كان هادئا وهو يعيش آخر لحظات حكمه كأول رئيس للجزائر
الحلقة الرابعة
الزبيري يروي في مذكراته كيف داهم الجيش بيت سي أحمد وهو بلباس النوم
بعد أن تناول العقيد زبيري في الحلقة السابقة محاولات الرئيس بن بلة تقليص نفوذ ما يعرف بجماعة وجدة وعلى رأسهم العقيد بومدين، ستتناول هذه الحلقة كيف قام بومدين والعقيد زبيري ومن معهما بتنحية بن بله من الحكم لحظة بلحظة، شدوا أنفاسكم وتابعوا...
*
قادة الجيش يجمعون على إنهاء الحكم الفردي
تحول انتقاد سياسة بن بله إلى إجماع بضرورة الإطاحة به والقضاء على سياسة الحكم الفردي التي يتبناها، وذلك بعد جس النبض الذي قام به بومدين وجماعة وجدة للإطارات السياسية والعسكرية للدولة، وقبل أيام معدودة من انعقاد المؤتمر الآفرو آسيوي دخل ستتنا زائد كل من سعيد عبيد ويحياوي والعقيد عباس (6 + 3) دار بومدين، وعبر الباب السري ولجنا دار الطيبي العربي في غرفة سرية خاصة بهذه الاجتماعات، ولم تكن عائلة العربي تقيم في هذا البيت بعد تعيينه سفيرا في دولة في أمريكا اللاتينية.
*
اتفقنا في هذا الاجتماع على أن تكون ليلة 19 جوان 1965 تاريخا لإنهاء الحكم الفردي لبن بله، أي قبل ثلاثة أيام من انعقاد المؤتمر الآفرو آسيوي وقبل وصول الزعماء والرؤساء إلى الجزائر، ولكن بقي السؤال كيف نطيح به؟ وأين؟
*
طُرحت فكرة إلقاء القبض على بن بله عندما يذهب لوهران لمشاهدة مباراة ودية في كرة القدم بين الفريق الوطني الجزائري ونظيره البرازيلي الذي كان يلعب في صفوفه النجم "بيلي"، ولكن اعتقاله في مطار وهران من شأنه أن يخلق لنا مشاكل، لأننا خشينا أن يهجم الشعب علينا ويحبط العملية، خاصة وأن بن بله كان يتمتع بشعبية كبيرة، ولم نتفق في تحليلنا على تبني هذه الخطة في وهران، ولكن لم يكن أمامنا الكثير من الوقت لذلك اتفقنا على اعتقاله مباشرة من مقر إقامته في فيلا جولي.
*
*
خلافي مع بومدين حول كيفية العودة إلى الشرعية
*
النقطة الحساسة الأخرى التي حرصت على إثارتها في حينها، "كيف ومتى نعود إلى الشرعية بعد نجاح التصحيح الثوري الذي يعد في أصله خروجا عن الشرعية من الناحية الدستورية" لذلك قلت لبومدين ومن معنا في الاجتماع:
*
ـ نغير الوضع ولكننا غدا ـ لا قدر الله ـ قد لا نتفق، فهل سنبقى دائما داخل الأزمات؟ يجب تحديد الوقت لإعادة الشرعية للبلاد.
*
فردّ علي قايد أحمد "نعيدها بعد عام أو عامين"، لكن بومدين كان قاطعا في هذه المسألة "لا عام ولا عامين... لا يجب أن نضع أنفسنا في قالب ضيّق، فإذا ساعدتنا الظروف سنعيد الشرعية في أقرب وقت سواء عبر مؤتمر جبهة التحرير أو عبر الانتخابات".
*
لم أكن مطمئنا لإجابة بومدين الذي رفض وضع أيّ رزنامة لإعادة الشرعية للبلاد، بل ترك الأمور يلفها الغموض بشأن هذه النقطة الحساسة، لأن مشكل الشرعية منذ الاستقلال بل حتى خلال الثورة كان أحد الأسباب الرئيسية للخلافات بين زعماء وقادة الجزائر، مما قد يعيدنا إلى نفس الصراعات والأزمات وهذا ما جعلني أقرر نزع يدي من مشروع هذا الانقلاب الذي تسوده الضبابية فقلت لهم بخيبة أمل:
*
ـ إذا كنا سندخل في أزمات وخلافات فيبدو لي أن الأفضل لي أن أعود إلى بيتي، وأنتم الله يهنيكم.
*
وهنا تدخل قايد أحمد وحاول إقناعي بالعدول على قراري وترك المسائل الخلافية تحل حسب الظروف وقال لي مترجيا "لماذا تنسحب الآن وقد بدأنا مع بعضنا البعض"، كما تدخل بومدين لتطميني وتهدئة هواجسي، خاصة وأنني كنت متخوفا من أن يأتي ذلك اليوم الذي قد نجد أنفسنا مكرهين على مواجهة بعضنا البعض، مثلما حدث لبن بله مع أصدقائه خاصة خيضر وبيطاط.
*
كنا نميل إلى إعادة الشرعية للبلاد عن طريق مؤتمر حزب جبهة التحرير الوطني أكثر من ميلنا للانتخابات العامة، لأننا كنا نعتبر أن بن بله نظم المؤتمر الرابع لحزب جبهة التحرير بمفرده ودون استشارة أحد، لذلك كان لابد لنا من إلغائه وإعادة تنظيمه من جديد.
*
النقطة الأخرى التي أثارت الخلاف بيني وبين بومدين اقتراحه بضم أحمد دراية ومحمود قنز وشريف مساعدية لمجلس الثورة لكني رفضت ذلك بشكل مطلق لأنني لم أكن أثق في ولائهم، بل هددت بالانسحاب إن تم ضمهم إلى القيادة، ونزل بومدين عند طلبي ولم يكن يسعى لإغضابي، خاصة وأنه يعلم وزني في الجيش وقدرتي على إفشال مخططه في أي لحظة.
*
*
خطة التصحيح الثوري
*
لم يعد أمامنا الكثير من الوقت، فالمؤتمر الآفرو آسيوي قد اقترب تاريخ انعقاده، وإن لم نسرع فسيطيح بن بله برؤوس ما يسمى بجماعة وجدة من قيادة الجيش والحزب ولا أحد يدري من سيكون الضحية الأخرى بعدهم.
*
كانت خطتنا على بساطتها تحتاج إلى رجال ثقاة وأخذ كل الاحتياطات لتجنب أي مفاجآت غير متوقعة، خاصة وأن بن بله إلى جانب كونه رئيسا للجمهورية ويتمتع بشعبية كان رجلا ذكيا ومقاتلا يجيد استعمال السلاح، وله رجال مسلحون يخضعون لسلطته المباشرة، بل شرع منذ شهور في تشكيل "ميليشيات" وضع على رأسها محمود قنز ونائبه قنان وساعده في تشكيلها الرائد علي منجلي، وكانت هذه الميليشيات تقلق بال بومدين كثيرا بل أكثر من أي شيء آخر لأنه كان يعتبرها تنظيما موازيا للجيش، لذلك سعى إلى تحييدها باستعمال دهائه السياسي واستقطاب محمود قنز إلى صفه وهو أحد الرجال الذين كان يعول عليهم بن بله لمواجهة بومدين.
*
بن بله كان يقيم في فيلا جولي بالطابق الخامس وتحرسه وحدات من الأمن الوطني التي لم نكن نثق في ولائها للجيش، لذلك كانت خطتنا وباقتراح من سعيد عبيد قائد الناحية العسكرية الأولى تعتمد على استبدال حرس بن بله بالطلبة الضباط المتدربين بالأكاديمية العسكرية بشرشال ليتم تأهيلهم ليكونوا قادة فيالق وكان من بينهم المرحوم العقيد علي تونسي المدير السابق للأمن الوطني على حد ما رواه لي شخصيا في مكتبه.
*
لكن كان لابد من الحصول على اللباس الخاص بوحدات الأمن الوطني حتى يرتديها ضباط الأكاديمية، لذلك وقبل يوم واحد على التصحيح الثوري استدعى بومدين أحمد دراية مسؤول وحدات الأمن الوطني وسأله بشكل صارم "أنت مع الجيش أو ضده"، فرد دراية بحزم "أكيد أنا مع الجيش"، فأخبره بومدين بقرار الجيش تنحية بن بله، وطلب منه التعاون معنا في مسألة تبديل الحراسة وتزويدهم باللباس الخاص بالوحدات الأمنية التي يقودها.
*
أخذ أحمد دراية في نفس اليوم (18 جوان 1965) ضباط الأكاديمية العسكرية بشرشال معه وأعطاهم ألبسة خاصة بوحدات الأمن الوطني، استعدادا لتغيير الحراسة على التاسعة ليلا بحرس ليسوا حقيقيين ولكنهم من رجال الجيش وليسوا من الأمن الوطني، فمن طبيعة أفراد الجيش أن يتضامنوا مع مؤسسة الجيش.
*
من جهة أخرى عقد بومدين اجتماعا مع قادة النواحي العسكرية قبل أقل من 24 ساعة من تنفيذ العملية، سعيد عبيد قائد الناحية العسكرية الأولى (البليدة)، الشاذلي بن جديد قائد الناحية العسكرية الثانية (وهران)، صالح السوفي قائد الناحية العسكرية الثالثة (بشار)، أما أحمد عبد الغني قائد الناحية العسكرية الخامسة (قسنطينة) فكنا نخشى من ولائه لبن بله فأرسلناه في مهمة إلى الصين وكوريا الشمالية لمدة شهر ولم يعد إلا بعدما كنا قد أنهينا كل شيء في غيابه.
*
وفي هذا الاجتماع وضع بومدين قادة النواحي العسكرية أمام حقيقة الوضع، فلم يلق منهم سوى الاستجابة، ولم يبق في الجيش أي ضابط سامي يقف ضد التصحيح الثوري وحتى وإن كان هناك ضباط وجنود يتعاطفون مع بن بله إلا أنهم كانوا أفرادا ولم يكن بإمكانهم القيام بأي شيء بعد أن اتفق كبار ضباط الجيش على تنحية بن بله من الحكم.
*
شهر من التحضيرات للتصحيح الثوري قد شارفت على الانتهاء، كنا ستة رجال فقط بومدين وأنا وبوتفليقة وشريف بلقاسم وقايد أحمد ومدغري، ولكننا وسعنا المجموعة إلى سعيد عبيد والعقيد عباس ومحمد صالح يحياوي والبقية تركناهم في المراحل التالية، ولم يعد يفصلنا عن الموعد الحاسم سوى 24 ساعة.
*
كان يوم 18 جوان 1965 طويلا وليله يكاد لا يعرف له نهاية، القلق كان يراودنا جميعا رغم محاولتنا إخفاءه، بعد هذه الليلة سيعاد كتابة التاريخ لنا أو علينا، لأن المنتصر هو عادة من يكتب هذا التاريخ، إذا نجحنا فقد ننهي زمن الحكم الفردي ونحيي القيادة الجماعية المبنية على التشاور وتقبل اختلاف الرأي، إن فشلنا ـ لا قدر الله ـ سيزداد تجبر "الزعيم" وستملأ السجون وتنصب المحاكم العرفية للإطاحة بالرؤوس المعارضة للحكم الفردي، ولن يقدر أحد بعد ذلك على تنحية الزعيم من السلطة إلا الموت، سيصبح حينها بن بله رئيسا للجزائر مدى الحياة.
*
*
ليلة القبض على بن بله
*
في ليلة 18 إلى 19 جوان كان بن بله قد ارتدى ملابس نومه وتمدد في سريره، لا أدري ماذا كان يشعر لحظتها لكن الأكيد أنه لم يكن يعلم أن أمرا جللا سيحدث بعد ساعات سيغير مسار حياته ويقلبها رأسا على عقب، كانت لحظات حاسمة في تاريخ الجزائر عندما تقدم ضباط الأكاديمية العسكرية بشرشال بلباس وحدات الأمن لاستلام مهام الحراسة على الساعة التاسعة ليلا بشكل طبيعي دون أن يثير ذلك شكوك الحرس الخاص لبن بله الذين عادوا إلى وحداتهم وبيوتهم ليخلدوا إلى الراحة.
*
الطلبة الضباط لأكاديمية شرشال ورغم المهمة التي أنيطت بهم إلا أنهم لم يكونوا إلى تلك اللحظة يعلمون بأنهم مكلفون بإنهاء حكم "الزعيم"، ولا شك أن فضولهم كان يدعوهم إلى التساؤل عن سر ارتدائهم للباس الأمن بدل لباسهم العسكري وفي مقر الرئاسة بالذات وفي جنح الليل.
*
وعلى الواحدة فجرا من صبيحة 19 جوان 1965 وصلت إلى فيلا جولي مرفوقا بالرائد محمد صالح يحياوي والرائد سعيد عبيد والرائد عبد الرحمان بن سالم ومعنا نحو عشرة جنود مدججين بالسلاح، وصعدنا الدرج بثبات إلى الطابق الخامس أين كان الرئيس أحمد بن بله نائما في غرفته.
*
كنت حينها أركز في المهمة التي أوكلت لي، ولم أكن أشعر بأي قلق حيال خطورتها لثقتي أن الجيش بجميع ضباطه الكبار بمن فيهم الضباط الفارين من الجيش الفرنسي كانوا يقفون إلى جانبنا رغم أني لم أكن أتصور من قبل أن يأتي اليوم وألقي فيه القبض على الرئيس أحمد بن بله بكل ما يمثله من رمزية سياسية وتاريخية وما يتمتع به من شعبية في الداخل والخارج.
*
كان الصعود إلى الطابق الخامس عبر الدرج وفي تلك اللحظات التاريخية والحاسمة طويلا ولكنه كان أكثر أمانا من المصعد، الذي لا يمكنه أن يحمل 14 رجلا معا مما يعني أن فينا من سيتخلف عن الجماعة، وفي لحظة ضعف أو تردد أي واحد فينا قد يفسد كل شيء، لذلك اخترت أن نصعد في كوكبة واحدة إلى الأعلى حتى نتفادى أسوأ الاحتمالات.
*
لحظتها تساءلت كيف ستكون ردة فعل الرئيس بن بلة عندما نطرق عليه الباب، هل سيفتحه أم أنه سيحتمي خلفه؟ كيف سنتصرف في حالة استطاع الفرار واللجوء إلى إحدى السفارات القريبة؟ لم يكن أمامنا حينها أي مجال للتردد، كنت مصرا على إنهاء حكم بن بله واعتقاله ولو اضطرني الأمر إلى كسر باب غرفة نومه، بل وحصار الحي الدبلوماسي واقتحام السفارات التي يمكن أن يكون قد لجأ إليها ولو أدى ذلك إلى كسر كل الأعراف الدبلوماسية وتحمل عواقب ذلك، فمهمتنا لم تكن تحتمل سوى النجاح ولا شيء غير النجاح، وإلا ستصبح رؤوسنا ثمنا لأي تردد.
*
وصلنا الطابق الخامس ودقت ساعة الحسم، فتقدمت من غرفة نوم الرئيس وطرقت بابه بثقة، ودون أن يفتحه صاح بن بله:
*
ـ اشكون (من)؟
*
فقلت له بحزم:
*
ـ سي أحمد.. أنت لم تبق رئيسا للجمهورية، وقد تشكل مجلس الثورة، وأنت تمشي معنا الآن في أمان الله.
*
تقدم بن بله من الباب وفتحه قليلا بحيث يراني ويرى من معي، وكان يرتدي لباس النوم ثم خاطبني قائلا:
*
ـ لو جئت وحدك مع السعيد عبيد لأتيت معكما أينما أردتما، فلماذا كل هذه الخوذات والأقنعة؟
*
ـ هذا من أجل الأمن، وأنت في أمان الله.
*
ـ سأرتدي ملابسي وآتيكم.
*
بعد لحظات خرج بن بله مرتديا سترة ذات لون بني فاتح وسروالا من القطيفة، ودون أن نلمسه أو نقيد يديه أو أن يبدي أدنى مقاومة نزل معنا في المصعد إلى الطابق الأرضي رفقة عدد من الضباط، وكلفت السعيد عبيد وأحمد دراية بأن يأتيا بسيارة عسكرية من نوع "لاندروفر" لنقل بن بله إلى المكان المحدد في الخطة، فنزلا رفقة بقية الجنود عبر الدرج.
*
ولكن الغريب أننا ونحن محيطين ببن بله بأسلحتنا وخوذاتنا لم ألمح في عينيه لا القلق ولا الفزع بل كان متينا وهادئا وهو يعيش آخر لحظات حكمه كأول رئيس للجمهورية الجزائرية المستقلة.
*
تأخر السعيد عبيد ودراية فأمرت بإحضار كرسي لمن كان قبل لحظات رئيسا للجمهورية، فجلس بن بله على الكرسي وحينها لفت وجوده انتباه طلبة الأكاديمية العسكرية بشرشال الذين أخذوا يقتربون منه بدافع الفضول للتأكد من إن كان هذا الجالس على الكرسي هو نفسه أحمد بن بله الذي شغل اسمه سماء الجزائر من أقصاها إلى أدناها.
*
خشيت أن يتمكن بن بله من انتزاع السلاح من أحد الضباط في غفلة منهم وهم يقتربون منه غير مستوعبين ما يحدث فصحت عليهم "إذهبوا بعيدا.. إذهبوا بعيدا.. لو يمسك رشاشا سيقتلنا جميعا".
*
كنت أدرك جيدا القدرات القتالية التي يتمتع بها بن بله خاصة وأنه كان أحد المقاتلين المميزين في الحرب العالمية الثانية كيف لا وهو أحد أبطال معركة كاسينو بإيطاليا مما دفع الرئيس الفرنسي ديغول إلى تكريمه على بطولاته خلال الحرب ضد النازية، كما كان رياضيا مشهورا في فريق مرسيليا لكرة القدم، وبنيته العضلية سمحت له بالهروب من سجن البليدة خلال الاحتلال الفرنسي، كما نجا من محاولتي اغتيال نفذتهما ضده عصابة "اليد الحمراء" الفرنسية الإرهابية في مصر وليبيا، لذلك كنت حذرا أشد الحذر من هذا الرجل الذي لم أكن أحمل تجاهه أدنى ضغينة شخصية ولكنه ذهب بعيدا في سعيه للانفراد بالسلطة، واعتبار نفسه المؤسس الثاني للدولة الجزائرية بعد الأمير عبد القادر.
*
وصلت سيارة الجيب العسكرية فأركبنا بن بله بداخلها بعد أن قيدنا يديه بالأغلال نظرا لخطورته رغم كل الاحترام الذي أكنه لهذه الشخصية التاريخية التي ساهمت في هندسة الثورة الجزائرية إلا أن احتياطات الأمن كانت تفرض علينا عدم التهاون معه.
*
ركبت مع بن بله والحرس معنا لكي أضمن نجاح المهمة بنفسي وخاصة لأتأكد أن حياة بن بله لن تتعرض لأي مكروه رغم أن فكرة قتله ـ وللتاريخ ـ لم تبدر عن أي واحد من مخططي الإطاحة به، وشخصيا كنت دائما مقتنعا بأن التصفية الجسدية ليست أبدا الأسلوب الأنسب الذي يجب أن تحل به الخلافات السياسية.
*
وتوجهنا إلى أحد القصور بحيدرة وهناك وضعناه تحت الإقامة الجبرية وتولى السعيد عبيد قائد الناحية العسكرية الأولى وأحمد دراية مسؤول وحدات الأمن الوطني مهمة حراسته مع عدد هام من الجنود.
*
توجهت مباشرة إلى وزارة الدفاع أين كان بومدين يعيش تحت ضغط قاتل وهو يروح ويجيء لا يدري ماذا سيكون مصيره بعد هذه العملية الخطيرة، ولكني ما إن قابلته حتى طمأنته بقولي "العملية تمت بنجاح"، فتنفس الصعداء لكن القلق لم يبارحه فلم يكن يعلم كيف سيكون رد الشعب وأصدقاء بن بله في الداخل والخارج عندما يعلمون بإطاحتنا بنظام حكمه.