الطـــــــــلاق
مقدمة
كما نعلم ان الله سبحانه وتعالى خلق الذكر والانثى ليسكنا الى بعضهما البعض و ذلك بالمودة و الرحمة لقوله تعالى ( يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها وبث منها رجالا كثيرا و نساءا واتقوا الله الذي تسائلون به و الارحام ان الله كان عليكم رقيبا ) " الاية 1 من سورة النساء " فمن قدرته سبحانه وتعالى ان خلق من كل شئ حي زوجين لقوله تبارك وعلا ( و من كل شئ خلق زوجين لعلكم تذكرون ) وهذا دلالة على ان الله سبحانه وتعالى جعل لنا الزواج وسيلة للاستقرار و السكون وبناء اسرة متماسكة ، لكن لكل اصل عام هناك استثناء وهو انه قد يحدث و ان يصيب بعض الاسر التفكك وقد يحدث ان تنفر الزوجة من زوجها وتصبح العيشة مستحيلة بين الزوجين لاي سبب كان ومن عضمته تبارك وتعالى ان جعل لنا في كتابه الكريم وفي سنة نبيه عليه الصلاة والسلام الحلول و المنافذ لكل المشاكل التي قد تواجه الانسان ومنها المشاكل الاسرية التي تؤدي الى استحالة المعيشة والى دمار هذه الاسر فقد يسر الله سبحانه وتعالى هذا في الطلاق الذي أجازه في الاحوال التي تصعب فيها استمرارية الرابطة الزوجية ، رغم انه من ابغظ الحلال عند الله لكنه يبقى الوسيلة الوحيدة في العديد من الحالات كما سنرى في لب الموضوع ، وهنا قد يكون الطلاق بالارادة المنفردة للزوج بان يرمي يمين الطلاق على الزوجة لاي سبب من الاسباب وكما نعلم ان الله سبحانه وتعالى جعل الرجل قواما عن المراة اذ جعل يمين الطلاق بيده لكن قد يكون الطلاق بالارادة المنفردة للزوجة وهذا اذا قامت بطلب التطليق و هذا ما اباحه القانون بنصوص المواد 48-53-54 من قانون الاسرة الجزائري سواء كان لاسباب مذكورة في المادة 53 او ان تخالع نفسها وهذا حسب المادة 54 ولكي نتعرض بالتفصيل لهذين الموضوعين وهما اسباب التطليق والخلع ارتئينا ان تكون الاشكالية كالتالي :
*ما حكم الطلاق لسبب من الاسباب المذكورة في المادة 53 ، وهل ان المشرع قد الما بها كلها ام انه قصر في بعضها ؟ وما راي الفقه والقانون في ذلك؟ وهل للزوجة ان تخالع نفسها على عوض بمجرد كرهها لزوجها وما حكم الخلع وما شروط وقوعه لكي يكون صحيحا ؟
للاجابة عن هذه الاشكالات المطروحة قد اتبعنا في بحثنا هذا المنهجية التالية :
1/ اسباب التطليق ( م53 ) :
*تحديد المادة وشرحها قانونا
* الشرح الفقهي
* مقارنتها ببعض التشريعات العربية
* الدليل من الكتاب والسنة و التركيز على الاختلافات الفقهية بين المذاهب .
2/ حق الزوجة في الخلع (م54) و نحدد :
* مفهومه / طبيعته القانونية /شروطه/ احكام بدل الخلع ، / حكم الطلاق الواقع بالخلع/ آثاره / الدليل من الكتاب والسنة / التعليق على المادة و الانتقادات الموجهة اليها / الاحكام المستنبطة منها .
* ثبوت نشوز احد الزوجين و الحكم بالتعويض للطرف المتضرر(م55)
* محاولة التوفيق و الصلح بين الزوجين (57)
*عدم قابلية الاحكام بالطلاق للاستئناف (57)
* خاتمة وتشمل اهم الاقتراحات للنصوص الواردة بهذا الشأن .
1/ طلب التطليق لعدم الانفاق :
أ- تحديد المادة وشرحها قانونيا :
نصت الفقرة الاولى من الماة 53 من قانون الاسرة الجزائري على انه يجوز للزوجة ان تطلب الحكم لها بتطليقها من زوجها استنادا الى ارادتها المنفردة في حالة ( عدم الانفاق بعد صدور الحكم بوجوبه ما لم تكن عالمة باعساره وقت الزواج مع مراعاة المواد 78-79-80 من هذا القانون) وهي المواد المتعلقة بمشمولات النفقة و تقديرها و تاريخ استحقاقها1 و منه من خلال تحليل هذه المادة بشكل مبسط يمكننا استخلاص الشروط التي يجب توفرها لقيام حق الزوجة في طلب التطليق وهي :* عدم انفاق الزوج على زوجته و امتناعه عمدا وقصدا
• ان يكون قد صدر حكم من المحكمة بوجوب نفقة الزوجة على زوجها .
• يجب ان لا تكون عالمة بحالة اعساره وقت ابرام عقد الزواج
• ان يكون الانفاق مثل زوجها على مثلها و بحسب مدخولاته و موارد رزقه .
و بالتالي و من خلال هذه المادة فاذا توافرت الشروط مجتمعة فان من حقها ان تلجا الى القضاء و تطلب من المحكمة ان تقضي بتطليقها حالا من زوجها بعد ان تكون قد تضررت من عدم الانفاق عليها ، هنا وقد ذهب قانون الاسرة ج الى ماذهب اليه الائمة الثلاثة ( مالك و الشافعي و احمد)
و معظم قوانين البلاد العربية الاسلامية من جواز التطليق او التفريق لعدم الانفاق ، لكن المشرع لم يفرق بين حالتين هما حالة عدم الانفاق مع قدرة الزوج على ذلك و هو الامتناع عمدا و حالة عدم الانفاق مع عجز الزوج عن ذلك و هو ما نسميه عدم القدرة المالية على الانفاق بسبب البطالة او بسبب عجز الزوج عجزا جسديا يقعده عن العمل و هنا يجب التفريق بينهما و ايضا ان يصدر في كل حالة حكم مخالف للحكم الثاني .
كما ان ق.ا.ج نص على عدم جواز علم الزوجة باعسار الزوج قبل او وقت العقد لكنه لم ينص على ان الزوج كان موسرا قبل العقد ثم اعسر بسبب قوة قاهرة و كانت الزوجة غنية فهنا من غير المعقول الحكم لها التطليق بسبب عدم الانفاق رغم ثراء الزوجة ، كما ان ق.ا .ج لم يحدد المدة التي يجب على الزوجة مراعاتها لتستطيع رفع دعوى التطليق لانها تضررت التي وردت الاشارة اليها في المادة 331 ق.ع.ج و التي جاء فيها (ان كل من امتنع عمدا و لمدة تتجاوز شهرين عن تقديم المبالغ المقررة قضاءا لاعالة اسرته و عن اداء كامل قيمة النفقة اليهم يعاقب بالحبس من 6 اشهر الى 3 سنوات و بغرامة مالية من 500 الى 5000 د.ج) 2.
ب-الشرح الفقهي والدليل من الكتا ب والسنة :
ذهب الامام مالك و الشافعي و احمد الى جواز التفريق لعدم النفقة 1 بحكم القاضي اذا طلبته الزوجة 2 و ليس له مال ظاهر و استدلوا لمذهبهم هذا بما يلي :
- ان الزوج مكلف بان يمسك زوجته بالمعروف او ان يسرحها و يطلقها باحسان لقوله تعالى (فامساك بمعروف او تسريح باحسان) و لاشك ان عدم النفقة ينافي الامساك بمعروف ، ولقةله تعالى ( ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) و قوله صلى الله عليه وسلم ( لا ضرر ولا ضرار) .
و هنا الضرر هو ترك الانفاق عن المراة و على القاضي ان يزيل هذا الضرر .
و ذهب الاحناف الى عدم جواز التفريق لعدم الانفاق سواء اكان السبب مجرد الامتناع ام الاعسار و العجز عنها و دليلهم في هذا ان الله سبحانه و تعالى قال في كتابه العزيز (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله ، ولا يكلف الله نفسا الا ما اتاها سيجعل بعد عسر يسرا) و قد سئل الامام الزهري عن رجل عاجز عن نفقة زوجته ايفرق بينهما ؟ قال : تستاني به و لا يفرق بينهما و تلا الاية السابقة .
- ان الصحابة كان منهم الموسر و المعسر ولم يعرف عن احد منهم ان النبي صلى الله عيله وسلم فرق بين رجل و امرته بسبب عدم النفقة لفقره واعساره ، و قد سال نساء النبي (ص) ما ليس عنده فاعتزلهن شهرا و كان ذلك عقوبة لهن و اذا كانت المطالبة بما لا يملك الزوج تستحق العقاب فاولى ان يكون طلب التفريق عند الاعسار ظلما لا يلتفت اليه، قالو : اذا كان الامتناع عن الانفاق مع القدرة عليه ظلما فان الوسيلة في رفع هذا الظلم هي بيع ماله للانفاق منه او حبسه حتى ينفق عليها ولا يتعين التفريق لدفع هذا الظلم مادام هناك و سائل اخرى اذا كان كذلك فالقاضي لايفرق بهذا السبب لان التفريق ابغض الحلال الى الله من الزوج صاحب الحق فكيف يلجا القاضي اليه مع انه غير متعين و ليس هو السبيل الوحيد لرفع الظلم3، و اذا كان معسرا فانه لم يقع منه ظلم لان الله لا يكلف نفسا الا ما آتاها .
اما بالنسبة لمدة انتظار الزوجة بعد الحكم لها بالنفقة و اثره على سقوط حقها في طلب التطليق فقد جعل الفقهاء المسلمون هذه المدة تتراوح بين 3 ايام و شهر ابتداءا من تاريخ التصريح بالحكم و هو راي احمد و الشافعي و لكن مالك رضي الله عنه جعل المدة خاضعة للسلطة التقديرية للقاضي 4 يحدد المدة بحسب مقتضى الحال و هو الموقف الاكثر انتساقا مع التشريع و قال مالك ان بقاء الزوجة مع زوجها رغم عسره و بعد صدور الحكم عليه بالنفقة جائز لها شرعا و بسقوط حقها في طلب التطليق ، و المشرع اقر سقوط حقها عند رضاها بالزواج عند علمها بعسره وقت الزواج .
ج-حكم الطلاق لعدم الانفاق :
اختلف الفقهاء في مدى اعتبار الطلاق لعدم الانفاق طلقة ام لا فقد راى الشافعي و احمد ان الطلاق لعدم الانفاق بحكم المحكمة هو فسخ للعقد وليس طلاقا لان الطلاق يكون بارادة الزوج و راها الامام مالك طلقة رجعية وهذا مااعتبره المشرع الجزائري التفريق بحكم القاضي هو وهذا ما جاء في المادة 48 من قانون الاسرة الجزائري ومن خلال هذه المادة فان الطلاق بعدم الاتفاق يحسب في عداد الطلقات الثلاثة التي يملكها الزوج فان كانت الاولى كانت رجعية و ان كانت الثانية كانت بائنة بينونة صغرى وان كانت ثالثة ترفع الحلية1.
د- مقارنتها ببعض التشريعات العربية :
كما سبق لن قلنا ان التشريعات العربية تعطي الحق للزوجة بطلب التطليق لعدم الانفاق كما انها لم تفرق بين الزوجة الغنية و الزوجة الفقيرة في مجال التطليق او التفريق لعدم الانفاق او لاعسار الزوج و كما انه يوجد بعض القوانين منحت الزوج مهلة للقيام بواجب الانفاق و يوجد ايضا من لم تمنحه هذه المهلة 2.
و من هذه القوانين الفصل 39 من مجلة الاحوال الشخصية التونسية و المادة 110 من قانون الاحوال الشخصية السوري ، و الفصل 53 من مدونة الاحوال الشخصية المغربية ، اما ق.ا.ج لم يولي أي اهتمام للمهلة 3.
2/ طلب التطليق للعيب :
المراد بالعيب هنا نقصان بدني او عقلي او جنسي في احد الزوجين يجعل الحياة الزوجية غير مثمرة او قلقة لا استقرار فيها ، و في هذا المجال اختلف الفقهاء اختلافا كبيرا متشعبا و نذكر منها
اولا في وجوب التفريق لعيب :
أ- ذهب الظاهرية الى انه لا يفرق بين الزوجين بالعيب ايا كان نوعه سواءا قبل العقد او بعده لانه ليس فيه دليل من الكتاب و السنة و كل ما ورد بشانه هي اقوال عن الصحابة و هي لا تخرج عن آراء اجتهادية .
ب- و الى عكس ذلك ذهب فريق آخر مثل شريح القاضي و ابن شهاب و ابوثور فقالوا ان كل عيب باحد الزوجين لا يحصل معه المقصود بالزواج من تناسل يوجب الخيار للطرف الاخر لان العقد تم على اساس السلامة من العيوب وقد اختار ابن القيم هذا الراي في جزئه الرابع من زاد المعاد .
و قد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمن تزوج امراة و هو لا يولد له اخبرها انه عقيم و خيرها .
ج- و توسط جمهور الفقهاء بين الرايين فقرروا ان ليس كل عيب يصلح سببا لطلب التفريق بل العيوب التي تخل بالمقصود الاصلي من الزواج او يترتب عليها ضرر لا يحتمله الطرف الاخر ، ولكن و بعد اتفاقعهم على هذا اختلفوا في امور هي كالاتي :
اولا :من يثبت له هذا الخيار لكلا الزوجين ام للزوجة
الخنفية ذهبوا الى انه يثبت للزوجة فقط لان الزوج يستطيع دفع الضرر عن نفسه بالطلاق الذي ملكه الله اياه و ذهب الائمة الثلاثة الى ان هذا الحق يثبت لكل من الزوجين فيجوز للزوج طلب التفريق اذا وجد بزوجته عيبا يمنع الاتصال الجنسي مثل :
• الرتق : اشتداد موضع الاتصال الجنسي
• القرن : شئ يبرز في هذا الموضع كقرن الشاة
• العفل : لحم يبرز من موضع الاتصال
• الافضاء : اختلاط المسلكين بالمراة .
او وجدها مجنونة ، كما يثبت لها هذا الحق اذا وجدت عيبا بزوجها .
ثانيا : في عدد العيوب الموجبة للتفريق
ابو حنيفة و ابو يوسف ذهبا الى انها العيوب التي تمنع التناسل و هي ثلاثة : ان يكون الرجل عنينا او مجبوبا او خصيا 1، وزاد محمد بن الحسن ثلاثة عيوب اخرى : الجنون و الجذام و البرص و الائمة الثلاثة وافقوا عليها و زادوا غيرها .
فالمالكية عدها 13 بعضها خاص بالرجل و بعضها خاص بالمراة و بعضها مشترك ، و الحنابلة زادوا عيوبا اخرى ، الجعفرية عدوها في الرجل اربعة : الجب و العنة والخصاء و الجنون وفي المراة سبعة : الجنون و البرص و الجذام و القرن و الافضاء و العمى والعرج والرتق اذا منع من المخالطة الجنسية .
ثالثا : في نوع التفريق الواقع بالعيب ، هل هو فسخ او طلاق
الحنفية و المالكية اقروا بانها طلاق بائن لان فعل القاضي يضاف الى الزوج كانه طلقها بنفسه و ان كان رجعي يمكن للزوج مراجعة زوجته بسهولة .
الشافعية و الحنابلة و الجعفرية فسخ لان الفرقة جاءت من قبل الزوجة .
رابعا : هل هذا الحق يثبت لصاحبه على الفوربمجرد العلم به فيسقط بسكوته عنه فترة من الزمن ام لا ، و نجد ان المالكية و الشافعية و الجعفرية اعتبروه ثابت على التراخي فلا يسقط بمجرد السكوت بل لابد بالرضى به صراحة او دلالة كما يقول الحنفية و الحنابلة حتى ولو رفعت الدعوى ثم تركتها مدة لا يسقط حقها و يكون لها رفعها من جديد الا اذا خيرها القاضي بعد ثبوت حقها في التفريق و سكتت فانه يسقط حقها لان عليها الاختيار في مجلس التخيير .
خامسا : هل يشترط فيمن يطلب التفريق بالعيب ان يكون خاليا من العيوب اولا ؟
الحنفية جعله شرطا ، المالكية و الشافعية لم يجعلوه شرطا .
3/ طلب التطليق للهجر في المضجع :
جاء في الفقرة 03 من المادة 53 "انه يجوز للزوجة ان تطلب التطليق لسبب الهجر في المضجع فوق اربعة اشهر" . و الحكم المستنبط من هذه الفقرة هو ان هجران الزوج لزوجته في المضجع لمدة 4 اشهر هو داع يجيز للزوجة طلب التفريق ، ونعلم ان الهجر في المضجع هو الوسيلة الثانية من الوسائل التي جعلها الشارع حقا للزوج في تاديب زوجته عند نشوزها لقوله تعالى (و اللاتي تخافون نشوزهن فعتصموهن و اهجروهن في المضاجع و اضربوهن فان اطعنكم فلا تبغو عليهن سبيلا ) الاية 34 من سروة النساء .
1/ عنين : من له آلة صغيرة او كبيرة لا يستطيع المخالطة
مجبوب : مقطوع الذكر و الخصيتين
الحضي : مقطوع الانثتين فقط .
و اتفق الفقهاء ان الهجر لا يكون حقا الا اذا كان من اجل تاديب الزوجة و اصلاحها و ان لا يتجاوز هذا الحق مدة تزيد عن اربعة اشهر فانه اذا لم يتحقق هذان الشرطين فان الهجر لا يكون حقا بل يصبح ظلما و اجحاف في حق الزوجة و به يمكن للزوجة التطليق ، وحت يكون للزوجة حق طلب التطليق لسبب الهجران فانه يجب توافر هذه الشروط :
- اعراض الزوج عنها مع البقاء معها
- ان لايكون للهجر مبرر قانونيكوجوده في مستشفى او في الخدمة الوطنية
- ان يتجاوز هذا الهجر اربعة اشهر متتالية
و الدليل لاعتبار هذا السبب داعي لطلب التطليق :
* منع الزوج من التعسف في استعمال حقه في الهجر على سبيل التاديب في قوله تعالى (و اهجروهن هجرا جميلا ) فانه لايحق للزوج ان يتجاوز الحدود في استعمال هذا الحق كاستعماله قبل اللجوء الى طريقة التاديب الاولى و هي الموعضة او ان يكون لغير التاديب وان كان لاجل ذلك لا يجب ان يتجاوز اربعة اشهر باتفاق العلماء قياسا على مدة الايلاء ، و من كل ذلك نقول ان الزوج اذا تجاوز او تعسف في استعمال حقه في الهجر فان هذا الهجر يعتبر بغير وجه شرعي و عليه يجوز للزوجة طلب التطليق .
* و الدليل الثاني هو الايلاء و يعني فقهيا هو حلف الزوج بالله تعالى او بصفاته على ترك قربان زوجه لمدة تزيد عن اربعة اشهر او تعليق القربان على فعل يشق على النفس اتيانه ، و الاصل في الايلاء قوله تعالى في الايتين 226/227 من سورة البقرة ( للذين يؤلون من نسائهم تربص اربعة اشهر فان فاؤ فان الله غفور رحيم و ان عزموا الطلاق فان الله سميع عليم )
حيث حدد الشارع هنا اقصى مدة للايلاء بالهجران هي اربعة اشهر كاجل يرجى خلاله ان يفيئ الزوج عن ايلائه فان فاء قبل انتهاء مدة 4 اشهر بطل ايلائه و لزمته كفارة اليمين فان تجاوز ايلائه 4 اشهر ولم يفيئ خلالها وواصل ايلائه فالحنفية يرون ان هذا المولى هنا كان بارا في يمينه ولا تلزمه الكفارة و تطلق منه الزوجة طلقة بائنة بمضي مدة الايلاء و الطلاق لا يحتاج الى حكم القاضي به ، و يرى الائمة الثلاثة ان الزوج اذا لم يفيئ بعد انقضاء 4اشهر فعليه الطلاق فان طلق انتهى الامر و ان ابى طلق عليه القاضي جبرا اذا طلبت الزوجة التطليق و ذهبوا الى ان الطلاق الواقع هنا طلاق رجعي 1 لان الاصل في الطلاق الرجعية .
و قد اخذ المشرع الجزائري براي الائمة الثلاثة في قوله ان للزوجةطلب التطليق لسبب الهجران في المضجع لمدة تزيد عن اربعة اشهر و منه فان اصل هذا السبب هو الايلاء .
التشريعات الاخرى : ان التطليق لسبب الهجر في المضجع لم يعبر عنه في التشريعات الاخرى بالتعبير الوارد في المادة 53/3 حيث جاء معبرا عنه بالايلاء فقد ورد في نص المادة 58 من مدونة الاحوال الشخصية المغربية " اذا آل الزوج او حلف على هجر زوجته و ترك المسيس جاز للزوجة ان ترفع امرها الى القاضي الذي يؤجله الى اربعة اشهر فان لم يفئ بعد الاجل طلقها عليه وهذا الطلاق رجعي " وهذا ماجاء في المادة 5 من القانون المصري رقم 25 سنة 1929 و المادتين 123/124 من القانون الكويتي .
4/ طلب التطليق بسبب الحبس و شروطه :
اباح المشرع الجزائري للزوجة حق طلب التطليق بسبب حبس زوجها اكثر من سنة و هذا دفعا للضرر الذي يلحقها من جراء غيابه عنها وهذا الامر اختلف فيه الفقهاء فمنهم من اباحه ومنهم من ذهب خلاف ذلك
الامام الشافعي و الحنفي : انه لا يجوز التفريق للحبس مهما طالت مدته
الحنابلة : يجوز التفريق و بهذا صرح ابن تيمية فقال "القول في امراة الاسير و المحبوس ونحوهما مما يتعذر انتفاع امراته به اذا طلبت فرقته كالقول في امراة المفقود " .
اما المالكية فلم يظهر قول صريح في هذا الشان لكنه يفرق للغيبة لانها مجلبة للضرر ، وبهذا يقضي مذهبه في شان الاسير و عنده ان المدة التي تسمح للزوجة برفع طلب التطليق للغياب هي على قولين رواية قالت ان جعلها سنة واخرى قالت انه جعلها ثلاث سنوات 1 و توسطا بين الروايتين حدد المشرع المدة القانونية لطلب التطليق باكثر من سنة لكن مايثير الجدل هنا هل ان مجرد الحكم على الزوج بالحبس مهما كانت اسبابه يمكن للزوجة ان تطلب التطليق ؟
لتفادي هذا الاشكال فان المشرع قرر بان الحبس الذي يبيح للزوجة طلب التطليق هو ماكان الجزاء فيه مقابل افعال مستنكرة شرعا فاذا كان الحبس جزاء افعال اخرى غير التي عناها النص فلا حق للزوجة في طلب التطليق مهما طالت المدة ، و الشروط الواجب توفرها في الحبس هي كالتالي :
أ- ان تكون العقوبة شائنة :
و يقصد بالعقوبة الشائنة الافعال التي تشمئز منها النفوس و تاباها الاخلاق و احكام الشريعة الاسلامية السمحاء .
قد يوجه لهذا التعبير الموجود في المادة 53 نقد حيث نصت " الحكم بعقوبة شائنة مقيدة لحرية الزوج لمدة اكثر من سنة ... " نلاحظ انها جاءت في صياغة رديئة جعلت وصف شائنة منصرفا الى العقوبة و ليس الى الفعل المعاقب عليه و بذلك فالمشرع هنا يكون قد وصف عمل القاضي بالشينة و ترك العمل القبيح الذي ارتكبه المجرم وبالتالي كان من الاجدر ان يقول "الحكم بعقوبة لمدة اكثر منسنة عن افعال شائنة ..." هذا من ناحية كما ان هذه الفقرة جاءت غامضة لانه لم يبين فيها نوع الفعل الذي يطلق عليه وصف المشين و لم يبين ايضا نوع العقوبة المسلطة على الفعل المجرم ، و بالاعتماد على ما جاء في التقرير التكميلي لمشروع هذا القانون 2 يتبين ان المشرع كان يقصد الافعال التي تنعكس آثارها على ثقة الزوجين و تنفرهما من بعضهما البعض وقد اعتمد فيها معيار موضوعيا يتكون من شرطين متى اجتمعا كان الفعل المعاقب عليه من الاسباب القانونية لطلب التطليق و هما :* تعلق الفعل بالجرائم الاخلاقية وذلك حتى يمكن اتصافه بوصف مشين من وجهة نظر قانونية .
* ان تكون الادانة متصلة بشرف الاسرة اذ لابد ان تتعلق بكرامتها و حرمتها و قيمتها الاجتماعية و سمعتها بين الناس أي ان تكون وصمة عار في جبين الاسرة .
ب- ان تكون العقوبة مقيدة للحرية :
فاذا كانت غير مقيدة للحرية كأن يكون الزوج تحت الحراسة او محروم من الحقوق السياسية هذا يسقط حق الزوجة في طلب التطليق .
ج- ان تكون العقوبة لمدة اكثر من سنة :
فلو كانت اقل من ذلك فلا يجوز للزوجة ان تطلب التطليق سواء بالحبس المحكوم به منفذا او موقوف التنفيذ بل ان تعبير المشرع جاء يفيد سنة كاملة لا تسمح برفع طلب التطليق لقوله "لمدة اكثر من سنة " ونحن نذهب في ذلك لاعتبار المشرع كان قادرا على القول "لمدة سنة فما فوق " حتى يكون التعبير يفيد ان سنة كاملة تبرر رفع الطلب .
1د- ان تكون العقوبة ماسة بشرف الاسرة :
المشرع بهذا الفظ عمم الوصف وجعل المعيار غير دقيق لان شرف الاسرة يتسع لاكثر من امر فممارسة القمار و شرب الخمر و السرقة وخيانة الامانة ... كل ذلك يمس بشرف الاسرة ، والى جانب ذلك فقد ادى مفهوم الاسرة الواسع الى اعطاء مبررات الى الزوجة بان تطلب التطلبق مستندتا الى المساس بشرف الاسرة حتى ولم يمسها هي بالخصوص و ايضا قد يجعلها تسكت عن افعال مشينة تمس بشرف الاسرة ان كان لايمسها فهنا تعبير يمس بشرف الاسرة تعبير فضفاض .
ه- ان تكون العقوبة قرينة على استحالة مواصلة العشرة :
الملاحظ ان هنا الوصف فيه نوع من المباغة اذ لايوجد فعل من الافعال تستحيل معه العشرة لكن يمكن ان يبلغ حد من الكراهة الى درجة تجعل العشرة متعذرة و ليست مستحيلة ، لكن هذا المفهوم لا يخفى علينا حقيقة الافعال القبيحة المستنكرة التي يحرمها الاسلام و ترفضها الطبيعة البشرية تجعل الحياة الزوجية حقيقة مستحيلة ، فمن التي تقبل البقاء مع زوج يسير مركزا للدعارة ...الخ من الافعال المخلة بالحياء و فاعلها يجب ان تسلط عليه انواع العقوبة بالحبس و التطليق و المضايقات المختلفة . ومن خلال كل هذا فتبقى السلطة التقديرية للقاضي في التطليق و يستعين بالمعيار الموضوعي المطلوب لقبول الطلب او رفضه .
5/ طلب التطليق لغيبة الزوج :
اذا غاب الزوج عن زوجته مدة تتضرر بها و تخشى على نفسها الفتنة فطلبت من القاضي التفريق بينها و بين زوجها فهل تجاب الى طلبها ؟ اختلف الفقهاء حول ذلك فذهب الحنفية و الشافعية الجعفرية الى انه لا يحق لها هذا الطلب و لا تجاب لطابها لعدم وجود ما يصلح سببا للتفيرق في نظرهم بل تكلموا عن المفقود الذي لا يعرف مكانه فانها اذا كانت الزوجة لم تجد مالا تنفق منه فينظرها القاضي اربعة سنوات ثم يامر وليه او وكيله بتطليقها
ذهب المالكية و الحنابلة الى جواز التفريق بالغيبة اذا طالت حتى ولو ترك لها زوجها مالا تنفق منه و لكنهم اختلفوا في حد الغيبة الطويلة ، فالحنابلة 6 اشهر استنادا الى ماروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قصة المراة التي تضررت من غياب زوجها في الغزو و سمعها عمر في احدى اليالي تشكو منشدة بيتين من الشعر و سال ابنته حفصة عن المدة التي تصبر فيها المراة عن زوجها فوقت للناس في مغازيهم 6 اشهر ، اما المالكية سنة واحدة وقيل 3 سنوات ، كما اختلفو ا في تلك الغيبة هل هي التي تكون بغير عذر كما يرى الحنابلة او مطلقا بعذر و بغير عذر كما يرى الماكلية لان المراة تتضرر بها في الحالتين ؟اتفقوا على ان الغيبة اذا كانت بعيدة لا يمكن وصول الرسائل اليه او يمكن بعد زمن طويل موجبة للتفريق في الحال بدون اعذار و لا اهمال ، وان كانت قريبة فلا يصح التفريق الا بعد الاعذار اليه بان ينقل امراته او يطلقها ولا طلقها القاضي ، وهذا الطلاق بائن عند المالكية ، وفسخ عند الحنابلة لانها لم تصدر من الزوج ولا بتفيض منه .
وقد كان في مصر جاري العمل بالحنفية ثم عدل عنه و اخذ بحكم ملفق بين المالكية و الحنابلة ، اما القانون اللبناني بنى التفريق على عدم الانفاق أي اذا غاب و ترك نفقة لا يفرق والعكس اذا غاب ولم يترك نفقة فرق .
موقف المشرع الجزائري : من خلال الفقرة 5 من ق.أ"الغيبة بعد مضي سنة بدون عذر و لا نفقة .
و عليه فانه يتضح من تحليل مضمون الفقرة يجب توفر ثلاثة شروط لطلب التطليق وهي :
* ان تكون الغيبة لمدة سن على الاقل
* ان يكون الغياب بدون عذر
* ان لا يترك لها نفقة 1 .
و العيبة حددها المشرع في نص المادة 110 من ق.ا.ج بقولها " الغائب الذي منعته ظروف قاهرة من الرجوع الى محل اقامته او ادارة شؤنه بنفسه او بواسطة وكيل مدة سنة و تسبب غيابه ضرر للغير " .
6/ طلب التطليق لكل ضرر معتبر شرعا :
جاء في نص الفقرة 6 من المادة 53 انه يجوز للزوجة ان تطلب التطليق لكل ضرر معتبر شرعا و لاسيما اذا انجر عن مخالفة الاحكام الواردة في المادتين 8/37 من ق.ا .
و الحكم المستنبط ان كل ضرر معتبر شرعا يلحق الزوجة من زوجها يكون بدون وجه حق يجيز لها طلب التطليق ، وان يثبت زواجه بدون علم و موافقة زوجاته 1 و من يثبت عدم عدله بين زوجاته في حالة التعدد و من يهمل النفقة الشرعية على زوجته 2 فان يحق للزوجة المتضررة بهذا ان تطلب التطليق و الشارع في قوله كل ضرر معتبر شرعا نجده بهذا القول لم يتقيد بانواع ضرر معينة بل ترك لقاضي الموضوع سلطة تقدير الضرر الذي يكون بسببه التطليق ، و نجد اغلب الفقهاء يعبرون عن الضرر المؤدى الى طلب التطليق هو الضرر الذي يلحقه الزوج بزوجته و الذي ينتج عنه استحالة استمرارية الحياة الزوجية .
اذن القاضي قبل حكمه بالتطليق يقدر ان كان هذا الضرر الذي لحق الزوجة بدون وجه حق ادى الى استحالة استمرارية العشرة الزوجية بسلام ،كضرب الزوج لزوجته و هجرها و شتمها دون وجه شرعي ، ومن الشروط التي تجيز للزوجة طلب التطليق :
* وقوع الضرر من الزوج
* ان يكون الضرر الاستحالة معه دوام العشرة
* شرط عجز القاضي عن الاصلاح بين الزوجين .
بالنسبة لراي الفقهاء فان الاحناف ذهبو الى انه ليس للزوجة الا طلب الزجر او التعزير ليمتنع و اذا اشتد النزاع بعد التعزير فعلى القاضي ان يعين حكما من اهله وحكما من اهلها ليقوما بالاصلاح فقط لقوله تعالى " و ان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من اهله و حكما من اهلها ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما ان الله كان عليما خبيرا " الاية 35 من سورة النساء .و ذهب المالكية والشافعية و الحنابلة الى انه يحق للزوجة طلب التطليق للضرر و قالوا ردا على الحنفية بانه ليس في الاية ما يمنع ذلك و جعلوا امر الحكمين الواردة في الاية بمعنى الحاكمين فيثبت لهما حق الحكم بالتفريق بعد العجز عن الاصلاح مستندين في ذلك لبعض الروايات اهمها رواية في ان عثمان ارسل حكمين وقال لهما ان رايتما ان تفرقا ففرقا .
نجد ان المشرع الجزائري اخذ براي الائمة الثلاثة و اعتبر ان الضرر يعد سببا في التطليق .
ومن التشريعات التي اخذت باجازة التطليق لسبب الضرر التشريع المغربي في المادة 56 ، التشريع السوري في المواد 112الى 115 ، و التشريع المصري من المادة 6الى 11، التشريع الكويتي في المواد 127 الى 135 .
7/ طلب التطليق لفاحشة مبينة :
تعتبر هذه آخر حالة من الحالات التي تضمنتها المادة 53 ق.ا و هي سبب من اسباب التطليق التي يكاد ينفرد بالنص عليها قانون الاسرة الجزائري و يمكن تعريف الفاحشة لغويا على انها مازادت عن الحد المعقول فيصبح معنى الفحش هو الزيادة المبالغ فيها فنقول خسر فلان في الصفقة خسارة فاحشة ، ووردت في القران الكريم آيات عديدة تصور الفاحشة في الامور التي تخل بالانظمة اخلالا كبير وذلك لقوله تعالى" ولاتقربوا الزنا انه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا "وقوله جلا وعلا " ولا تنكحوا مانكح اباؤكم من النساء الا ما قد سلف انه كان فاحشة " و قوله " قل انما حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن "
ومن خلال كل ذلك فعلى القاضي الذي ترفع اليه الزوجة طلب التطليق بناء على ان زوجها ارتكب فاحشة ان يتبين هذا الوصف عن الفعل المرتكب و المؤسس عليه الدعوى وذلك بالاعتماد على ثلاثة امور اساسية تكون معيار الذي يقاس به الفعل و يكيف على ضوئه ما اذا كان فاحشا او غيرفاحش1:
*نظرة الدين الى الفعل : يعتبر في نظر الدين فاحشة كل فعل كان من الكبائر كالشرك بالله او عصيان الوالدين بطردهم من المسكن او الاعتداء عليهما بالضرب او ان يزني ..الخ
* مقتضى العقل السليم : ان لا يتحمله العقل السليم الذي يرفض الانحراف ويفر من الخطا مهتديا في احكامه هذه على القواعد الاسلامية و العرف .
*الارادة الاجتماعية : وهي القيم و الاصالة على نحو يطابق كتاب الله و سنة رسوله وما يجب ان يكون عليه المجتمع المثالي الصالح الذي يكيف تصرفاته وفقا للاحكام الصحيحة .
وكما راينا سابقا حق المراة في طلب التطليق للاسباب التي اعطاها لها المشرع و كذلك يمكن للمراة ايضا ان تخالع نفسها من زوجها وهذا مايسمى الخلع .
مـفهـوم الـخـلـع :
1/ تعريفه :
لغتا : الخلع بفتح الخاء هو في الغة النزع و الازالة فيقال خلع فلان ثوبه وبضم الخاء طلاق المراة مقابل عوض تلتزم به المراة 1 و الخلع الذي اباحه الاسلام ماخوذ من خلع الثوب اذا ازاله لان المراة لباس الرجل و الرجل لباس لها لقوله تعالى " هن لباس لكم وانتم لباس لهن" سورة البقرة الاية 187 وذكر ابو بكر بن دريد في اماليه2 :ان اول خلع كان ان عمار بن الظرب زوج ابنته لابن اخيه عامر بن الحارث بن الظرب فلما دخلت عليه نفرت منه فشكى الى ابيها فقال : لا اجمع فراق اهلك ومالك وقد خلعتها منك بما اعطيتها ، فزم العلماء ان هذا اول خلع في العرب ويسمى الفداء لان المراة تفتدي نفسها بما تبذله لزوجها .
شرعا : وعند الفقهاء هو ان يتفق الرجل و المراة على الطلاق مقابل مال تدفعه الزوجة لزوجها لا يتجاوز ما دفعه اليها من صداق و لافرق في ايجاب الخلع ان يكون من قبل الزوج او من قبل الزوجة غير ان الفرقة لا تقع الا بعد القبول لان الخلع عقد على الطلاق بعوض و لايستحق العوض بدون قبول ، وروى المحدثون ان جميلة بنت سهل امراة ثابت بن قيس جاءت الى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت : يارسول الله لاانا ولا ثابت ولاما اعطاني وسالته ان يطلقها على حديقتها التي اصدقها اياها فقال : خذ الحديقة و طلقها تطليقة 3 .
وقد عرفه الحنفية بقولهم " الخلع هو ازالة ملك النكاح بلفظ الخلع اوبما في معناه نظير عوض تلتزم به الزوجة 4
قانونا :
نص المشرع الجزائري في المادة 54 بانه "يجوز للزوجة ان تخالع نفسها من زوجها على مال يتم الاتفاق عليه ، فان لم يتفقا على شيئ يحكم القاضي بما لا يتجاوز قيمة صداق المثل وقت الحكم " من خلال هذه المادة فانها لم تقم بتعريف للخلع بل اعطت جوازية الزوجة بان تخالع نفسها عن طريق اتفاقها مع الرجل على الطلاق لقاء مال تدفعه الزوجة لزوجها و لايتطلب هذا النوع من الطلاق شكلا خاصا انما يشترط لصحة المخالعة ان يكون الزوج اهلا لايقاع الطلاق و المراة محلا له ولتفاقهما على الطلاق الرضائي و لقد خصص القانون المغربي للخلع 5 مواد في حين سكت القانون التونسي عن ذكره .
الفاظه : يرى الفقهاء انه لابد في الخلع ان يكون بلفظ الخلع او بلفظ مشتق منه او لفظ يؤدي معناه لكن اذا قال انت طالق في مقابل مبلغ كذا وقبلت كان طلاقا على مال ولم يكن خلعا .
وناقش ابن القيم هذا الراي فقال " ومن نظر الى حقائق العقود ومقاصدها دون الفاظها :يعد الخلع فسخا باي لفظكان وحتى بلفظ الطلاق "1 ، ثم قال ابن تيمية " ومن اعتبر الالفاظ ووقف معها واعتبرها في احكام العقود جعله بلفظ الطلاق طلاقا "ومما يدل على هذا ان النبي صلى الله عليه وسلم امر ثابت بن قيس ان يطلق امراته في الخلع تطليقة ومع هذا امرها ان تعتد بحيضة وهذا صريح في انه فسخ ولو وقع بلفظ الطلاق ،وايضا فانه سبحانه وتعالى علق عليه احكام الفدية بكونه فدية ومعلوم ان الفدية لاتختص بلفظ ولم يعين الله سبحانه وتعالى لها لفظا معينا .
شروط وقوع الخلع :
لم تنص المادة 54 على شروط الخلع بل اكتفت بضرورة توافر الاتفاق بين الزوجين حول مبدا الطلاق بالمخالعة لكن يمكن استنباط بعض الشروط من خلال هذه المادة وهي كالتالي :
*قيام رابطة الزوجية : يجب ان تخالع الزوجة زوجها لا اجنبيا عنها ، كما يصح للزوجة في عدتها من طلاق رجعي فلا مانع ان تخالع نفسها من زوجها لان الطلاق الرجعي فيه زوجيتها مع زوجها قائمة من جهة وملكية الاستمتاع لم ترتفع من جهة اخرى م130 ق.ا اما اذا كانت رابطة الزوجية فاسدة طبقا لنصوص المواد 32الى 34 فلا يقع الخلع .
*ان تستعمل لفظ الخلع : أي ان تقول لزوجها قولا عماده لفظ خالعني او اني اختلع منك او اريدك ان تخالعني ذلك انها اذا لم تستعمل هذا الفظ فانها لا تكون مخالعة لزوجها وانما تكون في وضعية قانونية اخرى غير وضعية الخلع 2 .
* ان ينبني على ايجاب وقبول :وهنا لا فرق بين ما اذا كانت هي الموجبة وهو القابل او هو الموجب وهي القابلة .
* ان يكون الخلع على مبلغ من المال تقدمه الزوجة : اوجب القانون ان تقدم الزوجة لزوجها مبلغا من المال مقابل خلعها فتقول له خالعني على مئة الف دينار مثلا فاذا قبل فيقع الخلع واذا لم يقبل رفع الامر الى القاضي فيقدر المبلغ وكحد اقصى صداق المثل .
وهناك شروط مستنبطة من الفقه الاسلامي تخص كل من الزوجة والزوج كان يكون الزوج اهلا لايقاع الطلاق أي بالغا عاقلا أي بالغ 21 سنة حسب المادة 7ق.ا ومتمتعا بقواه العقلية وغير محجور عليهم85ق.ا وفي حالة غياب اهلية التصرف في ماله ينوب عنه وليه م210/2 ق.ا اما بالنسبة للزوجة فان الفقه الاسلامي يشترط فيها في حالة الخلع ان تكون متمتعة باهلية التبرع م203 ق.ا .
وفي الاخير فالخلع عقد ثنائي الطرف او اتفاق بين الزوج و الزوجة الصغيرة المميزة على مهرها وقبلت ويشترط ما يشترط في الطلاق من شروط واركان ومجمل القول فالشروط تتلخص فيما يلي
1- ان يقع منزوج يصح طلاقه
2- ان يكون على عوض ولو مجهولا ممن يصح تملكه لو عضلها ظلما لتختلع لم يصح .
3- ان يقع منجزا، ان يقع حيلة لاسقاط يمين الطلاق
4- ان لايقع بلفظ الطلاق بل بصيغته الموضوعة له
5- ان لاينوي به الطلاق فمتى توفرت هذهالشروط كان فسخا1 لا ينقض به عدد الطلاق وصيغته الصريحة لايحتاج الى نية وهي : خلعت وفسخت وفاديت والكناية : باريتك او ابراتك ،ابنتك.
الطبيعة القانونية للخلع :
يعتبر الخلع في طبيعته القانونية عقد ثنائي الطرف لانه يقوم على اتفاق بين الزوج وزوجته ان تدفع له مبلغا من المال لقاء طلافها و يتم ذلك بايجاب وقبول و يشترط فيه ما يشترط في انشاء الطلاق بالنسبة للزوج ،و ما يشترط في عقود المعاوضة بالنسبة لكليهما 1 ومن هنا فان التكييف القانوني للخلع انه كطلاق على مال 2 يعتبر يمينا في جانب الزوج ويعتبر معاوضة لها شبه بالتبرع من جانب الزوجة . وقد دل الحديث النبوي على ان المراة اذا كرهت زوجها او خافت الا تقيم حدود الله فلا حرج عليها ان تفتدي نفسها كما انه لا جناح على الزوج ان ياخذ عنها ما تفتدي به نفسها واذا لم يكن هناك سبب لطلب الخلع فانه يكره للزوجة ان تطلبه لقوله عليه الصلاة والسلام " ايما امراة اختلعت من زوجها من غير باس لم ترح رائحة الجنة " لكن اذا قلنا ان الخلع هو طلاقا رضائيا فلا يجب الخلط بينه وبين الطلاق بالتراضي المنصوص عليه في المادة 48 ق.أ لان الخلع في الفقه المالكي هو طلاق بعوض او هو طلاق على مال بينما الطلاق بالتراضي لايكون بمقابل .
واذا اتجهنا تلقاء القضاء لوجدناه لا يعتبر الخلع عقدا بل يعتبره حقا للزوجة و هذا ما اقره في بعض القضايا منها قرار رقم 141262 بتاريخ 1996/07/30قضية م.د ضد رم و الذي جاء فيه من المقرر قانونا و شرعا ان الخلع حق خولته الشريعة الاسلامية للزوجة لفك الرابطة الزوجية عند الاقتضاء و ليس عقدا رضائيا .
اما الحنفية كيفه على انه يعتبر يمينا من جانب الزوج ومعاوضة من جهة الزوجة اما تلميذه ابو يوسف ومحمد يريان بانه يمين من الجانبين .
آثار الخلع :
اذا تم الاتفاق على الخلع تترتب عليه الاثار التالية :
1- يقع به طلاق بائن عند جمهور الفقهاء
2- لزوم المال المسمى بوجوبه بالتزامها مالم تكن محجور عليها او مكروهة
3- يسقط الخلع حقوق الزوجين مثل الصداق المؤجل وحق النفقة الواجبة الا النفقة المتعلقة بالعدة ويرى المالكي ان الخلع لا يسقط حق من الحقوق الا ما اتفق عليه ، اما المشرع الجزائري فهو لم يورد أي نص بهذا الشان مما يوجب الاخذ باحكام الفقه الاسلامي .
حكم الطلاق الواقع بالخلع :
نجد في شان حكم الطلاق الواقع بالخلع انه لم يورده المشرع الجزائري وهذا ما يوجب الاخذ باحكام الفقه الاسلامي حيث ذهب جمهور العلماء الى ان الخلع طلاق بائن لما جاء في الحديث من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " خذ الحديقة وطلقها تطليقة "
ويقع و ان لم ياذن به القاضي و هو الراجح عند الفقهاء وان الخلع لاينفرد به احد الزوجين بل لابد من اتفاقهما .
عدة المختلعة :
اما عن عدة المختلعة ثبت من السنة ان المختلعة تعتد بحيضة واحدة ففي قصة ثابت ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له " خذ الذي لها عليك وخلي سبيلها "قال : نعم فامر الرسول صلى الله عليه وسلم ان تعتد بحيضة واحدة و تلحق اهلها " رواه النسائي باسناد رجال ثقاة و كان هذا ماذهب اليه عثمان وابن العباس واحمد .
بدل الخلع :
اذا خالع الزوج زوجته فلا يخلو الحال من امور اربعة :
1- ان يسميا بدلا للخلع غير المهر :ومثاله ان يقول الزوج لزوجته خالعتك في نظير 1000 دينار وقبلت حصلت الفرقة ولزم المبلغ على الزوجة .
2- اذا لم يسلم الزوجان بدلا للخلع : كان يقول لها "خالعتك فقالت قبلت" برئ كل منهما من حقوق الاخر بالصداق و النفقة الزوجية .
3- اذا كان البدل منفيا :كما لو قال لها : خالعتك دون عوض فقالت قبلت وقعت الفرقة ولا يلزمها شيئ ولاتسقط الحقوق لانه صريح في عدم المال ووقوع البائن .
4- اذا كان بدل الخلع هو المهر : وهذا لا يخلو من احد الامرين
* اما ان يكون بدل الخلع هو كل المهر وياخذ اربعة صور :
-ان يكون المهر مقبوضا و الخلع قبل الدخول هنا ترده الزوجة
- ان يكون المهر مقبوضا و الخلع قبل الدخول ياخذ نفس الحكم الاول
- ان يكون المهر غير مقبوض و الخلع بعد الدخول هنا يسقط عنه كل المهر
-ان يكون المهر غير مقبوض و الخلع قبل الدخول هنا يسقط عنه المهر كله .
*و اما ان يكون بدل الخلع هو بعض المهر :
-ان يكون المهر مقبوضا و الخلع بعد الدخول ياخذ البعض
- ان يكون المهر مقبوضا و الخلع قبل الدخول ياخذ النصف
- ان يكون الكل غير مقبوض و الخلع بعد الدخول يسقط عنه جميع المهر بعضه بالشرط وبعضه بحكم الخلع و نفس الشيئ اذا كان قبل الدخول .
الخاتمة :
وفي الأخير ومن خلال المواد المتعلقة بالخلع فانه يمكن أن تكون حوصلة هذا الموضوع في الأحكام المستنبطة من كل مادة على حدى و كذا أهم الانتقادات التي يمكن أن توجه إلى هذه المواد مع الاقتراحات الممكنة وهي كالأتي:الأحكام المستنبطة:المادة 53:المحافظة على الراوبط الزوجية تضييق مجال احتجاج الزوجة بالأسباب الموجبة للطلاق المستعصية منها 0 المادة 54 :إعطاء الزوجة الحق في طلب التطليق عند خوفها من عدم إقامة حدود الله و انحرافها عند كرهها له0 المادة 55: إعطاء الحق في التعويض عند الضرر و منه منع ضياع الحقوق 0 المادة 56: محاولة الحفاظ على الروابط الزوجية بمحاولة الصلح بين الزوجين و كذلك محاولة القاضي لتفادي تشتت و انهيار الأسرة كاملة بما فيها الاولاد0المادة57: الحد من تراكم دعاوى الطلاق أولا ثم تضييق المجال للمعارضة و الاستئناف لكي لا يسبب تراكم القضايا أمام المحاكم 0أهم الانتقادات مع الاقتراحات : 1/ المشرع الجزائري لم يعرف الخلع كمفهوم ليصل إلى إعطائه كحق في يد الزوجة و إنما دخل مباشرة إلى شروطه 0 2/ لم يتعرض القانون الجزائري إلى الشروط التي يجب توفرها لصحة الخلع و أكد فقط إلى ضرورة وجود الاتفاق بين الزوجين0 فقد خصص مادة واحدة و وحيدة للخلع مما يجعل الأمر فيها غامضا إلا بالرجوع لأحكام الشريعة طبقا للمادة 222 0 3/ لم يحدد الحد الأدنى لمقدار مال الخلع
4/ لم يورد القانون الجزائري أي نص يبين آثار الخلع 5/ بالنسبة للمادة 55 ق0 أ التي تنص على النشوز ففي رأينا ليست في محلها لان نشوز المراة نصت عليه المادة 37 من نفس القانون و التعويض عند الضرر الذي يلحقها ايضا لم يهمله المشرع أما نشوز الزوج فهو اما ان يكون هجر في المضجع او يكون في التخلي عن الواجبات الزوجية بما يدخل فيها النفقة و المعاملة و السكن و الاحسان و المعروف000 فانها كلها تتضمنها المادة 53 التي تنص على اسباب التطليق أما ما لم يذكر فيها فيبقى للسلطة التقديرية للقاضي0
6/ بالنسبة للمادة 56 فانه كان من الافضل ان تكون بعد المادة 48 لان المادة الاولى مكملة للمادة الثانية 0
7/ على العموم فان قانون الاسرة لم يخل باكمله من الانتقادات الصادرة من الفقهاء و رجال القانون فالكل يدعو تعديله قصد سد الثغرات الموجودة فيه فهو حسب راي الاستاذ كمال الدرع ( جامعة الامير عبد القادربقسنطينة – مجلة هدى العدد 1 نوفمبر 1999 ) قانون عام من حيث الصياغة في اغلب مواده اذ تحتمل عدة تاويلات تؤدي الى اختلاف الاجتهاد القضائي مما قد تضيع معها بعض الحقوق 0 و بالتالي لا بد من تعديله للارتقاء به الى درجة حماية حقوق الزوجين و الاولاد و المحافظة على استقرار العائلة الجزائرية حتى تساهم في بناء المجتمع الجزائري0
الـمراجـع الـمعـتـمـدة :
1/ الفقهية :
* السيد سابق ، فقه السنة
* وهبة الزحيلي ، الفقه الاسلامي وادلته
* محمد ابو زهرة ، الاحوال الشخصية
*محمد احمد عساف ، الحلال و الحرام في الاسلام ، دار احياء العلوم طبعة رابعة 1404ه 1984م.
2/ القانونية :
* فضيل سعد ،شرح قانون الاسرة الجزائري
*العربي بلحاج ، الوجيز في شرح قانون الاسرة الجزائري ج1 ، طبعة 2002 .
*على حسن السمني ، الوجيز في الاحوال الشخصية .
*محمد صبحي نجم ، دروس في قانون الاسرة .
*احمد نصير الجندي ، مبادئ القضاء في الاحوال الشخصية .
* سعد عبد العزيز ، الزواج و الطلاق في ق.ا.ج .