الحمد لله
أولاً: الشرب من ماء زمزم ليس واجبا ، بل هو مستحب وليس استحبابه خاصا بما بعد صلاة الركعتين خلف المقام ، بل الشرب من زمزم مستحب في كل وقت .
قال شيخ الإسلام في " مجموع الفتاوى" (26/144):
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَيَتَضَلَّعَ مِنْهُ وَيَدْعُوَ عِنْدَ شُرْبِهِ بِمَا شَاءَ مِنْ الأَدْعِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ اهـ .
وقال الموفق في "المغني" .
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ زَمْزَمَ , فَيَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا لِمَا أَحَبَّ , وَيَتَضَلَّعَ مِنْهُ . قَالَ جَابِرٌ , فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : ثُمَّ أَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ , وَهُمْ يَسْقُونَ , فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا , فَشَرِبَ مِنْهُ اهـ .
ومعنى (يَتَضَلَّعَ) أي يكثر من الشرب حتى يمتلئ جنبه وأضلاعه. حاشية السندي على ابن ماجه .
وقال النووي في "المجموع":
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ , وَأَنْ يُكْثِرَ مِنْهُ , وَأَنْ يَتَضَلَّعَ مِنْهُ - أَيْ يَتَمَلَّى - وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَبَهُ لِمَطْلُوبَاتِهِ مِنْ أُمُورِ الآخِرَةِ وَالدُّنْيَا, فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْرَبَهُ لِلْمَغْفِرَةِ أَوْ الشِّفَاءِ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى, ثُمَّ قَالَ ( اللَّهُمَّ إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَك صلى الله عليه وسلم قَالَ : "مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ " اللَّهُمَّ إنِّي أَشْرَبُهُ لِتَغْفِرَ لِي, اللَّهُمَّ فَاغْفِرْ لِي أَوْ اللَّهُمَّ إنِّي أَشْرَبُهُ مُسْتَشْفِيًا بِهِ مِنْ مَرَضٍ , اللَّهُمَّ فَاشْفِنِي ) وَنَحْوَ هَذَا, وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَنَفَّسَ ثَلاثًا كَمَا فِي كُلِّ شُرْبٍ, فَإِذَا فَرَغَ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى اهـ .
وقال الشيخ ابن باز في مجموع الفتاوى (16/138) :
يستحب للحاج والمعتمر وغيرهما أن يشرب من ماء زمزم إذا تيسر له ذلك اهـ .
فعلى هذا إذا اعتمرت وأنت صائم فلا حرج عليك من عدم الشرب من زمزم، وليكن شربك منها بعد الإفطار .
ثانياً: إذا كنت مسافراً إلى مكة للعمرة فإن المسافر يجوز له الفطر والصيام بإجماع العلماء، واختلفوا في الأفضل، وسبق في إجابة السؤال (20165) أن الأفضل هو الأيسر، فمن لم يشق عليه فالصوم أفضل، ومن شق عليه الصيام مع السفر فالفطر أفضل، لاسيما والمعتمر يحتاج إلى قوة ونشاط حتى يؤدي العمرة على وجه كامل، بدعائها وخشوعها .
ويخطئ بعض المعتمرين حيث يشقون على أنفسهم فيعتمرون وهم صائمون مع مشقة الصيام عليهم مما يؤثر على أدائهم العمرة، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفطراً يوم عرفة .
قال الشوكاني:
صَوْم ْيَوْم عرفة مُسْتَحَبّ لِكُلِّ أَحَد، مَكْرُوه لِمَنْ كَانَ بِعَرَفَاتٍ حَاجًّا. وَالْحِكْمَة فِي ذَلِكَ أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ مُؤَدِّيًا إِلَى الضَّعْف عَنْ الدُّعَاء وَالذِّكْر يَوْم عَرَفَة هُنَالِكَ وَالْقِيَام بِأَعْمَالِ الْحَجّ اهـ .
وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم الجمعة منفرداً .
قال النووي:
يُكْرَه إِفْرَاد يَوْم الْجُمُعَة بِالصَّوْمِ إِلا أَنْ يُوَافِقَ عَادَةً لَهُ, فَإِنْ وَصَلَهُ بِيَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ , أَوْ وَافَقَ عَادَةً لَهُ بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ شِفَاءِ مَرِيضِهِ أَبَدًا , فَوَافَقَ يَوْم الْجُمُعَة لَمْ يُكْرَهْ ..
قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْحِكْمَة فِي النَّهْي عَنْهُ : أَنَّ يَوْم الْجُمُعَة يَوْم دُعَاء وَذِكْرٍ وَعِبَادَةٍ : مِنْ الْغُسْل وَالتَّبْكِير إِلَى الصَّلَاة وَانْتِظَارهَا وَاسْتِمَاع الْخُطْبَة وَإِكْثَار الذِّكْر بَعْدَهَا ; لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانْتَشَرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا } وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَات فِي يَوْمهَا , فَاسْتُحِبَّ الْفِطْر فِيهِ , فَيَكُون أَعْوَنَ لَهُ عَلَى هَذِهِ الْوَظَائِف وَأَدَائِهَا بِنَشَاطٍ وَانْشِرَاحٍ لَهَا , وَالْتِذَاذٍ بِهَا مِنْ غَيْر مَلَلٍ وَلا سَآمَةٍ , وَهُوَ نَظِير الْحَاجّ يَوْم عَرَفَة بِعَرَفَةَ , فَإِنَّ السُّنَّة لَهُ الْفِطْر كَمَا سَبَقَ تَقْرِيره لِهَذِهِ الْحِكْمَة , فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَزُلْ النَّهْي وَالْكَرَاهَة بِصَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِبَقَاءِ الْمَعْنَى , فَالْجَوَاب : أَنَّهُ يَحْصُل لَهُ بِفَضِيلَةِ الصَّوْم الَّذِي قَبْله أَوْ بَعْده مَا يَجْبُر مَا قَدْ يَحْصُل مِنْ فُتُورٍ أَوْ تَقْصِيرٍ فِي وَظَائِفِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِسَبَبِ صَوْمِهِ , فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَد فِي الْحِكْمَة فِي النَّهْي عَنْ إِفْرَاد صَوْم الْجُمُعَة اهـ . باختصار.
وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى أركان الإسلام (ص464) : عن المسافر إذا وصل إلى مكة صائما فهل يفطر ليتقوى على أداء العمرة ؟
فأجاب:
نقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في العشرين من رمضان من عام الفتح ، وكان عليه الصلاة والسلام مفطرا . .
وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفطرا بقية الشهر ، لأنه كان مسافرا ، فلا ينقطع سفر المعتمر بوصوله إلى مكة ، ولا يلزمه الإمساك إذا قدم مفطرا ، وقد يكون بعض الناس مستمرا في صيامه حتى في السفر ، نظرا إلى أن الصيام في السفر في الوقت الحاضر ليس بشاق على الأمة ، فيستمر في صيامه في سفره ثم يقدم مكة ويكون متعبا ، فيقول في نفسه هل أستمر على صيامي، وأؤجل العمرة إلى ما بعد الفطر ، أم أفطر لأجل أن أؤدي العمرة فور وصولي إلى مكة ؟
فنقول له في هذه الحال : الأفضل أن تفطر لأجل أن تؤدي العمرة فور وصولك إلى مكة وأنت نشيط ؛ لأن السنة لمن قدم مكة لأداء نسك أن يبادر فورا لأداء هذا النسك ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل مكة وهو في نسك بادر إلى المسجد ، حتى كان ينيخ راحلته عند المسجد ، ويدخله ليؤدي نسكه الذي كان متلبسا به ، فكونك أيها المعتمر تفطر لتؤدي العمرة بنشاط في النهار ، أفضل من كونك تبقى صائما ، ثم إذا أفطرت في الليل قضيت عمرتك ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان صائما في سفره لغزوة الفتح فجاء إليه الناس وقالوا : يا رسول الله إن الناس قد شق عليهم الصيام ، وإنهم ينتظرون ماذا تفعل ، وكان ذلك بعد العصر ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فشربه ، والناس ينظرون ، فأفطر النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء السفر ، بل أفطر في آخر اليوم ، كل هذا من أجل أن يبين للأمة أن ذلك جائز ، وتكلف بعض الناس الصوم في السفر مع المشقة خلاف السنة لا شك ، وينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم « ليس من البر الصيام في السفر » اهـ .
فإذا كان صومك في السفر سيؤثر على أدائك العمرة فالأفضل لك الإفطار وقضاء ذلك اليوم .
المصـدر : طريق الاسلام