أخي الصائم:
أعجبتني كلمةُ أحدهم : "الإنسان هو بطل التغيير الاجتماعي في الإسلام"، ومصدر إعجابي بهذه المقولة هو إسباغ صفة البطولة على الإنسان القادر على التغيير، فما أكثر ما نفكر في التغيير الإيجابي ونتمناه، ولكنَّنا نجبن حتى عن تغيير ما نكرهه في ذواتنا، فضلاً عن محاولة تغيير ما حولنا مما نعتقد خطأه مهما كان ذلك في إمكاننا.
منذ أن يهل رمضان ومنادي الله ينادي: يا باغي الخير أقبلْ! ويا باغي الشر أقصرْ! إنه نداء خاص بشهر رمضان، يخاطب كل مَن شهده خطابًا منفردًا وكأنه موجه له، وهو خطاب مزدوج الطلب، ينادي في المرء جانبَ الخير: أنْ أقبلْ؛ فهذا موسمك الذهبي، كل بذرة تضعها اليوم ستحصدها سبعين ضعفًا ويزيد، وينادي جانبَ الشر فيه: أنْ أقصرْ؛ فكل أعوانك قد صُفِّدوا، ولن يَخلُصوا إلى ما كانوا يخلصون إليه مِن قبلُ.
إنَّ هذا التَّغيير مطلوب في كل الشهور، ولكنَّه ميزة هذا الشهر، الذي يمثل لمن يدخل جامعته المبجلة دورةً تدريبية متخصصة في قضية من أهمّ قضاياه، وهي التعامل مع حياته بشجاعة تؤهله أن يُحدِث فيها التغييرَ المناسب؛ لتطويرها في الوقت المناسب، فالنمطية والرتابة تجمد الشخصية، وتَفتِك بخلايا المخ وتُعيقُه عن التفكير التطويري.
كلّ ابْنِ آدم خطَّاء، وليس مِن الشَّجاعة بمكانٍ الثباتُ على الخطأ والإصرار على التشبث به؛ فإنَّ ذلك ليس علامة رجولة، ولا ذكاء، ولا أريحيَّة؛ بل هو عكس ذلك كله تمامًا، إنه زيادة طغيان، واسترسال في الطريق المهلك.
لقد هبَّت نفحاتُ رمضان على قلوبنا كالنسائم الطريَّة فأنعشتها، وأحدثت فيها تغييرًا سريعًا، لم نستطع أن نتعرَّف سِرَّه، ولكنَّنا نعيش نعيمه، أحسَسْنَا بقُربنا من الله أكثر من ذي قبل بِمجرَّد أن هلَّ الهلال، وشعرنا بالنّداء الحبيب يُحَرِّك قلوبنَا الساكنة، يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر.
وتَلفَّتنا مِن حوْلِنا فوجدنا مُجتمعَ الخير يستقبل ضيفَه بكلّ حفاوة وإكرام في كل المظاهر العبادية والاجتماعية والدراسية والوظيفيَّة، كلّ شيء تغيَّر من أجل رمضان، ولكن السؤال يصارحنا: هل هذا التغيير يمثل استجابةَ الحياءِ المؤقتة؛ للظرف الطارئِ الماضي عن قريب؟ أم استجابة المُخبِت الذي دخل الشهرُ أجواءَ روحه، فاكتسح ما في داخلها من لغط الأيام، وسفه الشباب، وعناد الشيوخ، وبدلها كما تبدل الثياب للصلاة؟!
إنَّ التغيير قضية هائلة، بعيدة الغور، واسعة الأفق، ولكنها تبدأ من الإنسان ذاته، يقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]؛ ففي رمضان فرصة لإخضاع سلطة العادة لسلطة الإرادة، فالتغيير فيه شامل لكل المظاهر الحياتية، ويشترك فيه كل المجتمع، وسريع يقع بين عشية وضحاها، وواقعيٌّ يكشف للنفس التي كانت تتمسك بِمحبوباتها السيئة، متعلِّلةً بأنها لا تستطيع الاستغناء عنها - أنها أقوى من ذلك، وأنها قادرة حقًّا على هجرها مدة من الزمن ليست يسيرة، فإذا كانت جادة في التغيير الإيجابي نجحتْ في الاستمرار على هذا الهجر الجميل.
أخي الصائم:
هل عرضتَ عددًا من عاداتك التي كنتَ تتمنى التخلص منها على آلة التغيير العجيبة في شهر رمضان؟!
جرِّب فقد تكون نهايتها التي تترقبها منذ أمد طويل، ولكن وصيتي لك أن تكون قويًّا في وجه العادة، هادئًا في التعامل مع عنادها؛ لتضمن - بإذن الله - دوام الإقلاع عنها، لا أريد أن أحدد لك عادة معينة؛ بل يكفيني أن تمتلك الشجاعة الكافية على امتلاك آلية التغيير التي يمنحها لك رمضان، يا صائم رمضان.