حملة السفر برلك (وتعرف كذلك بحملة ترعة السويس الأولى): (28/1/1915 - 3/2/1915)
هي حملة عسكرية شنتها الدولة العثمانية ضد القوات البريطانية في مصر خلال الحرب العالمية الأولى للاستيلاء على قناة السويس، لكن بعد فشلهم في ذلك تم إرسال الرجال للقتال في أوروبا.
وكلمة (السفربرلك) تركية وتعني "الحرب الأولى"، وسميت كذلك لأنها أول حرب شُنت بعد إزاحة السلطان عبد الحميد الثاني من قبل حزب الاتحاد والترقي على الرغم من الوضع المتردي آنذاك للدولة العثمانية، وقيل أيضاً أن معناها "الترحيل الجماعي".
مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، تحالفت السلطة التركية الجديدة مع ألمانيا، في محاولة منها لإيقاف الانهيار المستمر لسلطتها في البلاد الخاضعة لها، والتي كانت هدفاً لأطماع الدول الكبرى السائدة آنذاك، وعلى وجه الخصوص بريطانيا وفرنسا، مما دفع بالسلطات التركية إلى خوض حرب ضروس مع هذه الدول، وتجنيد أعداد كبيرة من الجنود كانت غالبيتهم من شعوب الدول الخاضعة لسلطتها، وخاصة من البلاد العربية، فيما عرف لاحقاً بالسفر برلك، وذهبت أعداد كبيرة من شبان العرب إلى هذه الحرب، وكثير منهم لم يعودوا، ولم يعرف أحد أين ماتوا أو دفنوا.
تاريخ الحملة
بدأت الحملة في 28 يناير/كانون الثاني عام 1915 م وانتهت بانسحاب العثمانيين في 3 شباط/فبراير من العام نفسه، حيث قام العثمانيون بإرسال جيش قوامه 20,000 جندي بقيادة جمال باشا والعقيد كريس فون كرسنشتاين. فتصدت لهم القوات البريطانية بقيادة جون ماكسويل بجيش قوامه 30,000 جندي.
ارتأت السلطات التركية، في ظل الظروف التي فرضتها الحرب العالمية الأولى، تعيين قائد كبير يفرض سلطته القوية على منطقة بلاد الشام ومصر التي كانت قد خضعت للإنكليز، فعينت عام 1915 م والياً جديداً على سوريا خلفاً للوالي خلوصي بك، هو أحمد جمال باشا الملقب بالسفاح.
وأحمد جمال باشا هو قائد عسكري عثماني ومن زعماء جمعية الاتحاد والترقي، ومن المشاركين في الانقلاب على السلطان عبد الحميد الثاني، وقد شغل منصب وزير الأشغال العامة وقائد البحرية العثمانية، قبل أن يصبح الحاكم المطلق في سوريا وبلاد الشام.
وقد خطب جمال باشا أول قدومه إلى دمشق في النادي الشرقي عام 1914 م قائلاً:[1]
"يجب عليكم يا أبناء العرب أن تحيوا مكارم أخلاق العرب ومجدهم، منذ شروق أنوار الديانة الأحمدية، أحيوا شهامة العرب وآدابهم حتى التي وجدت قبل الإسلام، ودافعوا عنها بكل قواكم. واعملوا على ترقية العرب والعربية، جددوا مدنيتكم، قوموا قناتكم، كونوا رجالا كاملين"
إلا أن والي سوريا الجديد، لم يكن في الحقيقة إلا مبغضاً للعرب، كارهاً لهم، وكان يبيت في نفسه نية الانتقام منهم ومن حركاتهم السياسية على الأخص، حالما تسنح له الفرصة.
أهداف الحملة
الهدف المعلن لحرب السفر برلك كان تحرير قناة السويس من الاحتلال البريطاني. أما الهدف الحقيقي، فكان قطع طرق المواصلات بين بريطانيا ومستعمراتها الآسيوية وخاصة الهند. وتجنيد الرجال لإرسالهم للقتال في أوروبا.
كانت مهمة جمال باشا الأساسية تجهيز حملة على مصر للقضاء على السيطرة البريطانية، إلا أنه قبض على زمام السلطة بيد من حديد، واعتمد سياسة البطش، وتلهى عن إعداد الحملة بالعمل على تعزيز سلطته وبسط سيطرته وإقصاء العناصر العربية عن مراكز الإدارة والقرار.
وفي عام 1915 م قاد جمال باشا الجيش الرابع التركي لعبور قناة السويس واحتلال مصر. وفي ليل 2 فبراير/شباط 1915 م اخترق صحراء سيناء التي كانت حينها تفتقر لطرق المواصلات فكانت القوات التركية تصل إلى القناة منهوكة القوى لتحصدها البوارج البريطانية الموجودة في القناة أو القوات البريطانية التي تتحصن على الضفة الغربية للقناة بمدافعها ورشاشاتها ومع أن بعض السرايا القليلة استطاعت اجتياز القناة إلا أن الهجوم فشل فشلاً ذريعاً ولم ينج من الجيش الرابع إلا القليل.
نتائج الحملة
منيت الحملة بالفشل في 3 فبراير/شباط عام 1915 م حيث سقط 1500 جندي عثماني قتلى بنيران مدفعية البوارج البريطانية في قناة السويس. وعلى الرغم من فتوى الجهاد التي أعلنتها الدولة العثمانية، إلا أن الحملة فشلت في إثارة جموع المصريين. وبعد فشل الحملة أرسـِل المجندون إلى أوروبا للقتال في الحرب العالمية الأولى.
كان للفشل الذريع لهذه الحملة ومسؤولية جمال باشا المباشرة عن ذلك الفشل، وهو الحاكم العسكري المطلق على سوريا، أن يصبح عصبي المزاج بشكل دائم، حاد الطباع، وصب جام غضبه على القيادات العربية العسكرية والمدنية التي حمّلها مسؤولية إخفاقه، فعمل على استبدال الكتائب العربية في بلاد الشام بكتائب غالبية جنودها من الأتراك، وفصل الضباط العرب البارزين من وظائفهم وأرسلهم إلى مناطق بعيدة، وأخذ باعتقال الزعماء الوطنيين والمفكرين العرب والتنكيل بهم وتعذيبهم حتى الموت، وقد كانت باكورة هؤلاء إعدام عدد من المناضلين بأحكام عرفية باطلة في عدد من المناسبات.