الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: فإن من المسائل المهمة
التي يتعين على كل مسلم أن يتعلمها ويضبطها: مسائل الطهارة، خاصة ما يتعلق
بصفات أفعالها وأحكامها من وضوء وغسل، وهذه مقالة جمعت فيها أهم المسائل مع
أدلتها، جعلتها مختصرة ليسهل تناولها وحفظها نسأل الله تعالى أن ينفع بها.
صفة الوضوء
1-لا يصح الوضوء إلا أن ينويه المتوضئ لقوله صلى الله عليه وسلم:"إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى" (متفق عليه).
2-ويسن له أن يستاك قبل الشروع في الوضوء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ" (رواه مالك وأحمد وعلقه البخاري في صحيحه).
3-ثم يقول:"بسم الله" استحبابا، لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" تَوَضَّئُوا بِسْمِ اللَّهِ" (رواه النسائي).
4-ثم
يغسل كفيه ثلاثا ولا يدخل يديه في الإناء، بل يكفئ على يده، ويكره له
إدخال يديه فيه إذا استيقظ من النوم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إِذَا
اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي
الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ
بَاتَتْ يَدُهُ" (متفق عليه).
5-ثم يمضمض ويستنشق من كفٍّ واحدة ثلاث مرات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:" أَسْبِغْ الْوُضُوءَ وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا"
(رواه النسائي وأبو داود والترمذي وصححه). وفي رواية عند أبي داود:" إذا
توضأت فمضمض"، والسنة أيضا أن يغترف باليمين ويستنثر باليسار.
6-ثم
يغسل وجهه ثلاث مرات، وحد الوجه من منابت الشعر إلى أسفل الذقن طولا، ومن
الأذن إلى الأذن عرضا، ويغسل ظاهر لحيته التي على وجهه، وأما تخليلها
فمستحب، لأن الوجه ما تحصل به المواجهة دون ما بطن وما استرسل.
7-ثم يغسل يديه من أطراف أصابعه إلى المرفقين ثلاث مرات، حتى يشرع في العضد، والسنة أن يبدأ باليمين ثم الشمال .
8-ثم
يمسح رأسه جميعه من مقدم رأسه إلى قفاه ثم يعيدهما إلى المحل الذي بدأ منه
مرة واحدة، ويجوز أن يمسح على العمامة وإن غطت كل رأسه ، فقد ثبت أن النبي
صلى الله عليه وسلم مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَمُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ (رواه مسلم).
9-ثم يمسح أذنيه بماء الرأس (ببلل يديه ولا يجدد أخذ الماء)، بأن يدخل سباحتيه في صماخي أذنيه ويمسح بإبهاميه ظاهرهما.
10-ثم
يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاث مرات، حتى يشرع في الساق، والسنة أن يبدأ
اليمنى ثم اليسرى، ويستحب تخليل الأصابع إلا إذا كان الماء لا يمر بينها
فيجب، لقوله صلى الله عليه وسلم للقيط ابن صبرة:" خلل بين الأصابع " (رواه
النسائي وأبو داود والترمذي وصححه).
11-ثم يأتي بالدعاء الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال:"مَا
مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبِغُ الْوَضُوءَ
ثُمَّ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ
الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ" (رواه مسلم).
12-ويجب عليه أن يرتب أفعال الوضوء الواجبة لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، قال الله تعالى: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا
وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ
وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) (المائدة:6)
13-والفرض من ذلك أن يغسل كا عضو مرة واحدة.
14-وأن
يوالي بينها بأن لا يفصل بينها بفاصل طويل عرفا، لحديث عمر أَنَّ رَجُلًا
تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفُرٍ عَلَى قَدَمِهِ فَأَبْصَرَهُ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:" ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ" فَرَجَعَ ثُمَّ صَلَّى (رواه مسلم).
المسح على الخفين
1-والمسح
على الخفين مشروع بالإجماع، وقال أحمد بن حنبل: "ليس في قلبي من المسح شيء
فيه أربعون حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رفعوا وما وقفوا".
2-ويجوز المسح على النعال الساترة لمحل الفرض (تستر الكعبين)، وعلى الجوارب الثخينة الصفيقة لأنها في معنى الخف، وقد نقل ذلك عن كثير من الصحابة ولا مخالف لهم.
3-ويجوز المسح على الجورب المخرق إلا أن يكون الخرق فاحشا بحيث لا يمكن متابعة المشي عليه فلا يجوز المسح عليه.
4-وهذا المسح مؤقت بيوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، قال علي رضي الله عنه جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ (رواه مسلم)، وابتداء التوقيت من أول مسح.
5-يشترط
لصحة المسح أن يلبس الخفين على طهارة شرعية كاملة، قال المغيرة رضي الله
عنه:" كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَأَهْوَيْتُ
لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ:" دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ" فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا" (متفق عليه).
6-ولا يمسحهما إلا إذا أحدث حدثا أصغر وأما في الجنابة فيجب نزعهما، لحديث صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ:" كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ رضي الله عنه يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لَا
نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إِلَّا مِنْ
جَنَابَةٍ وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ" (رواه النسائي وابن ماجة والترمذي وصححه).
7-ويكفي
أن يمسح أكثر ظاهرهما دون تكلف الاستيعاب، قال علي رضي الله عنه :" لَوْ
كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ
مِنْ أَعْلَاهُ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ" (رواه أبو داود وصححه ابن حجر في التلخيص الحبير).
نواقض الوضوء
نواقض الوضوء أربعة ، وهي:
1-زوال العقل بنوم أو سكر أو إغماء لحديث صفوان مرفوعا:" ولكن من غائط وبول ونوم" (رواه النسائي وابن ماجة والترمذي وصححه).
2-ومس الفرج مطلقا لقوله صلى الله عليه وسلم :" مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ" (رواه النسائي وأبو داود وابن ماجة والترمذي وصححه).
3-وأكل
لحم الإبل، لحديث جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ قَالَ
إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَوَضَّأْ قَالَ أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ قَالَ نَعَمْ فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ (رواه مسلم).
4-الخارج من السبيلين مطلقا، ومنه:
-البول والغائط، لقوله تعالى: (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِط) (النساء:43).
-خروج الريح (الفساء والضراط)، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة:" لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا" (متفق عليه).
-المذي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ" (متفق عليه).
-دم الاستحاضة لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ" (رواه البخاري).
موجبات الغسل
1-يجب
الغسل من الجنابة وهي إنزال المني بجماع أو غيره، قالت أم سُلَيْمٍ للنبي
صلى الله عليه وسلم هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ
احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" نَعَمْ إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ " (متفق عليه).
2-أو بالتقاء الختانين ولو من غير إنزال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ" (رواه مسلم).
3-ويجب
الغسل عند انقطاع دم الحيض والنفاس، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَسْمَاءَ
سَأَلَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ فَقَالَ تَأْخُذُ
إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ
ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا حَتَّى
تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ (رواه مسلم).
4-ويجب
الغسل على الكافر إذا أسلم، لحديث قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ
فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ
وَسِدْرٍ رواه الترمذي والنسائي وأبو داود وصححه ابن خزيمة وابن حبان.
صفة الغسل
وأما
صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم المستحبة، فكما روتها مَيْمُونَة أن
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وضع وَضُوءًا لِجَنَابَةٍ:
1-فَأَكْفَأَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا .
2-ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ أَوْ الْحَائِطِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا.
3-ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ.
4-ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ ثُمَّ غَسَلَ جَسَدَهُ.
5-ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ.
6-قَالَتْ فَأَتَيْتُهُ بِخِرْقَة فَلَمْ يُرِدْهَا فَجَعَلَ يَنْفُضُ بِيَدِهِ(متفق عليه).
7-ويستحب
أن يبدأ في غسل رأسه وجسده بالشق الأيمن ، ثم الأيسر، وقد كَانَ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ َأَخَذَ
بِكَفِّهِ فَبَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ (متفق
عليه).
8-والفرض
في الغسل غسل جَميع البدن وما تحت الشعور الخفيفة والكثيفة مع النية، فمن
أفاض على جميع جسده الماء أو انغمس فيه أجزاه ذلك، لحديث أُمِّ سَلَمَةَ
قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ
رَأْسِي فَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ قَالَ لَا إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِيَ عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ (رواه مسلم).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الكاتب محمد حاج عيسى الجزائري