الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد : فمن واجب مبتغي الإصلاح أن
يكون ناصحا لإخوانه دالا لهم على الخير، وأن يحيي السنة ويكشف البدعة ويحذر
منها، وقد قال الإمام مالك رحمه الله: «لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح
به أولها »، ومن البدع المنتشرة في بلاد المسلمين البدع المتعلقة
بالجنائز، فرأيت أن أجمع أهم الأخطاء والمخالفات الرائجة خاصة في بلادنا،
عسى أن نرجع إلى سنة نبينا e ويصلح حالنا، ونظرا لكثرة البدع في هذا الباب
فقد نص العلماء على استحباب الوصية بأن يجهز ويدفن على السنة، قال النووي
رحمه الله : «ويستحب له استحبابا مؤكدا أن يوصيهم باجتناب ما جرت العادة به
من البدع في الجنائز، ويؤكد العهد بذلك ».
1-نعي الجاهلية
لا يجوز نعي الميت بما يشبه طرق الجاهلية بأن تُعلن وفاتُه في مجامع الناس
أو أبواب المساجد أو الجرائد، لحديث حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ:«إِذَا
مِتُّ فَلَا تُؤْذِنُوا بِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْيًا فَإِنِّي
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَنْهَى عَنْ
النَّعْيِ» (رواه الترمذي وصححه). قال العثيمين رحمه الله:«الظاهر لي أن
إعلان الموت في الجرائد بعد موت الإنسان والتعزية من النعي المنهي عنه».
أما إخبار الأقارب مباشرة أو بالهاتف ونحوه فيجوز ولا حرج فيه.
2-الجلوس للتعزية الأيام والليالي
قال العثيمين:« العزاء ليس محددا بمكان، بل حيث وجدت المصاب في المسجد في
الشارع في أي مكان تعزيه، وليس محددا بزمن أيضا؛ بل ما دامت المصيبة باقية
في نفسه فإنه يعزى، ولكن ليس على التعزية التي اعتادها بعض الناس؛ بحيث
يجلسون في مكان ، يفتحون الأبواب وينيرون الأضواء، ويصفون الكراسي، وما
أشبه ذلك، فإن هذا من البدع التي لا ينبغي للناس أن يفعلوها، فإنها لم تكن
معروفة في عهد السلف ».
3-ترك سنة المواساة وصنع الطعام لأهل الميت
قال ابن القيم رحمه الله :« وكان من هديه أن أهل الميت لا يتكلفون الطعام
للناس بل أمر أن يصنع الناس لهم طعاما يرسلونه إليهم وهذا من أعظم مكارم
الأخلاق والشيم والحمل عن أهل الميت فإنهم في شغل بمصابهم عن إطعام الناس
»، وصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لَمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ
رضي الله عنه قَالَ:«اصْنَعُوا لِأَهْلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَإِنَّهُ قَدْ
جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ » (أبو داود وابن ماجة والترمذي وصححه).
4-مآتم الثلاثة أيام والأربعين ونحوها
قال جرير رضي الله عنه :« كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعه الطعام بعد دفنه من النياحة» (ابن ماجة وصححه الألباني).
وسئل العثيمين عن الجلوس للعزاء ثلاثة أيام وإطعام المعزين :« حكم ذلك أنه
من إضاعة الوقت وإضاعة المال وإظهار البدعة»، وقول بعضهم من بات ليلة
الدفن فإنه لابد أن يبيت إلى اليوم الثالث، وأن روح الميت تأتي تزور البيت
فيه من الخرافات ومن عقائد النصارى الباطلة، ومثله تخصيص اليوم السابع
واليوم الأربعين بالوليمة فهي من البدع التي تقترن بها عقائد باطلة ، وقد
ذكر الألباني في بدع الجنائز :« اتخاذ الضيافة للميت في اليوم الأول
والسابع والأربعين وتمام السنة ».
5-الغفلة عن قضاء ديون الميت
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :« نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى
عنه» (رواه الترمذي وصححه الألباني). وأبى النبي صلى الله عليه وآله وسلم
أن يصلي على رجل وقال:« صلوا على صاحبكم»، حتى تحمل دينه أبو قتادة رضي
الله عنه .
6-قراءة القرآن على الميت
ومن البدع المنكرة التي لم يفعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا
السلف الصالح قراءة القرآن على الميت بعد موته وعند حمله ودفنه، قال
العلامة ابن باديس رحمه الله وهو يبين بدعية ذلك:« ومن المستحيل شرعا أن
يترك قربة مع وجود سببها بين يديه ، ثم يهتدي إليها من يجيء من بعده ،
ويسبق هو إلى قربة فاتت محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه والسلف
الصالح …ولا يكون الإقدام على إحداث شيء للتقرب به مع ترك النبي صلى الله
عليه وآله وسلم له مع وجود سببه إلا افتياتا عليه وتشريعا من بعده وادعاء
ضمنيا للتفوق عليه في معرفة ما يتقرب به والحرص عليه والهداية إليه، فلن
يكون فعل ما تركه والحالة ما ذكر من المباحات أبدا، بل لا يكون إلا من
البدع المنكرات».
فإن قيل المراد إهداء ثواب القراءة، قيل كي يصح هذا فلابد أن يكون العمل
خالصا لله تعالى وموافقا للسنة. وهذه القراءة لا إخلاص فيها ولا ثواب، لأن
القارئ يقرأ من أجل الأجرة ويشترطها نطقا أو عرفا، قال الشيخ مبارك الميلي
رحمه الله:« الواقع أن القارئ لولا الأجرة ما قرأ وأن ولي الميت لولا
القراءة ما أعطى القارئ شيئا ، وهذا الواقع هو ما نعلمه في أهل زماننا ».
وكذلك ليست موافقة للسنة لأنها قراءة في الأوقات التي يستحب فيها الصمت ،
لأنها في الغالب تكون قراءة جماعية، والبدعة لا ثواب فيها، لقول النبي e :«
من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » (متفق عليه) أي مردود غير
مقبول.
أما على مذهب مالك رحمه الله فإن الميت كما ينقطع عمله ينقطع الثواب عنه ، فلا يصح عنده إهداء الثواب مطلقا.
7-قراءة القرآن على القبر
ومن البدع التي لا أصل لها في السنة ولا عمل السلف قراءة يس على قبر الميت
وكذلك قراءة القرآن بعد الفراغ من الدفن، والثابت عن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم أنه كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال:« استغفروا لأخيكم،
واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل» ولم يرد عنه صلى الله عليه وآله وسلم
أنه كان يقرأ على القبر ولا أمر بذلك.
8-قراءة يس على المحتضر
ولا تشرع قراءة يس على المحتضر قبل أن يموت ، قال أشهب: سئل مالك عن قراءة
يس عند الميت فقال :« ما سمعت بهذا وما هو من عمل الناس » أي عمل السلف ،
أما حديث :«اقرءوا على موتاكم يس» -أي على المحتضرين- فضعفه غير واحد من
العلماء، قال الدارقطني:« ضعيف الإسناد مجهول المتن».
9-النياحة
ومن أخطر المخالفات الندب ورفع الصوت بالمصيبة وتمزيق الثياب ونتف الشعر،
قال صلى الله عليه وآله وسلم:« لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ
وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ » (متفق عليه )،
وقال صلى الله عليه وآله وسلم:« النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ
مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ (أي قميص)
مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ»(مسلم). وأما مجرد البكاء على الميت
فيجوز وقد بكى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبكى عليه أصحابه.
10-مجاوزة الحد في الإحداد
وقد أَمْهَلَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم آلَ جَعْفَرٍ ثَلَاثًا ثُمَّ
أَتَاهُمْ فَقَالَ: « لَا تَبْكُوا عَلَى أَخِي بَعْدَ الْيَوْمِ » (رواه
أبو داود والنسائي)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:« لَا يَحِلُّ
لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى
مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا » (متفق عليه).
11-تغطية النعش بما فيه آية الكرسي ونحوها
ومن المخالفات الواقعة تغطية النعش بما فيه آية الكرسي ونحوها، لأنه بدعة
ليس من عمل السلف، ولأن فيه نوع إهانة للقرآن الكريم، ولأن بعض الناس
يعتقد فيه النفع للميت وهذا اعتقاد فاسد.
12-الدفن في أوقات الكراهة
يكره الدفن في ثلاثة أوقات نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن
الدفن فيها، قال عُقْبَة بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه:« ثَلَاثُ سَاعَاتٍ
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ
فِيهِنَّ أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ
بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى
تَمِيلَ الشَّمْسُ وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى
تَغْرُبَ » (رواه مسلم).
13-تأخير الدفن لأجل حضور الأقارب
ولا ينبغي أن يؤخر دفن الميت من أجل حضور فلان وعلان من الأقارب لأنه خلاف
ما أمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال:« أَسْرِعُوا
بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا وَإِنْ
تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ » (متفق عليه)
اللهم إلا أن تكون مدة يسيرة كما لو انتظر به ساعة أو ساعتين وما أشبه ذلك.
14-رفع الصوت بالذكر
ولا يجوز اتباع الجنائز بالنشيد والذكر لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:
«لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار» (رواه أبو داود) ولقول قيس بن عباد :«كان
أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكرهون رفع الصوت عند الجنائز » (رواه
البيهقي). قال أبو سعيد بن لب المالكي:« إن ذكر الله والصلاة على رسوله
عليه السلام من أفضل الأعمال … لكن للشرع وظائف وقّتها وأذكار عينها في
أوقاتها ، فوضع وظيفة موضع أخرى بدعة وإقرار الوظائف في محلها سنة، وتلقي
وظائف الأعمال في حمل الجنائز إنما هو الصمت والتفكر والاعتبار، وتبديل هذه
الوظائف بغيرها تشريع ومن البدع في الدين»، وقال الونشريسي:«فإن السنة في
اتباع الجنازة الصمت والتفكر والاعتبار وهو فعل السلف، واتباعهم سنة
ومخالفتهم بدعة، وقد قال مالك:لن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه
أولها ».
15-الدعاء جماعيا بعد الدفن
ومن البدع الدعاء الجماعي بعد الدفن ، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال
لأصحابه استغفروا لأخيكم، ولم يأمهم في الدعاء، وكذلك ما يسمى بقراءة
الفاتحة يوم الدفن وعند الزيارة، فهو من البدع، قال الألباني: « فقول الناس
اليوم في بعض البلاد الفاتحة على روح فلان مخالف للسنة المذكورة فهو بدعة
بلا شك ».
16-الوعظ عند القبر (إلا للحاجة)
قال العثيمين :« أما الخطبة عند الدفن في المقبرة فلم يرد عن النبي e أنه
قام خطيبا يخطب الناس، وإنما ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انتهى
إلى المقبرة، والقبر لم يلحد بعد، فجلس وحوله أصحابه فجعل يحدثهم عن
الإنسان حين احتضاره وبعد دفنه، وكذلك كان قائما على قبر إحدى بناته وهي
تدفن فحدثهم عليه الصلاة والسلام، ولكن ليس بحديث قام فيه خطيبا أو واعظا
». والمقصود أن ذلك ليس من السنن التي يتعبد بها، أما إن فعل لحاجة اقتضته
وتذكير لابد منه فليس هو من المخالفات.
17-رفع القبور وتزيينها والكتابة عليها
نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن رفع القبور وبعث عليا رضي الله عنه
وأمره أن لا يدع قبرا مشرفا إلا سواه (رواه مسلم) ولكن يجوز رفعه قليلا
نحوا من شبر، لحديث جابر رضي الله عنه :« أن النبي e ألحد له لحد ونصب عليه
اللبن ، ورفع قبره من الأرض نحوا من شبر » (رواه ابن حبان).
ونهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يجصص القبر وأن يبنى عليه (رواه
مسلم). والنهي يدل على التحريم، إلا إذا دعت حاجة حفظ القبر من الضياع أو
الاعتداء عليه فلا بأس بما تحصل به الحاجة كتجصيص حوافه، وكذا تحرم الكتابة
عليها ، وزاد أبو داود في رواية :« أو يكتب عليه » إلا إذا دعت الحاجة
إليها، أعني كتابة الاسم فقط دون أن يصحبه مدح أو تأريخ ونحو ذلك.
بدع ومخالفات أخرى
18-وضع المصحف عند رأس المحتضر وتوجيهه إلى القبلة.
19-وضع سكين على بطنه بعد موته.
20-تغطية المرايا والثريات وقلب السجاجيد.
21-الجلوس
على القبور ووطؤها بالأقدام، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:« لَأَنْ
يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إِلَى
جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ » (رواه مسلم)
22-وضع الزهور والقرب والكؤوس على القبور.
23-قولهم فلان المغفور له والمرحوم وأنه في المثوى الأخير .
24-زيارة القبر في صباح اليوم التالي للدفن.
25-تأبين الميت ورثاؤه عقب الدفن وهذا من عادات الكفار .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.