الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد فهذه رسالة إلى رواد
الملاعب إلى إخواننا المفتونين بكرة القدم، ضحايا هذه المنافسات وأسارى هذا
المخدر الجديد الذي غزا بلاد المسلمين فأفسد عقولهم وأخلاقهم، وصرفهم عما
فيه صلاحهم في دينهم ودنياهم، رسالة نخاطب بها عقولهم ونحاول أن نكشف لهم
فيها عن أظهر مفاسد مناصرة الأندية ومشاهدة المباريات وأجلى المخالفات
الناجمة عنها .
1-نشر العداوة والبغضاء بين شباب الأمة
أيها الشباب إن هذه المنافسات قد فرقتكم ونشرت العداوة والبغضاء بينكم،
فإنكم في المدينة الواحدة والحي الواحد منقسمون متعادون متباغضون، بل ربما
في البيت الواحد، فمن أحب الفريق الفلاني فهو الأخ المحبوب ومن أبغضه فهو
العدو اللدود ، والله تعالى يقول : (إنما المؤمنون إخوة ) والنبي صلى الله
عليه وسلم يقول:« لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا
وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا » متفق عليه. إنهم يزعمون أن هذه
المنافسات وسيلة للتآلف والتآخي بين أبناء الوطن الواحد، وطريق لربط جسور
التواصل بين البلدان الأمم المختلفة، ولكن الواقع والتاريخ يشهدان بأنها ما
كانت إلا وقود فتن، وفتيلا إشعال نيران العداوة، وربما أسعرت حروبا كما
حدث في أمريكا اللاتينية.
2-إفساد الروابط الأسرية
إن فساد هذه المباريات قد اقتحم بيوت كثير من المسلمين، فكم من رحم قطعت
بسببها، وكم من مسعور طلق زوجته لأن فريقه المفضل انهزم وأقصي من المنافسة،
وزوجته العديمة الذوق! لم تبادله الشعور بالحزن! ولم تواسه في مصيبته
التي حلت به! وربما راحت تعِظُه، أو تسخر منه فاستحقت منه كلمات الطلاق بعد
الضرب المبرح ووابل الشتائم .
ومن ضحايا هذه المباريات الأطفال الصغار الذين ينالهم الإهمال عند اشتغال
من في البيت بمتابعة المباراة بلقطاتها المثيرة، التي تجذب الناظرين
وتجعلهم يلتصقون بأماكنهم ويخشعون بكل جوارحهم مع مجريات اللقاء فلا يشعرون
بما يجري حولهم.
3-انتشار السب والقول الفاحش
أيها الشباب إن الملاعب قد أصبحت مدارس يتعلم فيها فنون السب والشتم
والتعيير والقذف، حيث تستباح أعراض اللاعبين والمشجعين، وقد تخرج من تلك
المدارس فئام صفتهم الكاشفة بذاءة اللسان والفحش، وكفى هذا سوءة فإن نبينا
صلى الله عليه وسلم قد حرم عرض المسلم في آخر وصاياه، وقال صلى الله عليه
وسلم :« يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ
إِلَى قَلْبِهِ لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ» (رواه
الترمذي). وقال تعالى : (وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ) (الحجرات:11)،
وربما كان هذا السباب ضمن الصيحات التي يرددها الجمهور من المدرجات، فيتعدى
الأذى إلى السامعين لها من السكان القريبين من الملاعب.
4- الصدُّ عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة
أيها الشباب إن هذه المباريات تصدكم عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة، وهذا
أمر مشاهد ومعروف عند العامة والخاصة، لا ينكره إلا مكابر، فأكثر رواد
الملاعب يتركون الصلاة أو يؤخرونها عن وقتها، وربما تركوا صلاة الجمعة
بسببها، وكذلك كم من الشباب يتخلف عن صلاة الجماعة بسبب متابعة المباريات
في التلفاز، ومن ينام عن صلاة الفجر بسبب السهر إلى ساعات متأخرة من الليل،
قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ
الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ
عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)
(المائدة:91)، فكل لهو أوقع العداوة والبغضاء بين العاكفين عليه وصدهم عن
ذكر الله وعن الصلاة فهو كشرب الخمر، ولا شك أن متابعة المباريات مثل الخمر
في كل ذلك، بل إن الذي ينظر في تصرفات رواد الملاعب وآثار تلك التجمعات
يرى أضعاف ما يحصل من جراء تناول الخمور والمخدرات.
5- تضييع الأوقات والأعمار
أيها الشباب كم هي الأوقات التي تضيعون في متابعة هذه المباريات والتعليق
عليها وقراءة ما يتعلق بها، إنه إذا كان الذي يتابع هذه المباريات يضيع
فيها معدل أربع ساعات في اليوم، فهذا يكون قد ضيع سدس عمره أي عشر سنوات من
ستين سنة!!! وليس مرادنا المنع من الترويح على النفس، لا ولكن قد جعل الله
لكل شيء قدرا، وضوابط ذلك مبسوطة في غير هذا الموضع. أيها الشباب تذكروا
أنكم مسؤولون عن كل لحظة من لحظات عمركم، قال النبي صلى الله عليه وسلم
:«لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ
عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ » (رواه الترمذي)، إنكم لن تعرفوا قيمة الوقت
إلا بعد أن يضيع شبابكم وتتقدموا في السن، تذكروا قوله تعالى : (قَالَ كَمْ
لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ
بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ) (المؤمنون:113) وتأملوا قول الحسن
البصري:» أيها الإنسان إنما أنت أيام مجموعة كلما ذهب يوم ذهب بعضك«.
6- تضييع العمل وأكل الحرام
وكثير من المغرمين بهذه المباريات لا يصبرون على أن يفوتهم بعضها، فتجدهم
يتغيبون عن عملهم ويضيعون مصالح أمتهم ومصالح أولادهم ، ومنهم من يُزوِّر
الشهادات الطبية من أجل تقاضي أجرته في ساعات غيابه، فيأكل الحرام، وكذا من
يصطحب معه جهاز الراديو أو التلفاز إلى مكان عمله واقع في أكل الحرام، لأن
تلك الساعات ساعات عمل وهو مأجور على العمل لا على مجرد الحضور. وفي
الحديث :« يا كعب بن عجرة إنه لا يدخل الجنة لحم ودم نبتا على سحت، النار
أولى به» (رواه الترمذي وصححه الألباني )
7-شغل المسلمين عن قضاياهم وقضايا أمتهم
أيها المسلمون إن أعداء الإسلام والبشرية قد استكثروا من هذه المنافسات
وتفننوا فيها، وهدفهم شغل سكان العالم بأسره عن همومهم ومشاكلهم
واحتياجاتهم، كما جاء مصرحا به في البروتوكول الثالث عشر من برتوكولات
خبثاء صهيون .
وكان من أثر ذلك في العالم الإسلامي أن شغلوا المسلمين عن قضاياهم الخاصة:
عن دراستهم وعن عملهم فضلا عن قضايا أمتهم المصيرية، وإنك لترى أكثر
المتابعين لهذه المباريات لا يكترث ولا يأبه بما يحدث لإخوانه المستضعفين
في شتى بقاع العالم، من تشريد وتقتيل وتعذيب وتنكيل، وانتهاك للحرمات
وتدنيس للمقدسات، بل شغلهم الشاغل تتبع نتائج المباريات والشغف بمعرفة
وضعية اللاعبين المادية وتنقلاتهم من فريق إلى آخر، إلى غير ذلك من الأمور
التافهة، بل تجده يناصر الفريق البريطاني في الوقت الذي تحتل القوات
البريطانية الأراضي الإسلامية، وتجده يمجد اللاعب الدانماركي وفي الوقت
الذي تحدت فيه الدانمارك شعبا وحكومة الأمة الإسلامية بسب النبي صلى الله
عليه وسلم، ويخرج الجزائريون فرحا لانتصارهم على الألمان في الوقت الذي
كانت القوات اليهودية تجتاح لبنان وترتكب المجازر الرهيبة في حق
الفلسطينيين في مخيمات صبرا وشاتيلا.
8- موالاة الكفار والفساق
أيها الشباب المسلم إن من أصول عقيدتك أن تتبرأ من الكفار وأن تبغضهم في
الله ولا تواليهم، وإن المباريات قد محت هذه العقيدة من قلوب كثير منكم،
فإننا نراهم يحبون اللاعب الكافر ويبجلونه، ويجري على ألسنتهم مدحه والثناء
عليه، ويحملون صورته على صدورهم وفي سياراتهم ويعلقونها في بيوتهم،
ويغضبون له إذا نيل منه وطُعن فيه، والله تعالى يقول : (لا تَجِدُ قَوْماً
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ
إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ) (المجادلة:22)، والكلام نفسه يقال عن
موالاة اللاعبين الفساق، الذين يعرفون بالمجون والفجور وشرب الخمور.
9-القدوة السيئة للشباب
ولقد أصبح هؤلاء الكفار والفساق قدوة شباب الإسلام، يتتبعون أخبارهم وما
يتعلق بحياتهم الخاصة، من أصدقاؤهم وصديقاتهم؟ أين يتنزهون؟ ماذا يأكلون
ويشربون؟ يعتبرونهم أبطالا ونجوما منبهرون بهم ذائبون في شخصياتهم، وقد بلغ
الأمر بكثير منهم إلى حد تقليدهم والتشبه بهم في طريقة حلق الرأس واللحية،
وتجدهم يذكرونهم أكثر من ذكر الله تعالى، ويعرفون من سيرتهم وأخبارهم ما
لا يعرفونه عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم قدوة الأنام عليه أفضل الصلاة
والسلام.
10- إقرار المنكرات والنظر إلى العورات
أيها الشباب إن متابعة هذه المباريات لا يخلو من مشاهدة ومعايشة منكرات
واضحة، وأظهرها النظر إلى عورات اللاعبين، وقد قال لنا نبينا صلى الله
عليه وسلم :« لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلَا
الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ » (رواه مسلم) فلا اللاعب يستحيي
فيستر نفسه ولا المتفرج فيغض بصره ، ولقد أصبح هذا المنكر البين أمرا عاديا
عند المفتونين بالكرة.
والذي يذهب إلى الملاعب سيجد نفسه أمام منكرات لا تعد ولا تحصى؛ هذا تصفيق
وصفير وهذا صراخ وعويل، وهذا سباب وشتائم ، وهذا تدخين ومخدرات، وهذه خمور
ومسكرات، وهذه سرقة ونهب، وهذا اعتداء وسطو وظلم وإفساد للممتلكات، وهذا
رفع لأعلام البلدان الكافرة وشعارات يزينها الصليب، ولا يصبر على معايشة
هذه المنكرات من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، قال النبي صلى الله عليه
وسلم :« مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ
لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ
وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ » (مسلم).
11- تبذير الأموال
أيها المسلمون إن من مفاسد هذه المنافسات تبذير وتبديد الأموال، وقد قال
تعالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ)
(الإسراء:27). أموال طائلة تنفق لدخول الملاعب وللتنقل لمناصرة الفريق
المفضل، ورواتب خيالية يتقاضاها اللاعبون والمدربون، وأموال لا حد لها
تنفقها الدول في بناء الملاعب وتجهيزها، ودعم النوادي، وتأمين تكاليف إقامة
المباريات وتنقلات اللاعبين من بلدة إلى بلدة ومن دولة إلى دولة، وإصلاح
الأضرار المادية التي تلحقها الجماهير بالمرافق العمومية إذا لم ترض بنتائج
فريقها، وإن هذه المنافسات بهذا المنظار تكلفنا ميزانية لو صرفت لهؤلاء
الشباب العاطل الذي يملأ الملاعب لحلت جميع مشاكله ولوفر له الشغل والسكن
والزواج!! نسأل الله تعالى أن يهدينا ويهدي المسلمين وشبابهم لما فيه
صلاحهم في دينهم ودنياهم .
الكاتب أبو عبد الله محمد حاج عيسى الجزائري