فوائده كثيرة على القلب والسرطان والالتهابات .. وخصائصه الفريدة لا تزال مستغلقة على العلماء
الرياض: د. حسن صندقجي
تنشر مجلة المجمع الأميركي للتغذية في عدد شهر مارس القادم، نتائج دراسة باحثين من إيطاليا حول فائدة زيت الزيتون في وقف نمو خلايا سرطان الدم. وخلال الأسابيع الماضية فقط وضمن أعداد مجلة الرابطة الأميركية للتغذية الإكلينيكية لهذا العام، تم نشر تسعة أبحاث تتحدث عن فوائد صحية من جوانب مختلفة لزيت الزيتون. ومن بين الكم الكثير لدراسات زيت الزيتون الطبية، فإن أهم ثلاث دراسات عالمية صدرت العام الماضي كانت حول تأثيرات زيت الزيتون الإيجابية بدرجة عالية على سرطان الثدي وشرايين القلب وآلام المفاصل المزمنة.
* أبحاث طبية
* عجلة الأبحاث والدراسات الطبية العالمية حول زيت الزيتون تشهد طفرة وارتفاعاً لا يقارن حتى بارتفاع أسواق الأسهم الخليجية في الآونة الأخيرة، فإقبال الباحثين اليوم عن قناعة ودراية على استثمار وقتهم وجهدهم في دراسة تأثيرات المكنونات الصحية العجيبة لزيت الزيتون هو في واقع الحال أكبر من إقبال وقناعة الكثيرين حين الاستثمار في أسواق المال اليوم، والعائد العلمي من فوائد صحية وطبية يفوق وصف المستثمرين لأرباحهم من البورصة حتى التي في الآونة الأخيرة.
وإن كان الاقتصاد هو من المحركات الضخمة اليوم لعجلة الحياة العالمية، فوفق مؤشرات السوق هذا العام كما يقول المحللون الاقتصاديون لمجموعة منتل الدولية لأبحاث السوق، ان هناك زيادة بنسبة حوالي 40% لمبيعات زيت الزيتون خلال السنوات الخمس الماضية في بريطانيا، وتخطت رغبة الناس فيه رغبتهم في شراء أي نوع من أنواع الزيوت النباتية الأخرى إذْ تجاوزت هذا العام نسبة الرغبة فيه حاجز 51% مقارنة بالزيوت الأخرى، وما كان ثمن النوع الإيطالي الجيد منه 35 جنيها إسترلينيا ( 61 دولارا) قبل خمس سنوات فإنه نفسه يُباع اليوم بسعر 65 جنيها إسترلينيا (113 دولارا)! ليتخطى بالتالي حجم سوق زيت الزيتون حاجز 104 ملايين جنيه إسترليني العام الماضي في بريطانيا وحدها، ويتوقع خبراء السوق أن ترتفع مبيعاته 11% بحلول عام 2010 ليبلغ حجم السوق حوالي 230 مليون جنيه إسترليني. أما في الولايات المتحدة، فإن إحصائيات إدارة التجارة هذه السنة فتقول باختصار شديد إن الاستهلاك السنوي لزيت الزيتون يبلغ اليوم في الولايات المتحدة حوالي 454 مليون رطل، أي أكثر من ضعف الاستهلاك قبل 10 سنوات.
و يعزو جميع المحللين الاقتصاديين السبب وراء الإقبال العالمي في دول لم تكن تعير هذا النوع من الزيت النباتي الطبيعي أي اهتمام، هو تواتر الدراسات الطبية التي تشير إلى فوائد صحية لا يمكن إغفالها بحال من الأحوال وسبل المحافظة على الصحة، كما أن تبني نتائج هذه الدراسات من قبل الهيئات الطبية العالمية وخصوصاً في الولايات المتحدة كرابطة القلب الأميركية وإدارة الغذاء والدواء والمؤسسة القومية للقلب والدم والرئة، وإصدارها بيانات وإرشادات واضحة حول الفوائد الصحية لها، أسهم بشكل مباشر في الإقبال العالمي اليوم على تناول زيت الزيتون.
* تأثيرات إيجابية
* الأساس في الدراسات الطبية التي تم حتى اليوم إجراؤها حول فوائد زيت الزيتون الطبية هي دراسته من ناحيتين، الأولى دراسة أثر تناوله علي أمور طبية معينة في الجسم كزيت، والثانية دراسة تأثيرات عناصر خاصة في تركيب زيت الزيتون الفريد. وبشكل عام فإن من المنطقي ملاحظة أمرين، الأول أن مواد العناصر في زيت الزيتون من زيوت أحادية غير مشبعة أو المواد المضادة للأكسدة أو الفيتامينات كلها تلعب دوراً مهماً في تعليل الفوائد الصحية له، وثانياً فان ملاحظة فائدة امتزاج هذه العناصر المفيدة بعضها ببعض يُعطي لزيت الزيتون فائدة مضاعفة أخرى في تعليل الفوائد الصحية له أيضاً. و إذا ما نظرنا بتأمل لمجمل نتائج الدراسات التي تمت حتى اليوم فإن ثلاث عمليات مرضية في جسم الإنسان يتعامل معها زيت الزيتون بنجاح يفوق غيره من الزيوت بمراحل، وهي تعديل اضطرابات الدهون والكولسترول في الجسم التي تُسهم في نشوء أمراض القلب والدماغ علي وجه الخصوص، وتضر أيضاً أعضاء أخرى في الجسم بشكل عام. وثانياً عمليات الالتهابات المزمنة التي تطال أعضاء شتى كالمفاصل وترسبات الكولسترول في شرايين القلب والدماغ وتدهور كثير من قدرات الدماغ الذهنية والأمراض الصدرية والأمراض المعدية نتيجة دخول ميكروبات متنوعة إلى الجسم. والثالث هي التغيرات الكيميائية والبنيوية التي تطال نواة خلايا أعضاء عدة في الجسم، وتتأثر بها، مما ينتج عنه ما يُعرف بالسرطان.
* زيت الزيتون والالتهابات وكانت قد صدرت دراسة للباحثين من فيلادلفيا بالولايات المتحدة في عدد أول سبتمبر الماضي لمجلة نيتشر العلمية وتحدثت حينها في ملحق الصحة بـ «الشرق الأوسط» عنها، تقول إن تناول كمية يومية من زيت الزيتون يعطي للجسم فائدة مفعول حبوب الأدوية المخففة للألم والمضادة للالتهابات من غير نوع الستيرويد NSAIDs كالأسبرين والبروفين، وحسب ما يرى الباحثون في الدراسة فإن وجود مادة أنزيمية تُدعى أوليكانثال Oleocanthal ذات الطبيعة المضادة لعمليات التهاب، هي أحد أسباب فائدة زيت الزيتون في مقاومة التأثر بالأمراض الالتهابية المزمنة، بدءا من أمراض شرايين القلب والدماغ ومروراً بأنواع من السرطان ووصولاً لأنواع من الخرف والعته الذهني، وبطبيعية الحال مشاكل المفاصل وفائدة استخدام زيت الزيتون في التدليك أو المساج للعضلات أو المفاصل المُرهقة بالاستخدام غير المريح لهما. والذي أثار الأمر لدى الباحثين هو الطعم الحارق في الحلق والباعث على السعال لتنظيف الرئة حينما يشرب أحدنا زيت الزيتون الأكثر بكارة. وبعد عزلهم للأنزيم المسبب للتأثير الحلقي هذا، قاموا بدراسة تأثيراته الصحية وتبين أنها تعمل على وقف النشاط الالتهابي من طريقي كوكس ـ1 وكوكس ـ 2، وأن كميتها في 50 غراما أو ما يوازي في أربعة ملاعق طعام من زيت الزيتون تعادل ما في 10% من قرص دواء إبيوبروفين المعتاد تناوله لتخفيف الألم لدى البالغين.
وبشكل عام فقد أشارت دراسات الملاحظة في المجتمعات أن نسبة الإصابة بالالتهابات المفصلية الروماتزمية وربو الشعب الهوائية في الرئة هو أقل بين متناولي زيت الزيتون مقارنة بغيرهم. ويعلل كثير من الباحثين الأمر بدور الدهون الأحادية غير المشبعة في حث الجسم علي إنتاج مواد تزيد في قوة جهاز مناعة الجسم، وعلى وجه الخصوص وجود معينة من نوع سيكوالين وبيتا سيتوستيرول وتايروسول، مما يُستأنس فيه بحديث دراسة نُشرت في عدد نوفمبر عام 2003 من مجلة الطب وحيوية الجذور الحرة، ودورهم في تخفيف مراحل الالتهابات.
لكن هذا الجانب من البحث يحتاج إلى كثير من الدراسات الأدق لجلاء حقيقة فائدة زيت الزيتون في حالات التهاب المزمنة أو الحادة مما ينتج عن العدوى الميكروبية وتداعياتها على جسم الإنسان.
* زيت الزيتون والسرطان
* تناول الباحثون من جامعة بيريغيا في إيطاليا ضمن ما سيصدر الشهر القادم في مجلة المجمع الأميركي للتغذية، دراسة تأثير زيت الزيتون وخاصة مادة فينول المضادة للأكسدة في النوع البكر منه على تكاثر الخلايا السرطانية المسببة لسرطان الدم human promyelocytic cell ومدى تميز اكتمال نموها proliferation and differentiation، وأظهرت أن مركبات الفينول تلعب دوراً رئيساً في قدرة زيت الزيتون على وقف نشاط وتكاثر الخلايا السرطانية في سرطان الدم وزيادة موت هذه الخلايا apoptosis من جهتها تحدثت دراسة للباحثين من شيكاغو صدرت في يناير 2005 من مجلة مدونات الأورام، عن دور قوي لحمض الأويليك الموجود في زيت الزيتون على خفض نسبة الجين المسبب لسرطان الثدي. وتبين للدكتور جعفر منينديز الباحث الرئيس في الدراسة من جامعة نورثوست أن حمض الأويليك في زيت الزيتون يوقف نشاط هذا الجين بنسبة 46%، وأيضاً يسهم في زيادة فاعلية أنواع معينة من علاجات السرطان. وكانت ملاحظة قلة انتشار سرطان القولون بين من يتناولون أطعمة ما يُعرف طبياً بوجبات البحر الأبيض المتوسط بالمقارنة مع من يقطنون شمالي أوروبا قد أثارت الباحثين من جامعة إلستر بشمال أيرلندا، ونشرت المجلة الدولية للسرطان في أكتوبر الماضي نتائج دراسة مختبريه تمت على خلايا سليمة من القولون، أشارت إلى حماية بدرجة كبيرة تؤمنها مواد الفينول في زيت الزيتون الباكر من تأثر هذه الخلايا بالمواد الباعثة على نشوء السرطان فيها. وقبلها كانت مجلة سموم الغذاء الكيميائية في عدد نوفمبر عام2003 قد أشارت إلى أن قلي لحم البقر من البيرغر في زيت الزيتون بالمقارنة مع استخدام زيوت أخرى يقلل من تأثير المواد المسببة للسرطان وخاصة مواد هيتروسيكلك أمين، أو الأمينات الحلقية العديدة غير المتجانسة carcinogenic heterocyclic amines وحينها أشار الباحثون إلى أمر طريف للغاية في المحافظة على زيت الزيتون وقوة فاعليته، إذْ حينما تطول مدة خزن الزيت تقل فاعليته المواد المضادة للأكسدة فيه كما هو معروف، لكن إضافة أراق عشب الروزماري إلى زيت الزيتون يقلل من فقدان فاعلية وفائدة المواد المضادة للأكسدة! تأثيرات زيت الزيتون في خفض نسبة الإصابة بأنواع شتى من السرطان ما تزال محل دراسة وبحث، لكن المنطق في التفكير يقول إن أحداً لن يتناول زيت الزيتون كعلاج لحالة من حالات السرطان ويدع المعالجة لدى الأطباء، بل إن الإنسان حينما يُخير بين زيوت شتى فإنه سيختار ما تشير الدراسات إلى دور في حمايته من الإصابة بها أو تقوية جهاز مناعته أو تخفيف الآلام عنه، وإن أشارت الدراسات إلى أنه يقلل من نمو السرطان أو انتشاره أو حتى مساعدة العلاج الدوائي أو الإشعاعي للسرطان فلم لا يحرص المرء على تناول هذا الزيت؟.
* زيت الزيتون والعظم
* وكانت الملاحظات التي أشارت إليها الدراسات في المجتمعات قد أظهرت قلة الإصابة بهشاشة العظم لدى من يتناولون زيت الزيتون مقارنة بغيرهم، الأمر الذي جعل المؤسسة القومية لأبحاث المنتجات الزراعية في فرنسا تكون فريقاً خاصاً لأبحاث زيت الزيتون، وحذت أخيرا بلجيكا حذوها بعد النتائج الفرنسية المشجعة. لكن الملاحظ أن الدراسات في هذا المضمار لا تزال بدائية، فاحدها نشرت في المجلة البريطانية للتغذية في يوليو 2004 وتمت على حيوانات التجارب أشارت إلى فائدة محتملة في تخفيف ألم هشاشة العظم، وعُزي التأثير إلى مركبات الفينول من مضادات الأكسدة وخاصة مادتي أوليوروبين وهايدروكسيتايروسول oleuropin and hydroxytyrosol. لكن الأمر يحتاج إلى مزيد من البحث كي تبنى عليه نصائح طبية في هذا الجانب وإن كانت حتى اليوم النتائج مشجعة. وهذا ما وعد به تحالف المجموعة الفرنسية مع البلجيكية لأبحاث الزيتون كما أشارت مصادرهم إلى أن يقوموا به في هذا العام.
* زيت الزيتون والقلب
* وهذا الجانب هو لب فوائد زيت الزيتون الصحية حتى اليوم، والأمر هنا منطقي من جهتين للمتأمل، الأول أن الدهون والزيوت مرتبطة بشكل مباشر في نشوء أمراض الشرايين سواء التي في القلب أو الدماغ، فهي على هذا سبب إذا ما أساء المرء استخدامها. والثاني أن التنافس بين أنواع الدهون يجعل من بعضها مخففاً لتأثير البعض الأخر منها، وهذا ما يقوم به زيت الزيتون، فعنوان زيت الزيتون هو أنه الدهن الغذائي الحميد الذي يساعد الجسم على تخفيف تأثره بالدهن الضار. ومن الصعب عرض الكم الكبير من الدراسات الطبية حول فوائد زيت الزيتون على القلب، لكن من المهم عرض النقاط الرئيسية لفوائده. والفوائد هنا تعتمد بناء على الدراسات التي تمت حتى اليوم على ما تقدم من نقطتين وهما آحاد العناصر فيه، وتأثير مزيجها ضمن زيت الزيتون. وفكرة الفوائد تعتمد على مقدمتين، الأولى إبقاء كمية الدهون المتناولة من الوجبات الغذائية اليومية ضمن حدود 30% من كمية الطاقة لها، والثانية العمل على إحلال الدهون غير المشبعة وخاصة الأحادية منها والمتوفرة بغزارة في زيت الزيتون محل الدهون المشبعة ذات المصادر الحيوانية في الغالب.