الشيخ ماهر عقل .. فارس ترجل ..
الدكتور :- فريد إسماعيل .
هو من مواليد 1/2/1938م، ولد بقرية أبو حريز- كفر صقر- الشرقية، حاز الإجازة العالية من كلية اللغة العربية من جامعة الأزهر 1965م، وعمل واعظًا بوزارة الداخلية ومصلحة السجون- سجن الزقازيق، ثم واعظًا بالقوات المسلحة من 1968م حتى أواخر 1973م.
كما عمل مدرسًا وموجهًا بالتربية والتعليم، وأُعير للعمل كواعظ بدولة الإمارات العربية المتحدة لمدة 15 سنة، وداعية إسلامي بالولايات المتحدة الأمريكية بعدة ولايات (أوكلاهوما- لوس أنجلوس- نيوجيرسي- نيويورك)، وداعية إسلامي بدولة بولندا، وصار نائبًا لجماعة الإخوان المسلمين عن دائرة كفر صقر مع انتخابات 2005م.
إنه الشيخ ماهر عقل، أحد أبرز نواب كتلة الإخوان ببرلمان 2005م الذي توفي يوم 4/4/2008م؛ إثر تعرُّضه لحادث سيرٍ وقع مساء الخميس 3/4/2008م, وكان الفارس المترجل "الشيخ ماهر عقل" ممن جاهدوا تحت قبة البرلمان، كما جاهد في ميدان الدعوة الإسلامية في كثيرٍ من البلدان، مثل: الإمارات، والولايات المتحدة الأمريكية، وبولندا.
الشيخ ماهر عقل .. صولات وجهود :- كان للشيخ ماهر عقل صولاتٌ وجولات، وكانت مضابط البرلمان خير شاهدٍ عليها، فدافع عن ما يتعرض له الإسلام من حربٍ صليبيةٍ وإساءة دنماركية وهولندية للدين الإسلامي، كما دافع عن مناهج التعليم، وتصدَّى لتدريس العبرية في مناهجنا، وكان من أشد المعارضين لانتهاكات حقوق الإنسان، وتزوير انتخابات الجامعات والمحليات والشورى، وانتقد بشدة إحالة مرشحي المحليات إلى أعمال إدارية، وتصدَّى للتطاول على أئمة المساجد، ومحاولة عرقله دورهم الدعوي.
فضلاً عن ذلك، فقد كان -رحمه الله- من المدافعين عن حقوق المصريين في الخارج؛ فدافع عن حق المصريين في ليبيا، ودافع عن حقوق الأئمة العاملين في الخارج، والتظاهر في دور العبادة؛ إذ كشف الفقيدُ أن القانون صِيغ خصِّيصَى للقضاء على أحد أهم أهداف المسجد؛ وهو الدفاع عن حقوق المصريين.
وبحسب المقربين منه: "لم يترك الشيخ الراحل مناسبةً إلا واستغلها في الدعوة إلى الله، وكان له حضور دائم، ومشاركة فعالة في الدعوة الجماهيرية والفردية في المحافل العديدة، والمجالس الخاصة والعامة، تناول فيها كلَّ الموضوعات الدعوية والجوانب الإصلاحية، من خلال الدروس والخطب والندوات والمؤتمرات، فكانت له دروس علمية منهجية في التفسير والعقيدة والسيرة والأخلاق... وغيرها، إضافةً إلى الخطب والمحاضرات المتفرقة بحسب ما يقتضيه المقام، وتدعو الحاجة إليه".
ولم تقتصر جهود الشيخ في مجال الدعوة والإصلاح على مصر فقط؛ بل امتدت إلى خارجها، في إطار زيارات مطولة ومختصرة لدول مثل أمريكا وبولندا وغيرها.
ولقد تجسَّدت في الشيخ -رحمه الله- مقومات الداعية الناجح، سواء ما كان منها متعلقًا بالجانبين العلمي أو الخُلقي، أو المؤهِّلات والإمكانيات المعينة على تبليغ الدعوة والقيام بالإصلاح على خير وجه، إضافة إلى العُدَّة الإيمانية والروحية القوية التي منَّ الله تعالى بها عليه.
أما الجانب العلمي؛ فقد كان الشيخ -رحمه الله- يتمتع بالعلم الوفير، ولم يكن محصورًا في فرع معين أو تخصص محدود، بل كان موسوعي المعرفة، وكان ذا نهمٍ دائم في الاستزادة من العلم، خاصة العلم الشرعي، كالتفسير والسُّنَّة والسيرة والتاريخ والفقه والعقيدة والمذاهب وغيرها، وكان ذا نفَس طويل في القراءة، وأذكر أنه قال لي ذات مرة -في حوالي سنة 1990م-: "ألا يمكن أن تقرأ هذا الكتاب في ليلة أو ليلتين؟"، وكان يشير ليلتها إلى كتاب (السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي) للدكتور مصطفى السباعي رحمه الله. ولقد صفا للشيخ -رحمه الله- علم كثير، وتجمع لديه مخزون وفير؛ الأمر الذي ساعده في دعوته وعمله.
وجدير بالذكر أنه اضطلع بمهمة الإفتاء لمدة تربو على عشر سنين، حينما كان يعمل "واعظًا أول" بوزارة الشئون الإسلامية والأوقاف بدولة الإمارات العربية المتحدة، وقد شهد له بهذا الرسوخ العلمي كلُّ من خالطه وجالسه من أهل العلم.
أخلاق الشيخ ماهر عقل :- وأما أخلاق الشيخ الحسنة؛ فكانت بادية في كل تصرفاته، ومع جميع الناس؛ البعيد منهم والقريب، فكان عفَّ اللسان، بشوش الوجه، لين الكلام، وصولاً لرحمه خاصة مَن يقطعه منهم، عطوفًا على الفقراء والمحتاجين، بيْتُه قبلة لكلِّ صاحب حاجة، خاصةً بعد أن انتُخب وصار عضوًا بمجلس الشعب عن دائرة كفر صقر وأولاد صقر بمحافظة الشرقية (في دورة عام 2005م)، وكان يُلقِي السلام على مَن عرف ومَن لم يعرف، كما كان جريئًا في الحق لا يخشى في الله تعالى لومة لائم.
وكان -رحمه الله- ذا حظٍ عظيمٍ من الصبر في جميع أحواله؛ صبر على النعمة فلم يغتر بما وسَّع الله عليه في الرزق، ولم يطْغَ أو يتبطر، بل كان مثالاً للشاكر المتواضع، وصبر على الابتلاء؛ حيث ابتُلِي بالاعتقال والسجن ظلمًا، لا لشيء إلا أنه يدعو إلى الله، وينادي بإصلاح الدنيا بالدين، ويقول ربي الله، وهذه ضريبة يدفعها الدعاة إلى الله والمصلحون في كل زمان ومكان.
وكان من أبرز أخلاقه -رحمه الله- الكرم والسخاء، كما كان عفيفًا عزيز النفس أبيًّا، لا يذل نفسه لغير خالقه، ولا يخشى إلا مولاه، فهو متواضع في غير ذلة، عزيزٌ في غير تكبُّر، وكان يتواصل مع الناس يشاركهم في أفراحهم وأحزانهم بدرجة كبيرة جدًّا، وكان حسن المظهر، طيب الرائحة على الدوام.
وبالجملة فقد كان الشيخ -رحمه الله- مثالاً للعالم الداعية الذي يعمل بعلمه ويطبق ما يدعو إليه، لا سيما في مجال الأخلاق؛ ولذلك كان لدعوته القبول، ولكلامه التقدير، ولشخصه الاحترام والتبجيل حتى ممن يختلفون معه.
الشيخ ماهر عقل .. فارس الدعوة :- كان الشيخ ماهر عقل عملاقًا في تبليغ الدعوة؛ فقد حباه الله تعالى أسلوبًا جذابًا، وفصاحة عالية، وبلاغةً راقيةً، وأداءً مؤثرُا، وقدرةً على الإقناع والاستمالة، وفقهًا دعويًّا متينًا، وإحاطةً واسعةً وبصيرةً نافذةً بمنهج الدعوة، مع حكمة عظيمة تعصم -بتوفيق الله- من الانحراف عن النهج القويم والصراط السوي في الدعوة والإصلاح، وكان خبيرًا بالنفوس وطبائعها ومداخلها، وأحوال المدعوين وواقعهم..
فكان الشيخ يخاطب المتعلمين بما يقنعهم ويستميلهم، ويخاطب العوام بما يُفهمهم ويؤثِّر فيهم ويجذبهم، ويخاطب غير المسلمين بالخطاب الذي يناسبهم، هذا فضلاً عن مراعاة مقتضى الحال، وكلها أمور لا يراعيها إلا الموفقون ممن رزقهم الله علمًا وفهمًا، ونحسب أن الشيخ منهم؛ فقد أثمرت جهوده بفضل الله أطيب الثمار.
ولقد كان الشيخ -رحمه الله- موصولاً بربه في ليله ونهاره، فكان يكثر من ذكر الله لا يفتر، وكان صوّامًا قوَّامًا، حتى إن الله أكرمه فقبضه إليه وهو صائم، كما كان زاهدًا، لا يعير الدنيا ومظاهرها أدنى اهتمام، وقد تجلَّى هذا في تزويجه لبناته؛ حيث كان جُلُّ اهتمامه محصورًا في أن يختار لكل واحدة منهنَّ مَن يتوسم فيه الصلاح.
رحم الله شيخنا الوقور، وألحقنا به في مقعد صدق عند مليك مقتدر.