أحسب - بل أجزم - أن أعظم حدَث شهدته الكرة الأرضية منذ نشأتها هو نزول القرآن الكريم، وأن أعظم ما تفضَّل الله به على البشرية هو إنزال القرآن إليها، ويمكن للمرء استحضار هذا المعنى من خلال استعراض حال البشرية قبل نزول القرآن كيف كانت، ثم استحضار تلك الحقبة الذهبية المباركة التي عاشت فيها البشرية في كَنَف القرآن إلى أن عادت - أو كادت - إلى ما كانت عليه حالها قبل نزول القرآن الكريم؛ هذا الحدَث العظيم الكريم كان في شهر رمضان، فقد أُنْزِل القرآن الكريم من اللَّوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في شهر رمضان، وهو ما دلَّ عليه قوله - تعالى -: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ ﴾ [البقرة: 185]، وكان هذا الإنزال في ليلة القدر من هذا الشهر الكريم؛ كما قال - تعالى -: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 1]، هذه الليلة التي حكم الله - تعالى - بأنها ليلة مباركة؛ أي: كثيرة الخير والعطاء؛ قال - تعالى -: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ [الدخان: 3].
ثم أذن الله - تعالى - بعد ذلك بتنزيل هذا القرآن الكريم على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد أن أكرمه الله بالنبوة، مفرَّقًا حسب الوقائع والأحداث على مدى ثلاثة وعشرين عامًا.
إن شهر رمضان هو شهر القرآن، وكان السلف لا يشغلهم عن قراءة القرآن شيء أيًّا كان، حتى طلب العلم والحديث وما شابه ذلك من أعمال الخير، فإن رمضان عند سلَف الأمة لم يكن يتَّسع عندهم لغير قراءة القرآن الكريم، وقد وردت في ذلك أخبارٌ وأحوال عن سلَف الأمة يَعجَب لها المرء أيَّ عجب، ويُعجَب بها أيَّ إعجاب حتى ليكاد لا يصدق بعضَها، تدل كلها على شِدَّة تعلُّقهم بالقرآن والتفرُّغ لقراءته في شهر رمضان.
نحن حريُّون بأن نجعل هذا الشهر للقرآن بخاصَّة في هذه الأيام التي تَطاوَل فيها شياطين الإنس على مقامه الكريم بوسائل شتَّى، فإن خير ردٍّ على هؤلاء وأمثالهم هو أن نتعلَّق بالقرآن ونلتفَّ حوله نحن وجميع أفراد الأسرة، حتى لا يكون هناك شيء غير القرآن الكريم في هذا الشهر، وعلى المسلم أن يستحضر الأجر العظيم المترتِّب على قراءة القرآن، والذي لم يعُدْ يخفي على مسلم، فأهلاً برمضان شهر القرآن.