مَنْ الذى سلمَ من ألسنة الناس؟
بقلم الأستاذه :- أمل صبري
________________________________________
قالوا قديماً :- ( رضا الناس غاية لا تدرك ) .. و رغم ذلك يسعى البعض لكسب رضا الناس ، ويضعون هذا الرضا نصب أعينهم .. بل و أحياناً يعتبرونه مقياس للنجاح في بناء العلاقات وهذا أمر عجيب فلن تجد من يتفق عليه الناس جميعا ، فالناس أمزجة متغيرة بطبيعتها البشرية وربما يتغير رأى الإنسان الواحد من مرحلة إلى مرحلة في حياته بل و أحياناً وفقاً لهدفه الذي يريده من الآخرين ، فيمدح من يبغضه لان له مصلحة معه والعكس صحيح .. وربما لو انتقل من بيئة إلى أخرى يتغير تقيمه للناس وللأشياء .. فكيف يبنى إنسان خط سيره على من يتغير في أفكاره وتقديراته لمن حوله وفقاً لمقاييسه الخاصة و المتغيرة .. فكل صاحب منهج يرى أن خير المناهج منهجه ويريد أن يتبنى الآخرين منهجه .. لن يتفق الناس على منهج بشري لأنه لابد أن يعتريه القصور والنقص .. لو كان لابد أن يسلم أحد من ألسنة الناس لكان الأحق بهذا خير البشر رسول الله صلى الله عليه و سلم حيث انه اجتمعت له كل الكمالات :-كمال الخلق , الخلقة ,المنهج ,الاستقامة على المنهج القويم المنزه عن النقص انه منهج رب العالمين و مع ذلك لم يرضى عنه كل الناس
قال تعالى :- ( و قالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام و يمشي في الأسواق لولا انزل إليه ملك فيكون معه نذيراً * أو يلقى عليه كنز او تكون له جنة يأكل منها و قال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحوراً ) سورة الفرقان : 7-8 .. ويقول صاحب الظلال رحمه الله :- ( لقد اعترض القوم على بشرية الرسول فقالوا :- " و قالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام و يمشي في الأسواق لولا انزل إليه ملك فيكون معه نذيراً " .. و اعترضوا على حظه من المال فقالوا :- " أو يلقى عليه كنز او تكون له جنة يأكل منها و... " .. واعترضوا على طريقة تنزيل القرآن فقالوا :- " لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة " .. ووقف الرسول صلى الله عليه و سلم يواجه هذا كله ، وهو وحيد فريد مجرد من الجاه والمال ، ملتزم حده مع ربه لا يقترح عليه شيئاً ، ولا يزيد على أن يتوجه إليه مبتغيا رضاه ، ولا يحفل بشيء سواه :- " رب إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي .. لك العتبى حتى ترضى " .. من مناجاته لربه عقيب ما لقي في الطائف من أذى .. انتهى كلام صاحب الظلال
________________________________________
حتى بيت النبوة لم يسلم من ألسنة الناس في حديث الإفك :- قال تعالى :- ( إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) سورة النور
قالت عائشة :- " وكان رسول الله يسأل زينب بنت جحش عن أمري .. فقال :- يا زينب ماذا علمت أو رأيت .. فقالت :- يا رسول الله أحمي سمعي وبصري ما علمت إلا خيراً .. قالت :- وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله .. فعصمها الله بالورع وطفقت أختها حمنة تحارب لها فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك "
يقول الإمام الشافعي :-
و ما أحد من ألسن الناس سالما * * * و لو أنه ذاك النبي المطهر
فإن كان سكيتا يقولون أبكم(1) * * * و إن كان منطيقا(2) يقولون أهدر(3)
و إن كان صواما(4) و بالليل قائما * * * يقولون زراق(5) يرائي(6) و يمكر(7)
________________________________________
و لنا في رسول الله أسوة حسنة :- فكان لا يعبأ بالناس فهو يسير وفق منهج رباني لا يعرف غيره ما اتفق معه في أصوله و قواعده سار فيه وإن اختلف معه الناس جميعاً .. فهو لا يعرف إلا منهجاً واحداً طاعة الله والسعي في تطبيق منهج الله في الأرض .. ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم توقف في حياته عن العمل للرد على كل سفيه ما استطاع أن يربي هذا الجيل العظيم والفريد من الصحابة الاكارم الذين انشغلوا عن الكلام و القيل و القال بالعمل لله .. فكان هذا الانتشار الهائل للإسلام الذي من بين أسباب انتشاره الهامة القدوة في العدل وحسن الخلق في كل الحالات سواء في الاتفاق والاختلاف أو السلم والحرب .. فلم يكن من بين إختياراتهم الانقطاع عن العمل لله حتى ولو للحظة لكي يلتفت فيها أحدهم إلى السفيه ويرد عليه .. فالأولى عندهم بهذه اللحظة تعليم العلم النافع والأمر بالمعروف و ......
قال تعالى :- ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) سورة الفرقان : 63
يقول الإمام الشافعي :
أعرض عن الجاهل السفيه فكل ما قال فهو فيه
فما ضر بحر الفرات يوما إن خاض بعض الكلاب فيه
________________________________________
فالمرء العاقل, العامل وفقا لمنهج يرضي الله أشغله عمله عن الرد على المسئ .. كالنهر الجاري يسير نحو هدفه ويسقي الناس و الزرع ..وكالنحلة لا تستطيع أن تحترف عملاً آخراً غير إسعاد الناس
وحمل الخير للجميع .. وإذا أخرجت تخرج ما فيه الشفاء للناس " العسل " ، ومهما أخذ الناس منها العسل لم نرى يوماً نحلة تذمرت وتوقفت عن العمل .. وعلى الجانب الآخر المسئ لا يستطيع أن يظهر إلا ما يحمل في داخله من " الإساءة " للآخرين مثل الحية تحمل في أحشائها السم فعندما تفتح فمها ما عساها أن تخرج منه ؟! لا يخرج منه إلا السم فهذا كل ما تملك فهل رأى أحدنا حية تخرج من فمها عسل ! .. أو نحلة تخرج من بطنها سم ! .. فكما قالوا كل إناء ينضح بما فيه .. فلا تكلف نفسك عناء الرد على المسئ و تذكر أن أفضل الرد يكون في المزيد من العمل و الاجتهاد و حفظ اللسان
يقول الشافعي :-
قل بما شئت في مسبة عرضي فسكوتي عن اللئيم جواب
ما أنا عادم الجواب و لكن ما من الُأسد أن تجيب الكلاب
________________________________________
الهوامش :-
(1) أبكم :- عجز عن الكلام خلقة ..
(2) المنطيق :-كثير الكلام ..
(3) أهدر :- ردد صوته في حنجرته ..
(4) الصوام :- كثير الصوم ..
(5) الزراق :- الأعمى ..
(6) يرائي :- يداهن و ينافق ..
(7) يمكر :- يحتال و يخادع ..