الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد ، فإنه مما هو معلوم أن من
الطرق المشروعة للتداوي "الرقية"، لكن بعض الناس قد يتجاوز الحدود الشرعية
في رقيته فيقع في بعض المحرمات والشركيات، ولما حلت كلمة الرقية بدل كلمات
السحر والشعوذة والكهانة، فإن كثيرا من السحرة والكهان أصبحوا يلقبون
أنفسهم بالرقاة ويتشبهون بأهل الرقية الشرعية تلبيسا على الناس،واستدراجا لهم لتلبية أغراضهم
الدنيئة ، وأمر الرقية مرتبط بالعقيدة والإيمان والكفر ، والناس محتاجون
إليه، لذلك وجب تقديم النصح لهم ببيان أهم المخالفات التي يقع فيها الرقاة،
التي بها يكتشفون هؤلاء السحرة والمشعوذين الانتهازيين الذين يتسمون كذبا
وزورا بالرقاة .
حكم التداوي
إن
التداوي أمر لا شك في مشروعيته، وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم :»ما أنزل الله داء إلا
أنزل له شفاء « رواه البخاري، والتداوي من الأسباب المأمور بها من أجل حصول
الشفاء، وذلك لا ينافي التوكل على الله تعالى، كما لا ينافيه دفع الجوع
والعطش بالأكل والشرب، ولا خلاف في جواز العلاج بالرقى إذا توفرت فيها
شروطها الشرعية، قال ابن حجر :» وقد أجمع العلماء على جواز الرقي عند
اجتماع ثلاثة شروط: أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته، وباللسان
العربي أو بما يعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل
بذات الله تعالى «. وفي ما يأتي بيان لبعض الأعمال والطرق التي لابد من
اجتنابها والحذر منها . الشركيات
أعظم
المخالفات في الرقية ما كان من جنس الشرك الذي لا يغفره الله تعالى ، وهو
عبادة غير الله تعالى محبة وتعظيما وخوفا ورجاء، قال عوف بن مالك كنا نرقي
في الجاهلية فقلنا يا رسول الله كيف ترى ذلك؟ فقال : أعرضوا علي رقاكم، لا
بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك « رواه مسلم. 1-الطلاسم والتمائم قال
النبي e :» إن الرقى والتمائم والتولة شرك «. رواه أبو داود وصححه
الألباني. والمقصود بالرقى الرقى الشركية، والتِّولة هو سحر المحبة،
والتمائم هي الحجب (الحروز) التي تكتب وتعلق، فإن كانت هذه الحجب بكلام غير
عربي أو غير مفهوم أو بالحروف المقطعة ، أو كان فيها استغاثة بأسماء
الملائكة أو الأنبياء فإن هذا شرك وكفر بإجماع أهل العلم، وأما إن كانت
مكتوبة من القرآن أو من الأحاديث، فهذه الصحيح أنها لا تجوز أيضا لعموم نهى
النبي صلى الله عليه و سلم عن تعليق التمائم، ولأن بعض المشعوذين يكتب القرآن وأسماء الله
تعالى بالدماء والنجاسات، فينبغي المنع من كل التمائم سدا للذريعة. 2-تعليق الحلق و» الخامسة « ومن
المظاهر الشركية في هذا الباب تعليق الخيوط والحلق والأوتار والأشواك وما
يسمى » الخامسة « ، ومن اعتقد أنها هي التي تشفيه (وتدفع عنه العين) فقد
وقع في الشرك الأكبر، ومن حسبها مجرد أسباب فقد وقع في الشرك الأصغر، قال
أبو بشير الأنصاري t كنت مع رسول الله r في بعض أسفاره فأرسل رسولا أن لا
يبقين في رقبة قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت « متفق عليه. 3-الذبح لغير الله تعالى والذبح
للجن ولأصحاب القبور من الشرك بالله تعالى، قال تعالى :] فَصَلِّ
لِرَبِّكَ وَانْحَرْ[ (الكوثر:2) وقال النبي r:» لعن الله من ذبح لغير الله
« رواه مسلم، والمشعوذ قد يصرح بذلك للمريض فيقول اذبح للجن حتى يدعك
ويرضى عنك، وقد لا يصرح ويسميها فدية أو عقيقة أو يزعم أن المقصود التمسح
بجلد الذبيحة أو الاستشفاء بعضو من أعضائها!!. 4-الاستعانة بالجن والاستعانة
بالجني لا تجوز سواء كان مسلما أو يدعي أنه مسلم ، لأن الاستعانة بالغائب
محرمة وهي إما شرك أكبر أو ذريعة إلى الشرك، وإنما تجوز الاستعانة بالحاضر
فيما يقدر عليه، وجاء في فتوى اللجنة الدائمة :» لا تجوز الاستعانة بالجن
في معرفة نوع الإصابة ونوع علاجها، لأن الاستعانة بالجن شرك ، قال تعالى :
]وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ
الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً[ (الجـن:6) وقال تعالى : ]وَيَوْمَ
يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ
الْأِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ
بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ
النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ
رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ[ (الأنعام:128) ومعنى استمتاع بعضهم ببعض أن الإنس
عظموا الجن وخضعوا لهم واستعاذوا بهم، والجن خدموهم بما يريدون وأحضروا
لهم ما يطلبون، ومن ذلك إخبارهم بنوع المرض وأسبابه مما يطلع عليه الجن دون
الإنس، وقد يكذبون فإنهم لا يؤمنون ولا يجوز تصديقهم« (انظر مطوية دار
الوطن رقم 94). 5-التخييل ومن
مظاهر الاستعانة بالجن التخييل وهو الكشف عن مكان السحر (ومن سحره أو
أصابه بالعين) بتغميض العينين، وهو أمر محرم، جاء في فتوى اللجنة الدائمة :
» لأنه استعانة بالشياطين، فهي التي تتخيل له في صورة الإنسي الذي أصابه،
وهذا عمل محرم لأنه استعانة بالشياطين، ولأنه يسبب العداوة بين الناس،
ويسبب نشر الخوف والرعب بين الناس«. 5-النشرة : حل السحر بالسحر وهذا
أمر لا يجوز قطعا لقول النبي e لما سئل عنها فقال هي من عمل الشيطان، ولأن
السحر في حد ذاته كفر، وهو محرم بالإجماع، وقال تعالى : ]وَلا يُفْلِحُ
السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى[ (طـه:69) فالسحر غير نافع لأن الله تعالى نفى عنه
الفلاح بإطلاق، وقال النبي صلى الله عليه و سلم : »من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما
أنزل على محمد صلى الله عليه و سلم«، رواه أبو داود وصححه الألباني ، والساحر مثل الكاهن أو
أشر منه. ومن مظاهر النشرة المنتشرة: استعمال البخور (الجاوي أو غيره)،
وتلطيخ المريض بالقطران أو الحلتيت، وصب الرصاص، والتسبيع بالبيض وكسره،
التسبيع بالملح وحرقه، الأمر بدفن بعض الأشياء، الأمر بتبييت عقاقير مقابلة
للنجوم قبل شربها، استعمال ماء البحر (سبعة أمواج). 6-ما يسمى القطع سبق
أن من شرط الرقية أن تكون بألفاظ مفهومة وبأسباب معقولة، أما ما يسمونه
بالقطع فهو في الغالب من الأعمال السحرية (مثل ما يسمى بالشبر، وتخطي
الحبال ، والتسبيع بالملح ، النوم على القصب والتعهد بعدم كسره ، رمي
الحشيش على رأس المريض) التي قد تصحب بتمتمات مجهولة، ومنه فلا يجوز
استعماله ولا الرجوع إلى أهله، ولا تصديق من يقول فلان عنده حكمة أو غير
ذلك ؟! المحرمات 1-التداوي بالحرام قال
ابن مسعود إن الله لم يجعل شفاؤكم فيما حرم عليكم، عن طارق بن سويد الجعفي
أنه سأل النبي e عن الخمر فنهاه أو كره أن يصنعها فقال إنما أصنعها للدواء
فقال إنه ليس بدواء ولكنه داء« رواه مسلم. وقال صلى الله عليه و سلم :» تداووا، ولا تداووا
بحرام « رواه أبو داود فالمحرمات حرمها الله تعالى لخبثها وعدم نفعها وكثرة
ضررها، فلا يناسب أن يطلب بها الشفاء، والعبد إذا علم تحريم شيء ساء ظنه
به، ومن شرط الشفاء بالدواء تلقيه بالقبول واعتقاد منفعته وما جعل الله فيه
من بركة الشفاء . ومن
المحرمات الشائعة أمر المريض بشرب الخمر أو الدماء المسفوحة، أو أكل
الميتة أو لحوم الذئاب والكلاب والقطط أو ما ذبح لغير الله تعالى، أو
التمسح بجلود الميتات والتلبس بالنجاسات وغير ذلك من الأمور التي تحريمها
معلوم من الدين بالضرورة . 2-لمس النساء والخلوة بهن ومن
المخالفات التي يقع فيها كثير من الرقاة الخلوة بالنساء ، وهو أمر غير
جائز، بل الواجب حضور وليها معها ، لأن الفتنة غير مأمونة ، وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم
:» ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان « رواه الترمذي وصححه
، ولا يجوز للمرأة أن تكشف للراقي عن شيء من جسمها غير الوجه والكفين . وقالت
اللجنة الدائمة :» لا يجوز للراقي مس شيء من بدن المرأة التي يرقيها لما
في ذلك من الفتنة ، وإنما هو يقرأ عليها بدون مس ، وهناك فرق بين عمل
الراقي وعمل الطبيب ، لأن الطبيب قد لا يمكنه العلاج إلا بمس الموضع الذي
يريد أن يعالجه، بخلاف الراقي فإن عمله هو القراءة والنفث ولا يتوقف على
اللمس «. 3-تكليم الجان وتكليم
الجني –وإن خلا عن الاستعانة به – أيضا ممنوع، كمن يسأله عن اسمه ودينه
ليدعوه إلى الإسلام، لما فيه من أذى للمريض الذي يتكلم على لسانه، ولأنه من
لعب الجني بالرقاة (يصرفهم عن القراءة)، فضلا عن أن الشيطان كذوب لا يحل
تصديقه. 4-فتح عيادة للرقية قال
الشيخ صالح الفوزان في كتاب السحر والشعوذة(93):» هذا لا يجوز لأن هذا
يفتح باب فتنة ويفتح باب احتيال للمحتالين ، …والتوسع في هذا يفتح شرا
ويدخل فيه من لا يحسن، لأن الناس يجرون وراء الطمع ويحبون أن يجلبوا الناس
إليهم، ولو بعمل أشياء محرمة ..ولا يقال هذا رجل صالح لأن الإنسان يفتن
والعياذ بالله«. 5-الرقية الجماعية هذا
العمل لا يشرع خاصة إذا كان دافعه هو تعجيل الربح وتكثيره، وفيه آفات
كثيرة منها: أن بعض المرضى يستحيي ولا يخبر بكل ما يشعر به، وأن بعضهم ممن
يكون مرضه نفسي قد يحاكي من يحضر معه الرقية من المصابين بالجن أو غيره
فيدلس حالته على الراقي، ومنها أن هذا قد يتسبب في صرع بعض المسحورين . 6-الضرب المبرح ثبت
عن النبي r ما يدل على جواز ضرب المصروع ضربا خفيفا كوكزه باليد أو
بالثياب، ولم يثبت عنه شيء فوق هذا، قال الشيخ محمد صفوة نور الدين:» ما
يفعله كثير من الناس من ضرب أو خنق أو كي أو إسراف في استخدام ذلك، يخرجون
بذلك عن الشرع الذي جاء، ولو كان الضرب هو المؤثر لكان النبي r يأمر من
يجلد المصروع لا من يرقيه « . تنبيهات 1-استعمال الماء والأعشاب الطبية لا
بأس بالقراءة على الماء أو العسل أو الزيت غيرها من الأدوية المباحة
والنفث فيها، لأن الله تعالى أودع فيها خواصا لتكون بمفردها أو باختلاطها
مع غيرها من الأدوية والرقى علاجا لمختلف الأمراض البدنية، انظر المنية في
أحكام الرقية (ص44) لشيخنا محمد علي فركوس. 2-محو الكتابة بالماء قال
الشيخ الفوزان (92):» أما أن يكتب القرآن على شيء طاهر كصحن أو ورق بشيء
طاهر ويغسل المكتوب ويسقي المريض، فقد رخص فيه بعض السلف مثل الإمام أحمد
….وتركه أحسن للاقتصار على ما ورد والله أعلم « . قال تعالى : ]والعصر إن الإنسان لفي خسر إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ]
الكاتب محمد حاج عيسى الجزائري