لا يكاد يمر يوم إلا ونسمع عن تهديدات تصدر من أمريكا أو من إسرائيل أو منهما معا بضرب إيران أو اقتراب موعد ضربها ، أو أن صبرهما ومعهما المجتمع الدولي قد نفد تجاه تجاوزات إيران !!!..
فهل بالفعل إيران تشكل خطرا على المجتمع الدولي أو على أي من أمريكا وإسرائيل ؟!
قد تكون الإجابة في ذهن البعض "نعم " ودليلهم على ذلك مسارعة إيران في تطوير برنامجها النووي ، وما نسمعه من حكامها من تهديد بتدمير إسرائيل أو إهلاكها أو إلقائها في البحر ، وغير ذلك مما يردد في الحفلات العامة من شعارات " الموت لإسرائيل " الموت لأمريكا "..
ولكن الواقع يؤكد أنه لا خطر من إيران على إسرائيل ولا على المصالح الأمريكية على الإطلاق ، ولا نية لإيران في مهاجمة إسرائيل ولا معاداة أمريكا ..
وأن أمريكا وإسرائيل والغرب يعلمون ذلك جيدا ، ويعلمون أن مصالح إيران الاستراتيجة تلتقي مع مصالحهم ، والدليل على ذلك أن إسرائيل كانت تمد إيران سرا بأحدث أنواع الأسلحة في حربها ضد العراق ، وإن خفي هذا الدليل على أحد أو شكك فيه فإن مناصرة أمريكا لإيران وتمكينها لأتباعها الشيعة في العراق الذين يأتمرون بأمرها وينتهون بنهيها على حساب العرب السنة واضح للعيان ، لا يستطيع أن يماري فيه مماري ..
ولو كانت أمريكا عندها أدنى توجس أو خوف من إيران لما ناصرت أتباعها وحلفاءها بالعراق ، ويسرت لهم سبل قتل وتشريد الملايين من عرب السنة بالعراق ، ولولا تلاقي مصالحها مع مصالح إيران في المنطقة لعملت على أن يتولى العرب السنة مقاليد الأمور في العراق ولقوتهم حتى يكونوا غصة في حلق إيران ..
أو على الأقل لمكنت في العراق لمن هم موالون لأمراء الخليج الذين تزعم على مر العقود الماضية أنهم حلفاؤها وأنهم أصدقاؤها ، وأن مصالحهم مرتبطة بمصالحهم ، كمكافأة لهم على تلك الصداقة ..
إن أمريكا وريثة الغرب في كراهيته للإسلام ، وتعلم تماما أن الحكم الشيعي المتطرف في إيران يشاركها هذه الكراهية ، وتعلم تماما أن أسلاف الموجودين في إيران الآن ( الصفويين ) هم من حموا النصرانية في أوربا قديما من التوسع الإسلامي أيام مجد العثمانيين ، وتعلم تماما أن شيعة إيران في السابق كانوا الحصن الأول أمام توغل الفتوحات العثمانية في أوربا ، حيث كانوا يتعمدون إشعال الثورات في أوقات الذروة فيضطر السلطان العثماني لسحب جنوده من أوربا ليطفئ بها نيران تلك الثورات ، وكم من مدينة أوربية كانت على وشك السقوط في أيدي الفاتحين ثم فجأة يغادرها الجيش المحاصر للقضاء على تلك الثورات .
وقد يثار من القارئ هذا التساؤل : إذا كان الأمر كذلك ، والأمور على ما يرام بين أمريكا والغرب وإسرائيل وبين إيران فما السر في تلك الحرب الكلامية التي لا تتوقف بين الطرفين صباح مساء ؟ وما السر في تلك التهديدات التي لا تفتأ تخرج من زعماء الغرب وأمريكا لإيران ؟.
السر هو أن الغرب وعلى رأسه أمريكا وبرضا من إيران يريد أن يبتز أموال العرب وممتلكاتهم ، فهو يعلم تمام العلم أنه كلما تحدث عن قوة إيران وخطرها ازداد خوف العرب فأسرعوا إليه ، إما باشتراء الأسلحة منه وتكديسها في مخازنهم ، بزعم استعمالها وقت الحاجة ضد إيران ، وفي ذلك رواج لاقتصاده واستنزاف لأموال العرب ، وإما بإجراء الاتفاقيات الدفاعية معه ، وهذا يحقق له الهيمنة التامة على مقاليد أمورهم ، ويبيح له التدخل في شئونهم الداخلية ، بل في خصوصياتهم العقدية والتعليمية والاجتماعية ، بأن يفرض عليهم أنظمته مقابل تلك الاتفاقيات ..
وأما عن استفادة إيران من هذا الأمر فهو إظهارها بأنها قوة كبرى في المنطقة نتيجة تهويل الغرب وأمريكا من شأنها ، وهذا التهويل يجعل العرب يهابونها فيقدمون لها التنازلات بين الحين والحين ، فضلا عن تأسد أتباعها من الشيعة العرب وإحساسهم بأنهم فوق قوانين البلاد ، والمبالغة كل يوم في المطالبة بحقوقهم ؛ حتى صرنا نسمع عن مطالبتهم بتغيير المناهج الدينية في بعض بلدان الخليج لتوافق أهواءهم ، وسعيهم الحثيث لفرض أفكارهم الضالة ـ وهم أقليلة قليلة ـ على الغالبية العظمى السنية من أهل البلاد ، ومطالبتهم بالتضييق على كبار علماء السنة ومحاصرتهم وترويعهم ، وهم يعلمون أن وراءهم من يحميهم ، وأن أمريكا نفسها التي اكتسبت من العرب مئات المليارات في صفقات الأسلحة على مر تاريخها ستكون أول من يقف معهم ضد الحكومات العربية بحجة حماية الأقليات ...
ولكي يعرف القارئ مدى التهويل الكاذب من قوة إيران أدعوه فقط للمقارنة بين إيران التي لا يزيد عدد سكانها تقريبا عن 30 مليون نسمة ، وهي تعاني من اقتصاد مضطرب وأنظمة قلقة ، وبين دولة سنية كمصر أو كتركيا ( وكلتا البلدين يزيد سكان كل واحدة منهما على 75 مليون نسمة ) وهم بلدان يمتعان بكل مقومات الريادة ، ولا تقاس قوة إيران بهما في أي مجال من المجالات ، اللهم في المجال النووي والذي كان بمقدور الأولى أن تكون في مقدمة دوله لولا ظروف لا داعي لذكرها الآن .
وإذا علمنا أن الأبعاد الحقيقة من وراء تهديدات أمريكا وإسرائيل لإيران ليست إلا محاولة ابتزاز أموال العرب وفرض الهيمنة الأمريكية والغربية عليهم ، وإظهار إيران كقوة كبرى في المنطقة يرهبونها ، والتمكين للشيعة في بلادهم ، فما الواجب فعله لمواجهة ذلك ؟
ما يجب فعله هو أن تتحد كل البلاد العربية السنية أو على الأقل دول الخليج ، وأن يوظف جزء من تلك الأموال التي يُشترى بها الأسلحة وتكدس في ديارنا في احتضان العلماء التقنيين من شتى بلدان العالم ، وخاصة من البلدان الإسلامية التي كانت تخضع للاتحاد الروسي سابقا ولهم مهارة في هذا الشأن ، وتوظيفهم في إنشاء مصانع وورش تنتج لنا من الأسلحة المتطورة ما يقوي شوكتنا ؛ لأن تلك الأسلحة هي فقط التي تكون كفيلة بترجيح كفة قوتنا ، أما الأسلحة المستوردة فمهما قيل عن إمكانياتها لا تسمن ولا تغني من جوع ؛ لأن من باعوها هم أعداؤنا ، وقبل بيعها لنا هم متأكدون من أنها لن تغير شيئا في موازين القوى لصالحنا ، ومن شاء فليراجع التصريحات التي خرجت من أمريكا لإسرائيل قبل عقدها صفقة الأسلحة الكبرى مع المملكة العربية السعودية ( تلك الصفقة التي عدت أكبر صفقة في التاريخ )..
وأن يوظف الجزء الآخر في نشر الوعي السني في شتى الأرجاء ، فهذا هو حصن الأمان الحقيقي لحماية البلاد من الخطر الشيعي ومخططات زعمائه ..
وقد يقول البعض : إن هذا ضرب من المستحيل ، وخاصة الأمر الأول المتعلق باتحاد البلاد العربية السنية، والرد أنه لا حل للمعضلة التي نعيش فيها غير ذلك ، وإلا فلننتظر مصير عرب الغساسنة والمناذرة الذين تقاسمهم الفرس والروم قبل البعثة النبوية ..
ولنعلم أخيرا أنه حتى ولو صدقت إسرائيل في عزمها على ضرب إيران فسيكون مقصدها الأول هو تحطيم المنطقة العربية عن آخرها وليس إيران ، فالمنطقة العربية هي التي ستكون مسرح الأحداث ، وسيكون لها الحظ الأوفر من تساقط القنابل فوق أراضيها ؛ لأن إيران وقتها لن تجد غير القوات الأمريكية المتمركزة في بلاد الخليج للرد عليها ، وبعدها ستكون بلادنا مرتعا لمن غلب من الطرفين ـ تماما كما حدث لمصر وما حولها في الصراعات التي قامت بين الفرس والروم قبيل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ وقع عليها الخراب أولا بعد انتصار الفرس وهزيمة الروم ، ثم وقع عليها الخراب ثانيا بعد انتصار الروم وهزيمة الفرس .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*مدير مركز الشرق للدراسات التاريخية والحضارية بالقاهرة .