"الاختفاء" هو غياب المرء، زواله من الوجود، فقدانه؛ ولكن "المختفين" لم يختفوا وحسب، بل هناك شخص ما، في مكان ما، يعرف ما حدث لهم؛ هناك شخص ما هو المسؤول عما حدث لهم.
يخطئ من يظن أن ظاهرة الإخفاء القسري كانت سائدة في سالف الزمان ولم يعد لها وجود؛ بل هي مستمرة في جميع أنحاء العالم مثل الجزائر وكولومبيا ونيبال والاتحاد الروسي وسري لنكا ويوغوسلافيا السابقة. وتسببت الولايات المتحدة – أحياناً بالتواطؤ مع حكومات أخرى – في عمليات إخفاء قسري للأشخاص المشتبه في تورطهم في الإرهاب. أما مقترفو هذه الجرائم فقد ظلوا في الأغلب والأعم بمنأى عن أي محاسبة أو عقاب.
إن كل عملية إخفاء قسري تنتهك حزمة من حقوق الإنسان: الحق في أمن الإنسان على شخصه وكرامته؛ والحق في عدم الإخضاع للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛ والحق في ظروف اعتقال إنسانية؛ والحق في الشخصية القانونية؛ وكذلك الحقوق المتعلقة بالمحاكمة العادلة وفي الحياة العائلية. وعلى قمة هذه الحقوق، فإنها يمكن أن تنتهك الحق في الحياة، نظراً لأن من يُختطفون كثيراً ما يقتلون.
وكما هو الحال في كولومبيا، حيث اختطف نحو 43 شخصاً في 14 يناير/كانون الثاني 1990 من مجتمع بويبلو بيلّو المحلي، في دائرة أنتيوكويا الكولومبية، على أيدي 60 من أفراد القوات شبه العسكرية المدعومين من الجيش، فيما زُعم بأنه رد على سرقة ماشية أحد قادة القوات شبه العسكرية. ونُقل من اختُطفوا إلى إجدى المزارع، حيث يرجح أن يكونوا قد قتلوا. وفي الطريق، مرت القوات شبه العسكرية بنقاط تفتيش عسكرية دون أن يسألها أحد، على الرغم مما ذكره شهود عيان من سماعهم صرخات كانت تنطلق من الشاحنات بصورة مسموعة.
وفي أعقاب عمليات لانتشال جثث مجهولة الهوية، تم التعرف على جثامين ستة من ضحايا عملية اختطاف بويبلو بيلّو. وحُكم على بعض أفراد القوات شبة النظامية بالسجن لقتلهم الأشخاص الستة الذين تم التعرف عليهم. بيد أن الجناة المسؤولين عن الاختفاء القسري للضحايا الآخرين ظلوا بلا عقاب.
وفي يناير/كانون الثاني 2006، خلصت محكمة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان إلى أن الحكومة الكولومبية أخلت بالتزاماتها بضمان حقوق المتضررين. وأوضحت المحكمة اعتقادها بضلوع القوات المسلحة في القضية، واعتبرت الدولة مسؤولة عن التحريض على نشوء الهياكل شبه العسكرية، مما تسبب في خلق أوضاع تشكل خطراً على أهالي قرية بويبلو بيلو.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2006، اعتمدت الأمم المتحدة معاهدة قوية لحقوق الإنسان، وهي الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، التي تهدف إلى منع حالات الاختفاء القسري، واستجلاء الحقيقة عند وقوع هذه الجريمة، ومعاقبة الجناة، وتقديم تعويضات للضحايا وذويهم.
وقد بات لزاماً على المجتمع الدولي الآن التحقق من مصادقة جميع الدول عليها، ووضعها موضع التنفيذ في كل أنحاء العالم.