يشتكي مسؤولو الحجّ في الجزائر من عادات بعض الحجاج السيّئة الّتي تصاحبهم في رحلتهم الإيمانية، والّتي تضرّ أو تُخلّ بالالتزامات الدينية والأخلاقية للحاج من حيث قبول فريضة الحجّ من عدمه، مصداقاً لقول الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} البقرة .197 وقول سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ'' أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الحجّ فريضة وركن من أركان الإسلام، ومؤتمر جامع للمسلمين من كافة أرجاء الأرض. ولهذه الفريضة منافع أخروية ودنيوية، ففيه مغفرة الذّنب، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ''العمرة إلى العمرة كفّارة لما بينهما، والحجّ المبرور ليس له جزاء إلاّ الجنّة''. وحديث عطاء بن يسار رضي الله عنه: ''مَن حجّ البيت فقضى نُسُكَهُ وَسَلِمَ المسلمون مِن لِسانه ويده، غُفِر له ما تقدّم من ذنبه''. وقوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} الحجّ .28 ومع كلّ هذه الفوائد العظمى، يظهر الأثر السيِّء للجهل الشّديد لبعض حجاجنا الميامين في التّزاحُم الّذي يؤذي الكثيرين، بل وقد يودي بحياة بعض الضعاف وكبار السن، خاصة عند رمي الجمار، أو التّزاحُم لتقبيل الحجر الأسود، وكذلك الانفعال الشّديد والمخاصمة بسبب أفرشة النوم أو الأكل أو حتّى التدافع للأكل وغيرها، الأمر الّذي ربّما قد يفسد حجّه، متناسين حديث سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ''، ومعنى الرَّفَثُ اسم للفحش من القول.
والأدهى من ذلك خلو حِلَق العِلم حول أحكام الحجّ في العديد من مساجد القطر هذه الأيّام، حيث تجِد الحاجّ لا يقوم بأوجب الواجبات عليه قبل الخروج إلى الحجّ، وهو أن يتعلّم مناسك الحجّ من واجبات ومندوبات ومحظورات وآداب وسائر أعمال الحجّ، وهذا الخطأ هو بالنسبة للأخطاء أُمٌّ لبقية الأخطاء. ويزيد من ذلك الخطأ أنّ النّاس لم يفهموا المعنى الحقيقي للحجّ، تقرُّباً إلى الله تعالى واقتداء بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
فالسّفر والتِّرحال واللِّباس إحراماً وتحلّلاً، والسَّيْر طوافاً وسعياً، والمُكْثُ بمِنًى وعرفة ومُزدلفة والمبيت وقضاء اللّيل والنّهار، ورمي الجمار، كلّها أعمال القصد منها التّقرُّب إلى الله تعالى والاقتداء بسُنّة سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حيث صارت عبادة مشروعة، بل مفروضة واجبة لازمة على كلّ قادر مستطيع، مع أمن الطريق وبلوغ سنّ التكليف.
فليحذَر حجّاجنا الميامين من هذه العادات السيّئة المُضرّة، وأن يحذروا من مثل هذه المعاصي، وأن يتّقوا الله وأن لا يؤذي بعضهم بعضاً، لأنّ السيِّئة في الحرم عظيمة، كما أنّ الحسنات مضاعفة، وليست السيّئة في الحرم مثل السيِّئة خارجه، بل هي أعظم وأكبر، ولذلك قال الله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}، أي يَهُمّ فيه ويقصِد.
ولمّا فتح الله لنبيّه المصطفى صلّى الله عليه وسلّم مكة، خطب في النّاس وقال: ''إنّ هذا البلد حَرّمَه الله يوم خَلَق السّماوات والأرض ولم يحرمه النّاس وأنّ الله جلّ وعلا لم يحله لي إلاّ ساعة من نهار وقد عادت حُرمته اليوم كحرمته بالأمس فَلْيُبَلِّغ الشّاهد الغائب''. وقال: ''إنّه لا يحل لأحد أن يسْفِك فيه دماً أو يعضد فيه شجرة ولا ينفر صيده ولا يختلى خلاه ولا تلتقط لقطته إلاّ لمنشد أي معرف''. فإذا كان الصيد والشّجر محترمين فيه، فكيف بحال المسلم، فمِنْ باب أولى أن يكون تحريم ذلك أشدّ وأعظم وأكبر.
وليس لأحد أن يُحدِث في الحرم شيئاً ممّا يؤذي النّاس، لا بقول ولا بفعل، بل يجب أن يحترم أخاه الحاج، ويعينه على فعل الخير وعلى ترك الشرّ، ولا يؤذي أحداً لا بكلام ولا بفعل فيه، وأن يكون مُنقاداً لشرع الله فيه، وأن يُعظِّم حُرمات الله أشدّ مِن أن يعظمها في غيره.