مقارنة بين حقوق الإنسان في الإسلام وفي الوثائق الوضعية الدولية
أولاً: من حيث الأسبقية والإلزامية:
لقد كان للشريعة الإسلامية الغراء فضل السبق على كافة المواثيق والإعلانات والاتفاقيات الدولية في تناولها لحقوق الإنسان وتأصيلها لتلك الحقوق منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان، وأن ما جاء به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية اللاحقة ومن قبلها ميثاق الأمم المتحدة ما هو إلا ترديد لبعض ما تضمنه الشريعة الإسلامية الغراء.
فحقوق الإنسان المهددة اليوم والتي ندعو إلى حمايتها واحترامها قد أقرها الإسلام وقدسها منذ أربعة عشر قرناً فسبق بها سبقاً بعيداً عما قال به القرن الثامن عشر الذي عُد قرن حقوق الإنسان
وحقوق الإنسان كما جاء بها الإسلام حقوق أصيلة أبدية لا تقبل حذفاً ولا تعديلاً ولا نسخاً ولا تعطيلاً، إنها حقوق ملزمة شرعها الخالق سبحانه وتعالى، فليس من حق بشر كائناً من كان أن يعطلها أو يتعدى عليها، ولا تسقط حصانتها الذاتية لا بإرادة الفرد تنازلاً عنها ولا بإرادة المجتمع ممثلاً فيما يقيمه من مؤسسات أياً كانت طبيعتها وكيفما كانت السلطات التي تخولها.
أما فيما يتعلق بالقيمة القانونية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان فهو ليس إلا مجرد تصريح صادر عن الأمم المتحدة غير ملزم.
فيتضح أن حقوق الإنسان في المواثيق الدولية عبارة عن توصيات أو أحكام أدبية، أما في الإسلام فحقوق الإنسان عبارة عن فريضة تتمتع بضمانات جزائية وليست مجرد توصيات أو أحكام أدبية، فللسلطة العامة في الإسلام حق الإجبار على تنفيذ هذه الفريضة، خلافاً لمفهوم هذه الحقوق في المواثيق الدولية التي تعتبرها حقاً شخصياً مما لا يمكن الإجبار عليه إذا تنازل عنه صاحبه.
ثانياً: من حيث العمق والشمول:
حقوق الإنسان في الإسلام أعمق وأشمل من حقوق الإنسان في الوثائق الوضعية، فحقوق الإنسان في الإسلام مصدرها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أما مصدر حقوق الإنسان في القوانين والمواثيق الدولية فهو الفكر البشري، والبشر يخطئون أكثر مما يصيبون، ويتأثرون بطبيعتهم البشرية بما فيها من ضعف وقصور وعجز عن إدراك الأمور والإحاطة بالأشياء، وقد أحاط الله بكل شيء علماً.
إن الحقوق في الإسلام تبلغ درجة الحرمات وهي في هذا تمر بدرجات، فالحقوق مُسَلَّمة، ومن بعدها تدعمها الواجبات، ومن بعد الواجبات تحميها الحدود، ومن بعد الحدود ترتفع إلى الحرمات.
وإذا كانت المواثيق البشرية قد ضمنت بعض الحقوق فإن الإسلام بمصدريه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة شملا جميع أنواع الحقوق التي تكرم الله بها على خلقه.
ثالثاً: من حيث الحماية والضمانات:
إن حقوق الإنسان في القوانين الوضعية لم توضع لها الضمانات اللازمة لحمايتها من الانتهاك.
فبالرجوع إلى مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948م نجده لم يحدد الوسائل والضمانات لمنع أي اعتداء على حقوق الإنسان وبخاصة ما يكون من هذه الوسائل والضمانات على المستوى العالمي.
كما تضمن الإعلان تحذيراً من التحايل على نصوصه أو إساءة تأويلها دون تحديد جزاء للمخالفة، وتضمنت أيضاً تشكيل لجنة لحقوق الإنسان تقوم بدراسة تقارير الدول الأطراف عن إجراءاتها لتأمين الحقوق المقررة، كما تتسلم التبليغات المقدمة من إحدى الدول الأطراف ضد أخرى بشأن أدائها لأحد التزاماتها المقررة بمقتضى الاتفاقية وذلك بشروط معينة.
وبالنظر إلى الحماية الدولية لحقوق الإنسان نجدها محاولات لم تصل إلى حد التنفيذ، وهي تقوم على أمرين:
1- محاولة الاتفاق على أساس عام معترف به بين الدول جميعاً.
2- محاولة وضع جزاءات ملزمة تدين الدولة التي تنتهك حقوق الإنسان.
إن كل ما صدر عن الأمم المتحدة والمنظمات والهيئات بخصوص حقوق الإنسان يحمل طابع التوصيات ولا يعدو كونه حبراً على ورق يتلاعب به واضعوه حسبما تمليه عليهم الأهواء والشهوات.
أما في الإسلام فقد اعتمد المسلمون في مجال حماية حقوق الإنسان على أمرين أساسين، وهما:
1- إقامة الحدود الشرعية، إذ إن من أهم أهداف إقامة الحدود الشرعية في الإسلام المحافظة على حقوق الأفراد.
2- تحقيق العدالة المطلقة التي أمر الله بها ورسوله صلى الله عليه وسلم وحثا عليها في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
قال تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ} [النحل:90].
قال ابن عطية: "والعدل هو فعل كل مفروض من عقائد وشرائع وسير مع الناس في أداء الأمانات وترك الظلم والإنصاف وإعطاء الحق"[6].
وقال تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ} [النساء:58].
قال ابن كثير: "أمر منه تعالى بالحكم بالعدل بين الناس".
وقد امتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ربه في إقامة العدل فكانت حياته كلها عدل، وعلم أصحابه العدل وأوصى أمته به وحذرهم من الظلم، ووضع منهج الإسلام في إقرار العدل والمساواة والمحافظة على الحقوق وحمايتها.