والسيطرة على أوريول في 5 أوت.
النطاق الجنوبي
كانت الأوضاع أفضل بالنسبة للألمان على هذه الجبهة نظرا لضعف الدفاعات السوفياتية بها وهو ما مكن الألمان من التقدم منذ 4 جويلية والسعي لاحتلال المدن المحيطة بمدينة كورسك إلا أن الألغام والأرضية المبللة قد عرقلت تقدم الدبابات الألمانية التي توقفت عن التقدم بسبب تدمير الروس للجسور الموجودة على الأنهار المجاورة. وقد تواصل القتال على الجبهة الجنوبية بشكل عنيف جدا أنهك الطرفين وتسبب في خسائر كبيرة لكليهما إلا أن التفوق السوفياتي بدأ في البروز خصوصا بعد النصر في معركة بروخوروفكا والهجوم المعاكس الذي مكّن الروس من استعادة مدينة بلغورود وبلوغ ضواحي مدينة خاركوف الأوكرانية في 11 أوت ثم السيطرة عليها يوم 23 أوت بعد معارك رهيبة وخسائر جسيمة. ويعتبر بعض المحللين أنّ الألمان قد أجبروا على انهاء القتال نظرا لاضطرارهم لنقل الإمدادات إلى إيطاليا التي تعرضت في نفس تلك الفترة للهجوم من قبل الحلفاء، إلا أنّ هذا السبب ولئن كان واقعيا فإنه ليس إلا سببا ثانويا للفشل
دلالات المعركة
مثلت المعركة نصرا استراتيجيا مكّن الروس من مواصلة الزحف نحو برلين وأخذ زمام المبادرة في المعارك اللاحقة، وقد عمل الروس على توظيف هذا النصر في الدعاية ورفع معنويات جنودهم أما الألمان فقد تلقوا بهذه الهزيمة ضربة قاضية على الجبهة الشرقية خاصة وأنّ هذه المعركة التي استنزفت الترسانة العسكرية والأرواح البشرية الألمانية هي التي عوّل عليها هتلر لوقف الزحف السوفياتي خصوصا بعد دخول دبابات تايغر الألمانية الجديدة الخدمة.