مفكرة الاسلام: لقد كان محمد علي باشا صاحب شخصية طموحة إلى حد الطمع والشره ذات ميول توسعية ورغبة جامحة في منصب الخلافة والسلطنة، ولقد أحسنت الدول الأوربية استغلال هذه الخصال في تحقيق أسمى مآربها وهو تفكيك الدولة العثمانية وإسقاطها، وبالفعل كان محمد علي مخلب القط ورأس الحربة التي طعنت به الدولة العثمانية.
فلقد شن محمد علي حربًا ضارية على بلاد الشام من أجل ضمها لولاية مصر، متذرعًا بحجة واهية ألا وهي تأديب والي عكا عبد الله الجزار، فأرسل محمد علي جيشًا بريًا وآخر بحريًا سنة 1247هـ إلى الشام ففتحها وتحالف مع الأمير بشير الشهابي زعيم الدروز، وهو رجل طماع مثله، وواصل إبراهيم باشا بن محمد علي سيره بعد أن فتح بلاد الشام كلها حتى وصل إلى مدينة «قونية» وأصبح الطريق إلى إستانبول مفتوحًا، وعندها خافت الدول الأوروبية من عودة الروح الإسلامية مرة أخرى في جسد الخلافة، وإن تحدث محمد علي نفسه بتولي منصب الخلافة الذي يحلم به، وهو رجل جموح، قوي، داهية، وبالتالي يقوى شأن الخلافة، فضغطت الدول الأوروبية على الخليفة محمود الثاني وعلى محمد علي لإيقاف القتال وعقد معاهدة «كوتاهية» سنة 1249هـ.
لم تكن بلاد الشام ممهدة لحكم محمد علي فيها، فلقد عانى محمد علي من كثرة الثورات والاضطرابات خاصة من جبل لبنان، وثار عليه الدروز والنصيريون، ولم يستقر حكم محمد علي بالشام أبدًا، مما جعل الخليفة محمود الثاني يفكر في إعداد حملة قوية لإخراج محمد علي من الشام، إلا أن هذه الحملة قد فشلت وانهزمت في معركة «نصيبين» هزيمة منكرة، وعندها قررت الدولة الأوروبية تحجيم محمد علي للأبد بعد أن أدى دوره على أكمل وجه وشتت أمر الخلافة وأضاع هيبتها وجاء التحجيم في شكل توقيع معاهدة لندن في 15 جمادى الأولى 1256هـ ـ 15 يوليو 1841 والتي تنص:
(1) على أن يكون حكم مصر وراثيًا في أسرة محمد علي، وولاية عكا مدى حياته فقط، وقد أعطوه مهلة عشرة أيام للتوقيع فإن لم يعط الجواب بعدها سلخت منه ولاية عكا، وإن انقضت عشرة أيام أخرى ولم يبد رأيه أخذت منه ولاية مصر، وإن انقضت عشرون يومًا ولم يعط الجواب ضربه الأسطول الإنجليزي المرابض بالشام.
(2) ألا يزيد الجيش المصري عن ثمانية عشر ألفًا من الجنود، ولا يكون له قوة بحرية، وألا يعين محمد علي في الجيش ضابطًا أعلى من رتبة ملازم، ودفع جزية سنوية للدولة العثمانية ثمانين ألف كيس، وقد وافق محمد علي مرغمًا على هذه المعاهدة، وذاق مرارة وحصاد خدمة أعداء الإسلام، وهل للحذاء بعد اهترائه من منزلة إلا المزابل؟