بسم الله الرحمن الحيم
هذا المقال مقتبس من كتاب "الأوليات :العرب والأدب والإسلام والجاهلية والشعر " - الفصل الأول - لـ(أصيل الصيف الأصولي ) . من منشورات وزارة الثقافة - الأردن .
أصل معنى لفظ (ع ر ب)
-1-
قلت: وأصل معنى لفظ العرب أنه صفة للماء، فقالوا: (ماء عَرَبٌ) أي ماء صافٍ عذبٌ شديد الجريان في الوديان. قال اللسان: "ماءٌ عَرِب: كثير، والتعريب: الإكثار من شرب العَرِب، وهو الكثير من الماء الصافي، ونهر عَرِبٌ: غُمْر (أي كثير الماء)، وبئر عَرِبة: كثيرة الماء، والفعل من كل ذلك عَرِب عَرَباً، فهو عاربٌ وعاربةٌ. والعَرَبَة بالتحريك: النهر الشديد الجري....والعَرَبات: طريق في جبلٍ بطريق مصر، قلت: كأنه سمي بذلك لأنه كان فيه مسايل ماء شديدة الجري والإنحدار، وأعربَ سقيُ القوم إذا كان مرة غباً (أي أن يشربوا يوماً ويوماً لا) ومرةً خمِساً، ثم قام على وجه واحد". قلت: ومعنى (ثم قام على وجه واحد) أي كَثُرَ الماء حتى انساب في الأرض فلا يحتاج الناس معه إلى أن يباعدوا في السقي، وسنأتي عما قريب على بيان لم سمي هذا الجيل من الناس بالعرب، والعاربة والمستعربة والمتعربة إن شاء الله.
قال اللسان: العُرْبان والعُرْبون والعَرَبون: كل ما عُقِدَ به البيعة من الثمن، أعجمي أعرب...وقيل: سمي بذلك لأن فيه إعراباً لعقد البيع أي إصلاحاً وإزالة فسادٍ لئلا يملكه غيره باشترائه.
قلت: ويترجح عندي أن الكلمة قديمة، وأن الواو والنون في آخرها؛ إنما جاءت لإفادة التصغير كما في كلمة (عِجْلَون) التي تعني العجل الصغير وأن المراد بالعُرْبون أو العَرَبون هو الماء القليل وهو ذلك الماء الذي يكون في الأكواب الذي يقدم للأضياف، وعادة التعجل بتقديم الماء للضيف سواء أشرب أم لم يشرب عادة ما زالت جاريةً في الناس إلى يومنا، ثم جاز لفظ (العُرْبون) من دلالة الماء الذي يقدم للضيف إلى دلالة الدفعة الأولى من المال الذي يقدم للبائع.
-2-
قال اللسان: "عَرِب الرجلُ: إذا غرق في الدنيا" قلتُ: هو على التشبيه بمن غَرِق بالماء العَرِب أي الكثير شديد الجريان.
قال اللسان: "عَرِب الجُرْح عَرَباً وحَبِط حَبَطاً: بقي فيه أثر بعد البُرْء، وعَرِب الرجل عرباً فهو عَرِبٌ: اتَّخَمَ" قلت: وإنما قيل للجرح وللمتخم ذلك لأنهما قد انتفخا كمن شرب الماء العرب حتى انتفخت معدته.
وفي اللسان: "العرَّاب الذي يعمل العرابات، واحدتها عرابة؛ وهي شُمُل ضروع الغنم"، قلت: سميت الشملة عَرَابة، لأنها انتفخت بالضرع كما انتفخ بطن من شرب الماء العَرِب.
و"العَرَبات: سفن رواكد، كانت بدجلة واحدتها عَرَبة"، قلت: وسميت السفن بالعربات؛ لاتساع أجوافها فهي كأنها منتفخة بالماء العَرِب.
-3-
قال اللسان: أعربَ عنه لسانه، وعرَّب: أي أبان وأفصح" و"عرَّب منطِقَه أي هذَّبه من اللحن" و"عَرُب الرجل يعْرُب عُرْباً وعُرُوباً وعُروبة وعَرابة وعُرُوبيَّة كفَصُح، وعَرِب: إذا أفصح بعد لُكنةً في لسانه ورجل عريبٌ مُعْرِبٌ".
قلت: وأصل معنى ذلك أنه جعل الكلام صافياً من كل كدرٍ فهو واضحٌ بيِّنٌ كأنه الماء العَرِب الذي من صفاته الصفاء.
وفي اللسان: "وما بالدار من عريب مُعْرب أي أحد، والذكر والأنثى فيه سواء، ولا يقال إلا في النفي". قلت: وأصل معنى "عريبٌ مُعْربٌ" أنه الرجل الذي يجعل كلامه صافياً من كل لحنٍ أو عجمة.
قال اللسان: خيل عِرابٌ مُعْرِبةٌ، الذي ليس فيه عرق هجين....وإبلٌ عرابٌ كذلك" و"أعرب: صَهَلَ فَعُرِفَ عتِقُه بصهيله" و"أعرب الرجل: ملك خيلاً عراباً وإبلاً عراباً فهو مُعْرِبٌ". قلت: وإنما وصفوا الخيل والإبل بصفة (العِراب) تشبيهاً لها بالماء العَرِب أي الصافي من كل كدرٍ وكذلك هذه الخيل فهي صافية من كل عرقٍ هجين.
قال اللسان: العَرِبة والعَروب: المتحببة إلى زوجها المظهرة له ذلك، وقيل العُرُب الغنجات، وأعرب الرجل: تزوج أمرأةً عروباً، والعِرابة والإعراب: النكاح. قلت: ووصفت المرأة الخالصة من العيوب ذات الدلالة والغنج بالعروب على التشبيه بالماء العَرِب أي الصافي من كل كدر.
وفي اللسان: تعرَّبت المرأة للرجل: تغزَّلت، والعَروب: الخائنة بفرجها، الفاسدة في نفسها. قلت: وإنما وصفت المرأة من ذوات الرايات بذلك لما تبديه من غنج من قولٍ أو فعلٍ حين تعرضها للرجل، كمثل غنج الزوجة العروب لزوجها.
قال اللسان: "عَروبة والعَروبة: كلتاهما الجمعة"....وعَروب: اسم السماء السابقة" قلت: اشتقاق الأسمين يدل على الصفاء والنقاء من العيوب فهما كالماء العَرِب الصافي.
وفي اللسان: "التعريب: قطع سعف النخل وهو التشذيب". قلت: وإنما سمي قطع سعف النخل تعريباً، لأن قطع السعف يجعل جذع النخلة ناعماً أملس فهو كالخالص من العيوب كأنه صفاء الماء العرِب. ثم سمَّت العرب ما قطع من السعف (عِرْباً) بوزن (فِعْل) بمعنى مفعول، فالسعف العِرْب هو (السعف المعروب) أي المقطوع والمُزال، ثم تجاوزت العرب في الكلمة فأطلقت لفظ (عِرْب) على يبيس البقل وشوك البُهمى؛ لأن البقل اليابس يهِرُّ من أكمامه عند يباسه، وكذلك شوك البُهمى. جاء في اللسان: "العِرْب: يبيس كل بقل، الواحدة عِرْبة، وقيل عِرْب البُهمى شوكها" و"البُهمى: نبت تجد به الغنم وجداً شديداً ما دام أخضر فإذا يبس هرَّ شوكه وامتنع (أكله)".
-4-
قال اللسان: "عَرِب عَرابة: نشط، والعَرَب النشاط". قلت: وهو على التشبيه بالماء شديد الجريان، وفي اللسان: "العَرَبة: النفس" قلت: سميت بذلك إما لشدة جريان تبدلها وتغيرها فهي كالماء الشديد الجريان، وإما لصفائها الشديد ولطفها فهي لذلك لا تبصر بالعين فهي كالروح.
وفي اللسان: عرَّب الدابة: نَزَعها على أشاعرها (أي أسأل دمها) ثم كواها" بحيث لا يؤثر في عصبها وذلك ليشتَدَّ شعرها.
قلت: وإنما قيل: "عرَّب الدابة" لأنه أسال دمها فسال كالماء العرِب شديد الجريان.
قال اللسان: "التعريب: تمريض (الرجل) العَرِب، وهو الذَرِب المعدة (أي من استطلقت معدته) يقال: "عَرِبت معدته عرَباً: فسدت مما يحمل عليها مثل ذَرِبت ذَرَباً فهي عَرِبة وذَرِبة".
قلت: وإنما وصفت المعدة بذلك لأنها لما استطلقت جرى ما كان فيه جرياً شديداً.
"والتعريب والإعراب والإعرابة والعِرَابة بالفتح والكسر: ما قبح من الكلام وأعرب الرجل تكلم بالفحش". قلت: وإنما سمي الفحش من الكلام تعريباً على التشبيه بمن فسدت معدته لجامع التَّأذي منهما، وقد أشار الأزهري إلى هذا المعنى فقال: "ويحتمل أن يكون التعريب على من يقول بلسانه المنكر من هذا (يقصد من ذربت معدته) لأنه يفسد عليه كلامه كما فسدت معدته".
-5-
وسمت العرب بعض النباتات التي تنمو إلى جانب الماء العَرِب باسم من حروفه، فالعَبْرَب هو السُّماق، والعَرَبيَّ: شعير أبيض وسنبلة حرفان عريض، وحبُّه كبار، أكبر من شعير العراق، وهو أجود الشعير قلت: سمي بذلك إما نسبة إلى العرب وهم هذا الجيل من الناس، وإما لأنه قد سقي بالماء العَرِب فلذلك كبُرَ حبُّه، والعَرَاب: شجر يفتل من لحائه الحبال، الواحدة عَرابة، تأكله القرود، وربما أكله الناس في المجاعة".
قال اللسان: و"عَرابة، بالفتح: اسم رجل من الأنصار من الأوس، قال الشماخ:
إذا ما رايةٌ رفعت لمجدٍ
تلقاها عرابة باليمين
قلت: سمي الرجل باسم الشجرة.
المسألة الأولى: أصل معنى لفظ (العرب):
-1-
قال اللسان: اختلف الناس في العرب لِمَ سموا عرباً (إلى مذهبين): فقال بعضهم: أول من أنطق الله لسانه بلغة العرب يعْرُب بن قحطان، وهو أبو اليمن كلهم، وهم العرب العاربة، ونشأ إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام معهم، فتلكم بلسانهم فهو وأولاده العرب المستعرِبة.
الثاني: قيل إن أولاد إسماعيل عليه السلام نشؤوا بعَرَبةٍ وهي من تِهامة فنسبوا إلى بلدهم، و(عَرَبة) هي مكة. قال اللسان: "أقامت قريشٌ بعَرَبة فتنَّخت بها، وانتشر سائر العرب في جزيرتها فنسبوا كلهم إلى (عَرَبة) لأن أباهم إسماعيل عليه السلام ، بها نشأ ورَبَل أولاده فيها، فكثروا، فلما لم تحتملهم البلاد انتشروا وأقامت قريش بها. و"قال الأزهري: والأقرب عندي أنهم سُمُوا عرباً باسم بلدهم العَرَبات".
-2-
قلت: أما من قال: سمي العرب بذلك نسبة إلى يَعْرُب بن قحطان. فقول ضعيف عند التحقيق؛ ذلك أن أسم (يَعْرُب) يرجع في أصله إلى (الماء العَرِب)، وأصل الإسم أنه منقول من الفعل المضارع من نحو قولهم "فلانٌ يَعْرُب من الماء" أي يتناول من الماء العَرِب.
وأما من قال: إنهم سموا عرباً نسبةً إلى بلدهم (عَرَبة) أو (عَرَبات) فقد باعدَ أيضاً؛ ذلك أن اسم هذا الجيل من الناس وهم (العرب)، واسم البلدة وهي (عَرَبة) يرجعان إلى شىءٍ واحدٍ، وهو الماء العَرِب الذي هو الماء الصافي الكثير الشديد الجريان.
فالعَرَبة كما في اللسان: "هو النهر الشديد الجري"، وعَرَبات جمعها، فالعَرَبات هي الأنهار الشديدة الجريان، وإنما سميت مكة المكرمة بذلك لوجود نهر أو أنهارٍ كانت شديدة الجريان فيها.
غير أننا نعلم أن مكة وادٍ غير ذي زرع، فمن أين جاءت هذه الأنهار الشديدة الجريان حتى سميت مكة باسمها. قلت: كان ذلك في زمن العصور المطيرة، إذا كانت شبة الجزيرة ذات أنهار شديدة الجريان ثم جفت بإنقضاء العصور المطيرة، وذلك قبل عشرين ألف عام. (انظر مادة أدب).
-3-
وأما علة تسمية هذا الجيل من الناس بالعرب، فمردُّ ذلك أن لفظ العرب في أصله صفة للماء، إذ قالوا: "هذا ماء عَرَبٌ" أي كثير صافٍ شديد الجريان بالأنهار، ثم نقلت الصفة وهي (عرب) إلى العلمية فقالوا: (هذا عربٌ) أي هذا نهر كثير الماء شديد الجريان، ثم أضافت كل قبيلة اسمها إلى أحد هذه الأعراب (الأنهار) لتمييز الملكية فقالوا: "هذا عَرَب قبيلة كذا" و"هذا عرب قبيلة كذا" يريدون (هذا نهر أو ماء قبيلة كذا) و(هذا نهر أو ماء قبيلة كذا). ثم جاز اللفظ مجازاً مرسلاً علاقته المحلية إذا اكتفوا بذكر المحل وهو (العرب) أي النهر، وأرادوا من حلت إلى جواره، وهي القبيلة فقالوا: (هذه عرب كذا) أي (هذه قبيلة كذا)، وقالوا: (من أي العرب أنت؟) .أي (من أي القبائل أنت) ثم غلب لفظ (العرب) فصار اسم جنس لهذا الجيل من الناس الذي يجمعه لغة واحدة، وأعراف واحدة، ودين واحد، والحمد لله ربَّ العالمين.
-4-
وما زال لفظ (عرب) يستخدم بمعنى قبيله إلى يومنا هذا، فيقال: (عرب التعامرة) أي قبيلة التعامرة. ويقال للبدو خاصة "العرب" .قلت: أصل ذلك أن لفظ العرب كان يُعَرَّف بالإضافة فيقال: "عرب البدو" أي قبائل البدو، ثم حذف المضاف إليه وهو (البدو) وعرَّف المضاف بالألف واللام تعريفا بالعهد الذهني، فإذا قال المتكلم من أهل الحضر: (ذهبت إلى العرب) انصرف ذهن السامع إلى عرب البدو أي قبائل البدو.
ومجمل الأمر أن لفظ (العرب) لفظ قديم يرجع عند التحقيق إلى زمن العصور المطيرة قبل عشرين ألف عام.(انظر مادة الأدب).
المسألة الثانية: أصل معنى لفظ (العاربة):
-1-
قال اللسان: العرب العاربة: هم الخُلَّص منهم، وأخذ من لفظه فأُكِّد به كقولك ليل لائل، تقول: عرب عاربة وعرْباء: صرحاء، ومُتّعَرِّبة ومستعربة دخلاء ليسوا بخلَّص.
-2-
قلت: والقول إن معنى (العرب العاربة: هم الخلص منهم) وأن معنى (العرب المستعربة هم الدخلاء) تفسير يجعل التسمية قائمة على النقاء العنصري وهو أمر بعيد، ذلك أن العرب المستعربة وهم أبناء أسماعيل عليه السلام متجدِّرون في العروبة وليسوا بدخلاء، وأما أصل هذه الأسماء فهو ذو علاقة بالماء العَرِب، وسنزيد شرح هذا الأمر في المسألة الثالثة إن شاء الله.
-3-
قلت: العرب العاربة: هي القبائل صاحبة الأعراب (الأنهار) حيث كان الماء يجري في الأودية الشديدة الجريان، و(العاربة) هي صاحبة الماء العرِب ومثلها التامر واللابن أي صاحب التمر وصاحب اللبن.
إذاً، فمصطلح (العاربة) يقصد به تلك القبائل التي سكنت الجزيرة العربية في زمن العصور المطيرة قبل عشرين ألف عامٍ، فلما انقضت العصور المطيرة بدأت أنهار الجزيرة بالجفاف فخرجت القبائل إلى مصر والعراق واليمن والشام حتى خلت الحجاز من الناس، فلما شاء الله تعالى أن يُحيى الحجاز بذرية جديدة، جمع في تلك الذرية أمشاجاً من مصر والعراق واليمن والشام. فكانت جدتهم عليها السلام مصرية، وكان جدهم إبراهيم عليه السلام عراقياً، وكان أبوهم إسماعيل عليه السلام شامياً، إذ إنما ولد في الشام ثم حُمِل هو وأمه إلى مكة المكرمة كما هو معلوم، والإنسان إنما ينسب إلى مسقط رأسه. وكانت أم هذه الذرية وهي زوج إسماعيل عليه السلام من جرهم من اليمن. فكانت تلك الذرية هي أول إعمار للجريزة بدأ من مكة المكرمة في الحجاز حتى إذا ضاق بهم المكان خرجوا إلى سائر الجزيرة (لسان العرب: عرب).
-4-
وإذا كان لنا أن نتأوَّل ترتيب زمن خروج هذه القبائل من الجزيرة وصولاً إلى تلك البلاد المحيطة بها، بحيث يكون الترتيب من الأبعد زمناً إلى الأدنى، فكيف يكون هذا الترتيب؟
قلت: إذا كان الأصل في الأبن أنه ينسب إلى أبيه وأمه ثم إلى جده وجدته، ثم كان كل واحد من هؤلاء الأقارب يمثل قبائل بلد، فالجدة تمثل القبائل التي خرجت إلى مصر، والجد يمثل القبائل التي خرجت إلى العراق، والأم تمثل القبائل التي خرجت إلى اليمن، والأب يمثل القبائل التي خرجت إلى الشام، فقد أشعرنا هذا أن القبائل التي خرجت إلى مصر هي أبعد القبائل زمناً في الخروج من الجزيرة؛ لأن موضع الجدة هو الأبعد في خط النسب قياساً من موضع الأبن. ثم كانت القبائل التي خرجت إلى العراق هي الثانية في الخروج؛ لأن الجد أقرب من الجدة في خط النسب، ثم كانت القبائل التي خرجت إلى اليمن هي الثالثة في الخروج؛ لأن الأم أقرب من الجد في خط النسب، ثم كانت القبائل التي خرجت إلى الشام هي آخر القبائل خروجاً من الجزيرة؛ لأن الأب أقرب من الأم في خط النسب قياساً من موضع الإبن- والله أعلم.
المسألة الثالثة: أصل معنى لفظي (المستعرِبة والمتعَرِّبة):
-1-
قال اللسان: تقول عرب عاربة وعَرْباء: صرحاء، ومُتَعَرِّبة ومُسْتَعْرِبة: دخلاء ليسوا بخلَّص.
قلت: وقد سبق أن ناقشنا قول اللسان الآنف في أول المسألة الثانية فارجع إليه. ومما ينبغي علينا أن نعلمه قبل الخوض في بيان أصل معنى لفظ (العرب المستعرِبة) أن نعلم أن هذا المصطلح قد صار علماً على أبناء إسماعيل عليه السلام ، وهو الذي يرجع في وجوده التاريخي إلى عام (2000) قبل الهجرة، وهو زمن كانت الجزيرة تعيش فيه عصور الجفاف كما هو في هذا العصر وذلك بسبب انقضاء العصور المطيرة، وإن من أبرز سمات الجفاف قلة الماء، وهي المسألة التي تعنينا في هذا الموضوع.
-2-
قلت: وأما أصل معنى لفظ (المستعرِبة)، فنحن نعلم أن صيغة (استفعل) تفيد أحد معنين إما الصيرورة نحو (استحجر الطين) أي صار حجراً، وإما الطلب نحو (استفهم الرجل) أي طلب الفهم، وقد فسر اللسان معنى (المستعربة) على معنى الصيرورة، إذ جعل معنى (المستعربة) هم الأقوام الذين صاروا عرباً ولم يكونوا كذلك في أصلهم.
قلت: وهذا قول غير صحيح، فليس للمسألة علاقة بالنقاء العنصري، وإنما علاقتها بالماء العَرِب. فالعرب المستعربة: هي القبائل التي تطلب (العَرِب)، إذ جاز لفظ (العَرِب) إلى مطلق الماء، وإنما طلبت القبائلُ (العَرِبَ) أي الماء، بسبب القحط والجفاف، وذلك باستخراجه من (الأشعار) أي الآبار(2).
-3-
وأما مصطلح (المتعرِّبة) فهو علم على أبناء إسماعيل u أيضاً، وهو على صيغة اسم الفاعل من الفعل (تَعَرَّب) بوزن (تَفَعَّلَ) نحو تَصَبَّر وتَشَجَّع، وهي صيغة تفيد التكلف أي تكلف الصبر وتكلف الشجاعة.
ومعنى (تَعَرَّب) أي تكلف طلب (العَرِب) أي الماء، واسم الفاعل منه (المتعرِّبة) وإنما تكلفت القبائل طلب (العَرِب) أي الماء بسبب الجفاف والقحط في الجزيرة، بعد أن كانت أنهاراً وجناتٍ في زمن العصور المطيرة.
المسألة الرابعة: أصل معنى لفظ (الأعراب):
-1-
قلت: الأعراب: جمع عَرَب، نحو نَبَطٌ أنباط، وقلم أقلام، والعَرَبُ هو الماء الكثير الشديد الجريان في الوادي.
-2-
ثم وصف الناس الذين فيهم سرعة الإنفعال والطيش بالأعراب فقيل (فلان أعرابي الخلق) أي شديد الإنفعال سريع الغضب فهو كالماء الشديد الجريان الذي يجرف ما وقع أمامه. ومن ثَمَّ حملت هذه الصفة دلالة الذم، ثم غلب لفظ (الأعراب) على أولئك الناس الذين تلك صفاتهم، فصار لفظ (الأعراب) بذلك اسم جنس. والمفرد منه (أعرابي). ثم وصف الناس الطائش بصفة الجاهلي نسبة إلى (الجاهل) وهو (التنور) في مرحلة لاحقة، وسيأتي الحديث عنه إن شاء الله.