علي رضا باشا الركابي (1868 - 25 مايو/أيار 1942) أول رئيس وزراء في كل من سوريا والأردن.
عاصر الحكم العثماني، وكان ركناً بارزاً فيه. عندما رحل الأتراك، ونهض الحكم العربي الفيصلي، شكل أول وزارة في تاريخ سورية. وشكل وزارتين في الأردن، ووضع للأردن نظامه المالي والإداري. دعم الثورة السورية لدى قيامها، وهو رئيس للوزراء في الأردن. تقلب في عدد كبير من المناصب، وعهد إليه بعدد كبير آخر من المسؤوليات والمهام. كان إدارياً حازماً، ونزاهته تعتبر من الأساطير في هذه الأيام. رضا الركابي كان جزءاً من تاريخ سوريا الحديث. غير أنه لم ينل حقه الكافي من الشهرة، والدراسة، والتحليل.
البداية
ينتمي علي رضا باشا الركابي إلى أسرة دمشقية. تلقى تعليمه الابتدائي في المدرسة الرشدية العسكرية. وانتقل منها إلى المدرسة الإعدادية. ولأنه كان متفوقاً على جميع أقرانه، وتقديراً لعلامات النبوغ والعبقرية لديه، فقد أرسل إلى المدرسة الحربية في الآستانة، حيث درس فيها الشؤون العسكرية. وتخرج منها حاملاً رتبة " رئيس أركان حرب ". بعد تخرجه من المدرسة الحربية عين قائدا للجيش التركي في القدس، ووكيلاً لمتصرفها. عندما أعلن الدستور العثماني، عين رئيساً للشعبة الخاصة في الآستانة. ونقل منها إلى المدينة المنورة، حيث عين محافظاً فيها وقائداً لجيشها، وذلك بعد أن جرت ترقيته إلى رتبة أمير لواء. رحل إلى العراق، حيث تسلم قيادة الجيش في بغداد والبصرة.
عندما أعلنت الحرب العالمية الأولى عام 1914، استشارته الحكومة العثمانية، بين من استشارتهم من قواد جيوشها، بشأن دخول الدولة العثمانية الحرب إلى جانب حليفتها الدولة الألمانية، أو عدمه. وكان رأي رضا باشا الركابي، أن تظل الدولة العثمانية على الحياد، لأنه كان مطلعاً على حقيقة وضع الجيش العثماني وأسلحته وعتاده، وضعف إمكانياته. ولأنه أشار بضرورة الحفاظ على الحياد في هذه الحرب الطاحنة، فقد اعتبر من الانهزاميين والجبناء، فصدر الأمر بتسريحه، وإحالته إلى التقاعد. وكان وراء تسريحه وتقاعده عدد من المسؤولين والضباط المندفعين والمتحمسين لخوض الحرب، إلى جانب الصديقة والحليفة الدولة الألمانية. عندما عاد الركابي إلى دمشق، بعد تسريحه، أراد جمال باشا الإفادة من علمه وخبرته، مع حرصه على وضعه تحت رقابته، لذا أمر بتعيينه رئيساً لبلدية دمشق، ورئاسة التحكيمات. وقد آثر الركابي قبول هذين المنصبين، كي يدفع عن نفسه الشبهات. فقد كان الرجل في حقيقته من مؤسسي "جمعية العربية الفتاة " و" جمعية العهد ". وهاتان الجمعيتان كانتا أول من زرع بذور القومية العربية في العهد العثماني.
[عدل] تشكيل أول وزارة سورية
عقب إعلان الثورة العربية الكبرى، ودخول الجيش العربي دمشق، عين رضا الركابي حاكماً عسكرياً للمنطقة الشرقية. عندما أعلن المؤتمر السوري استقلال سورية في الثامن من اذار/مارس 1920 وتسلم زمام الحكم الأمير فيصل بن الحسين، ونودي به ملكاً على سورية، عهد إليه بتشكيل أول وزارة عربية، فتسلم الركابي زمام الأمور، وشكل الوزارة، ولقب بالحاكم العسكري. بعد معركة ميسلون غير المتكافئة، ودخول القوات الفرنسية إلى دمشق، وانتهاء العهد الفيصلي، رحل رضا الركابي إلى مصر. وانتقل منها إلى الحجاز. وهناك كلفه الشريف حسين بالذهاب إلى الأردن، لمساعدة ولده الأمير عبد الله بتأسيس وإدارة دولة شرقي الأردن.
رضا الركابي في الأردن
عهد في عمان إلى الركابي في الثاني عشر من آذار 1922 الحكومة الأردنية الأولى. وعمل على وضع القوانين والأنظمة المناسبة للدولة الأردنية الجديدة، ولاسيما في نطاق الأنظمة المالية والجهاز الإداري. وفي الثالث من تشرين الأول 1922 دعاه الأمير عبد الله إلى مرافقته في رحلة إلى لندن، لعقد معاهدة بين الأردن وبريطانيا، وبحث الشؤون العربية هناك.
ومكث الركابي مع الأمير عبد الله بعض الوقت. ثم غادر الأمير لندن واستبقى رئيس وزرائه للاتفاق مع وزارة المستعمرات البريطانية على الشكل النهائي لحكومة الأردن. وقد وفق رضا الركابي بالحصول على موافقة بريطانيا على استقلال المنطقة استقلالاً نيابياً، على أن لا يشملها وعد بلفور المشؤوم بإنشاء الدولة الصهيونية على الأرض الفلسطينية. عاد الركابي بعدها إلى الأردن. ثم نشأ بين الأمير عبد الله وبينه خلاف حول بنود هذا الاتفاق، أدى إلى تقديم استقالته من رئاسة الوزراء.
وفي أوائل عام 1924 دعي رضا الركابي ثانية إلى تشكيل الوزارة في الأردن. فاستجاب لهذه الدعوة، وشكل الوزارة ثانية. وظل في منصبه هذا إلى حزيران من عام 1926، حيث استقال، وانتقل للإقامة بين حيفا والقدس طوال سنتين ولصف السنة. وكان الركابي يوم شكل وزارته، قد أعلن في برنامجه الوزاري، العمل بالصدق والإخلاص في القول والعمل، وتوزيع العدالة بين جميع أفراد الشعب، والمراعاة التامة لشؤون الاقتصاد، والاعتماد على الكفاءات في التوظيف، وقمع بذور الفساد، وكل ما يسيء إلى السمعة. ودعا إلى التعاضد والتكاتف في جميع أمور الإصلاح، وصيانة المنطقة من الأحوال المخلة بالأمن. وكان الركابي وهو رئيس للوزراء في الأردن، يدعم الثورة السورية بكل إمكاناته سراً، ويذكي روح المقاومة بين صفوف الثوار. ومن أجل هذا، لم يستطع عقب استقالته من رئاسة الوزارة العودة إلى أرض الوطن، بل أثر الإقامة في فلسطين، إلى أن انتهت الثورة، وصدر العفو العام على كل من شارك بالثورة. وكان خلال إقامته في الأرض الفلسطينية، يعيش عيش الكفاف، بسبب فقره وضيق ذات يده. بعد عودته إلى دمشق، ووفاة الملك الهاشمي فيصل الأول، اعتزل الرجل، النزيه، المستقيم، العمل السياسي ولزم بيته، وانقطع عن الناس.
رحل رضا الركابي إلى جوار ربه، في يوم الاثنين الخامس والعشرين من أيار عام 1942، بعد أن عانى من المرض طويلا، وأصيب بالشلل.