يفرح المؤمنون الصادقون بإقبال شهر الصيام والقيام ، ولا تسعهم الأرض حين حلوله وشروعهم في صيامه وقيامه!!
أليس هو شهر القرآن والتلاوة والذكر؟! أليس هو شهر البر والصلة والصدقة؟! أليس هو شهر الاعتكاف وليلة القدر؟! أليس هو شهر الجهاد والفتوحات؟!
أليس هو شهر الاعتمار والجوار لبيت الله الحرام؟! إلى غير ذلك من المناقب والفرائد، والمزايا والخصائص التي لا يسع المقام لذكرها... فلله الحمد والمنة.
بيد أن هذه الفرحة برمضان وبهائه وجلاله سرعان ما تُذبح بتلك المخازي والمهازل، التي دأبت القنوات العربية على بثها طيلة الشهر الكريم، ودون خوف أو وجل من الله تعالى الذي يقول: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة: 40].
ولقد تسابقت القنوات الفضائية والأرضية في بث كل رذيلة على وجه الأرض، وتفننت في إغواء المُشاهد، وإرغامه على البقاء ذليلاً أمام شاشاتها؛ بفضل الإخراج المذهل، والإغراء المدهش الذي يجعل أعقل الناس مجنونًا!! وأحلمهم حيرانًا!!
ولقد تنافس المنتجون والمخرجون والفنانون في (اغتنام!!) موسم رمضان، وتقديم كل أسباب الإفساد والتضليل، والصد عن سبيل الله!! ونتج عن هذا الإنتاج المهول، والواقع المرير أن ركع الكثيرون أمام مشاهد الغانيات الفاتنات، والفاجرات العاهرات!!
وباع الأكثرون دينهم وأمانتهم، حين رضوا بأن يهتكوا حرمة الشهر الجليل، ويغضبوا الملك الجبار، وهم يتابعون بشغف وأشر وبطر أفلامًا عارية، وتمثيليات فاضحة، وبرامج مشبوهة ،وكأنهم في منأى من الحساب والعقاب والبعث والنشور!!
وأسوأُ من ذلك وأدهى وأمر متابعتُهم بنشوة بالغة إلى مسلسلات مخزية من أمثال (طاش ما طاش)، الذي لم يقف عند حد الإغراء والإغواء الأخلاقي؛ بل تعداه إلى السخرية المباشرة من ثوابت العقيدة وشرائع الإسلام الظاهرة والباطنة!! (وتلقف الصائمون!) كل هذا الإسفاف والخلاعة، والهدم لدين الأمة وأخلاقها بكل رحابة صدر، ولربما تمايلوا نشوة وطربًا، وضحكًا وفرحًا بهاتيك المشاهد التي تخر لهولها الجبال الصُم!!
وبعد إحياء الليل كله أمام عبث الشاشات يتحلق المشاهدون (الأوفياء!!) و (العُباد الأتقياء!!) أمام موائد السحور؛ استعدادًا لصيام يوم جديد، لا حظَّ لهم منه إلا الجوع والعطش بخبر المعصوم - صلى الله عليه وسلم - الذي يقول: ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ بِأَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ)). وفي رواية: ((قَوْلَ الزُّورِ وَالجَهْلَ)). فأي زور وأي جهل فوق هذا يا مسلمون؟؟ لمصلحة مَن تنتهك حرمة رمضان، ويُستخف بالملك الديان؟ لمصلحة مَن تفتن الشاشاتُ الجماهيرَ المسلمة وتضللهم؟!
إن أمتنا اليوم تعيش واحدة من أحرج مراحل حياتها، والأخطار تحدق بها من كل اتجاه، والأعداء يتربصون من كل جهة، فهل من الحكمة في قليل أو كثير، أو قبيل أو دبير أن نظل في هذه الغفلة القاتلة، وقد رأينا حواضر العالم الإسلامي يتساقطن في أيدي الأعداء واحدة بعد الأخرى؟! أجيبوا بربكم أجيبوا!! ثم أنيبوا إليه.. أنيبوا إن كنتم مؤمنين!!