عرّف فقهاء المسلمين التجارة بأنّها شراء بشيء ليباع بالربح، أو تقليب المال بالتصرّف فيه ليباع بالربح ، ورأى ابن خلدون أنّ معنى التجارة ومذاهبها وأصنافها: محاولة الكسب بتنمية المال بشراء السلع بالرخص وبيعها بالغلاء أياً ما كانت السلعة من دقيق أو زرع أو حيوان أو قماش ، وذلك القدر النامي يسمى ربحاً ، فالمحاول لذلك الربح إما أن يختزن السلعة ويتحيّن بها حوالة الأسواق من الرخص إلى الغلاء فيعظم ربحه، وإما بأن ينقله إلى بلد آخر تنفق فيه تلك السلعة أكثر من بلده الذي اشتراها فيه فيعظم ربحه، ولذلك قال بعض الشيوخ من التجّار لطلب الكشف عن حقيقة التجارة: أنا أعلمها لك في كلمتين: اشتراء الرخيص وبيع الغالي فقد حصلت التجارة.(1)
ولم يكن طلب المنفعة وحدها هو غاية التاجر المسلم ، فقد كان مما يقال للرجل إذا أراد أن يسافر في التجارة : اتق الله تعالى واطلب ما قدر لك من الحلال فإنّك إن تطلبه من غير ذلك لم تصب أكثر ما قدر لك.(2)
الإسلام يحضّ على الكسب والمعاش:
وردت في السنّة النبويّة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام أحاديث كثيرة تحضّ على الكسب الطيّب ، والرزق الحلال منها:
حديث: "من طلب الدنيا حلالاً تعفّفا عن المسألة وسعياً على عياله وتعطّفاً على جاره لقي الله ووجهه كالقمر ليلة البدر".
حديث: "إنّ الله يحب العبد يتّخذ المهنة يستغني بها عن الناس ويبغض العبد يتعلّم العلم فيتخذه مهنة ".
حديث: "عليكم بالتجارة فإنّ فيها تسعة أعشار الرزق ".
حديث:" الأسواق موائد الله فمن أتاها أصاب منها ".
وحثّ الإسلام أتباعه على طلب الرزق وخاصّة في ميدان التجارة ، وجاء في الأثر أنّ تسعة أعشار البركة في التجارة ، وفي رواية تسعة أعشراء (كنصيب أنصباء) الرزق في التجارة.(3)
وعن عائشةرضي الله عنها قالت: كان رسول الله يعجبه التجارة في الوبر فيما جز من الغنم وغيرها، وكان يقول :" من هيئ له رزق في شيء فلا يدعه " وكان يقول : "اللهمّ اجعل أوسع رزقك عليّ عند كبر سني وانقطاع عمري (4).
حدثنا شعبة عن الحكم بن مجاهد في قوله تعالى: "أنفقوا من طيّبات ما كسبتم " قال: من التجارة ؛ وفسّر مجاهد قوله تعالى: وابتغوا من فضله: قال اطلبوا التجارة في البحر.
نموذج للتاجر المسلم:
وقد استوفى صاحب تاريخ دمشق أخبار عبد الرحمن بن عوففي أربعة كراريس فقال: ولمّا هاجر إلى المدينة كان فقيراً لا شيء له فآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيعأحد النقباء ، فعرض عليه أن يشاطره نعمته ، وأن يطلّق له أحسن زوجتيه فقال له: بارك الله لك في أهلك ومالك ، ولكن دلّني على السوق ، فذهب فباع واشترى وربح ثم لم ينشب أن صار معه دراهم فتزوّج امرأة على زنة نواة من ذهب فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم وقد رأى عليه أثراً من صفرة: " أولم ولو بشاة ".(5)
ساد الأمن في ربوع الأوطان:
وفي ظلّ دولة الإسلام ساد الأمن في ربوع الأوطان، وقمع العيّارون واللصوص، وأنعشت التجارة وفرة السلع والمنتجات، فحمل السكّر إلى العراقواليمن من خوزستانوالشام، ولبست النساء فوط القزّ الحسنة المصنوعة بالأهواز، وديباج تستر، والأنماط ، والثياب الحسنة، وتجلبب الناس بثياب صبغت بقرمز أذربيجان، وتقنّعوا بمقانع سرخسوعصائبها، وفرشوا بيوتهم بالفرش القلموني من كلّ لون، المقلم والمطرّز.
وجود شبكة مواصلات واسعة:
ومما يسّر سبل التبادل التجاري في العالم الإسلامي وجود شبكة مواصلات واسعة، فقد شقّوا الطرق ومهّدوها لتيسير سبل الوصول إلى أسواق عواصم الأقاليم ، وبنوا القناطر على الأنهار لعبور القوافل والمسافرين ، وشيّدوا المنائر لهداية السفن في ظلام الليالي، وأقاموا الموانئ لحمايتها من العواصف وغارات القراصنة.
وكان من أسباب ازدهار التجارة الداخليّة والخارجيّة في دولة الخلافة وجود شبكة مواصلات واسعة تسهّل حركة انسياب البضائع والسلع بيسر وسهولة، حيث سلكت البضائع نهري دجلةوالفرات على متون السفن النهريّة، وحملت المنتجات نحو المدن البعيدة على ظهور الجمال والبغال عبر طرق بريّة مشهورة ، مثل طريق الحج نحو حواضر الحجاز، والطريق السلطاني نحو الصينالذي يخترق أواسط آسيا، أما تجارة أوروباوجزر البحر الأبيض المتوسطفقد تولّى الأسطول التجاري العربي هذه المهمّة بكفاءة عالية.
وازدهرت التجارة بين الأندلس من ناحية، والمشرق العربي وبلدان أوروبامن ناحية ثانية ، وكانت حركة انتقال السلع وتبادلها عبر موانئ الأندلس الشرقيّة والغربيّة لا تعرف الركود ، وكذلك عبر الطريق الدولي البري للقوافل التجاريّّة الذي يخترق ألمانيا وإيطاليا وفرنسا عبر نهر الرون وممر قطلونية، إلى الأندلس، ثم يتّجه جنوباً نحو طنجة، مخترقاً مضيق جبل طارق إلى المغرب فمصر والشام والعراق وفارس والهند والصين.
وفرة الأسواق والخانات والقيساريّات:
واصلت معظم الأسواق المشهورة في الجاهليّة نشاطها التجاري والأدبي في ظل الإسلام ، وزاد عددها مع اتساع رقعة الدولة ، وكان من أشهرها: سوق حباشة، وحباشة سوق من أسواق العرب في الجاهلية ذكره في حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: لما استوى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ أشدّّه وليس له كثير مال استأجرته السيّدة خديجة إلى سوق حباشة سوق بتهامة، واستأجرت معه رجلاً آخر من قريش، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدّث عنها: ما رأيت من صاحبة أجير خيراً من خديجة ما كنّا نرجع أنا وصاحبي إلاّّ وجدنا عندها تحفة من طعام تخبّئه لنا.(6)
وسوق خربة في عمل اليمامة، وسوق دبا بعمان، وذو المجاز عن يمين الموقف بعرفة، وسوق عدن، وسوق عكاظ بقرب مكّة ، وكانت قبائل العرب تجتمع بها كلّ سنة، يتفاخرون بها، ويحضرها الشعراء ما أحدثوا من الشعر ثمّ يتفرّقون.
وتصف لنا كتب الرحّالة والمؤرّخين ومنها (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) أسواق مدينة سلا بأنّها نافقة، وأسواق مدينة هراة بأنّها مقدّرة ، وأسواق مدينة هراة بأنّها عامرة ، وأسواق مدينة سفاقس بأنّها كثيرة، وأسواق مدينة غزنة بأنّها دائمة ، وأسواق مدينة طلبيرة بأنّها جميلة الترتيب، وأسواق مدينة شنت مارية بأنّها قائمة، وأسواق مدينة طرابنس بأنّها رحيبة ومعايش خصيبة.
وذكر صاحب كتاب (سفر نامة) أن بجزيرة تنيس أسواقاً فخمة وعدّّّ بها عشرة آلاف دكّان، منها مائة دكّان عطّار، وأنّه وجد في أصفهان أسواقاً كثيرةً وسوقاً للصرّافين، كان بها مائة صرّاف، ولكل سوق سور وبوّابة محكمة.
ووجد الرحالة ياقوت الحموي أسواقاً حسنةً في قلعة إربل ومنازل للرعيّة.
وشيّّد المسلمون الخانات والاستراحات في طرق الحج لتأمين راحة الحجّاجوالمسافرين، واتخذ التجّار من الخانات سكناً لهم ومستودعاً لبضائعهم، ومخزناً لصرر الأموال والنقود والودائع والرهونات والجواهر، وبنوا الوكالات والقيسريّّات في المدن لتيسير سبل التبادل التجاري وعقد الصفقات، واشتهرت في مصر وكالة قايتباي، ووكالة الغوري، وخان الخليلي.
وتتكوّّن القيساريّّات من أدوار أرضيّة لعرض وبيع وتخزين المنتجات بينما تخصّص الأدوار العليا للإقامة.
ولم تخل مدينة إسلاميّة من أسواق تجاريّة متخصّصة بأنواع البضائع والسلع المصنوعة، ومخازن لحفظ البضائع، وحظائر للقوافل والدواب.
ونقل الدكتور السيد عبد العزيز سالم عن المؤرخ (مارينيو سيكيليو) وصف قيساريّة غرناطة التي كانت المركز الرئيسي للتجارة في المدينة: يوجد بها ما يقرب من مائتي حانوت، تباع فيها المنسوجات الحريريّة، وجميع أنواع التجارات الثمينة، وهذا البناء الذي يعدّ في حدّ ذاته مدينة صغيرة يشتمل على كثير من الأزقّة والزنقات وينفتح في سوره عشرة أبواب عليها درّابون أو حرّاس معهم كلاب يسهرون الليل.(7)
وسطاء تجاريّون ناجحون بين أسواق الشرق والغرب:
واتّجر المسلمون مع أوروباوالهند والصين فركبوا البحر، وجابوا القارات، وكانوا وسطاء تجاريّين ناجحين، يقومون بنقل السلع من الشرق إلى الغرب، ومن الغرب إلى الشرق دون حدود أو حواجز، واخترقت قوافلهم الصحاري والقفار محمّلة بالذهب والقصدير والتوابل والحرير والطيب والأبنوس، وما أبدعه صنّاع دولة الخلافة من مشغولات فنيّة راقية، وما أنتجته أرضها من سلع زراعيّة وافرة، وتمتعوا بالأرباح الطائلة والثروات، وارتادوا البحار في جرأة ومهارة فائقة فامتدّت تجارتهم نحو جزر الهند الشرقيّة، وسواحل إفريقيا.
التجّار المسلمون حملوا عقيدتهم إلى جانب بضاعتهم:
فهم المسلمون أنّ التجارة عبادة، وجعلوا للسوق آداباً، ومنها القول عند دخول السوق: (لا إله إلاّ الله وحده) وعانى كثير من الفقهاء والعلماء التجارة وشارك وضارب وحاسب وكاتب، وركب البحر، وسافر إلى اليمن والهند والصين، ووصلت قوافلهم مجاهل إفريقية، ورست سفنهم على شواطئ جزر المحيط الهندي، وكان التجّار المسلمون يحملون معهم إلى الآفاق إلى جانب بضاعتهم أفكارهم ومبادئهم، وعقيدتهم الدينيّة مصدر عزّهم وفخرهم، فكان ذلك الانتشار السلمي الهادئ للإسلام في ربوع إندنوسياوجاوا والفلبين وسرنديب وغيرها من البلاد النائية، كما كانوا يتردّدون على حواضر العالم الإسلامي في التجارة وطلب العلم والرواية.
القول في الجمع بين التجارة والعبادة:
روى الأعمشعن خيثمة قال أبو الدرداء : كنت تاجراً قبل المبعث فلما جاء الإسلام جمعت التجارة والعبادة فلم يجتمعا فتركت التجارة ولزمت العبادة، قلت الأفضل جمع الأمرين مع الجهاد ، وهذا الذي قاله هو طريق جماعة من السلف والصوفيّة ولا ريب أنّ أمزجة الناس تختلف في ذلك فبعضهم يقوى على الجمع كالصدّيق وعبد الرحمن بن عوفوكما كان ابن المبارك، وبعضهم يعجز ويقتصر على العبادة، وبعضهم يقوى في بدايتة ثم يعجز وبالعكس وكل سائغ، ولكن لا بدّ من النهضة بحقوق الزوجة والعيال.(8)
تمتّع التجّّّار المسلمين بسمعة طيّبة:
وكان التاجر المسلم حسن السيرة، حسن الهيئة والسمت، ذا مروءة وتفقّد للأصحاب، وتودّد إليهم، وتمتّع التجّار أينما حلّوا بالسمعة الطيّّبة، وحسن المعاملة، لأنّّّهم كانوا أبعد الناس عن الغش والتدليس، والاحتكار، وأكل الربا، والحلف بالأيمان الكاذبة، فازدهرت تجارتهم، ونمت الأموال بأيديهم وكثرت ، كما تمتعت الأسواق في حواضر الخلافة بالسمعة الطيّبة فقصدها التجّار من كل مكان بالبضائع والأموال ، ووصفت بعض موانئ البلاد الإسلاميّّة بأنّها باب الشرق ومفتاح التجارة والرزق.
ونقل الدكتور أحمد الطوخيعن بعض المؤرّخين: بأنّّ أهل غرناطة كانوا موضع ثقة جميع تجّار البلاد التي كانت تتعامل معهم ، حتى قيل في هذا الصدد :إنّ كلمة الغرناطي كانت أكثر ضماناً من عقد مكتوب ، وذكر مقولة بعض رهبان إسبانيافي العصور الوسطى، في وصف المسيحي المثالي بأنّه هو ذلك الرجل الذي كان يجمع بين العقيدة المسيحيّة، والمعاملات الإسلاميّة.(9)
ازدهار مراكز المسلمين التجاريّة:
وازدهرت المراكز التجاريّة التي بناها التجّار المسلمون، وتمتّعت الجاليات المسلمة بمكانة تجاريّة واقتصاديّة عالية في جزر الأرخبيل الهندي، والملايو، وسومطرة، وشواطئ إفريقيا، وبلاد الصين، وبلاد الروس وغيرها.
تمتّع الدينار الإسلام بالثقة:
وكانت المسكوكات العربيّّة الذهبيّة والفضيّة هي (الدولار) العالمي المضمون القيمة النقديّة في عالم الاقتصاد الإسلامي المزدهر، أما عبارة (الله أحد، والله عالم، والله ليس له كفواً) فكانت كافية لمنح الدينار الإسلامي مزيداً من الثقة في ظل الخلافة الإسلاميّة.
موسم الحج فرصة لتبادل السلع وعقد الصفقات:
وبعد انتهاء موسم الحج كل عام كانت حاضرتا الحجازمكّّةالمكرّمة والمدينة المنوّرة تتحوّل إلى سوق تجاريّة نشطة لتبادل منتجات العالم الإسلامي، وإلى مركز اقتصادي مزدهر بالصفقات التجاريّة الرابحة، كما كانت المناسبة الدينيّة تمنح الحجاجفرصة طيبة لقاء المنتجين بالتجّار والوسطاء والمستهلكين.
فلا عجب أن يصف الرحّالة ابن بطوطةمكّة المكرّّمة بقوله: كلّ طرفة تجلب إليها، وثمرات كلّ شيء تجبى لها، وكلّ ما يفترق في البلاد من السلع فيها اجتماعه.
الشريعة تمنح أتباعها نظاماً اقتصاديّاً مرناً:
ووجد التجّار المسلمون في الشريعة الإسلاميّّة نظاماً مرناً يتيح للمتعاملين به بعيداً عن النظام الربوي، استعمال الشيكات، والحوالات الماليّة، وخطابات الاعتماد، وبوليصات الشحن، والبيع بالتقسيط، وكانت العقود تحرّر بالأشهر القمريّة، أما العقود الزراعيّة فكانت تحرّر على أساس نهاية السنة الزراعيّة (شهر أكتوبر) نظراً لتغير مواقيت الشهور القمريّة ، تيسيراً للناس على أداء الدين.
نظام الحسبة يضمن دقّة الموازين والمكاييل:
قال أبو منصور : ورأيت العرب يسمون الأوزان التي يوزن بها التمر وغيره الصنج من الحجارة والحديد الموازين واحدها ميزان وهي المثاقيل واحدها مثقال، ويقال للآلة التي يوزن بها الأشياء ميزان أيضا، قال الجوهري: أصله موزان انقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها وجمعه موازين، وجائز أن تقول للميزان الواحد بأوزانه موازين قال الله تعالى: "ونضع الموازين القسط " يريد نضع الميزان القسط، وفي التنزيل العزيز: "والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون" وقوله تعالى: "فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفّت موازينه فأمّه هاوية" قال ثعلب: إنّما أراد من ثقل وزنه أو خفّ وزنه فوضع الاسم الذي هو الميزان موضع المصدر، قال الزجّاج: اختلف الناس في ذكر الميزان في القيامة فجاء في التفسير: أنّه ميزان له كفّتان وأنّ الميزان أنزل في الدنيا ليتعامل الناس بالعدل و توزن به الأعمال، وروى جويبر عن الضحّاك: أنّ الميزان العدل.(10)
وهكذا التزم المسلمون بقول الله تعالى: "وزنوا بالقسطاس المستقيم " وفهموا معنى القسطاس بأنّه أعدل الموازين وأقومها، وابتدعوا تحرير الموازين ، وأمروا بإبطال موازين الباعة ، ومصادرة الصنج الزائدة والناقصة ، وإبقاء المحرّّّرة الوزن لدى الباعة بعد ختمها ، وهكذا ضبطت الموازين والمكاييل ، فكانت الصنج التي تصنع غالباً من الحديد أو الحجارة أو الزجاج تعلّم من قبل المحتسب ، واشتهرت موازين الكوفة وعسكر مكرم .
وكانت الحبوب تكال بالقدح ، ويختلف حجمه باختلاف الأقاليم ، أما الزيوت والمواد السائلة فتكال بأوان من الخزف المطلي.
واستخدم المسلمون القبضة ، والشبر، والذراع ، لقياس الأطوال كقياس الأقمشة والبسط ، وقاسوا المسافات بالفرسخ ، والبريد، والمرحلة.
عقوبة التاجر الغشّاش:
وتجار مصر يصدقون في كل ما يبيعونه وإذا كذب أحدهم على مشتر فإنّه يوضع على جمل ، ويعطى جرسا بيده ، ويطوف به في المدينة ، وهو يدق الجرس وينادي قائلا: قد كذبت وها أنا أعاقب ، وكل من يقول الكذب فجزاؤه العقاب.
التاجر يعطي الوعاء للمشتري:
ويعطي التجّار في مصر من بقالين وعطّارين وبائعي خردوات الأوعية اللازمة لما يبيعون من زجاج أو خزف أو ورق حتى لا يحتاج المشتري أن يحمل معه وعاء .
غنى تجّار النصارى:
يصف الرحّالة ناصر خسروما شاهده من غنى تجّار نصارى مصر فيقول: رأيت هناك نصرانياً من سراة مصر، قيل : إنّ سفنه وأمواله وأملاكه لا يمكن أن تعدّّ، وحدث في سنة ما أن كان النيل ناقصاً وكانت الغلّة عزيزةً فأرسل الوزير إلى هذا النصراني وقال: ليست السنة رخاء والسلطان مشفق على الرعيّة فأعط ما استطعت من الغلّة ، إما نقداً وإما قرضاً، قال النصراني: أسعد الله السلطان والوزير إنّ لدي من الغلّة ما يمكنني من إطعام أهل مصر الخبز ست سنوات، ولا شك أنّ سكّان مصر في ذلك الوقت كانوا كثيرين، فإنّ سكان نيسابور خمسهم مع الإسراف في التقدير، وكل من يستطيع الحكم يدرك كم ينبغي أن يكون لهذا الثري لتبلغ غلّته هذا المقدار، وأيّ سلام كانت فيه الرعيّة، وأيّ عدل كان للسلطان بحيث تكون أحوال الناس على هذا الوضع وأموالهم بهذا القدر، لم يكن السلطان يظلم أو يجور على أحد، ولا كان أحد من الرعيّة يخفي أو ينكر شيئا مما يملك.
ووصف خسرو اتساع الأسواق وتخصّصها وارتفاع أجور المحلاّت التجاريّة بسبب كثرة الأرباح فقال: رأيت هناك خاناً يسمّى دار الوزير، لا يباع فيه سوى القصب وفي الدور الأسفل منه يجلس الخيّاطون، وفي الأعلى الرفاءون، وسألت القيّم عن أجرة هذا الخان الكبير فقال: كانت أجرته كلّ سنة عشرين ألف دينار مغربي، ولكن جانبا منه قد تخرّب وهو يعمر الآن فيحصل منه كل شهر ألف دينار يعني اثني عشر ألف دينار في السنة ، وقيل : إنّ في هذه المدينة مائتي خان أكبر منه أو مثله.(11)
المراجع:
1 ـ مقدمة ابن خلدون ج 1 ص 394 عبد الرحمن بن خلدون.
2 ـ حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ج 2 ص 263 أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني.
3 ـ طبقات الشافعيّة الكبرى ج 6 ص 311 أبو بكر بن أحمد بن محمد قاضي شهبة.
4 ـ طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها ج 4 ص 155 عبد الله بن محمد الأنصاري.
5 ـ سير أعلام النبلاء ج 1 ص 91 شمس الدين الذهبي .
6 ـ معجم البلدان ج 2 ص 210 ياقوت بن عبد الله الحموي.
7 ـ مظاهر الحضارة في الأندلس في عصر بني الأحمر ص 279 أ. د. أحمد الطوخي .
8 ـ سير أعلام النبلاء ج 2 ص 337 شمس الدين الذهبي.
9 ـ مظاهر الحضارة في الأندلس في عصر بني الأحمر ص 282 أ. د. أحمد الطوخي .
10 ـ لسان العرب ج 13 ص 446 محمد بن مكرم بن منظور.
11 ـ سفر نامة ج 1 ص 106 ناصر خسرو.
المصدر : مجلة الغرباء