ذاع اسم ابن بطوطة و انتشر و عرفت رحلته على المستويات العلمية و الشعبية ، بل إن ” أبا عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي ” الشهير بابن بطوطة لقب بأعظم الرحالة المسلمين على الإطلاق.
و اسم ابن بطوطة ليس جزءا من اسمه و إنما هو شهرته ، و مازال هذا الاسم معروفا إلى اليوم في المغرب ، و في مدينة الإسكندرية التي زارها ابن بطوطة في أول رحلة له طريق سمي باسمه.
ولد سنة 1304 م بالمغرب في طنجة و هى بلدة رائعة جميلة تطل على الساحل لأسرة عنيت بالعلوم الشرعية و عرف عنها عملها في القضاء ، و عرفت بالسعة في العيش.اهتم أبوه بتربيته ، فحفظ القرآن الكريم ودرس علوم اللغة وعلم الفرائض، وصار مرشحا لأن يكون قاضيا ولصغر سنه آنذاك آثر ابن بطوطة أن يبدأ حياته بالذهاب إلى مكة المكرمة للحج ولم يكن له من العمر سوى عشرون عاما. فغادر طنجة عام 1324 م وكانت تلك رحلته الأولى عاد بعدها إلى مدينة فاس عام 1349 م، وكان قد بلغ من العمر سبعا وأربعين سنة.
شده الحنين للأسفار ورؤية أقطار العالم الإسلامي فقام برحلته الثانية من مدينة فاس إلى بلاد الأندلس وعاد منها إلى المغرب عام 1352 م ، ولم يلبث أن غادر المغرب إلى بلاد السودان الغربي في رحلة ثالثة وبعد زيارته للساحل الإفريقي الغربي ووسط قارة أفريقيا عاد إلى المغرب عام 1354 م. ولم يغادر ابن بطوطة المغرب مرة أخرى.
وفي المغرب راح ابن بطوطة يروي للناس في مسجد فاس أطرافا من أخبار رحلاته الثلاث حتى فتن الناس به وعندئذ دعاه السلطان أبو عنان المريني إليه وقربه منه وطلب منه أن يملي قصة رحلاته بتمامها على وزيره الشاعر محمد بن جُزَيّ الكلبي فأملاها عليه وصاغها ابن جُزَيّ بأسلوبه في كتاب بعنوان: تحفة النظار في عجائب الأمصار وهو الكتاب الذي اشتهر بعنوان: رحلة ابن بطوطة .
زار ابن بطوطة قاضى الإسكندرية عند وصولها ، و نزل ضيفاً على أحد علمائها المسمى “برهان الدين” على أنه زار في طريقه إلى القاهرة أحد الأولياء الصالحين ، و كان مقيماً بقرية قبالة قرية “فوة” على النيل ، فرأى في منامه – و هو عنده – أنه زار مكة و اليمن و الهند على جناحي طائر أخضر ، و عندما قص رؤياه على الشيخ ، فسرها له بأنه سيزور مكة و اليمن و العراق و بلاد الترك و الهند.
بعدما سمع ابن بطوطة ما سمع من عالم الإسكندرية ، و من شيخ “فوة” أغرم بالتجوال و الترحال ، و قد سهل عليه مركزه الديني كثيراً من عثرات السفر و التنقل و الرحلة لأنه كان موضع التقدير و الاحترام في كل الأمكنة التي زارها ، و التي حل بها.
اهتم ابن بطوطة في كل منزل نزل به بضرورة لقاء العلماء و رجال الدين ، و نقل ذلك في كتابه ، حتى جاء نسخة من الصور التي ارتسمت في ذهن الرحالة عن الناس الذين ألقت بهم الصدف في طريقه ، بالإضافة إلى العادات و التقاليد و الثقافات و الأماكن الدينية و المزارات و الحكام و رجال القضاء و النساء.
دخل الهند عام 1333م. و زار السودان ، و توغل في مجاهل أفريقية الوسطى. و زار الصين و جزر مالاديف. و لم يترك ابن بطوطة بلداً نزل به إلا و تحدث عن أهله و سلطانه و علمائه و قضاته ، و بذلك كانت رحلته معرضاً كبيراً لحياة الأمم و الأقاليم من الناحيتين السياسية و الاجتماعية.
قام ابن بطوطة بثلاث رحلات و قد استغرق في مجموعها نحو تسع و عشرين سنة و كان اطولها الرحلة الاولى التي لم يترك في خلالها ناحية من نواحي المغرب و المشرق الا زارها و كانت اطول اقامة له في بلاد الهند حيث تولى القضاء سنتين ثم في الصين حيث تولى القضاء سنة و نصف السنة و في هذه الفترة و صف كل ما شاهدة و عاينه فيهما و ذكر كل من عرفه من سلاطين و رجال و نساء و وصف ملابسهم و عاداتهم و اخلاقهم و ضيافتهم و ما حدث في اثناء اقامته من حوادث و حروب و غزو و فتك بالسلاطين و الامراء و رجال الدين .
و لما كان ذا نزعة دينية قوية فقد أطال الوقوف عند رجال الدين و أمور الإسلام و زوايا المتصوفة و احتلت رحلته مكانة ملحوظة ، نظراً للصدق الذي كان من أكبر مميزات ابن بطوطة ، فقد أثبتت الدراسات أن الرجل صادق في معظم ما قال ، فهو يذكر البلد و يصفه و يعين حدوده و يشرح ما شاهد فيه و يدون ما عرفه من عادات أهله و نظام حياتهم ، و مأكلهم و شربهم و ملبسهم و يعقب ذلك بشئ من التاريخ و ومات في مراكش سنة 1377 م.