الرسالة السابعة
رسالة إلى الأخت المسلمة بمناسبة شهر رمضان المبارك
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعدُ، أختي المسلمة، أبعث إليك هذه الرسالة بمناسبة قدوم هذا الشهر الكريم {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]، مع دعواتي لك ولجميع المسلمين والمسلمات بدوام التوفيق لما يحبه الله ويرضاه.
إن الباعث، يا أختاه، على كتابة هذه السطور التالية، إنما بقصد التناصح والتواصي بالحق؛ فنحن - معشرَ أهلِ الإسلام - مطالبون - شرعًا - بأن ينصحَ ويوصي بعضُنا بعضًا، وكل ذلك من باب محبة أهل الإيمان، والإحسان إليهم، والشفقة عليهم من كل ما يسوؤهم، خاصة في هذا الزمان الذي قل فيه التناصح وظهرت المداهنات، ومن ثم فلا بد من التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، وحتى نكون من المؤمنين الفائزين الذين قال الله عنهم: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1 - 3].
أختي المسلمة: أرجو أن تتأملي تلك التوجِيهات التي سأذكرها لك، وتنظري بعين الحق والإنصاف، هل أنت قد حققت تلك التوجيهات أو لا؟
فإن كانت الأولى - وهذا ما نرجوه - فالحمد له، ونسأل الله - عز وجل - المزيد والثبات، وإن كانت الأخرى فعليك بالجد والاجتهاد لتحقيقها مع الاستغفار عن التقصير.
أما أهم التوجيهات وأولاها فهو:
التسليم والانقياد لنصوص الكتاب والسنة، فيجب علينا، يا أختاه، أن نسلم وننقاد لما جاء عن الله تعالى في كتابه، وما جاء في سنة نبينا وحبيبنا محمد - صلَّى الله عليه وسَلَّم - فيتعيَّن علينا تصديق النصوص الشرعية، والانقياد والخضوع إليها، ولو خالفت آراءنا أو وجهات نظر الآخرين، فيجب أن نتحاكم إليها، وأن نقدمها على غيرها مهما كانت الأحوال؛ يقول الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59].
ولقد كان من هدي صحابة رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - الإجلالُ والتعظيم للنصوص الشرعية، وتلقيها بالقبول والتسليم دون تردُّد أو حرج، فها هي أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - لما قيل لها: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت بكل تسليم: "كان يصيبنا ذلك، فنؤمَر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة"؛ رواه البخاري (4: 429)، ومسلم (335).
أرأيتِ يا أختاه إلى هذا الفقه العميق والتسليم التام من الصديقة بنت الصديق - رضي الله عنها - نحو الأحكام الشرعية! ما أحوجنا إلى التسليم والانقياد لنصوص الوحيين: القرآن والسنة، وما أحوجنا إلى أن تنشرح صدورنا لحكم الله تعالى، فنتلقى أحكام الشريعة بكل خضوع وقبول، دون تباطؤ أو تردد، ولنجعل من هذا الشهر الكريم شهرِ الصيام والقيام مدرسةً، نروض فيه أنفسنا على الانقياد للشرائع والقبول لها.
وأما ثانيا: فعلينا جميعًا، يا أختاه، أن نبادر إلى فعل الطاعات، وأن نسارع إلى الباقيات الصالحات، عسى الله أن يجعلنا من المقبولين، وأذكُر لك، يا أختاه، جملة من الطاعات التي تفعل في هذا الشهر الكريم:
1 - الصوم: قال - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سَبعمائة ضعف، يقول الله - عز وجل -: إلاَّ الصيام فإنَّه لي، وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فَرحَة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولَخَلوف فم الصائم أطيَبُ عند الله من ريح المسك))؛ أخرجه البخاري ومسلم.
وقال - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه))؛ أخرجه البخاري ومسلم.
2 - القيام: وقال - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه))؛ أخرجه البخاري ومسلم.
3 - الصدقة: كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - أجوَد الناس، وكان أجوَد ما يكون في رمضان، كان أجوَد بالخير من الريح المرسلة، وقد قال - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((أفضل الصدقة صدقة في رمضان))؛ أخرجه الترمذي.
4 - تلاوة القرآن: شهر رمضان هو شهر القرآن، فعلينا أن نكثر من تلاوة القرآن في شهر الصيام، كما كان حال سلفنا الصالح، وقد كان جبريل يدارس النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - القرآن في رمضان، فاللهَ اللهَ في الإكثار من تلاوة القرآن، ومع حضور القلب، وتدبُّر الآيات.
5 - الاعتكاف: كان النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يومًا؛ أخرجه البخاري.
وإن الاعتكاف من العبادات التي تجمع كثيرًا من الطاعات من التلاوة والصلاة والذكر والدعاء وغيرها.
6 - العمرة: قال - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((عمرة في رمضان تعدل حجة))؛ أخرجه البخاري ومسلم، وفي رواية: ((حجة معي)).
وأما الأمر الثالث، يا أختاه، الذي أحب أن أوصي به، وهو التفقُّه في دين الله تعالى، والتبصُّر بأحكام الشريعة، ولعلك تلاحظين مدى جهل كثير من المسلمات بدينهن، فالواجب علينا جميعًا أن نتفقه في ديننا، فنقرأ القرآن وأحاديث الرسول - صلَّى الله عليه وسَلَّم - ونسأل أهل العلم عما قد يشكل علينا، قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، وربما يحصل عند بعض النساء اضطراب في العادة الشهرية، فتتردَّد وتُحرَج من السؤال عن الصلاة والصيام وهي كذلك، فتعبد الله على جهل، وكان الواجب عليها السؤال عن أمور دينهابلا حيَاء ولا حرج، ولتقتدي في ذلك بأفضل النسوة - وهن نساء الصحابة - حيث قالت عائشة عنهن: "نعم النساء نساء الأنصار؛ لم يمنعهن الحياء من أن يتفقهن في الدين"، ولا مانع من أن تكتب المرأة السؤال مفصلاً وتعرضه على أهل العلم عن طريق أخيها أو زوجها أو والدها، أو عن طريق الهاتف، وهُنَا أقول: إن حضور المرأة للمسجد لأداء صلاة التراويح فرصةٌ عظيمةٌ؛ لكي تسأل أهل العلم، وتذكر ما قد يقع فيه أخواتها النساء من الأخطاء كي ينبهن عليها.
وأنتقل إلى الأمر الرابع، فأقول، يا أختاه، إن عليك واجبًا كبيرًا تجاه بيتك، ومن ثم لا بد أن نسعى كلنا وبكل عزيمة على إصلاح بيوتنا، ونشر الخير فيها بمختلف أنواعه، واستئصال الشر من جذوره - وفي الحديث: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته))؛ البخاري (2409)، ويؤلمنا أن نرى بعض الصالحين لا يهتم بإصلاح بيته ولا باستقامة أهله وأولاده، فعلينا واجب تجاه هؤلاء المفرطين، بحثِّهم وتوجيههم، كما أن عليك، أختي المسلمة، تنبيه أخواتك المسلمات على ما يقَعْن فيه من فعل محرم أو ترك لواجب.
ولا أنسَى أن أقول لك - والحزن يعصر قلبي -: إن أعداء الإسلام من يهود ونصارى وعلمانيين وأذنابهم - يسعَون بكل ما يملكون من أموال وقدرات، ويبذلون أوقاتهم ونفوسهم في سبيل إفسادك وصدك عن دينك، وسحق خلقك وعفافك، ونزع حجابك؛ فالحذرَ الحذر من تلك الخطط والمخططات التي ظاهرها الإصلاح والرحمة، وباطنها الإفساد والإجرام، ومن ثم لا بد من الوعي والإدراك للواقع الذي تعيشين فيه، حتَّى يمكنَك مواجهة تلك الدعوات المغرضة والتيارات الهدامة، وإياك والغفلةَ والسَّذاجَة، وكوني مثالاً للمرأة المسلمة الواعية لواقعها، والمدركة لواجبها نحو بنات مجتمعها.
وهنا أمر خطير أنبه أخواتي عليه ألا وهو استغلال الوقت، وخصوصًا في هذا الشهر المبارك الذي تعتبر أوقاته أغلى وأنفس من غيرها، وإياك - أيَّتُها الأخت - من إضاعة نهاره أو ليله بما لا ينفع من كلام لا طائل تحته، أو أحاديث فارغة، كما أحذرك من كثرة النوم التي تقتل أوقاتك، وكذلك احذري من العكوف على المحرمات من الأفلام والمسلسلات والأغاني.
وفي ختام هذه الرسالة أهمس في أذنك، يا أختي، إذا كنت حريصة على أداء صلاة التراويح في المسجد، فعليك بمراعاة الأحكام الشرعية عند ذهابك، فعليك أولاً باجتناب لباس الزينة، وعليك بالاحتجاب بالحجاب الشرعي الكامل بحيث لا يظهر أي شيء من بدنك، أن تجتنبي العطور والأطياب، حتى البخور؛ لأن بعض النساء ربما جاءت ببخور لتطيب النساء، فهذا محرم، وعليك - حفظك الله - أن تغضي بصرك، ولا تكوني ممن تجيء لتؤدي سنة لترتكب محرمًا، كمن تجيء لأداء صلاة التراويح وتأتي متطيبة متزينة، أو تجيء مع قائد السيارة بمفردها، فاحذري من ذلك، يا أمة الله، كما أن عليك الحذر مِن رفع صوتك في المسجد لئلا تَفْتِني الرجال، ولا تؤذي المصلين بأطفالك، وإياك ومزاحمةَ الرجال عند الأبواب، وعليك بمراقبة الله في صلاتك وجميع عباداتك.
وفقنا الله وإياك وجميعَ المسلمين لاغتنام الأوقات، وفعل الخيرات، وترك المنكرات، وتقبَّل منا جميع أعمالنا الصالحات.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
ناصح