على امتداد التاريخ البشري، ما فتئت الهجرة تشكل تعبيرا شجاعا عن رغبة الفرد في التغلب على الظروف المعاكسة والحياة على نحو أفضل. واليوم، أدت العولمة إضافة إلى نواحي التقدم في الاتصالات والنقل، إلى زيادة عدد الأفراد الراغبين في الانتقال إلى أماكن أخرى والقادرين على ذلك.
وقد أوجد هذا العصر الجديد تحديات وفرصا للمجتمعات في جميع أنحاء العالم، كما ساعد أيضا في إبراز الصلة الواضحة بين الهجرة والتنمية، فضلا عن الفرص التي يوفرها للتنمية المشتركة، أي، التحسين المتضافر للظروف الاقتصادية والاجتماعية في بلدان المنشأ والمقصد على حد سواء. ويسعى هذا التقرير إلى استكشاف هذه التحديات والفرص، وإلى تقديم الأدلة على التغييرات الحاصلة حاليا. وهو بمثابة خارطة طريق مبكرة لهذا العصر الجديد من التنقل.
اليوم الدولي للمهاجرين
بلغ عدد المهاجرين الدوليين 191 مليونا عام 2005: 115 مليونا منهم يعيشون في بلدان متقدمة النمو و 75 مليون في بلدان نامية. وبين عامي 1990 و 2005، سجلت البلدان ذات الدخل المرتفع ككل أعلى زيادة في عدد المهاجرين الدوليين (41 مليونا).
وكان ثلاثة أرباع إجمالي المهاجرين يعيشون في 28 بلدا فقط عام 2005. وكان واحد من كل خمسة مهاجرين في العالم يعيش في الولايات المتحدة.
ويشكل المهاجرون ما لا يقل عن 20 في المائة من السكان في 41 بلدا يقل عدد سكان 31 منها عن مليون نسمة.
وتشكل الإناث ما يناهز نصف العدد الإجمالي للمهاجرين على الصعيد العالمي وهن أكثر عددا من المهاجرين الذكور في البلدان المتقدمة النمو.
ويعيش ستة من كل 10 مهاجرين دوليين تقريبا في اقتصادات مرتفعة الدخل ولكن هذه الاقتصادات تشمل 22 بلدا ناميا، بما فيها البحرين وبروني والكويت وقطر وجمهورية كوريا والمملكة العربية السعودية وسنغافورة والإمارات العربية المتحدة.
وقد انتقل حوالي ثلث الـ 191 مليون مهاجر في العالم من بلد نامٍ إلى آخر، وانتقل ثلث آخر من بلد نامٍ إلى بلد متقدم النمو. ويعني ذلك أن عدد من هاجروا ”من الجنوب إلى الجنوب“ يساوي تقريبا عدد من هاجروا ”من الجنوب إلى الشمال“.
وشكل المهاجرون ذوو التعليم العالي ما يقل بعض الشيء عن نصف الزيادة في عدد المهاجرين الدوليين الذين يبلغ عمرهم 25 سنة أو أكثر في بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي خلال التسعينات. ومن بين كل 10 من المهاجرين ذوي التعليم العالي الذين كانوا يعيشون في بلدان المنظمة عام 2000 كان أصل 6 تقريبا منهم من البلدان النامية.
الهجرة والتنمية
يشكل إغراء الحصول على عمل بأجر جيد في بلد غني أحد الدوافع القوية للهجرة الدولية. وقد زاد الإغراء مع استمرار زيادة الفوارق في الدخل بين البلدان. وذلك ليس صحيحا فيما يتعلق بالفوارق الكبيرة والمتزايدة بين البلدان ذات الدخل المرتفع والبلدان ذات الدخل المنخفض فحسب، ولكن أيضا فيما يتعلق بالبلدان النامية الأكثر دينامية والبلدان النامية الأقل دينامية.
وعلاوة على ذلك، يحتاج العديد من الاقتصادات المتقدمة والدينامية إلى العمال المهاجرين لأداء الأعمال التي لا يمكن أن يعهد بها إلى مصادر خارجية ولا يوجد من يرغب في أدائها من العمال المحليين بالأجور السائدة. وتعد شيخوخة السكان هي أيضا من الأسباب الكامنة وراء هذا الطلب المتزايد لأنها تؤدي إلى عجز في عدد العمال بالنسبة إلى المعالين. ومع حصول الأجيال الصاعدة على تعليم أفضل، أصبح عدد أقل في صفوفها قانع بوظائف منخفضة الأجور تتطلب جهدا جسديا كبيرا.
وقد تؤدي الهجرة إلى انخفاض الأجور أو زيادة البطالة بين العمال ذوي المهارات المنخفضة في الاقتصادات المتقدمة، الذين يكون الكثير منهم هم أنفسهم مهاجرين قدموا في موجات سابقة. غير أن معظم المهاجرين تكون مهاراتهم مكملة لمهارات العمال المحلين لا منافسة لها. وبأداء مهام قد لا تجد من يؤديها أو تؤدى بتكلفة أعلى، يسمح المهاجرون بقيام المواطنين بتأدية أعمال أخرى أكثر إنتاجية وأحسن أجرا. وهم يتعهدون أيضا أنشطة اقتصادية صالحة للاستمرار، كان يمكن أن يعهد بها إلى مصادر خارجية في غيابهم. وإذ يزيد المهاجرون من القوة العاملة، وعدد المستهلكين، ويساهمون بقدراتهم في مجال تنظيم الأعمال، فإنهم يحققون ازدهار النمو الاقتصادي في البلدان المستقبلة.
وعند نقطة المنشأ، لا يؤدي الفقر المدقع بشكل آلي إلى زيادة الهجرة. فأكثر الناس فقرا بشكل عام لا يملكون الموارد اللازمة لتحمل تكاليف الهجرة الدولية وأخطارها. وغالبا ما يأتي المهاجرون الدوليون من الأسر المعيشية ذات الدخل المتوسط. ولكن، عندما يستقر المهاجرون في الخارج، فإنهم يساعدون الأصدقاء والأقارب على اللحاق بهم، وفي هذه الأثناء، تنخفض تكاليف الهجرة وأخطارها، مما يسمح لمن هم أفقر، ولكن ليس لمن هم الأكثر فقرا، أن يلحقوا بالتيار. وهجرة من يملكون المهارات المنخفضة توفر أكبر إمكانات تخفيض عمق الفقر وحدته في مجتمعات المنشأ الأصلية.
وثمة أدلة متزايدة تبين أن الهجرة الدولية ذات أثر إيجابي في العادة لبلدان المنشأ وبلدان المقصد على حد سواء. وفوائدها المحتملة أكبر من الأرباح المحتملة من زيادة تحرير التجارة الدولية، خاصة بالنسبة للبلدان النامية.
الأمم المتحدة والمهاجرون
في 4 كانون الأول/ديسمبر 2000، أعلنت الجمعية العامة يوم 18 كانون الأول/ديسمبر يوما دوليا للمهاجرين بعد الأخذ بعين الاعتبار الأعداد الكبيرة والمتزايدة للمهاجرين في العالم (القرار رقم 93/55 (ملف بصيغة الـ PDF). وفي مثل هذا اليوم كانت الجمعية العامة قد اعتمدت الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم (القرار رقم 158/45 (ملف بصيغة الـ PDF).
والدول الأعضاء، وكذلك المنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية، جميعها مدعوة إلى الاحتفال بـ "اليوم الدولي للمهاجرين"، بعدة طرق من بينها نشر معلومات عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع المهاجرين وأيضا من خلال تبادل الخبرات ووضع الإجراءات التي تكفل حماية تلك الحقوق.
وقد قامت الدول الأعضاء الـ 132 التي شاركت في الحوار الرفيع المستوى بشأن الهجرة الدولية والتنمية، الذي أجرته الجمعية العامة في 14 و 15 أيلول/سبتمبر 2006 ، بإعادة تأكيد عدد من الرسائل الرئيسية . فأولا، شددت الدول على أن الهجرة الدولية ظاهرة متنامية، وعلى أنها يمكن أن تشكل إسهاما إيجابيا في التنمية في بلدان المنشأ وبلدان المقصد، شريطة أن تكون مدعومة بالسياسات السليمة. وثانيا، أكدت على أن احترام الحقوق والحريات الأساسية لجميع المهاجرين أمر أساسي لجني فوائد الهجرة الدولية. وثالثا، أقرت بأهمية تعزيز التعاون الدولي في مجال الهجرة الدولية على الصعيد الثنائي والإقليمي والعالمي.
ومع تشديد الحوار الرفيع المستوى على أن الهجرة الدولية قد تشكّل إسهاما في التنمية، فإنه سلّم بأن الهجرة الدولية ليست بديلا للتنمية. ففي كثير من الأحيان، يضطر المهاجرون إلى البحث عن فرص العمل في الخارج بسبب الفقر أو النـزاعات أو انتهاكات حقوق الإنسان. فتوافر السلام والأمن والحوكمة الرشيدة وسيادة القانون وتوفير العمل اللائق في بلدان المنشأ كلّها أمور تضمن اتخاذ المهاجرين قرار الهجرة طوعا لا كرها. ويجب أن تكون الهجرة الدولية جزءا لا يتجزأ من الخطة الإنمائية وجزءا من الاستراتيجيات الإنمائية الوطنية.
وعقب الحوار الرفيع المستوى، بدأت حكومة بلجيكا عملية لإنشاء المنتدى العالمي المعني بالهجرة والتنمية باعتبارها عملية استشارية طوعية وغير ملزمة وغير رسمية تتولاها جميع الدول الأعضاء والتي لها مركز مراقب في الأمم المتحدة وتكون مفتوحة أمامها. ومن خلال توفير محفل تتناول فيه الحكومات المسائل المتصلة بالهجرة الدولية والتنمية بطريقة منهجية وشاملة، يجمع المنتدى العالمي الخبرات الحكومية من جميع المناطق، ويشجع الحوار والتعاون وإقامة الشراكات، ويساعد على إنجاز النواتج التطبيقية وذات المنحى العملي على الصعيد الوطني والإقليمي والعالمي.
لقد تحققت زيادة ملحوظة في التعاون بين الحكومات في مجال الهجرة منذ إجراء حوار عام 2006 الرفيع المستوى بشأن الهجرة الدولية والتنمية. ويتزايد تركيز مختلف الجماعات والعمليات الاستشارية الحكومية الدولية على الأبعاد الإنمائية للهجرة الدولية، غير أنها تتبع في ذلك أساليب مختلفة، وتتناوله من منظورات شتى. ونظرا للحاجة إلى تحسين فهم المسائل التي تثيرها الهجرة الدولية فيما يتصل بالتنمية، وإلى تبادل الخبرات الدراسية، وإلى اتخاذ مواقف موحدة، اضطر مزيد من البلدان إلى الانضمام إلى الجماعات الإقليمية كما حُمِلَتْ بعض الجماعات الإقليمية على إقامة التعاون فيما بينها. فيبدو أن الحوار الرفيع المستوى كان بمثابة العامل الحفّاز الذي ولّد نشاطا كبيرا في هذا المضمار.