الحمد لله والصلاة على رسول الله وبعد:
أما بعد :
قال الله تعالى :
" وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين " آل عمران
أيها المتقلبون بنعم الله :
العيد يوم فرح إلزامي ألزم الله به عباده ..
وأمرهم أن يفرحوا ويظهروا هذا الفرح ولو كان في قلوبهم بعض من حزن وجرح وألم.
وهي ثنائية قد يكون فيها بعض الحرج
وهي ثنائية يقع المسلمون في التعامل معها بشيء من الحرج أو التخبط أو عدم الفهم
وربما يصعب التعامل معها بشكل شرعي وأنيق
فكيف يفرح المسلم وكيف يحزن في وقت واحد ؟؟
كيف يفرح بمنة الله عليه بإتمام الصيام وحضور العيد وفي قلبه حزن وأسى مما يحصل في بلاد المسلمين عامة وفي فالجة الأعداء خاصة !!
كيف أفرح بالعيد وسرير الرشيد قد جلس عليه أعداؤه ؟
وكيف أفرح بالعيد والدم العراقي أرخص من ثمن قطرات من نفط العرب ؟!!
إنه التعامل مع الثنائيات
وحتى يفهم الإنسان كيفية التعامل مع هذه الثنائيات لا بد أن نشبه هذه الثنائية بمثال مادي
هب أن هناك جاران عزيزان متحابان متزاوران ..
أما الأول فقد رزقه الله مولودا ذكرا بعد سنين طويلة من انقطاع الأمل بالإنجاب
وأما الثاني في نفس اليوم الذي رزق الله فيه جاره ذلك المولود, فقد ابنه الوحيد والتاع قلبه بوفاته .
ماذا يفعل الأول وفرحته لا تسعه أمام حزنه على جاره ؟
وماذا يفعل الثاني بحزنه أمام فرحة جاره بمولود طال انتظاره ؟
كيف يفرح الأول وجاره حزين؟
وكيف يريد الثاني ألا يقتل فرحة جاره بمولوده وهو حزين؟
موقف صعب من رجلين متحابين متزاورين ...
لكن الإسلام يقول لك :
إن الأول يجب عليه أن يفرح بمقدار محدود يحقق لنفسه نشوة الفرح ولا يزيد بفرحته هذه جراح جاره وكمده وآلامه
فيأتي بالسنن والواجبات و المستحبات في أمور الولادة دون أن يزيد عليها ما يزيد آلام جاره فيعق عن ولده , ويسميه , ويحلق رأسه , ويختنه ولا يزيد عن هذه الأمور فيحزن جاره ويزيد من جراحه .
وأما الثاني فيأتي بأمور العزاء على هيئتها وسننها ولا يزيد في حزنه فيقتل فرحة جاره .
بمثل هذه الثنائية يستطيع الإنسان المسلم الموفق أن يوفق بين الفرح والحزن وبين البهجة والألم
ففي قلب كل مسلم ثنائية من حزن وفرح
من حزن مما يحصل في الساحة الإسلامية من ازدراء وقتل وتهجير
ومن فرح بعيد الفطر فماذا يفعل ؟؟
إنه مطالب أن يفرح بقدر محدود وهو ماقدره الشارع في الفرح يوم العيد
فيخرج إلى صلاة العيد هاشا باشا ويسلم على إخوانه ثم يذهب إلى أرحامه ويصلهم وهو في كل هذه المجالس يتذكر أحزان إخوانه وآلامهم فيتكلم في كل مجلس يجلسه وفي كل مكان يطؤه بأحوالهم وآلامهم وآمالهم ويدعو لهم
وأما إذا زاد المسلم على فرحه بالمقدار الذي حدده الشارع ففي غير هذه الظروف يعتبر غفلة وبمثل هذه الظروف يعتبر سفاهة
إن الفرح في الإسلام ليس شططا
وإن الحزن في الإسلام ليس يئسا
وبين الفرح والحزن رضا بقضاء الله وأمل بما في عند الله
وبين الحزن والأمل يسير المسلم ليتعامل تعاملا شرعيا مع كل حالة فلا يغلب حزنه فرحه فييأس ولا يغلب فرحه حزنه فيشطط.
الله منزل الكتاب ومجري السحاب أعد علينا عيد الفطر أزمنة مديدة ومرات عديدة في طاعتك وكحل أعيننا بأمة قوية وراية خفاقة للإسلام إنك على ما تشاء قدير والحمد لله رب العالمين .
خطبة عيد الفطر 1425 هـ
في مسجد الحافظ – حمص
م. عبد اللطيف البريجاوي