معركة ميسلون، هي معركة قامت بين متطوعين سوريين بقيادة وزير حربية المملكة العربية السورية يوسف العظمة من جهة، والجيش الفرنسي، بقيادة هنري غورو من جهة أخرى في 24 يوليو/تموز 1920. تعتبر معركة ميسلون معركة عزة وكرامة خاضها البطل يوسف العظمة الذي كان يعلم أن جيش المتطوعين المتواضع جداً الذي يقودة لن يصمد طويلاً بمواجهة الجيش الجرار الذي كان يقوده غورو والمزود بطائرات ودبابات ومدافع وإمدادت. ومع ذلك، رفض أن يحتل الفرنسيون بلده دون قتال فتبقى وصمة عار في التاريخ، فكانت معركة ميسلون التي قاوم فيها الجيش ببسالة معركة عزة ومبادىء.
أسباب المعركة
تلقى الأمير فيصل إنذار الجنرال غورو الفرنسي (وكان قد نزل على الساحل السوري) بوجوب فض الجيش العربي وتسليم السلطة الفرنسية السكك الحديدية وقبول تداول ورق النقد الفرنسي السوري وغير ذلك مما فيه القضاء على استقلال البلاد وثروتها، فتردد الملك فيصل ووزارته بين الرضى والإباء، ثم اتفق أكثرهم على التسليم، فأبرقوا إلى الجنرال غورو، وأوعز فيصل بفض الجيش. وعارض هذا بشدة وزير الحربية يوسف العظمة.
ولكن بينما كان الجيش العربي المرابط على الحدود يتراجع منفضاً (بأمر الملك فيصل) كان الجيش الفرنسي يتقدم (بأمر الجنرال غورو) ولما سئل هذا عن الأمر، أجاب بأن برقية فيصل بالموافقة على بنود الإنذار وصلت إليه بعد أن كانت المدة المضروبة (24 ساعة) قد انتهت. وعاد فيصل يستنجد بالوطنيين السوريين لتأليف جيش أهلي يقوم مقام الجيش المنفض في الدفاع عن البلاد، وتسارع شباب دمشق وشيوخها إلى ساحة القتال في ميسلون، وتقدم يوسف العظمة يقود جمهور المتطوعين على غير نظام، وإلى جانبهم عدد يسير من الضباط والجنود.
خرج يوسف العظمة بحوالي 3000 جندي إلى ميسلون، ولم تضم قواته دبابات أو طائرات أو أسلحة ثقيلة، واشتبك مع القوات الفرنسية في صباح يوم 8 ذي القعدة 1338هـ/24 تموز 1920م في معركة غير متكافئة، دامت ساعات، اشتركت فيها الطائرات الفرنسية والدبابات والمدافع الثقيلة.
وعلى الرغم من ذلك فقد استبسل المجاهدون في الدفاع. وكان يوسف قد جعل على رأس "وادي القرن" في طريق المهاجمين ألغاما خفية، فلما بلغ ميسلون ورأى العدو مقبلا أمر بإطلاقها، فلم تنفجر، فأسرع إليها يبحث، فإذا بأسلاكها قد قطعت. واستشهد العظمة في معركة الكرامة التي كانت نتيجتها متوقعة خاضها دفاعًا عن شرفه العسكري وشرف بلاده، فانتهت حياته وحياة الدولة التي تولى الدفاع عنها.
ولم يبق أمام الجيش الفرنسي ما يحول دون احتلال دمشق في اليوم نفسه، لكنه القائد المعجب بنصره آثر أن يدخل دمشق في اليوم التالي محيطاً نفسه بأكاليل النصر وسط جنوده وحشوده. ثم زار قبر صلاح الدين الأيوبي وقال في شماتة: "نحن قد عُدنا يا صلاح الدين"[1]. ويذكر المؤرخ سامي مبيض أن عدداً من الموارنة من جبل لبنان قد تطوعوا للقتال مع القوات [الفرنسية] لأنهم رفضوا الانضواء ضمن دولة ذات غالبية إسلامية.
أهل حوران والرمثا في معركة ميسلون
بعد انسحاب الجيش البريطاني من سورية، واعتقال الفريق ياسين الهاشمي رئيس مجلس الشورى العسكري في حكومة الأمير فيصل، بدأت الحرب ضد القوات الفرنسية المتواجدة في الساحل السوري (بما يشمل ما أصبح يعرف بلبنان) والبقاع، وسميت تلك المناوشات بحرب العصابات ضد التواجد الفرنسي في تلك المناطق. وكانت ثورة الجولان الأولى في كانون الأول 1919م، أكبر الهبات الشعبية ضد الجيش الفرنسي قبل معركة ميسلون، وعن دور الشيخ الثائر المجاهد فواز باشا البركات الزعبي في هذه الثورة، هو انه :«عندما عرفت النوايا الفرنسية في سورية، بدأت حرب المجاهدين ضد التواجد الفرنسي في السواحل السورية، وأقوى هذه الفعاليات الشعبية هي ثورة القنيطرة التي قادها الحاكم العسكري للجولان اللواء علي خلقي الشرايري، والمجاهدان أحمد مريود، والأمير محمود الفاعور، وكانت قوات هذه الثورة من الرمثا ، وقد لعب الشيخ الثائر المجاهد فواز باشا البركات الزعبي دوره المميز فيها من خلال جمع الأسلحة لثوارها وتأمين عائلات الثوار بالمؤن واقتسامه معهم لقمة العيش وقال حينها الشيخ الثائر المجاهد فواز باشا البركات الزعبي.
أما في دائرة الكرم والشهامة وطيب النفس، فكان في نصف الدائرة، ورثها عن جديه ووالده وأعمامه، وهو من الذين قالوا: إذا فقدت الفروسية فقد الكرم، واذا فقدت الشهامة تجد رداءة النفس، وأسلحة العرب هي: الكرم والشهامة وطيب النفس. وهو الذي قال للشريف جميل بن ناصر، متصرف لواء حوران عام 1919م، عندما سأله عن الكرم وعلاقته بالفروسية:
«كان ولا يزال كرمنا على قد حال اهلنا وديرتنا ومهما اختلفت الظروف وتغير الزمان يبقى الكرم عند اسمه (الكرم)، لانه جزء من شخصية الفارس العربي ويرافقه مثل ظله، فاذا فقدت الفروسية فقد الكرم، واذا فقد الكرم، يصبح الرجل طليق ربعه وحتى طليق زوجته».
اذن.. كان الكرم من العناوين المختارة لثوابت السلوك القيمي والإنساني عند الشيخ الثائر المجاهد فواز باشا البركات الزعبي وعشاير الرمثا.
لم يكن الشيخ فواز زعيما عشائريا على حوران فحسب، بل كان قائدا سياسيا وعسكريا، خطط ونفذ لعشرات المعارك في العهدين العثماني والفرنسي، وتشهد له معارك درعا، وغزالة، وغباغب، ونوى، والدالية الغربية بالإضافة إلى معركة ميسلون الشهيرة.
وبعد ((معركة ميسلون وسقوط الحكم العربي الفيصلي))، عاد الشيخ الثائر المجاهد فواز باشا البركات الزعبي إلى الرمثا، واخذ يثور الناس ضد الانتداب الفرنسي، ويدعو إلى الثورة الشاملة، فكانت معركة خربة غزالة بداية الثورة الحورانية وجاء في مذكرات الدكتور عبد الرحمن الشهبندر «بان اجتماعا عقد في الأردن رتب فيه الشيخ الثائر المجاهد فواز باشا البركات الزعبي خطة الهجوم على رؤوس العمالة الفرنسية، وجاءت النتائج لصالح الثورة والقيادة السياسية للثورة.. فماذا جرى في خربة غزالة؟؟.
الوثائق الحورانيه
بين يدي (13) مصدرا عن حادث خربة غزالة، من بينها: الوثائق الحورانية التالية:
- الوثيقة رقم (5) تاريخ 21 آب 1920، وهي تعزية الجنرال غورو باغتيال رئيس الوزراء علاء الدين الدروبي وعبد الرحمن اليوسف رئيس مجلس الشورى، على يد ثوار الحوارنة، ونشرتها جريدة العاصمة في 30 آب 1920م.
- الوثيقة رقم (6) تاريخ 2 أيلول 1920، وهي إنذار الجنرال (غوابيه) قائد الفرقة الثالثة لجيوش الشرق، لأهل حوران، لتقديم الطاعة وتسليم ثوار خربة غزالة.
- الوثيقة رقم (281) بلا تاريخ، وهي رسالة من الامير علي بن الحسين إلى قيادة الثورة الحورانية يقول فيها:«كنت قد كتبت لكم سابقا واحيطكم علما عن الاوضاع الراهنة، واننا انتدبنا شخصية لتأمين الاتصال بيننا، نرجوكم الاعتماد عليها واعلامنا الحالة الراهنة عندكم وعن مهاجمة ثوار حوران للمواقع الفرنسية ووضع الجبل عندكم..». وكانت قيادة الثورة الحورانية قد تشكلت من المجاهدين حسب ما ذكرهم محمود الزعبي ومحمد عطا الله الزعبي - التالية اسماؤهم: إسماعيل الحريري - الشيخ الثائر المجاهد فواز باشا البركات الزعبي - فاضل المحاميد - مصطفى الخليلي - فارس احمد الزعبي - إبراهيم سليم صالح الزعبي - موسى عقلة الزعبي - زعل عبد الغني الحريري - مصطفى المقداد - وكانت الرمثا آنذاك تابعة إلى متصرفية درعا.
اما احداث معركة غزالة التي وقعت يوم 21 آب 1920م، والتي خطط لها الشيخ الثائر المجاهد فواز باشا البركات الزعبي وشخصيات أخرى معظمها من عشيرة الزعبي فقد جاءت على الشكل التالي، حسب الوثائق التي حصلت عليها من حوران، وكما ورد بعض تفاصيلها في كتاب (صور مشرقة من نضال حوران) صفحة (120 - 123) وكتاب (سيوف حطين تعانق سيوف تشرين) صفحة (233 - 237) للباحث الحوراني احمد محمد عطا الله الزعبي، بالإضافة إلى المصادر الأخرى.
لقد اخبر الجنرال غورو ان فريقا من الذين صدرت بحقهم احكام الاعدام ما زالوا يقيمون في درعا، ويتنقلون بحرية من درعا إلى الرمثا واربد والازرق، وانهم «يبثون روح التمرد والعصيان بين ابنائها ضد فرنسا وان مفرزة من الجند السنغالي التي بعثها الفرنسيون إلى درعا قد اجبرت على العودة بالقطار نفسه الذي اقلهم»، وتحقق لدى غورو ان الحوارنة برفضهم لدخول القوات الفرنسية إلى بلادهم يدل على نوايا حوران تجاه الفرنسيين، فأرسل وفدا مؤلفا من رئيس الوزراء ووزير الداخلية ورئيس مجلس الشورى لوجاهتهم ونفوذهم ولتهدئة الخواطر واسداء النصح لأهل حوران بالطاعة والخضوع، وقطع علاقاتهم بزعماء الرمثا الذين يحتضنون الرجال المحكوم عليهم بالاعدام ويمدون أهل حوران بالأسلحة، وتأمين المعابر للثوار الذين يقومون بأعمال ضد القوات الفرنسية، يقول احمد الزعبي في الصفحة (122) ما يلي:«ورأى علاء الدين الدروبي رئيس الوزراء ان يقوم بزيارة لحوران لتهدئة الخواطر ولاقناع زعماء حوران بتلبية دعوة الجنرال غورو للبحث في شأن الغرامات المالية التي فرضتها فرنسا على منطقتهم والاتفاق معهم على كيفية الدفع.
وقد كان الوفد يتألف من رئيس الوزراء علاء الدين الدروبي وعبد الرحمن اليوسف رئيس مجلس الشورى وعطا الايوبي وزير الداخلية والشيخ عبد الجليل الدرة، والشيخ عبد القادر الخطيب ومنير بدرخان، وحارس رئيس الوزراء أحمد الخاني، ومجموعة من الضباط والجنود الفرنسيين».
وصل الخبر إلى حوران - درعا، فقام المجاهدان: محمد الجبل وسليم صالح الزعبي، بالتوجه إلى الرمثا واخبرا الشيخ الثائر المجاهد فواز باشا البركات الزعبي بالنوايا الفرنسية وبعدها توجه الزعبي للاجتماع بالمجاهدين احمد مريود ونبيه العظمة ومحمود الناعور في منطقة الازرق، وتم الاتفاق على قتل جميع اعضاء الوفد ومصادرة القطار، وتحريكه إلى عمان، وتم اعلام الثوار في خربة غزالة على تنفيذ المهمة، وشاع خبر الزيارة واستنفرت كل قرى حوران بما فيها قريتا الرمثا وعمراوة، يقول الزعبي نقلا عن مذكرات متصرف درعا (آنذاك) أبو الخير الجندي، صفحة (122): ما يلي: «يقول متصرف حوران في مذكراته انه لما علم بخبر هذه الزيارة ابرق إلى وزير الداخلية، ان شعب حوران في هياج كبير، وان الوضع الراهن يستوجب تأجيل الزيارة ريثما تهدأ الحالة. ثم اتبعها ببرقية ثانية لما علم اصرار رجال الحكومة على المجيء ابان فيها خطورة الحالة وطلب العدول عن الزيارة مؤقتاً».
وقد وصلت البرقية الأولى وتأخرت البرقية الثانية إلى وزير الداخلية لعدة دقائق حيث كان رجال الحكومة العميلة قد ركبوا القطار في طريقهم إلى درعا، وقد قام الحوارنة بطرد موظفي الحكومة وبقي المتصرف (أبو الخير الجندي) يجابه الموقف بمؤازرة زكي الحلبي قائد درك درعا، الذي تسلم منصبه هذا بعد أن ترك الخدمة القائد خلف محمد التل، والذي رفض الخدمة في ظل الاحتلال الفرنسي، وعاد إلى اربد ليشارك في حكومتها المحلية.
«وبلغ الهياج منتهاه عندما انتشرت اشاعة من الاهالي مفادها ان رجال الحكومة يحملون صناديق الذهب لتوزيعه على زعماء العشائر، وانتشرت هذه الفكرة بين العوام»، وخوفا من تغيير مسار السلوك الجهادي واغراء الناس بالذهب شكلت لجنة من الزعماء والوجهاء من بينهم: الشيخ الثائر المجاهد فواز باشا البركات الزعبي وعبدالله الطحان وفرحان سليم الزعبي، وابراهيم الصالح وذلك لتوضيح مهمة الوفد الحكومي المرسل من قبل غورو شخصيا، وانهم لا يحملون لأهل حوران الا فرامانات بدفع الغرامات، فالعملاء جاءوا ليأخذوا وليس ليعطوا وان اشاعة صناديق الذهب ما هي الا خدعة لتفريق الصفوف، وابعاد الاهالي عن مهماتهم الجهادية، ونجح الشيخ الثائر المجاهد فواز باشا البركات الزعبي وفريقه بتعبئة الاهالي ضد الوفد القادم للموت، وكانت النتيجة قتل رئيس الوزراء علاء الدين الدروبي وعبد الرحمن اليوسف الذي هرب إلى مخفر الشرطة ولحق به الثوار وقتلوه هناك، كما قتل وحيد عبد الهادي (من نابلس) وقتل جميع الضباط والجنود الذين لاذوا بالفرار ولكن أهل غزالة كانوا لهم بالمرصاد