يعد إدمان الأطفال على التلفاز ظاهرة سيكولوجية منتشرة في مجتمعنا وخاصة في المدن ، حيث إن العديد من الاوقات يمضيها أطفالنا في الجلوس أمام الجهاز ومشاهدة البرامج لساعات طويلة والتي يعرضها دون توقف ، وما يزيد الأمور خطورة أن المشاهدة لا تقتصر على برامج الأطفال وأفلام الكرتون
بل تنعكس لافلام العنف والمسلسلات الدرامية والبرامج الترفيهية ، حتى أثناء الطعام والاسترخاء للنوم ولا يجد الأطفال بداً من الانشداد إليه وكأنه القدر الذي سقط عليهم من السماء وخلف سلسلة من الافرازات والمنعكسات السيكولوجية الخطيرة والأمراض النفسية التي لابد من وضع حد لهذا الجهاز التكنولوجي وهناك جملة من الاسئلة تطرح في هذا الخصوص . كيف تؤثر التجربة التلفزيونية في تنمية لغة الطفل ؟ وهل تعني بصورة عميقة إدراك الطفل للواقع نتيجة التعرض المستمر للمواد التلفزيونية غير الواقعية ؟ وهل لمشاهدة الأطفال لافلام العنف دوراً في تكوين حالات عدوانية بدلاً من الانسانية ؟ مخدر خبيث إن المشاهدة التلفزيونية من دون أن تختلف عن المخدرات أو الكحول تتيح للمشارك محو العالم الحقيقي والدخول في حالة عقلية سارة وسلبية فصنوف القلق والهموم الواقعية تؤجل فعلياً عن طريق الاستغراق في برنامج تلفزيوني مثلما يحدث عبر القيام برحلة تحت تأثير المخدرات أو الكحول وكثيراً ما يعترف الآباء بأن إدمان أطفالهم للمشاهدة التلفزيونية يتعين عليهم بأعمال أخرى لكنهم لا يستطيعون لأنهم يضعون أنفسهم أمام مخدر خبيث ، بحيث يزداد اعتماد الآباء خلال حياتهم اليومية على التلفزيون كأداة متاحة بشكل مدهش لتسلية وتهدئة طفلهم ذو السنوات الثلاث ومع استمرار انتفاعهم به يوماً بعد يوم تزداد أهميته في حياة أطفالهم وبعد أن كان التلفزيون مصدراً خالصاً للترفيه يقدمه الآباء حين يحتاجون إلى فترة راحة من رعاية الطفل تحول تدريجياً إلى حضور طاغ مخرب في حياة الأسرة وعلى الرغم من ازدياد استياء الآباء من تدخلات التلفزيون في الحياة الأسرية وعلى الرغم من شعورهم العميق بالذنب بعجزهم عن السيطرة على مشاهدة أطفالهم للتلفزيون فإنهم لا يفعلون شيئاً لتخليص أنفسهم من هيمنته ، ذلك أنه لم يعد في إمكانهم التعامل بنجاح مع المواقف من دونه . التلفاز والعنف ظل موضوع العنف على شاشة التلفزيون وتأثيراته المحتملة في الأطفال مثار خلاف في الرأي لفترة طويلة ، وقد أجريت دراسات في هذا الموضوع للعديد من البلدان حول العلاقة الطورية ما بين مشاهدة الأطفال لبرامج العنف وما يبدوه من سلوك عدواني ، بيد أن هذه الصلة لا تزال تراوغ علماء الاجتماع والباحثين على الرغم من جهودهم الكبيرة لإثبات وجودها . فالعنف البغيض حقاً ، السادي، المذهل في تنوعه الذي يظهر على شاشات التلفاز في البيوت لابد أن تكون له تأثيراته العميقة في سلوك الأطفال إلا من الواضح أنه لن يجعلهم يتصرفون بصورة خطيرة ضد مصلحة المجتمع وعلى أي حال فإن غالبية الأطفال الأمريكيين يتعرضون بانتظام لتلك البرامج العنيفة التي طرحت على بساط البحث كعامل مسبب في زيادة العنف عند الأحداث ، ثم إن الأطفال الذين تتضمنهم احصائيات المباحث ليسوا سوى نسبة بسيطة من جمهور المشاهدين . فقد أجرى أحد مراكز البحوث في الولايات المتحدة الأ مريكية دراسة حول أن العنف الزائد على شاشة التلفزيون يؤدي مباشرة إلى سلوك عدواني وعنيف بين الأطفال والمراهقين ، يتضح أن ذلك السلوك كما شوهد في مختبرات البحث لا يشمل الاغتصاب والقتل فحسب بل ينطوي أيضاً على عمليات اعتداء طفولية مألوفة مثل الضرب والدفع والدسر وغيرها . والقول إن العنف على شاشة التلفزيون سيجعل من الأطفال الاسوياء أحداثاً طاغين فكرة يتردد الإدراك السليم أمامها و الواقع أن اليقين الحدسي لدى الآباء بأن مشاهدة برامج العنف في التلفزيون لن تحول أطفالهم إلى مغتصبين وقتلة ، هو ما يسمح لهم بالتساهل إزاء انغماس أطفالهم في برامجهم الاثيرة العنيفة باستمرار على الرغم من النصائح الجادة التي يسديها علماء النفس والمربون . تعدي على قدسية العائلة لابد من ذكر الأمراض النفسية التي قد يخلفها هذا الجهاز نتيجة عدم وجود أوقات معينة لمشاهدة أطفالنا له من هذه الأمراض الاغتراب ، فتور المشاعر ، نزع الطابع الإنساني ... إلخ ونتيجة غياب سلطة الأسرة على الأطفال وازدياد سطوة التكنولوجيا علينا ثمة جوانب عديدة حقاً من حياتنا الحديثة خارجة عن نطاق سيطرتنا ، فلقد حدثت تعديات مخيفة على خصوصية بيوتنا وعائلاتنا التي لم يسبق أن انتهكت حرماتها ونحن نشعر بأننا عاجزون أكثر فأكثر ومن المؤكد اعتماد أطفالنا في تمضية معظم أوقاتهم أمام التلفزيون هو انعكاس حقيقي لهذا العجز وإن تأمل الانتهاكات التي يقوم بها الجهاز للحياة الأسرية وتأثيراته في الوجبات والأحاديث والألعاب والطقوس قد يقنع الآباء بأن ثمن تقبل التلفزيون كعنصر من عناصر القوة في الأسرة إنما هو باهظ للغاية . فعلى الرغم من أننا قد نكون مغلولي الايدي أمام الآلة المجردة التي صار إليها المجتمع فمازال بإمكاننا تأكيد إرادتنا في مواجهه جهاز التلفزيون تلك الآلة ذات الحضور الفعلي والملموس في بيوتنا وإن بإمكاننا أن نتعلم السيطرة عليه حتى لا يسيطر علينا .