صيغ وألفاظ تكبيرات العيد
عادل عبد العزيز المحلاوي
الحمد لله كريم المن , واسع الفضل والإحسان , عظيم العطاء , خيره لا ينفذ , وجوده لا ينقطع , , تفضل على عباده بما شرع , وهيئ النفوس للعمل , تقبل الجهد , وضاعف القليل
يا رب حمداً ليس غيرك يحمد ** يا من له كل الخلائق تصمدُ
أبواب كل مملَك قد أوُصدت ** ورأيت بابك واسعاً لا يوصدُ
الصالحون بنور وجهك آمنوا ** عافوا بحبك نومهم فتجهزوا
واشهد أن لا إله إلا الله , شهدت على وحدانيته الخلائق , وعلم ما في الضمائر , أحسن إلينا بالإسلام , ومن علينا بالإيمان , ونشهد أن نبينا محمداَ رسوله ومصطفاه , وخيرته من خلقه , وأعظم الناس شكراَ عند النعم , وأصبرهم عند البلاء صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :
فأوصيكم ونفسي – أيها الناس - بتقوى الله عز وجل ، فاتقوا حق التقوى ,فهي العروة الوثقى , والعدة عند اللقا , وهي خير زاد المرء يوم الرحيل ، (وتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)، بها تزين العباد الصادقون , وتجمل المخلصون (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون )
أهلها يوم القيامة فائزون ، وعند الجزاء رابحون ، وفي دار الخلد منعمون ، (يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ)
عباد الله :
يوم عظيم ، ومحفل جليل ، مناسبة كريمة ، وعيد سعيد , سماه الله (يوم الزينة ) وجعله يوم فرح لأهل الإيمان ، وميقات سعادة لأهل الرضوان ,يفرحون يوم أن منّ الله عليهم بإتمام القيام والصيام , ويأملون عظيم الأجر عند وضع الميزان , وللصائم فرحتان , فرحة عند فطره , فرحة عند لقاء الرحمن .
أيها المسلمون :
لقد خصكم الله بعطايا وهبات لم يجعلها لأمة قبلكم ،( أنتم توفون سبعين أمة أنتم أكرمها وأفضلها على الله ) كما صح بذلك الخبر عن رسول الله عليه الصلاة والسلام .
شريعتكم كاملة ، ودينكم قويم ،حنيفية سمحة ،وسبيل مستقيم ، السعيد من اتبع هذا الشرع ، واستقام على هذا النهج , والموفق من تمسك بهذه الملة ،واتبع نبي هذه الأمة ، قال سبحانه : (فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى، قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا، قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى، وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى )طه123
عباد الله
لقد قام هذا على دعائم عظيمة ، وركائز جليلة ،يؤدي بها العباد حق ربهم ،وتقوي العلائق بينهم ، وتهديهم سبل الرشاد .
وإن من أعظم دعائم هذا الدين ..الصــــــلاة ..
فهي الركن العظيم ، والفريضة الجليلة ، بها تقبل سائر الأعمال ، وبدونها يبوء المرء بالخسران , ،جاء في الحديث (( إن أول ما يحاسب العبد عن الصلاة فإن صلحت فقد أفلح ونجح ، وإن فسدت فقد خاب وخسر )) هي أعظم ما تُرفع به الدرجات , وتكفر به الخطيئات .
شرعها الله في أرفع مكان , وجعلها على هيئة لم يجعلها لغيرها من فرائض الإسلام , هي الفرقان بين أهل الكفر وأهل الإيمان يقول عليه الصلاة والسلام " بين الرجل والكفر والشرك ترك الصلاة "
عهد الله المتين , وصراطه المستقيم فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه والسلام أنه قال : "خمس صلوات افترضهن الله من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له ومن لم يفعل فليس على الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه " ابو داود
ما حافظ عليها إلا مؤمن يخشى ربه , وما فرط فيه إلا ضال مستخف بشرعه , ولقد مدح الله أهل الصلاة , المحافظين عليها بقول((فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ))
وقال واصف حال المفرطين " {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59] قال شيخ الإسلام في تفسير هذه الآبه : المراد بالوعيد من أضاع الواجب في الصلاة لا مجرد تركها , فكيف بمن تركها بالكلية أو أضاع بعضها , وفرط في شأنها
فاجعل – أيها المسلم – هذه العبادة أعظم أمر في نفسك , وأهم المهمات في حياتك , وأبشر بخيري الدارين , والسعادة في الحياتين .
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
عباد الله :
من معالم ديننا العظيم ، ومظاهر شرعنا الكريم - حسن الخلق وجميل التعامل مع الناس - فكم جاءت في فضله آيات , ونوهت بشأنه أحاديث بينات ، كم عظّمت من حال أهله ، وعلت من شأن أصحابه .
بل إن نبيكم عليه الصلاة والسلام ، كأنما حصر رسالته لهذا الغرض العظيم فقال (( إنما بعثت لأتم صالح الأخلاق )) - صحيح الجامع - وفي لفظ (( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )) - صحيح الجامع –
(صاحب الخلق خير الناس -)(صحيح الجامع )
وهو ( أكمل المؤمنين إيماناً )(صحيح الجامع)
وبه (يدرك العبد درجة الصائم القائم (أحمد) ،
و(يفوز صاحبه بقربه من النبي صلى الله عليه وسلم ) - صحيح الجامع –
الخلق الكريم( خير ما تجمل به المرء )(صحيح الجامع)
و(صاحبه أحب العباد إلى الله ) - صحيح الجامع –
هو( أحب الخلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأقربهم منه مجلساً يوم القيامة ) ( أحمد)
بهذه الأحاديث وغيرها ،مما سبق صحت به الأخبار عن نبيكم عليه الصلاة والسلام .
بل من جلالة شأن هذه العبادة ما جاء في قوله عليه الصلاة والسلام : ((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن ))( الترمذي)
فيا لله ما أعظم تلك الخصلة ، وما أكرم ذينك العطية ، وإن الصادق مع ربه ليحرص على تحصيلها ، ويسعى بالتحلي بها .
أيها المسلمون :
إن حسن الخلق ليس تلك الخصلة التي يحصرها الناس في جانب من جوانب المعاملات ،ويضيقونها في ناحية من نواحيها، بل هي خلة كريمة ، وخصلة واسعة ،وأدب جم ، يشمل الحياة بأسرها ، والتعاملات كلها
وإن أولى الناس بحسن الخلق – أيها المؤمن الموفق - هم الوالدان اللذان كانا سببا وجودك في الدنيا ، وصاحبا الفضل الذي لا يُدانى , فكل خير قد حزته هم اللذان تسببا لك فيه ، وكل عطية قد نلتها المنة فيها لهما بعد فضل الله تعالى .
إنهما أقصر طرق لك إلى الجنة وبابها الأوسط الأعدل .
جـــــنة معجلة لصاحبها ، وثـــــواب برهما مدّخر لفاعله .
هما أحق الناس بحسن الصحبة ، وأولى الخلق بالخدمة , قُدم حقهم على الجهاد في سبيل الله , مع ما جاء في فضله في شرعنا , وما ذاك إلا لعلو منزلتهما وسمو مكانتهما , فعن معاوية ابن جاهمة أن والده جاهمة رضي الله عنه قال : ((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم استشيره في الجهاد ؟
فقال : ألك والدان ؟
قلت : نعم
فقال له الرحمة المهداة عليه الصلاة والسلام : إلزمهما فإن الجنة تحت أرجلهما )) (رواه الطبراني وهو في صحيح الترغيب )
إن حسن الخلق معهما - أيها البار - أن تكون من آدب النّاس في خطابهما ، وألين الناس عند مناداتهما , وأرأف الناس بهما في كل حال , خصوصاً عند الكبر , قال سبحانه الرحيم بخلقه : وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا . رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا } {الإسراء/23-25}
اسعَ في إدخال السرور عليهما ، وافنَ في خدمتهما ، وابذل المال لهما ، فالخير كل الخير لك في هذا الباب العظيم.
يقول عليه الصلاة والسلام كما في حديث أنس ـ عند أحمد ـ ( من سره أن يُمد له في عمره ويُزاد في رزقه فليبر والديه ـ وليصل رحمه )
تذكر حالهما معك حال الصغر , وحنوها عليك عند المرض , وإثارهما حاجتك على حاجتهما .
كم نسمع من نكران للجميل من الأبناء , جَفَوا آبائهم , وتنكروا لجميلهم , وقديم إحسانهم , قدموا زوجاتهم وأصحابهم على والديهم , إن جلسوا جلسوا معهم على مضض , وان خدموهم خدموهم في حال ضجر , ألم يعلم أمثال هؤلاء أن الجزاء من جنس العمل , وان كما تكون لوالديك يكن لك أولادك , فاغتنم هذا الباب - أيها الابن - إن كان لم يزل مفتوحا قبل إغلاقه , واربحه قبل خسرانه , وتذكريوم يموت الوالدان أو أحدهما وتبكي في ساعة لا ينفع عندها البكاء , ولا يفيد معه التحسر
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
حسن الخلق – أيها المؤمنون - يكون مع العلماء الربانيين , والأئمة المهدين , إن العلماء هم ورثة الأنبياء , وحملة لواء الشرع , أفنوا أعمارهم في البحث والمطالعة , وقضوا حياتهم في خدمة دين ربهم , فحقهم أن تصان حقوقهم , وتُعرف مكانتهم , وعلو منزلتهم , وإن من القربات التي يتقرب بها المرء لربه تقديرهم وإجلالهم من غير غلو ولا جفاء .
ألا ما أجله من قرار حكيم صائب وُفق له قائد مسيرة هذه البلاد - خادم الحرمين الشريفين – يوم قصر الفتوى على أعضاء هيئة كبار العلماء ـ صيانة لهذا الدين العظيم , وحماية لهذا الشرع القويم , وهي سنة مباركة سنها لعالمنا الإسلامي اليوم لحماية هذا الدين من التلاعب والقول على الله بلا علم.
وإن في السبيل المتبع الأرشد ، والسلوك القويم الأمجد ، أن تسلك - يا عبد الله - ما سلكه ولي أمرك في تعظيم دينك وحمايته من المتطفلين عليه وألا تقبل أي قولٍ إلا من عالم معتبر،وإمامٍ متبَع ،وأن تهجر كل قول ساقط ، ورأي فاسد، كحال من قال بسنية صلاة الجماعة ، أو أباحوا الاختلاط ، أو رققوا الدين بتحليل المعازف والغناء
عباد الله :
حسن الخلق يكون - في جميل التعامل بين الزوجين، وحسن العشرة في هاتيك البيوت , ومعرفة كل واحد منهم حق الآخر وهكذا كان نبيكم عليه الصلاة والسلام حالاً وحاثاً. يقول عليه الصلاة والسلام :"خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"رواه ابن ماجه .
كان يلاطفهم في الحديث , ويمازح داخل بيوتهم , ويعرف سابق فضلها فقد كان إذا ذبح شاة يقسمها في صويحبات زوجته خديجة ويقول : "إن حسن العهد من الإيمان " , يراعي مشاعرها فيتزين لها ويتطيب ويحرص على إلا يظهر منه ما يُؤديها تقول عائشة رضي الله عنها : كان أول شيء يفعله عند دخول بيته السواك " مبالغة في التنظف ومقابلة الأهل على أحسن حال , فمابال الأزواج لا يراعون هذه المشاعر فكما أنك أيها الزوج تريد من زوجتك أن تكون هكذا فهي تريد ما تريد , وهنا دعوة لمن يشرب الدخان وغيرها مما تؤدي رائحته أن يمتنع عن هذا رحمة بنفسه وأهله وولده , أيها الأزواج أبدوا الحب لزوجاتكن وأسمعوهن مافي قلوبكم من الود فهو مطلوب في البيوت , فالجفاء والقسوة دمار للبيوت والأسر , , لقد كان رسول الله صلى الله يشرب من موضع شرب عائشة رضي الله مبالغة في إظهار المودة , وترجمة للمحبة , امتدحها عند أهلها وولدها , تحمل صدودها وغضبها فهي آدمية تغضب وترضى وتعتريها من الأمراض والأحوال ما يتطلب منك الصبر عندها ,وذاك من حسن العشرة وجميل الأدب يقول عمر بن الخطاب : صخبت علىّ امرأتي فراجعتني , فأنكرت إن تراجعني ))ترد عليه )قالت : ولم تنكر أن أراجعك؟ فوا لله ان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه, وان أحداهن لتهجره اليوم حتى الليل. رواه البخاري• الآ وإن من أسوأ صور العشرة ضرب الزوجة وإهانتها وإهانة أهلها وولدها
قالت عائشة رضي الله عنها : ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة له قط" رواه النسائي
وعند أبي داود وغيره : يعلن النبي عليه الصلاة والسلام شناعة هذا المسلك , ودنو حال فاعله بقوله : " لقد طاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ، ليس أولئك بخياركم .
ومن اختار الحياة بزوجتين , فينبغي له أن يتقي الله في العدل بينهن , ورعاية أولادهن , ويحفظ حقوقهن ويراعي مصالحهن , ولك في رسول الله أسوة حسنة , فقد له بوتات كثيرة , وتسع زوجات , ومع ذا كان يراعي مصالحهن , ويُؤدي حقهن يقول أنس رضي الله عنه " كان صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار. رواه البخارى والحذر الحذر أن تميل لزوجة دون أخرى فتضيع حقها وتبخس واجبها وليعلم المقصر في هذا أن عاقبة الميل وخيمة , وجزائه مخز بين يدي الله تعالى جاء في سنن أبي داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل " (رواه : أبو داود )
أما أنت أيتها الزوجة فكما أن لك حقوق فعليك واجبات أوجبها عليك ربك ومولاك فمن ذلك طاعة الزوج
فهي أقصر طريق لكــِ إلى الجنة ،جاء في حديث عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"إذا صلت المرأة خمسها ،وصامت شهرها ،وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها ،قيل لها أدخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئتي" رواه أحمد.
فيجب عليك تقدير الزوج وإنزاله المنزلة التي أنزلها إياه ربه , وعدم تكلفه فوق طاقته تقليدا للغير , ومسايرة للقريب والصديق ,وتأملي في هذا الحديث لتعلمي عظيم حقه , يقول رسول الله عليه وسلم ـ ( لا يصح لبشر أن يسجد لبشر ، ولو صح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها ،ولو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبحس بالقيح والصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه) (رواه أحمد بسند جيد)
فهكذا إذا علم الزوجان حقوق بعضهم البعض ، وتعامل أحدهما مع الآخر وفق الشرع ، كانت السعادة في البيوت والأثر الجميل على الأبناء.
وإن طلب الكمال في أحد الزوجين أمر محال ولذا أرشدنا نبينا عليه الصلاة والسلام إلى حسن النظر في هذا الجانب بقوله عليه الصلاة والسلام (( لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر )) رواه مسلم
وإن الصادق مع ربه من الزوجين ليرجوا بحسن تعامله عظيم الأجر والثواب وكمال الخير والعطاء.
فسيصبر كلاهما عند الغضب ، ويكافأ عند الإحسان ، ويتجمل عند اللقاء ، ويتأدب عند الخطاب ، ويتذكر الفضل على الدوام .
يذكر المحاسن وينسى المآسي، يجامل عند السقطة , ويعذر عند الزلة ، يقول عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ (ولا أملُّ زوجتي ما أحسنت عشرتي إن المِلال من سيء الأخلاق)
أيها المسلمون :
إن حياة الضنك الذي تعيشه كثير من البيوت مما نتج عنه نسباً عالية من الطلاق ، وشتاتٌ للأسر ، وانحرافٌ للأبناء ، نتيجة ً واقعية ً لسوء الخلق بين الزوجين ، والعنف المتبادل بين الطرفين .
وإن الرجل مطالبٌ بالصبر وسعة الصدر أكثر من المرأة لما جعل الله له من الصفات الجبليّة ،يقول أعظم الناس توجيهاً وأصدق الناس نصحاً عليه الصلاة والسلام يقول للزوج :(إن المرأة خلقت من ضلع فإن أقمتها كسرتها ـ فدارها تعش بها رواه ابن حبان
والمرأة الصادقة في طلب جنّة ربها ، الكاملة في عقلها ، لهي أحرص الناس على حسن الخلق مع زوجها ، لعظيم حقه عليها ، جاء في حديث ابن أبي أوفى ـ رضي الله عنه ـ قوله عليه الصلاة والسلام: (( والذي نفسي بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها )). رواه ابن ماجه (صحيح)
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
عباد الله :
حسن الخلق يترجم في حال الجار مع جاره وإحسانه إليه بجميع أنواع الإحسان ، فيزوره على الدوام ، ويراعي حرمته حال الغياب ، يكف أذاه عنه ، ويتحمل ما يصدر منه .
حافظَُ حقوق الجار امرئ ترجم الإيمان ، وحقق التقوى بالبرهان , جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُحسن إلى جاره ))
وفي الصحيحين :(( ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره ))
المؤمن الحق ـ عباد الله ـ من تفقد جيرانه وبحث عن حوائجهم ، وسد جوعتهم ، وأشركهم في ماله ، يقول عليه الصلاة والسلام : ((ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع ))
إن عظمة الدين تظهر في مثل هذه الأوامر ، ويقيم المؤمن بجلالة الشرع تسمو بهذه التوجيهات .
ولو تتبع كل جارٍ جاره ، وكل قريبٍ قربيه ، لسُدت مطالبٌ ، وكفيت حاجات ، وأشبعت بطون .
أيها المسلمون :
حسن الخلق بعامة مع النّاس كلهم من موجبات الجنّــــة ، وهو الستر من النار .
ما أجملنا يا أمة الإسلام !
وقد ساد بيننا الأدب في تعاملنا ، وحسن النداء في خطابنا ، وتركنا البذاءة ، وابتعدنا عن الألقاب ، وكل ذلك من موجبات الجنة , فعن المقدام بن شريح عن أبيه عن جده قال :(( قلت يا رسول الله ! حدثني بشئ يوجب لي الجنّة ؟ قال: ـ واسمع ما قال ـ (موجب الجنّة ،إطعام الطعام ، وإفشاء السلام ، وحسن الكلام ))
إننا نعيش اليوم أزمة في أخلاقنا ، وفضاضة وغلظة في تعاملنا ، فصاحب المال يمنع العامل حقه ، والعامل يكذب ويغش في عمله ،والكبير لا يرحم الصغير ، والصغير لا يعرف حق الكبير ، وأصبح صاحب الخلق الكريم يُذكر في المجالس لندرته في المجتمعات .
فالعودة العودة لأخلاق الإسلام
والأوبة الأوبة لمعالم الإيمان
فهي وربي ـ الحـــــــياة الطــــيـــبة ـ وأهلها كرمـــاء النّـــاس وشامة الزمـــان .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم , ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الجكيم , أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين , فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية :
أيها المؤمنون:
من مفردات حسن الخلق التي حث عليها الإسلام ـ الغيرة على الأعراض ـ وغيرة المرء دليل قوة دينه وطهارة نفسه ، وأصالة معدنه ، ولقد اشتهر العرب بهذا حتى كانوا لفرط غيرتهم يؤدون بناتهم ،وجاء الإسلام فهذبها ووجهها التوجيه السليم ، والغيرة – أيها الغيور - سمة من سمات رسولك صلى الله عليه وسلم ـ فلقد كان أشد النّاس غيرة ـ ثم صحابته من بعده ـ يقول عليه الصلاة والسلام : عن سعد بن معاذ (إنه لغيور وإني لأغير منه ، والله أغير مني ) أخرجه مسلم
ومقصود الإسلام من الغيرة حماية الأعراض أن تنتهك ، والمحارم أن تستباح ، ولذا حماها بحمى عظيمة وأحاطها بسياج منيع ، فجعل للدخول على البيوت آداباً ، ومنع النظر إلى الأجنبيات ، وحرم الخلوة بين الرجل والمرأة ، وأمر الأولياء بحماية أهليهم ، وجعل هذا من صفات الرجولة والشهامة.
عباد الله :
ولئن كان النّاس في سابق الزمان في عافية من أمور تضعف الغيرة في النفس , وترقق الدين في القلب , فالناصح لنفسه , الخائف من ربه , ليرقب قلبه , ويلاحظ غيرته هذه الأيام .
لقد تفشت اليوم صور الشباب الفاتنين الذين صاروا يظهرون في وسائل الإعلام أو في الطرقات والأسواق , ويصبغون ويتزينون كم تصبغ وتتزين النساء وربما أشد .
والغيور لا يسمح لمحارمه وأهل بيته أن ينظروا لهذه الصور .
وكم نسمع من أخبار من تناقل أسماء الفنانين وغيرهم بين الفتيات وإعجابهن بهؤلاء السقطة
لقد أصبحت الجوالات في أيدي كل فتىً وفتاة ، وربما لا يدري رب الأسرة ما بداخلها من صور ومقاطع ، وأجهزة الحاسوب في غرف كثير من المراهقات , مما يتطلب عناية في هذا الجانب , ورعاية لهذا الأمر .
إن من أظهر صور غيرة المرء التي يكتسب المرء من وراءها الأجر العظيم من الرب الكريم ، العناية بلباس أهل بيته ، فلا يسمح لهن بالتساهل بالحجاب ولا التفريط فيه ، فيمنع نسائه من كشف وجوههن أو إظهار العيون وطرفاً من الأنف ، أو لبس ما لا يليق بالمسلمة سواء عند نزول الأسواق أو حتى في مجتمعات النساء .
ومن مظاهرها الغيرة عدم السماح لهن بالذهاب إلى الأسواق بمفردهن , وكم ترى من صور الحديث الجانبي بين المرأة والبائع والنظرات المريبة بين الطرفين ،لعدم وجود محرمها معها , وقد قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ (( وما من نظرة إلاّ وللشيطان فيها مطمع ))
فليتق الله كل وليّ أبٍ كان أو أخ ، وليعلم أن الله سأله عن رعيته حفظ أم ضيع ؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته .
أيها المسلمون :
أن طاعة العبد لربه لا تنقطع، وتقربه لمولاه دائم مادامت الحياة ، ولقد كان المسلمون في رمضان يجتهدون في طاعاتهم ، ويتقربون لمولاهم بعباداتهم ، فهذا ساجد ، وذاك قائم ، وثالثٌ تالٍ لكتاب ربه ، ورابعٌ يناجي سيده ويطرح حاجته في جناب مولاه في صورٍ كانت عظيمة ، وعبادات جليلة .
فما أحرى الناصح لنفسه ، أن يستديم هذه الطاعات ، ويكثر من هذه القربات ليقينه بحاجته لهذه الحسنات ، قال تعالى : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ـ أي بالحسنات ـ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)
ورب الشهور واحد ، والطاعة التي تقربت بها لربك في رمضان هي ما ترفعك فيه وفي غيره إلى أعالي الجنان ، ولقد شرع لنا إتباع صيام رمضان بصيام ستٍ من شوال وهي تعدل صيام الدهر كله كم صح بذلك الحديث .
ولقد كانت بيئة الطائعين تعينك على طاعة ربك في رمضان فالزم صحبة الأخيار ..
وعلّمك رمضان أنك أنت العابد ، الصائم ، القائم ، التالي لكتاب ربه ، المطيع لمولاه ، فلا يلبس عليك الشيطان ، بأن بينك وبين الطاعة خنادق وعقبات , بل هاهي جبهتك تسجد ، ويداك الطاهرتان تحمل كتاب الرب الرحيم الرحمن ، ووقيت شح نفسك بالصدقات ، فاستدم على هذا الخير ، والزم عتبة العبودية ، فهي العز المنيف والرفعة الحقيقية .
حافظ على الوتر والسنن الرواتب , وشُرع لك صيام ثلاثة أيام من كل شهر وهي راتبة صيام نبيك عليه الصلاة والسلام على الدوام , اقرأ كل يوم جزاءً من القرآن , احم نفسك وتقرب لربك بالمحافظة على أذكارالصباح والمساء وغير ذلك مما تتقرب به لربك
(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )
أيها المسلمون :
من مظاهر العيد التزاور والتلاقي والتحاب ما أجمل تلك البيوت التي فتّحت أبوابها لاستقبال الزائرين ، وتلك الأيدي البيضاء التي تصافح يدي إخوانها .
العيد فرصة لإزالة الشحناء والعداوة والبغضاء .
العيد فرصة للتلاقي بعد الانقطاع ، والمحبة بعد الجفاء .
للتطهر القلوب اليوم , وتصفو النفوس هذه الساعات , فهذا يوم المحبة والإخاء
اللهم يا كريم العطايا ، ويا واسع الجود أدم علينا فضلك , وتقبل منا العمل , ربنا آتنا في الدنيا حسنة ......