الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد : فإن الله تعالى أرسل
إلينا رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم e لنعبد الله تعالى وحده ، ولكي
نعبده بما شرع ، ولا يقبل الله تعالى عبادة العبد إلا إذا كانت خالصة لوجهه
الكريم وموافقة للشرع على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، قال النبي صلى
الله عليه وسلم :« من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » متفق عليه،
ومن العبادات اليومية التي يحتاج إلى معرفتها ومعرفة أحكامها والأخطاء التي
ينبغي اجتنابها فيها: عبادة الطهارة بنوعيها، الطهارة من النجاسة والطهارة
من الحدث (طهارة الوضوء والغسل والتيمم)، وقد رأيت أن أخص هذه العبادة
بمقالة أجمع فيها الأخطاء التي يكثر وقوعها ليجتنبها الناس، نسأل الله
تعالى أن ينفع بها .
1-الاستنجاء ليس من أفعال الوضوء
كثير من الناس يعد الاستنجاء من أفعال الوضوء، فتجدهم يتقصدون الاستنجاء
قبل الوضوء ولو من غير إحداث، وهذا ظن فاسد بسببه ربما ترك بعضهم الوضوء
وضيعوا صلاة الجماعة، وبسببه أيضا صار كثير منهم يؤخر الاستنجاء إلى وقت
الصلاة.
2-عدم التنزه من البول
ومن الأخطاء عدم التنزه من البول، وذلك بترك الاستنجاء بالماء أو عدم
التحفظ من رشاشه، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين
فقال: «إنهما يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ وَإِنَّهُ
لَكَبِيرٌ كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ وَكَانَ
الْآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ».
3-الاستنجاء من خروج الريح
والحدث الموجب للاستنجاء هو خروج النجاسة من السبيلين، وليس خروج الريح
بموجب له كما يظنه بعض الناس، وليس في الكتاب أو السنة ما يدل على مشروعية
ذلك.
4-استقبال القبلة عند قضاء الحاجة
ومن الأخطاء استقبال القبلة أو استدبارها عند قضاء الحاجة ببول أو غائط،
فإن ذلك مما ورد النهي عنه، قال سلمان رضي الله عنه: «لَقَدْ نَهَانَا أَنْ
نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ
بِالْيَمِينِ أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ
أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ » (رواه مسلم)، وهذا النهي
نهي عام سواء كان ذلك في الفضاء أو في المراحيض، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي
الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :« إِذَا أَتَيْتُمْ
الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا
وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» قَالَ أَبُو أَيُّوبَ فَقَدِمْنَا
الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ بُنِيَتْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ فَنَنْحَرِفُ
وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى (متفق عليه).
5-الجهر بالنية عند الوضوء
والجهر بالنية من البدع الظاهرة ومن فعل الموسوسين، قال ابن القيم:« ولم
يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في أوله : نويت رفع الحدث ولا استباحة
الصلاة، لا هو ولا أحد من أصحابه ألبتة، ولم يرد عنه في ذاك حرف واحد، لا
بإسناد صحيح ولا ضعيف».
6-إدخال اليد في الإناء بعد النوم
من أخطاء الطهارة إدخال اليدين في الإناء قبل غسلهما ثلاثا بعد الاستيقاظ
من النوم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:« إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ
مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا
ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» (متفق عليه) سواء
كان نومه بالليل أو النهار.
7-الإسراف في الماء
الإسراف في الماء من الاعتداء في الطهور الذي أخبر النبي e أنه سيكون في
هذه الأمة (رواه أبو داود) وذلك مثل من يتطهر من "الحنفية" مباشرة فيكون
الماء الضائع أضعاف الماء المستعمل في طهارته (وضوء أو غسل)، وفي الصحيحين
عن أنس رضي اله عنه قال :« كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم يَغْتَسِلُ
بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ»، والصاع
ثلاث لترات إلا ربع ، والمد ربع الصاع .
8-الزيادة على ثلاث غسلات في الوضوء
ومن الاعتداء في الطهور الزيادة على ثلاث غسلات، ثبت في السنن أن
أَعْرَابيا جاء إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُهُ عَنْ
الْوُضُوءِ فَأَرَاهُ الْوُضُوءَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ:« هَكَذَا
الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ»
(أبو داود والنسائي وابن ماجة). ولابد من التفريق بين الغرفات والغسلات ،
فقد يغترف الواحد ثلاث غرفات من الماء ليغسل يده أو رجله مرة واحدة.
9-اعتقاد وجوب الثلاث
ومن الناس من يعتقد وجوب غسل الأعضاء ثلاثا في الضوء، وليس ذلك بواجب،
فيجوز الاقتصار على المرة الواحدة والمرتين، وكل ذلك ثابت عن النبي صلى
الله عليه وسلم، وثبت عنه أيضا المخالفة بين الأعضاء في عدد الغسلات (في
البخاري من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه مضمض واستنثر ثلاثا ثم غسل
وجهه ثلاثا ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين).
10-عدم إسباغ الوضوء
وأعظم أخطاء الوضوء عدم إسباغه، إذ حكم من لم يتم وضوءه بطلان الوضوء
والصلاة، روى مسلم عن عُمَر بْن الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا
تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفُرٍ عَلَى قَدَمِهِ فَأَبْصَرَهُ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ
فَرَجَعَ ثُمَّ صَلَّى. وعدم إسباغ الوضوء له عدة مظاهر منها:
-عدم غسل الكعبين.
-عدم غسل المرفقين بسبب ضيق الكمين.
-عدم غسل البياض الذي بين الأذن وشعر اللحية.
-عدم غسل كف اليد اليسرى مع اليد اليسرى.
-من يتوضأ وعليه بقع من الطلاء.
-وضوء المرأة وعلى أصابعها زينة تمنع وصول الماء.
-عدم تخليل أصابع الرجلين عندما لا يمر الماء بينها.
11-مسح الرقبة
ومن بدع الوضوء مسح الرقبة مع الرأس، قال النووي عن الحديث الوارد في ذلك:«حديث موضوع ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ».
12-إطالة الغرة والتحجيل
وكذلك لا تشرع المبالغة في غسل الوجه حتى يتعدى إلى منابت الشعر، ولا
المبالغة في غسل اليدين إلى العضد والرجلين إلى نصف الساق، وحسب المتوضئ أن
يشرع في العضد بحيث يستيقن من غسل المرفق، وأن يشرع في الساق بحيث يستيقن
غسل الكعبين.
13-التيمم لغير عذر
كثير من الناس يتساهل في التيمم فيتيمم لعذر ولغير عذر، ولا عذر معتبر إلا
عدم وجود الماء أو عدم وجود الكفاية منه، أو حصول الضرر باستعماله أو توقع
حصوله، أما التيمم لإدراك الجماعة أو صلاة الجنازة، أو لمجرد خوف خروج وقت
الصلاة فليس ذلك مما يبيح التيمم.
14-الدعاء عند كل عضو
ومن بدع الوضوء الدعاء عند غسل كل عضو بدعاء خاص، وكل ما ورد في ذلك كذب
مختلق على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي صح عن النبي صلى الله عليه
وسلم هو التسمية في أوله، والتشهد في آخره، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَا
مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبِغُ الْوَضُوءَ
ثُمَّ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ
الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ » (رواه مسلم).
15-إعادة الوضوء لمن ابتلي بالوسوسة
ومن
الأخطاء أن يعيد من ابتلي بالوسوسة في الوضوء وضوءه؛ كلما خيل إليه خروج
ريح أو نزول قطرة من البول …الخ، فإن ذلك يعد من طاعة الشيطان، وسببا
لتسلطه عليه وزيادة الوساوس حتى يمل ويترك العبادة ، والواجب على من ابتلي
بالوسوسة في الوضوء أن يبني على اليقين، وإذا جاءه الشيطان فقال:"انتقض
وضوؤك"، قال له:"اليوم أصلى بلا وضوء".
16-الجهل بموجبات الغسل
ومن الأخطاء المتعلقة بالطهارة الجهل بموجبات الغسل، فيظن أنه لا يوجبه
إلا خروج المني، فبعض الرجال يأتي زوجته فإذا لم ينزل المني لم يغتسل وربما
لم تغتسل زوجته أيضا، والتقاء الختانين وحده موجب من موجبات الغسل، قال
النبي صلى الله عليه وسلم : «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ
ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ »
(متفق عليه واللفظ لمسلم).
17-الجهل بموجبات الوضوء
وموجبات الوضوء على القول الراجح أربعة : الأول : ما خرج من السبيلين
مطلقا ، الثاني : النوم مطلقا، الثالث : مس الفرج مطلقا سوء كان بشهوة أو
بغير شهوة، الرابع : أكل لحم الإبل وشرب لبنها، وهذا الأخير كثير من الناس
يجهله وقد صح عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ
اللَّهِ e أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ قَالَ إِنْ شِئْتَ
فَتَوَضَّأْ وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَوَضَّأْ قَالَ أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ
الْإِبِلِ قَالَ نَعَمْ فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ » (رواه
مسلم).
18-النوم قاعدا يبطل الوضوء
السِّنة أو النعاس لا يبطل الوضوء، وأما النوم فسواء كان كثيرا أو قليلا،
وسواء كان في حالة الاضطجاع أو القعود أو غيرها من الهيئات، فهو مبطل
للوضوء، وكثيرا ما يقع التساهل في هذا، فقد ينام أحدهم وهو في الحافلة أو
في انتظار صلاة الصبح أو أثناء خطبة الجمعة، ثم يصلي من غير تجديد الوضوء،
وأدلة إيجاب الوضوء من النوم مطلقة منها قول صَفْوَان بْنِ عَسَّالٍ: «
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا
سَفَرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ
إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ » (رواه
أهل السنن وصححه الترمذي).
19-تأخير غسل الجنابة والحيض
كثير من الناس يؤخر غسل الجنابة حتى يخرج وقت الصلاة، وهذا خطأ ومخالفة
واضحة، لأن الله تعالى يقول : (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتا) (النساء: 103). والكلام نفسه يقال عن
المرأة إذا طهرت من حيضها.
20-أول صلاة تصليها إذا طهرت من الحيض
وإذا طهرت المرأة من حيضها في وقت صلاة مكتوبة فقد وجبت عليها، فلو طهرت
قبل خروج وقت الظهر بمقدار ركعة فقد وجب عليها أن تغتسل وتصلي الظهر، وكذا
لو طهرت قبل المغرب تغتسل وتصلي الظهر والعصر، لأن وقت الظهر الضروري يمتد
إلى غروب الشمس ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «مَنْ أَدْرَكَ
رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ
الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ
الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» (متفق عليه). وآخر دعوانا أن الحمد
لله رب العالمين.
الكاتب أبو عبد الله محمد حاج عيسى الجزائري