الحمد لله الذي أحاط بكل
شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه
وسلم. ما أكثر الآيات التي تستحق الوقوف أمامها طويلاً، فالله تبارك
وتعالى يقول في كتابه المجيد، يقول عن هذا الكتاب: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا) ما معنى هذا
الكلام؟
لقد أنزل الله تبارك
وتعالى كتابه لأهداف محددة، وفي هذه الآية الكريمة وضع الله تبارك وتعالى
أول هدف وهو (تبياناً لكل شيء).
والتبيان : هو الشرح والتفصيل، فلو بحثنا عن أي شيء لا بد أن نجده في هذا
القرآن، لأنه كتاب الله تبارك وتعالى، فعندما نبحث عن علم الفلك نرى بأن
هذا القرآن قد تحدث عن حقائق كونية وفلكية كثيرة، وعندما نبحث عن علم الأرض
نلاحظ أن القرآن تحدث عن الجبال والبحار والغيوم والرياح وغير ذلك، وعندما
نبحث عن علم النبات نجد أن القرآن تناول هذا العلم، وهكذا..
إذا بحثنا عن علم
الرياضيات التي تسمَّى أم العلوم، فهل نجد هذا العلم يتجلى في كتاب الله
تبارك وتعالى؟ مع العلم أن القرآن نزل ليكون كتاب هداية، ونزل ليكون
دستوراً إلهياً يهدف إلى إسعاد الإنسان في الدنيا والآخرة، ولكن.. من ضمن
الهداية أن هذا القرآن قد أودع الله فيه آلاف المعجزات في مختلف حقول
العلم، ومن خلال الحقائق التي يراها الإنسان في هذا الكتاب يُدرك بالفعل أن
فيه حديثاً عن كل شيء، ولكن أين هو علم الرياضيات، عندما نفتح القرآن
الكريم، ونتأمل آياته لا نرى أي أرقام سوى أرقام السور والآيات، ولا نرى أي
معادلات رياضية، ولا نكاد نرى أي نظام رقمي، فكيف يمكن لهذا الكتاب أن
يكون معجزاً لعلماء الرياضيات في اختصاصهم، ونقول دائماً إن الكتاب (إن هذا القرآن) الذي أعجز بلغاء العرب
وفصحائهم في زمن البلاغة لا بد أن يُعجز علماء الرياضيات والأرقام في عصر
التكنولوجيا الرقمية اليوم.
ولكن كيف يمكن أن نبدأ
هذا البحث؟ والبحث في علم الأرقام هو بحث صعب وشائك، وكثير ممن بحثوا في
هذا العلم كان لديهم شيء من الانحرافات، وكان لديهم الكثير من الأخطاء،
ففقد هذا العلم (علم الإعجاز العددي) مصداقيته تدريجياً.
ولكن بعد سنوات من البحث،
من الله علينا باكتشاف معجزة جديدة تتجلى في هذا القرآن، وفكرة هذه
المعجزة تقول: إن الله تبارك وتعالى رتب حروف كتابه وكلمات هذا الكتاب
العظيم، ورتب الآيات والسور بطريقة لا يمكن لأحد أن يأتي بمثلها، وهذا هو
التعريف الدقيق للإعجاز الرقمي (أو العددي).
فالله تبارك وتعالى يقول:
(كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ) أحكمت
لغوياً وعلمياً ورقمياً أيضاً بأعداد كلمات وحروفه : (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ
خَبِيرٍ) [هود: 1] الله تبارك وتعالى حكيم أحكم من علماء الغرب ومن
علماء الرياضيات، عندما ينزل كتاباً لا بد أن يكون هذا الكتاب مُحكَم في
كل شيء.
هنالك الكثير من الظواهر
الرقمية التي تستدعي الوقوف أمامها طويلاً. فمثلاً إذا تأملنا كلمة الشهر
في القرآن نلاحظ أن الله تبارك وتعالى قد ذكر هذه الكلمة (كلمة شهر وشهراً
بالمفرد) كررها اثنتا عشرة مرة بالضبط من أول القرآن حتى آخره بعدد أشهر
السنة، فكلمة الشهر تكررت اثنتا عشرة مرة بعدد أشهر السنة، تأملوا معي هذا
التناسق.
وإذا بحثنا عن كلمة اليوم
في القرآن (كلمة اليوم ويوماً بالمفرد) نلاحظ أنها تكررت بالضبط ثلاث مئة
وخمساً وستين مرة بعدد أيام السنة، تأملوا هذا التناسق، ذكر اليوم في
القرآن بعدد أيام السنة، وذكر الشهر في القرآن بعدد أشهر السنة.
وهذه الملاحظات لاحظها
بعد الباحثين منذ ثلاثين عاماً تقريباً عندما أمكن تأليف المعجم المفهرس
لألفاظ القرآن، عندها تبين كل كلمة كم مرة تكررت في القرآن كله. وقادت
الباحثين إلى أن يعتقدوا بوجود معجزة رقمية في القرآن الكريم.
ومن الظواهر الأخرى أيضاً
أننا نجد أن أول آية في القرآن وهي (بسم الله
الرحمن الرحيم) لو قمنا بعد حروف هذه الآية نجد أن عدد الحروف 19
حرفاً. وإذا ما بحثنا عن تكرار هذه الآية في القرآن كله، نجد أنها تكررت
عدداً من المرات هو من مضاعفات الرقم 19.
طبعاً هنالك بحث للدكتور
رشاد خليفة حول الرقم 19 ولكن تبين أن هذا البحث في معظمه غير صحيح، يعني
هنالك نتائج ملفقة بنسبة أكثر من ثمانين بالمائة وبالتالي هذا البحث باطل
وغير صحيح.
ولكن هنالك أشياء صحيحة
مثل الحقيقة التي ذكرناها، أن حروف أول آية في القرآن بسم الله الرحمن
الرحيم 19 وتتكرر هذه الآية في القرآن كله 114 مرة أي من مضاعفات الرقم 19،
يعني الرقم 114 هو 19 مضروبة في 6.
طبعاً هذا التناسق يقودنا
إلى الاعتقاد بأنه لم يأتِ عن طريق المصادفة لأننا لو فتشنا في الكتب
البشرية لا نجد مثل هذه التناسقات، لا نجد في أي كتاب أن كلمة الشهر تتكرر
بعدد أشهر السنة، وكلمة اليوم تتكرر بعدد أيام السنة.
هنالك ملاحظة أخرى لاحظها
بعض الباحثين وهي أن القرآن ذكر نسبة البحر إلى البر، فنحن نعلم عندما كشف
العلماء أسرار الأرض وجدوا أن البحار والمياه تغطي بحدود 71 % من سطح
الكرة الأرضية، أما مساحة اليابسة فهي بحدود 29 % فقام بعض الباحثين بالبحث
عن كلمة (البحر) بالمفرد كم مرة تكررت في القرآن فوجدها تتكرر ثلاثاً
وثلاثين مرة،وبحث عن كلمة (البر) فوجد أنها تتكرر اثنتا عشرة مرة، وبحث عن
اليابسة فوجد آية على لسان سيدنا موسى : (فَاضْرِبْ
لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا) [طـه: 77]، فأصبح المجموع
ثلاثة عشر مرة.
إذاً البحر يتكرر 32 مرة.
والـبر يتكرر 13 مرة.
فلو قمنا بجمع هذين
العددين يعني 32 + 13 نجد النتيجة هي: 45
وهنا لو قمنا بحساب
النسبة المئوية لتكرار البر والبحر من خلال:
تقسيم عدد مرات ذكر البحر
على المجموع الكلي
وعدد مرات ذكر البر
واليبس على المجموع الكلي
ماذا نجد؟ نجد أننا إذا
قسمنا العدد 32 يعني عدد مرات تكرار البحر في القرآن على العدد 45 يعني
المجموع الكلي الذي يمثل البر والبحر تكون النتيجة المفاجئة هي : 71 %
تقريباً.
وإذا قسمنا عدد مرات ذكر
اليبس والبر (13) على المجموع الذي يمثل وهو 45 يمثل البر والبحر تكون
النتيجة بحدود : 29 % وهذه هي النسب المتعارف عليها اليوم نسبة البر إلى
البحر.
من هنا نستطيع أن نقول إن
هذه الظاهرة لم تأت عن طريق المصادفة، بكلمة أخرى لو أننا تأملنا الكتب
البشرية وتأملنا ما يكتبه البشر اليوم نلاحظ أنه لا يوجد أي كتاب يذكر مثل
هذه الحقائق بهذه الدقة العجيبة.
من الظواهر الأخرى أيضاً
أن الشمس والقمر يجتمعان في نفس الوضعية الفلكية كل 19 عاماً، يعني هنالك
وضعيات فلكية للشمس والقمر يسميها العلماء دورة القمر تتكرر كل 19 عاماً،
والعجيب أننا نجد أن كلمة الشمس والقمر مقترنتين ببعضهما هاتين الكلمتين (الشمس والقمر) تجتمعان في القرآن في 19
موضعاً.
وهذا ماذا يدل؟ يدل على
أن الله تبارك وتعالى الذي خلق الشمس والقمر وجعل هذا النظام يتكرر كل 19
عاماً يجتمعان في نفس الوضعية جمعهما الله في نفس الآية 19 مرة (الشمس والقمر). مثلاً يقول تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) [إبراهيم:
33]. (وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ)
[فصلت: 37] إلى آخره.
وهنا تتجلى أمامنا هذه
العجيبة من عجائب القرآن أن هذا القرآن يتناسب مع الكون، الله تبارك وتعالى
الذي خلق هذا الكون هو الذي أنزل القرآن ولا بد أن تكون القوانين الرياضية
والفيزيائية التي أودعها الله في الكون لا بد أن يكون هنالك إشارات في
القرآن عنها، ولذلك قال تبارك وتعالى: (وَنَزَّلْنَا
عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً
وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) [النحل: 89].
من الأشياء العجيبة أن
الله تبارك وتعالى أنزل سورة عظيمة هي سورة الكهف وأودع فيها معجزات وذكر
فيها رقم كبير عجيب وهو الرقم ثلاثمائة وتسعة يقول تبارك وتعالى (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ
وَازْدَادُوا تِسْعًا) [الكهف: 25]، لقد تأملت هذه القصة طويلاً،
ولاحظت بأن هنالك تناسقاً في عدد كلماتها، فقمت بعدّ هذه الكلمات وكانت
النتيجة أنني وجدت أن هذه القصة تبدأ بقوله تعالى: (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا
آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا،
فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا، ثُمَّ
بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا)
[الكهف: 10-12]
تأملوا معي كلمة
(لبثوا)..
إذاً في بداية القصة ترد
كلمة (لبثوا) وإذا تابعنا قراءة القصة
نلاحظ أن الله تبارك وتعالى يحدثنا عن هؤلاء الفتية الذين فرّوا بدينهم من
ذلك الملك الظالم، ودخلوا إلى الكهف، وناموا ثلاث مئة وتسع سنوات ثم
استيقظوا وكانت هذه آية لمن شهدهم في ذلك الوقت.
ونحن اليوم نرى هذه
المعجزة تتجلى ولكن بلغة الأرقام، فالله تبارك وتعالى يقول لنا أن هؤلاء
لبثوا ثلاث مائة وتسع سنوات في قوله تبارك وتعالى : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا
تِسْعًا، قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا) [الكهف: 26]، (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا) عند
(لبثوا) هذه تنتهي القصة، يبدأ الحديث
بعدها عن علم الله : (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ
بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ
وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي
حُكْمِهِ أَحَدًا) [الكهف: 26]، إذاً الظاهرة التي لفتت انتباهي أن
كلمة (لبثوا) تتكرر في بداية القصة وفي
نهايتها.
في بداية القصة: (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا)
[الكهف: 12].
وفي نهاية القصة: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ
وَازْدَادُوا تِسْعًا * قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا) [الكهف:
25-26].
فخطرت ببالي فكرة أن أقوم
بعدّ الكلمات من كلمة (لبثوا) الأولى إلى كلمة (لبثوا) الأخيرة وكانت
المفاجأة أن عدد الكلمات بالضبط هو (309) كلمات وهذه الحقيقة حقيقة مادية
لا تقبل التشكيك، ليست رأياً أو اجتهاداً، بل إن كلمات القصة موجودة
ويستطيع أي إنسان مهما كانت لغته أو عقيدته أن يعدّ هذه الكلمات ليجد مصداق
ما نقول.
والعجيب في ذلك أنني
عندما عددت هذه الكلمات كما قلت لكم فكان عدد الكلمات (309) من (لبثوا)
الأولى إلى (لبثوا) الأخيرة أي أن عدد الكلمات هو يساوي مدة ما لبثوا في
كهفهم، أي أن الله تبارك وتعالى وضعوا في بداية القصة (لبثوا) وفي نهايتها
(لبثوا) وجعل عدد الكلمات مساوياً للبعد الزمني لهذه الكلمة (لما تساويه
كلمة لبثوا) أي (309) كلمات وهذا ما لبثه أصحاب الكهف في كهفهم.
ولكن عندما كنت أقوم بعد
الكلمات وجدت أن كلمة ثلاث مائة الواردة في القصة بقوله تعالى: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ)
[الكهف: 25]، كلمة ثلاث مئة كان ترتيبها بالضبط ثلاث مئة، يعني لو
قمنا بعد الكلمات من كلمة (لبثوا) إلى (لبثوا) الأخيرة يكون الناتج (309)
كلمات، ولو قمنا بعد الكلمات من الكلمة الأولى (لبثوا) إلى كلمة ثلاث مئة
كان الناتج ثلاث مئة كلمة بالضبط.
وهنا ندرك أن هذه النتيجة
لا يمكن أن تكون قد جاءت عن طريق المصادفة لأن المصادفة لا يمكن أن تتكرر
بهذا الشكل لا سيما أننا بدأنا العدّ بكلمة (لبثوا) وانتهينا بكلمة (لبثوا)
وكان العدد مساوياً لما لبثه أصحاب الكهف، يعني هنا نستنتج أن هنالك بعداً
زمنياً ورقمياً لكلمات القرآن، عندما نقرأ هذه القصة نقرأها ولا نكاد نحس
أن هنالك أي خلل، ولو جئنا بأكبر أدباء العصر وطلبنا منه أن يكتب لنا قصة
وأن يرتب كلماتها بحيث يكون عدد الكلمات مساوياً لعدد ما وعند كلمة معينة
يجب أن يتفق العدد مع الكلمة يعني (ثلاث مئة) ينبغي أن يكون رقم هذه الكلمة
هو ثلاث مئة أيضاً، سوف يحصل على ما يشبه الكلمات المتقاطعة، لأن ذهنه
سينصرف إلى العد، ولكن في كتاب الله تبارك وتعالى مهما درسنا، ومهما تأملنا
نلاحظ أنه لا يوجد خلل لغوي واحد، بل (كِتَابٌ
أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) [هود:
1].
هنالك آلاف الظواهر
الرقمية وإن الذي يتأمل هذا القرآن يجد بأن الله تبارك وتعالى قد أودع فيه
معجزات رقمية فهو كالبحر يزخر بهذه المعجزات. نسأل
الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بها العلم، إنه على كل شيء قدير.